#أحدث الأخبار مع #جبرانخليلجبرانالجريدة٢٦-٠٤-٢٠٢٥سياسةالجريدةما قل ودل: الإرساليات التبشيرية الحاضنة الثقافية والخدمية للاستعمار القديم (3)تناولت في مقال الأحد الماضي هذه الإرساليات كحضانة للاستعمار الثقافي القديم، وإن أنصفت رواد هذه الإرساليات من رهبان ومعلمين، فيما قدموه وخاصة في المشرق العربي من خدمات في التعليم والثقافة والخدمات الصحية، وضربت مثلاً بالقديسة تريزا الحاصلة على جائزة نوبل للسلام سنة 1979، للانفصام الكبير بين هؤلاء الرواد وبين القيادة المركزية للحركات التبشيرية المتحالفة مع الاستعمار، وهو ما كشف عنه أحد رهبان الحركة اليسوعية في كتاب له، على أن أتناول دور هذه الحملات التبشيرية كحاضنة ثقافية للاستعمار القديم في مقال اليوم. دور الإرساليات التبشيرية وقد كان دور هذه الإرساليات: 1 - التمهيد لنزول الأساطيل الاستعمارية العالم الجديد، بعد الاكتشافات البحرية، وجدير بالذكر أن بعض هذه الإرساليات كانت قد وفدت إلى المشرق العربي بسبب الامتيازات التي حصل عليها الاحتلال الأجنبي القادم، في ضوء أوضاع الإمبراطورية العثمانية المتردية من الدولة العثمانية في فترة ضعفها في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، بحيث سادت الثقافة الأجنبية للدول المصدرة لتلك الثقافة على شعوب آسيا وأفريقيا بوجه عام والوطن العربي بوجه خاص لتصبح أرضية صالحة لتقبل الاحتلال وبقائه لأطول مدة ممكنة وفي ظل الاغتراب العربي (الضياع) الذي خلفته هذه الإرساليات، وقد أفردت له مقالاً على صفحات الجريدة بتاريخ 16/2/2025، وهو ما ساعد كذلك على تكريس التبعية الاقتصادية للاحتلال الأجنبي بعد سقوط الإمبراطورية العثمانية، وما أوجد مجتمعات خاصة أو قبائل ثقافية، وقد بدا ذلك واضحاً في الحرب الأهلية اللبنانية في ظل التشريعات اللبنانية التي كانت امتداداً للتشريعات القديمة في عهد الانتداب الفرنسي. 2 - خلق كوادر من بين سكان المستعمرات الأصليين، تستطيع أن تعاون الاستعمار في تغلغله في كل مجالات التقدم والأنشطة وأن الأغلبية الساحقة لحكام لبنان وقادته كانوا من خريجي المدارس اليسوعية والجامعة اليسوعية، وهو ما حذر منه فيما تقدم الكاتب والأديب جبران خليل جبران. فكتب يقول: في سورية مثلاً كان التعليم يأتينا من الغرب بشكل الصدقة، وقد كنا ولم نزل نلتهم خبز الصدقة لأننا جياع متضورون، وكان أحياناً خيراً، لأنه أيقظ بعض مداركنا ونبه عقولنا قليلاً، وأماتنا شراً لأنه فرق كلمتنا، وأضعف وحدتنا، وقطع روابطنا، وأبعد ما بين طوائفنا حتى أصبحت بلادنا مجموعة مستعمرات صغيرة ومختلفة الأذواق، متضاربة المشارب، كل مستعمرة منها تشد في حبل إحدى الأمم الغربية، وترفع لواءها، وتترنم بمحاسنها وأمجادها، فالشاب الذي تناول لقمة من العلم في مدرسة أميركية تحول بالطبع إلى معتمد أميركي، والشاب الذي تجرع رشفة من العلم في مدرسة يسوعية صار سفيراً لبلده في فرنسا (فرنسياً)، والشاب الذي لبس قميصاً من نسيج مدرسة روسية أصبح ممثلاً لروسيا... إلى آخر ما هنالك من المدارس، وما تخرجه كل عام من الممثلين والمعتمدين والسفراء، وأعظم دليل على ما تقدم اختلاف الآراء وتباين المنازع في الوقت الحاضر في مستقبل سورية السياسي، فالذين درسوا بعض العلوم باللغة الإنكليزية يريدون أميركا وإنكلترا وصية على بلادهم، والذين درسوا باللغة الفرنسية يطلبون فرنسا أن تتولى أمرهم، والذين لم يدرسوا بهذه اللغة أو بتلك لا يريدون هذه الدولة ولا تلك، بل يتبعون سياسة أدنى إلى معارفهم وأقرب إلى مداركهم. (فتاوى كبار الكتاب والأدباء في مستقبل اللغة العربية، ونهضة الشرق العربي وموقفه إزاء المدنية الغربية - مجلة الهلال بمصر، سنة 1923، ص 36 – 37). جدير بالذكر أنه في الوقت الذي كانت أميركا اللاتينية على فوهة ثورة تقدمية عامة في الخمسينيات من القرن الماضي، فإن دور المثقفين في المجال السياسي كان غامضا، فهم بأغلبيتهم الساحقة أوروبيو الثقافة، بسبب الإرساليات الأوروبية، فلم يقوموا بالدور الطليعي لهم في هذه الثورة، لابتعادهم عن الجماهير ومشاكلها. 3 - السيطرة على العالم إن أخطر ما في أهدافهم هو السيطرة على العالم، كما قرر جيروم ماز الراهب البولندي في الحركة اليسوعية، في كتابه الهجائي لهذه الحركة، الذي تناولنا ما جاء به في مقال الأحد الماضي، ومن حوادث الاغتيال ومحاولات الاغتيال التي اتهم بها اليسوعيون، هنري الرابع وإليزابيث ملكة إنكلترا، وجوزيف الأول ملك البرتغال، وغليوم دورانح وغوستاف أدولف وابراهام لنكولن. إعادة الوعي إن غايتنا من هذا السرد للإرساليات التبشيرية للاستعمار القديم هي إعادة الوعي والتحذير من الغزو الثقافي الجديد الذي يصاحب الاستعمار الاقتصادي الجديد في ظل العولمة، وهو الفخ الذي نصب للدول النامية والدول المالكة للثروات الطبيعية والبشرية، والمتمثل في نشر ثقافة التنميط، (حضارة التكنولوجيا في الجامعات والمعاهد) التي بدأت تدخل الوطن العربي بكثافة، من خلال مشروعات استثمارية تنشئ جامعات لا يدخلها إلا الأغنياء للارتفاع الباهظ لرسومها، ومن خلال مستشفيات القطاع الاستثماري الأجنبي الذي بدأ يزحف على الوطن العربي، والتي تشتريها الاستثمارات الأجنبية لترفع تكلفة العلاج بها بشكل مبالغ فيه، الأمر الذي أدى في مصر إلى أزمة بين هذه المستشفيات وبين النقابات المهنية المتعاقدة معها، فلم يعد يدخلها أيضاً إلا المرضى الأغنياء، وسوف يكون من تداعياته تراجع وتخلف الرعاية الصحية للفقراء ومحدودي الدخل، وهو ما سنتناوله في مقالات عن الحضانة البديلة للاستعمار الجديد والتي ترتدي مسوح الرهبان.
الجريدة٢٦-٠٤-٢٠٢٥سياسةالجريدةما قل ودل: الإرساليات التبشيرية الحاضنة الثقافية والخدمية للاستعمار القديم (3)تناولت في مقال الأحد الماضي هذه الإرساليات كحضانة للاستعمار الثقافي القديم، وإن أنصفت رواد هذه الإرساليات من رهبان ومعلمين، فيما قدموه وخاصة في المشرق العربي من خدمات في التعليم والثقافة والخدمات الصحية، وضربت مثلاً بالقديسة تريزا الحاصلة على جائزة نوبل للسلام سنة 1979، للانفصام الكبير بين هؤلاء الرواد وبين القيادة المركزية للحركات التبشيرية المتحالفة مع الاستعمار، وهو ما كشف عنه أحد رهبان الحركة اليسوعية في كتاب له، على أن أتناول دور هذه الحملات التبشيرية كحاضنة ثقافية للاستعمار القديم في مقال اليوم. دور الإرساليات التبشيرية وقد كان دور هذه الإرساليات: 1 - التمهيد لنزول الأساطيل الاستعمارية العالم الجديد، بعد الاكتشافات البحرية، وجدير بالذكر أن بعض هذه الإرساليات كانت قد وفدت إلى المشرق العربي بسبب الامتيازات التي حصل عليها الاحتلال الأجنبي القادم، في ضوء أوضاع الإمبراطورية العثمانية المتردية من الدولة العثمانية في فترة ضعفها في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، بحيث سادت الثقافة الأجنبية للدول المصدرة لتلك الثقافة على شعوب آسيا وأفريقيا بوجه عام والوطن العربي بوجه خاص لتصبح أرضية صالحة لتقبل الاحتلال وبقائه لأطول مدة ممكنة وفي ظل الاغتراب العربي (الضياع) الذي خلفته هذه الإرساليات، وقد أفردت له مقالاً على صفحات الجريدة بتاريخ 16/2/2025، وهو ما ساعد كذلك على تكريس التبعية الاقتصادية للاحتلال الأجنبي بعد سقوط الإمبراطورية العثمانية، وما أوجد مجتمعات خاصة أو قبائل ثقافية، وقد بدا ذلك واضحاً في الحرب الأهلية اللبنانية في ظل التشريعات اللبنانية التي كانت امتداداً للتشريعات القديمة في عهد الانتداب الفرنسي. 2 - خلق كوادر من بين سكان المستعمرات الأصليين، تستطيع أن تعاون الاستعمار في تغلغله في كل مجالات التقدم والأنشطة وأن الأغلبية الساحقة لحكام لبنان وقادته كانوا من خريجي المدارس اليسوعية والجامعة اليسوعية، وهو ما حذر منه فيما تقدم الكاتب والأديب جبران خليل جبران. فكتب يقول: في سورية مثلاً كان التعليم يأتينا من الغرب بشكل الصدقة، وقد كنا ولم نزل نلتهم خبز الصدقة لأننا جياع متضورون، وكان أحياناً خيراً، لأنه أيقظ بعض مداركنا ونبه عقولنا قليلاً، وأماتنا شراً لأنه فرق كلمتنا، وأضعف وحدتنا، وقطع روابطنا، وأبعد ما بين طوائفنا حتى أصبحت بلادنا مجموعة مستعمرات صغيرة ومختلفة الأذواق، متضاربة المشارب، كل مستعمرة منها تشد في حبل إحدى الأمم الغربية، وترفع لواءها، وتترنم بمحاسنها وأمجادها، فالشاب الذي تناول لقمة من العلم في مدرسة أميركية تحول بالطبع إلى معتمد أميركي، والشاب الذي تجرع رشفة من العلم في مدرسة يسوعية صار سفيراً لبلده في فرنسا (فرنسياً)، والشاب الذي لبس قميصاً من نسيج مدرسة روسية أصبح ممثلاً لروسيا... إلى آخر ما هنالك من المدارس، وما تخرجه كل عام من الممثلين والمعتمدين والسفراء، وأعظم دليل على ما تقدم اختلاف الآراء وتباين المنازع في الوقت الحاضر في مستقبل سورية السياسي، فالذين درسوا بعض العلوم باللغة الإنكليزية يريدون أميركا وإنكلترا وصية على بلادهم، والذين درسوا باللغة الفرنسية يطلبون فرنسا أن تتولى أمرهم، والذين لم يدرسوا بهذه اللغة أو بتلك لا يريدون هذه الدولة ولا تلك، بل يتبعون سياسة أدنى إلى معارفهم وأقرب إلى مداركهم. (فتاوى كبار الكتاب والأدباء في مستقبل اللغة العربية، ونهضة الشرق العربي وموقفه إزاء المدنية الغربية - مجلة الهلال بمصر، سنة 1923، ص 36 – 37). جدير بالذكر أنه في الوقت الذي كانت أميركا اللاتينية على فوهة ثورة تقدمية عامة في الخمسينيات من القرن الماضي، فإن دور المثقفين في المجال السياسي كان غامضا، فهم بأغلبيتهم الساحقة أوروبيو الثقافة، بسبب الإرساليات الأوروبية، فلم يقوموا بالدور الطليعي لهم في هذه الثورة، لابتعادهم عن الجماهير ومشاكلها. 3 - السيطرة على العالم إن أخطر ما في أهدافهم هو السيطرة على العالم، كما قرر جيروم ماز الراهب البولندي في الحركة اليسوعية، في كتابه الهجائي لهذه الحركة، الذي تناولنا ما جاء به في مقال الأحد الماضي، ومن حوادث الاغتيال ومحاولات الاغتيال التي اتهم بها اليسوعيون، هنري الرابع وإليزابيث ملكة إنكلترا، وجوزيف الأول ملك البرتغال، وغليوم دورانح وغوستاف أدولف وابراهام لنكولن. إعادة الوعي إن غايتنا من هذا السرد للإرساليات التبشيرية للاستعمار القديم هي إعادة الوعي والتحذير من الغزو الثقافي الجديد الذي يصاحب الاستعمار الاقتصادي الجديد في ظل العولمة، وهو الفخ الذي نصب للدول النامية والدول المالكة للثروات الطبيعية والبشرية، والمتمثل في نشر ثقافة التنميط، (حضارة التكنولوجيا في الجامعات والمعاهد) التي بدأت تدخل الوطن العربي بكثافة، من خلال مشروعات استثمارية تنشئ جامعات لا يدخلها إلا الأغنياء للارتفاع الباهظ لرسومها، ومن خلال مستشفيات القطاع الاستثماري الأجنبي الذي بدأ يزحف على الوطن العربي، والتي تشتريها الاستثمارات الأجنبية لترفع تكلفة العلاج بها بشكل مبالغ فيه، الأمر الذي أدى في مصر إلى أزمة بين هذه المستشفيات وبين النقابات المهنية المتعاقدة معها، فلم يعد يدخلها أيضاً إلا المرضى الأغنياء، وسوف يكون من تداعياته تراجع وتخلف الرعاية الصحية للفقراء ومحدودي الدخل، وهو ما سنتناوله في مقالات عن الحضانة البديلة للاستعمار الجديد والتي ترتدي مسوح الرهبان.