أحدث الأخبار مع #جعفرحمزة


البلاد البحرينية
٣٠-٠٤-٢٠٢٥
- أعمال
- البلاد البحرينية
من النفايات إلى الاستثمار.. ما هو الطريق إلى الأمام؟
جعفر حمزة (استراتيجي علامة تجارية ومختص في التواصل المستدام) المساهمون: الدكتورة سمية يوسف (أستاذ مساعد في الهندسة البيئية بكلية التربية والدراسات الإدارية والتقنية في جامعة الخليج العربي) علي العلي (المبيعات والتسويق – evolve) محمد خليل (مؤسس مشارك – ECOMENA) أنت تساهم في إنتاج 1.2 مليون طن من النفايات الصلبة سنويًا في مملكة البحرين، مما يجعلها من بين أعلى الدول عالميًا في نصيب الفرد من إنتاج النفايات. أنت، وأنا، وكل من يعيش على هذه الجزيرة ننتج يوميًا ما بين 1.67 إلى 1.80 كيلوجرام من النفايات. ويزيد الإنتاج اليومي من النفايات البلدية عن 4,500 طن، مع ملاحظة أن نفايات الطعام تمثل نسبة كبيرة تصل إلى حوالي 60% من النفايات الصلبة [1] دعونا نواجه الأمر بشجاعة وشفافية: الحديث عن الاستدامة لم يعد ترفًا نظريًا أو زينة شكلية في التقارير السنوية للشركات. كما قال لي البعض، يتم تضمينها فقط لأن أعضاء مجالس الإدارة يريدون ركوب "موجة الاستدامة" دون فهم حقيقي لمعناها أو تطبيق فعلي لممارساتها المثلى، مما يجعلها مجرد "دعاية" أو "مجاراة للموضة" لا أكثر. الاستدامة بمعناها الحقيقي وتطبيقها العملي أصبحت خيارًا مصيريًا في عصر تتسارع فيه التحديات البيئية، وضغوط الموارد، وزيادة السكان، وارتفاع معدلات الاستهلاك، والتقلبات الجيوسياسية وتأثيرها على سلاسل الإمداد، إلى جانب صعوبات أخرى. وسط هذا كله، نؤمن أن للقطاع الصناعي دورًا محوريًا وفعالًا، شرط أن نبدأ بمراجعات مدروسة واستراتيجية، ونعمل بطريقة إبداعية ومتوازية مع توجه الحكومة نحو إدارة ملف الاستدامة بجدية وعملية. يمكن تحقيق ذلك عبر الانتقال الفعلي من نموذج الإنتاج الخطي (الاستهلاك ثم التخلص) إلى نموذج الاقتصاد الدائري الذي يعيد تعريف "النفايات" باعتبارها "موارد كامنة" قابلة للاستفادة منها. فهي رأس مال "مجاني" و"يومي"، والنموذج المطلوب هو: الإنتاج، التقليل، إعادة الاستخدام، وإعادة التدوير. في الاقتصاد الدائري، لا يُنظر إلى نهاية عمر المنتج كعبء، بل يتم إعادة تدويره أو إعادة توظيفه في دورة جديدة. وإدارة النفايات تعد من المفاتيح الأساسية لهذا التحول، خاصة في الدول التي تواجه ارتفاعًا في معدلات الاستهلاك ومحدودية الموارد. يركز الاقتصاد الدائري على ثلاث مراحل رئيسية لإدارة النفايات: التقليل، إعادة الاستخدام، وإعادة التدوير. ومن الضروري دمج المواد القابلة لإعادة التدوير بفعالية ضمن سلسلة الموارد والمنتجات. وعندما نتحدث عن نفايات البلاستيك وحدها، نجد أن البحرين تنتج 84,000 طن من نفايات البلاستيك سنويًا، إلا أن نسبة صغيرة جدًا يتم إعادة تدويرها. إذ تشير التقديرات إلى أن 94% من النفايات البلاستيكية تبقى ضمن الاقتصاد الخطي التقليدي، ولا يُعاد تدوير سوى 5% منها، مما يعكس التحديات الكبرى في إدارة هذه النفايات بفعالية [2[ إضافة إلى ذلك، تواجه البحرين تحديات تتمثل في محدودية الأراضي المخصصة لطمر النفايات، وانخفاض معدلات إعادة التدوير، حيث لا تتجاوز نسبة النفايات القابلة لإعادة التدوير 13.% ويُقدر أن الإنتاج السنوي للنفايات في البحرين يتجاوز 1.7 مليون طن، مع كون نسبة كبيرة منها مواد بلاستيكية صعبة التحلل، مما يشكل تحديًا بيئيًا وفرصة لإعادة التفكير في النظام الصناعي بالكامل. كل هذه الأرقام تقدم "فرصة ضخمة" ومحفزًا قويًا للتحول نحو الاقتصاد الدائري، مما يشجع على الاستثمار الحكومي والخاص في واحد من أهم القطاعات الحيوية: إعادة تدوير النفايات. ويمكن أن يشمل ذلك تحويل النفايات إلى أسمدة عضوية أو تحويل البلاستيك والمطاط إلى منتجات أخرى، فكل "منتج مهدور" يمكن أن يصبح "منتجًا مبتكرًا". على الصعيد الرسمي، هناك خطة موضوعة لمعالجة هذه التحديات: الاستراتيجية الوطنية لإدارة النفايات (NWMS)، والتي تم اعتمادها عام 2018. وهي خطة شاملة تهدف إلى معالجة قضايا النفايات في البحرين وتعزيز التحول نحو الاقتصاد الدائري، بما يشمل تعزيز استرداد الموارد وتقليل إنتاج النفايات منذ مراحل التصنيع الأولى، وتحويل بعض أنواع النفايات إلى طاقة باستخدام تقنيات متخصصة. ومن الجدير بالذكر أن وزارة شؤون البلديات والزراعة قد طرحت مناقصة في عام 2021 لمشروع منشأة لتحويل النفايات إلى طاقة، ومن المقرر اكتماله بحلول عام 2027. وستستخدم هذه المنشأة تقنيات مناسبة لفرز النفايات القابلة لإعادة التدوير وحرق الباقي بتقنيات صديقة للبيئة لتوليد ما يصل إلى 98 ميجاوات من الكهرباء. تركز الاستراتيجية الوطنية على إعادة تدوير ما يصل إلى 90% من النفايات البلدية المرسلة إلى مدافن النفايات، مما يجعلها قابلة للاستخدام عبر إعادة التدوير أو تحويل الجزء المتبقي منها إلى طاقة [3[ ولتحقيق إدارة مستدامة للنفايات، لا بد من تعزيز الشراكات بين القطاعين العام والخاص التي تركز على بناء البنية التحتية وتحسين الكفاءة التشغيلية في قطاع النفايات. كما أن دمج التقنيات الحديثة والحلول الرقمية يعد أمرًا حاسمًا لتسهيل عمليات تتبع النفايات وجمعها ومعالجتها، وضمان شفافية أفضل على طول سلسلة القيمة. وبالمثل، هناك حاجة ماسة لتغيير السلوك المجتمعي من خلال رفع مستوى الوعي وتعزيز الشعور بالمسؤولية الجماعية تجاه تقليل النفايات واعتماد الممارسات المستدامة. وبوصفها دولة إسلامية، يمكن للبحرين أن تستفيد من التعاليم الإسلامية التي توفر أساسًا أخلاقيًا قويًا للاستدامة. فالقرآن الكريم يصف الإنسان بأنه "خليفة" في الأرض (البقرة: 30)، مكلف بالحفاظ على توازنها. كما يؤكد مبدأ الوسطية (الاعتدال) في سورة الأعراف (7:31): "وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين." وتعزز السنة النبوية هذا النهج، مثل الحرص على استخدام أقل كمية من الماء أثناء الوضوء. وتدعم هذه القيم مبادئ الاقتصاد الدائري من خلال تقليل الهدر، وحماية الموارد، وضمان العدالة بين الأجيال. وفي مجتمع ترتكز قيمه على الإسلام، فإن مواءمة الاستدامة مع المبادئ الدينية يمكن أن تعزز تقبل الجمهور للتحول. كما يمكن للمساجد، وعلماء الدين، والمؤسسات المجتمعية أن تلعب دورًا فاعلًا في تحفيز دعم القواعد الشعبية لبرامج إعادة التدوير والحفاظ على الموارد والعيش الأخضر. كما تتيح مبادئ التمويل الإسلامي، التي تركز على الاستثمار الأخلاقي، فرصًا لابتكار أدوات مالية خضراء، مثل الصكوك لتمويل مشاريع البنية التحتية المستدامة. تفعيل الاقتصاد الدائري عبر ثلاث خطوات: 1. بالنسبة للسلع المنتجة محليًا، يجب تعديل مرحلة التصنيع الأولى لتقليل النفايات إلى أدنى حد، وفق معايير محلية تتماشى مع الاستراتيجية الوطنية لإدارة النفايات. 2. بالنسبة للمنتجات المستوردة، ينبغي وضع أنظمة لتقييم مدى قابليتها للدخول ضمن دائرة الاقتصاد الدائري، وضمان ألا تطغى المنتجات غير القابلة للتدوير على تلك القابلة للتدوير. فالنهاية الحتمية للمنتجات التقليدية ستكون مدافن النفايات، وهناك تحدٍ في توفير المساحات اللازمة لها، فضلاً عن تحدي طرق التخلص منها. 3. في الحالتين، نحتاج إلى مصانع تدوير سريعة ومبتكرة لتحويل كل منتج إلى منتج آخر مفيد، وتحويل الجزء المتبقي إلى طاقة نظيفة. وبذلك تستمر عجلة الاقتصاد الدائري، ولا تنتهي حياة المنتج بعد الاستخدام بل تنتظره حياة جديدة. بعض الخطط الواردة في الاستراتيجية الوطنية تشمل: إنشاء مرافق لإعادة تدوير مخلفات البناء والهدم، وتحويل النفايات الخضراء إلى سماد، وإعادة تدوير الإطارات. تطوير وتفعيل شراكات مع القطاع الخاص لتعزيز البنية التحتية، مثل إنشاء مرافق لإعادة تدوير مواد البناء وتحويل النفايات العضوية إلى أسمدة. لكن هذا الاتجاه يواجه عدة تحديات، منها: 1. تحديات متعلقة بالحوكمة والسياسات. 2. محدودية البنية التحتية. 3. العقبات الاقتصادية. 4. ضعف الوعي العام والمشاركة المجتمعية. 5. نقص البيانات والموارد. وفي هذا السياق، من المهم مناقشة النماذج المحلية الإيجابية، حتى وإن كانت في مراحلها الأولية، لدعمها وتوسيعها كنماذج تجريبية يمكن تطويرها وتنويعها وتوسيع نطاقها. ولا يمكن الحديث عن الاقتصاد الدائري دون الإشارة إلى دور مؤسسات التعليم العالي، خصوصًا الجامعات. وهنا تبرز جامعة الخليج العربي التي بذلت جهودًا واضحة في إبراز أهمية الاقتصاد الدائري، من خلال مشاركتها الفاعلة في المؤتمرات المتخصصة بإدارة النفايات. ومؤخرًا، احتفلت بتخريج الدفعة الرابعة من دبلومها المهني في إدارة النفايات، والتي ضمت 36 متخصصًا من السعودية والبحرين والإمارات، ممن يمثلون قادة المستقبل في القطاعات المرتبطة بالاستدامة وإدارة الموارد والاقتصاد الدائري. ويعكس هذا الحدث التزامًا خليجيًا رسميًا متزايدًا تجاه هذه القضية، ويرسم خارطة طريق مهمة لدفع عجلة الاقتصاد الدائري في منطقتنا. من النماذج الجديرة بالذكر أيضًا: شركة Evolve البحرينية، التابعة لمجموعة حاجي حسن العالي. خلال زيارتي الأخيرة لمعرض منتجات مجموعة حاجي حسن في سلماباد، أُتيحت لي الفرصة للاطلاع على كيفية دمج الإبداع مع الاستدامة. طورت Evolve خليطها الخاص من الخرسانة عالية الأداء (UHPC)، وهي تركيبة تعزز القوة والمتانة، وتفتح المجال أمام إعادة التدوير الذكي. من خلال دمج الخرسانة المعاد تدويرها ضمن تصاميم أثاثهم الخرساني المجوف، نجحوا في صنع قطع أخف وزنًا وأكثر متانة من البدائل التقليدية. والأكثر تميزًا هو دمجهم لحوالي 300 زجاجة بلاستيكية معاد تدويرها في تصميم مقعد واحد خارجي فقط، دون أن يؤثر ذلك على قوة الهيكل. بدأوا بتطبيق هذه التقنية بشكل محدود، لكن طموحهم هو توسيع استخدامها عبر مجموعتهم الكاملة من العناصر الحضرية. تُظهر هذه المقاربة أن إعادة التدوير ليست فقط إجراءً تفاعليًا، بل يمكن أن تكون استراتيجية استباقية تجمع بين المسؤولية البيئية والأداء الصناعي والابتكار التصميمي. تخيل حجم البلاستيك الذي يمكن تحويله إلى بنية تحتية حضرية مستدامة بدلًا من طمره أو حرقه. إنها ليست مجرد فكرة عن إعادة التدوير، بل حل ذكي بأربعة أبعاد: 1. البيئة: تقليل التلوث البلاستيكي. 2. الشركة المنتجة: دمج الابتكار والتوفير باستخدام النفايات كجزء من مواردها. 3. المستهلك النهائي: استخدام منتج صديق للبيئة مع متانة واستدامة للمنتج 4. الحكومة: دعم مباشر لسياسات الاقتصاد الأخضر والسعي لتحقيق الحياد الكربوني بحلول 2060، كما ذكرت المهندسة شوقية حميدان، الوكيل المساعد للخدمات البلدية [3] ولتعزيز هذه المبادرات، لا بد من توفير بيئة تشريعية وتنظيمية داعمة، عبر: وضع متطلبات تلزم المشاريع الكبرى باستخدام نسبة من المواد المعاد تدويرها. إطلاق مبادرات دعم وتمويل للشركات المبتكرة في مجال التدوير. تخصيص "نسبة صناعية" في المشاريع والمناقصات للشركات الصديقة للبيئة. إطلاق حملات توعية لرفع فهم الجمهور والمؤسسات بمزايا الاقتصاد الدائري. اليوم، الصناعة مطالبة بالخروج من نموذج الإنتاج الربحي الضيق إلى تفعيل الاقتصاد الدائري الذي يضمن أرباحًا مستدامة. فالاقتصاد الدائري ليس خيارًا تجميليًا، بل استجابة استراتيجية لعصر يتطلب إعادة تعريف العائد المالي، البيئي، والاجتماعي معًا. وقد توسع مفهوم "الصانع الفردي" (Prosumer) حتى أصبح عمليًا منتشراً، عبر أدوات وأساليب متنوعة، مثل: تحويل زجاجات المياه البلاستيكية إلى مواد أولية للطابعات ثلاثية الأبعاد، مما يتيح للأفراد عمل الكثير من المنتجات المنزلية البسيطة تحويل زيوت الطهي المستعملة إلى وقود حيوي منزلي، أو إعادة تدوير النفايات العضوية لإنتاج سماد طبيعي عبر أنظمة بسيطة داخل المنازل والمزارع. كل هذه النماذج تؤكد أن التحول إلى الاقتصاد الدائري لا يحتاج فقط إلى استثمارات ضخمة ومصانع كبيرة، بل يحتاج أيضًا إلى تمكين الأفراد، ودعم المشاريع الناشئة، وتحفيز الابتكار في إدارة الموارد. ختامًا، إن التحدي الذي يواجه مملكة البحرين في إدارة النفايات والتحول نحو اقتصاد دائري ليس مستحيلًا. بل هو فرصة استراتيجية لصناعة مستقبل مستدام اقتصاديًا، وبيئيًا، واجتماعيًا. الأمر يحتاج إلى إرادة حقيقية، تعاون فعّال بين القطاعين العام والخاص، واستنهاض لدور المجتمع بمختلف فئاته، مستندين إلى قيمنا الدينية والإنسانية، ومستثمرين في تقنيات المستقبل.


البلاد البحرينية
١٠-٠٣-٢٠٢٥
- ترفيه
- البلاد البحرينية
تمكين المعرفة يتجاوز الزمكان. كيف للفيزياء أن تلتقي بالثقافة؟
جعفر حمزة: لطالما سحرني بجاذبيته، وكأني أدخل في حفرة الأرنب كما يقولون، فيتغير المكان والزمان عندما تطأ قدماك المساحة المحيطة بمركز الشيخ ابراهيم بن محمد آل خلفية للثقافة والبحوث بالمحرق في مملكة البحرين. تفاصيل المكان الممزوج بين التراث والثقافة والفن، ذلك المزيج الفتّان، يجعلك تندمج فيه طوعاً، وتضع كل ما على كاهلك كل ثُقل، لتُفرغ كل حواسك لتجربة لا تراها إلا عند ذلك المركز لا سواه. وكم أخذ ذلك المكان بقلوب العاشقين للفكر والثقافة والتراث، فلا عجب أن يكون محل حط رحال المفكرين والباحثين والمثقفين والكتّاب والفنانين. قام أحد الإخوة بمشاركتي لمحاضرة ستُقام بهذا المركز، وما شدني عنوان المحاضرة: 'المظهر الجيد، ما هو دور إدارة العلامات التجارية في المنظمات الدولية، وخاصة في CERN ؟' للسيدة فابيان لاندوا، وهي المشرفة على تصميم هوية معهد 'CERN' وواضعة أُسس التواصل البصري الخاص بهذا المعهد. يكون التحدي مختلفاً للعاملين في مجال صناعة الهويات البصرية وكذلك الخائضين في مجال رسم الاستراتيجيات للعلامات عند الحديث عن مواضيع النخبة، لكن هذه المرة ليست نخبة المنتجات أو الخدمات، لكنما نخبة العلم والعلماء، وفي أحد أكثر حقول العلم تعقيداً، وهو 'فيزياء الجسيمات'. كانت تجول بخاطري عشرات الأسئلة، حول كيفية صناعة العلامة لمثل هكذا مشروع علمي، حتى دخلت في نفق الزمكان بعد المحاضرة، لتتكشّف لي عوالم جديدة كنت أقرأ عنها من قبل لاهتمامي بالعلوم، لكني كنت أقرب إليها هذه المرة بشكل مُذهل، وما زاد دهشتي، أن يكون كل ما رأيته يأتي من 'مركز مهتم بالثقافة والبحوث' في مدينة المحرق! فقد فتح المركز بُعداً آخر لامتداد تأثيره ليتعدى موضوع الفكر والثقافة لتدخل العلوم ضمن معادلة صناعة التغيير. رحلتي هناك كانت بمعية الدكتور المخضرم محمد مصطفى المدير العلمي للمركز ، وتخصصه فيزياء جسيمات أولية ، وهو من العلماء العرب القلائل ممن استفاد من أبحاثه مركز 'CERN'! فما هو مركز 'CERN'؟ 'CERN' واحد من مراكز الأبحاث الرائدة في العالم للفيزياء الأساسية، والذي تأسس في 1954 من قبل 12 دولة أوروبية، وعدد الأعضاء 22 دولة و6 دول أعضاء منتسبين. حيث يوفر مصادم الهادرون الكبير LHC في CERN البنية التحتية للعلماء لاكتساب معرفة أكثر عن أصغر مكونات المادة وتفاعلاتها، وأصل ومنشأ وتطور الكون. ويعمل فيه أكثر من 16 ألف عالم من أكثر من 110 جنسية مختلفة، ويعمل فيه حوالي 70٪ من علماء فيزياء الجسيمات في العالم، مع واحدة من أكبر المسارعات العلمية في تاريخ البشرية. مع استخدام أكثر الأدوات تعقيداً. لم يكن الأمر بالنسبة لمركز الشيخ ابراهيم متمثلاً في سمو الشيخة مي آل خليفة، مجرد استعراض لهذا المركز وما يهدف له، بل كان الأمر أكبر من ذلك بكثير، وهو تمكين المعرفة عبر الترابط مع أحد أكبر مراكز الأبحاث تعقيداً في العالم، وما يتبعه من رفع مستوى علمي هائل ومتقدم جداً على مستوى العالم. بوابة للتمكين المعرفي فعندما تتجول في معرض 'CERN' الثابت التابع لمركز الشيخ ابراهيم، لن تقتصر رحلتك على السفر عبر الزمان والمكان والعلوم فقط، مع حرفية في التقديم وجمال في الإخراج وذكاء في التجربة في ذلك المكان، إنما الأمر يتعدى لتمكين روّاد العلم من الطلبة في المدارس الثانوية والجامعة للالتحاق بالتدريب في مركز 'CERN' بذاته في فرنسا! يعد تعليم الباحثين جزءً أساسياً من تأثير 'CERN' على المجتمع، حيث يتم تسجيل أكثر من 2400 طالب دكتوراة ويتم الانتهاء من 600 رسالة دكتوراة كل عام. ونسبة الحصول على وظيفة لخريجي هذا المركز مرتفعة في شتى المجالات. لترى مسارات علمية جديدة رفع مستواها مركز الشيخ ابراهيم بالتعاون مع مركز 'CERN' من خلال مخرجات طلبة من البحرين، آتت أكلها بسرعة، من حيث عدد من تم ابتعاثهم وزيارتهم إلى هذا المركز، فضلاً عن إضافة نوعية من طلبة جامعة البحرين بالتعاون مع شركة ألبا في المساهمة ببناء رافعة كهربائية خاصة لأحد الأدوات الضخمة لمصادر الهادرون الكبير LHC! بطاقة الابتكار ونقل المعرفة من مركز 'CERN' تطور سيرن أحدث التقنيات في 18 مجالاً مختلفاً، من بينها: . ابتكار تقنية شاشة اللمس . من أكبر منتجي البيانات الضخمة في العالم WLCG، وذلك من التصادمات بطاقات عالية جداً . تطوير مسرعات خطية مصغرة للعلاج بالبروتون، لمعالجة الأورام . تطوير الماسح الضوئي PET المستخدم في التصوير الطبي . تطوير حساب جرعة الإشعاع الدقيق لأنظمة تخطيط علاج السرطان والتطبيقات الفضائية هذا فضلاً عن دورها في الجانب العلمي الاقتصادي بتطوير فيزياء الجسميات لتخزين البيانات وتحليلها، والتعاون مع شركات كبرى مثل Intel, Huawei , Oracle, Siemens إضافة إلى مساهمة مركز "CERN" في ريادة الأعمال عبر تسعة مراكز احتضان الأعمال BICs للمساعدة في استخدام تكنولوجيات سيرن المبتكرة من المفهوم التقني إلى واقع السوق في مجالات التكنلوجيا الحيوية وعلوم المواد. صناعة الأثر ما فجّر ذهولي هو قدرة مركز الشيخ ابراهيم على جلب هذه المعرفة وتمكينها لا بشكلها التقليدي عبر التعريف والتسويق لمركز 'CERN' من محاضرات فقط، وإنما استدامة معرفية من خلال بعثات وزيارات للعبة والدارسين والباحثين لهذا المركز العلمي الفريد من نوعه، ليكون الأثر ممتداً، وقطافه ناضجاً ونتائجه ملموسة، عبر تمكين الشباب البحريني من تلك المعرفة والتجربة ليزداد في رصيدهم، وقد حصل بعضهم على درجة دكتوراة وآخرين حصلوا على فرص للعمل في شركات عالمية. تجربة معرفية لا مثيل لها! نحن نتحدث عن أعقد العلوم من أكثر المراكز العلمية تقدماً في العالم، قد أفتتح معرضاً دائماً له في البحرين، لتكون البحرين أول دولة خليجية تقوم بذلك. ويمتد الأمر للتدريب والزيارات، كل ذلك تحت مظلة مركز الشيخ إبراهيم الذي يصنع خارطة معرفية تتعدى مساحته الجغرافية الصغيرة. ما يعمله مركز الشيخ ابراهيم هو تمكين معرفي بانتخاب ذكي وفريد لمجاله، مع فتح نفق الزمان للشباب البحريني والباحثين للانطلاق عبر بوابة هذا المركز بالمحرق إلى آفاق علمية لاكتشاف الكون من خلال علم متقدم وتقنية قلّ مثيلها في العالم، لرفع سقف الاستحصال العلمي عالياً جداً. وكأنّي أتخيل هذا المركز قاطرة بسرعة الزمن، تدعو الآخرين للحاق بركب العلوم والمعرفة، وتسريع وتيرة الاستفادة المثلى من هكذا مراكز علمية هائلة. كان دخولي دوماً لمركز الشيخ ابراهيم دخولي لحفرة الأرنب كما فعلت أليس في بلاد العجائب، إلا أن بعد محاضرة السيدة فابيان لاندوا، وزيارة مركز 'CERN' بمعية الدكتور الفريد محمد يوسف، فإن دخولي بعد ذلك لمركز الشيخ ابراهيم سيكون مثل دخول نفق الزمكان.