logo
#

أحدث الأخبار مع #جوديثباتلر

قراءة نقدية في أدب علويّة صبح: الجسد، الذاكرة، وتفكيك الخطاب الأبوي
قراءة نقدية في أدب علويّة صبح: الجسد، الذاكرة، وتفكيك الخطاب الأبوي

بديل

time١١-٠٥-٢٠٢٥

  • ترفيه
  • بديل

قراءة نقدية في أدب علويّة صبح: الجسد، الذاكرة، وتفكيك الخطاب الأبوي

بينما تتنفس المدنُ من تحت ركامها، وتنسج الحروبُ خيوطًا من الألم، هناك من يكتبُ جسدَها بدمٍ وحبرٍ، ويجعلُ من الذاكرةِ معركةً مفتوحةً، تصطخبُ فيها أرواحُ الأبطال المهزومين. في عالمها، حيث الكلماتُ ليست فقط أدواتٍ للبوح، بل سيوفٌ تقطعُ الخوف وتُشعلُ الحرية، تقف علويّة صبح، كعاشقةٍ للألم، كمناضلةٍ بالكلمات، لتعيدَ تشكيلَ العوالم من جديد. هي التي كتبتِ الذاكرةَ بلا مساحاتٍ ضائعة، ولا عيونٍ مغلقة؛ جسدٌ ينبضُ بين السطور، ذاكرةٌ تكتُبُ الحروبَ وتسترجعُ الحُلمَ. هنا، لا تُكتَبُ الرواية في إطاراتِ الزمان والمكان، بل في قلبِ الوجود نفسه، حيث يذوبُ الحبرُ في جسدِ الأنثى الذي لا يلين، ويصبحُ النصُّ أرضًا تُزرعُ فيها الأسئلةُ ولا تُجابُ، وتُسقى بالدموع التي لم تُعِفْها الذاكرة. كتبت علويّة صبح نساءً لا يسكنّ الظلال، بل يقتحمنَ النورَ بحضورهنّ، يحملنَ أوجاعَهنّ كراياتٍ، ويطوِّرنَ سردًا لا يَخضع للواقع بقدر ما يتجاوزه إلى ما هو أكثرُ حيويةً: أن تكتبَ الأنثى قصّتها بنفسها. في هذا المقال، سنسافرُ معًا عبر عوالم علويّة صبح، حيث لا تسرد الحكايةُ فقط، بل تندلعُ الأحداثُ من عمقِ الجسدِ والذاكرة، وتستدعي الأسئلةَ الكبيرة التي لا نهايةَ لها، لتظلّ مفتوحةً أمام كلّ من يجرؤ على أن ينظر إلى ما وراء السطور. تُعتبر علويّة صبح من أبرز الكاتبات العربيات اللواتي نجحن في تحويل الرواية إلى أداة للتفكيك الاجتماعي والثقافي، مستفيدةً من الكتابة النسوية التي تجسد فيها الجسد والذاكرة كمساحاتٍ مُنشئةٍ للمعنى. أعمالها الروائية، مثل 'نوم الأيّام' و 'مريم الحكايا' و 'دنيانا' و 'اسمه الغرام'، لا تتناول المرأة كما في الأدب التقليدي، بل تقدمها كفاعلةٍ في تشكيل التاريخ الثقافي والاجتماعي، بل والمقاومة الثقافية ذاتها. تُعتبر معالجة الجسد في كتابات صبح إحدى أهم النقاط التي تميز أعمالها الأدبية. ففي 'دنيانا'، يُصبح الجسد ليس مجرد مُتلقٍ للأحداث، بل هو نقطة انطلاق لفهم الهوية الأنثوية العربية في سياق الحرب والضياع الاجتماعي. الجسد الذي تطرحه صبح، ليس جسدًا ضحيّة أو موضوعًا للمتعة، بل هو حقلٌ مستباحٌ للقهر، وأداةٌ للمقاومة. الكاتبة تتعامل مع الجسد كفضاء معرفيّ، حيث يُصبح الوعي بالألم والندوب الجسمانية مُستودعًا للذاكرة الجمعية. في أعمالها، لا يُقدّم الجسد كجسد منفصل، بل كجزء من الكائن الذي يمرّ بتجربة القهر الثقافي والاجتماعي. هذا الجسد يحمل في طياته فترات من الألم والتحرر في آنٍ واحد. كما أنّه ليس مجرد وسيلة للتعبير عن الهويات أو القيود الجنسية، بل مساحة تساهم في تحطيم الجدران التي تقيمها العادات والتقاليد. في هذا السياق، يمكن ربط أعمال صبح بمقاربة جوديث باتلر حول الجسد بوصفه 'أداة للمعرفة والتفاعل مع السلطة'، حيث أنّ الجسد لا يكون فقط مجالًا للسيطرة والرقابة، بل يُصبح نقطة اشتباك مع القيم الاجتماعية المُهيمنة. صبح في هذا الإطار لا تكتفي بنقد الجسد التقليدي، بل تقدم لنا جسدًا يتحدث، يتجسد فيه الفعل الاجتماعي، ويصارع الظلم الثقافي. في رواياتها، توظف علويّة صبح الذاكرة كأداة رئيسية في سرد الأحداث، مُبدعةً آلية فنية تدمج بين الشخصي والجمعي. فمن خلال استحضار الماضي، لا تسعى فقط لاسترجاع الذكريات، بل لخلق نصوص تُمثل ردًّا على محو الهويات الجماعية، خاصة في ظل الصراعات والحروب. في 'مريم الحكايا'، نجد أن الذاكرة ليست مساحة للعيش في الماضي فقط، بل هي عملية بناء متواصلة، حيث تتداخل الذاكرة الخاصة مع الذاكرة الجماعية؛ فتجارب النساء الشخصية تصبح جزءًا من لحظات تاريخية شاملة، لتشكيل هويةٍ جديدة من خلال القراءة المُعاشة للذكريات. الذاكرة هنا ليست سلعة مستهلكة، بل هي كائن حي يعيد تشكيل ذاته بناءً على اللحظات الصادمة. الرواية تصبح في هذا المعنى سردًا لهدم البناء التقليدي للتاريخ الذي عادة ما يُعتمد على الخطاب الذكوري. استعادة الذاكرة في أعمال صبح هي وسيلة لتفكيك التاريخ الرسمي، الذي في الغالب يغفل التفاصيل النسائية. فهنا، تتحدّث البطلات عن الحروب والانكسارات، وليس كملحقات للسرد الذكوري، بل كصوت مركزي ينتزع الحق في التحدث عن الذات الجمعية. لذا، يمكن اعتبار كتابة صبح ذاكرة مُعاد تشكيلها، أكثر من كونها ذاكرة جماعية تقليدية، لتشكل رؤية أخرى للتاريخ المغمور بالعنف والتمثيل الزائف. تفكيك الخطاب الأبوي هو أحد المحاور التي تميز سرديات علويّة صبح. ففي 'اسمه الغرام'، تسعى صبح إلى تفكيك المفاهيم التقليدية المرتبطة بالأنوثة والرجولة، بما في ذلك التصورات الثقافية المتأصلة التي تحدد أدوار النساء في المجتمع. تبتكر الكاتبة شخصيات نسائية متعددة الأبعاد، يتم تحريرهن من قبضة الأيديولوجيات السائدة التي تسجنهن في أدوار النمطية. إنّ حضور الشخصيات النسائية في رواياتها ليس في إطار التقليدي للمرأة المطيعة أو المُطيّبة، بل تمثّل هذه الشخصيات نساءً يتنقلن بين الأدوار الاجتماعية، ولا يعترفْن بالأيديولوجيات التي تلزمهن بتقليد صورة المرأة التقليدية. هذا التمرد على الخطاب الأبوي في أعمالها يسير جنبًا إلى جنب مع التخلص من الصوت الراوي الأوحد، الذي عادة ما يُقيد الحرية السردية. الروايات تتعدد فيها الأصوات لتسمح للمجتمعات المهمشة بتقديم تفسيرها الخاص، بعيدًا عن تصورات السلطة. أعمال علويّة صبح تُعدّ محوريّة في الأدب العربي المعاصر، ليس فقط لما تطرحه من قضايا اجتماعية وسياسية تتعلق بالمرأة، بل لأنّها تُعيد ترتيب العالم من خلال لغة جديدة، فيها الجسد والذاكرة يتناغمان مع السرد ليقدما نصًّا يتحرّر من التقاليد الأدبية السائدة. بينما يُظهر الجسد في سردها تحوّلات اجتماعية وذاتية، تساهم الذاكرة في إعادة تعريف الهويات السياسية والجماعية. إضافة إلى ذلك، فإنّ تفكيك الخطاب الأبوي في رواياتها يُنقض تمامًا النسق الاجتماعي الذي يهمّش المرأة ويحصرها في أطر ضيقة. صباحًا، ستظلّ أعمال علويّة صبح تتحدّث عن الأنثى التي كانت في ظلّ الرجل، والتي خرجت الآن لتروي تجربتها الخاصة من خلال ألسنة الحروف، مُتحديةً بذلك كلّ الأسوار الثقافية والاجتماعية التي سعت لتقييدها.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store