أحدث الأخبار مع #جورجلوكاش


الوطن
١٥-٠٤-٢٠٢٥
- ترفيه
- الوطن
الرواية التاريخية الملفقة والفجوة بين الأجيال
لم يخطئ الناقد المجري جورج لوكاش حين وصف الرواية بأنها «ابنة المدينة»، فالرواية الجيدة إما أن تدور أحداثها في أرجاء المدينة أو في أمكنة افتراضية ترمز للمدينة. وصف لوكاش للرواية قد يتفق نسبيا مع قولنا إن الرواية ابنة عصرها ولا يمكن لها أن تكون تاريخية. لأكن أكثر تحديدا وأقل إن الرواية ابنة جيلها، فالكاتب الجيد حين يشرع في كتابة روايته وبناء عالمه وشخصياته فإنه يستحضر ذاكرته الشخصية، بمعنى أنه يؤسس عالمه الروائي من خلال عالمه الحقيقي المعاش. ويبدأ بتصدير الشخصيات والسلوكيات والأماكن من عالم الحقيقة إلى عالم الخيال. وبما أن الرواية نشأت مع نشوء المدن الصناعية وغالب الروائيين عاشوا وسط أرجاء المدن الكبرى فوصف الرواية بأنها «ابنة المدينة» وصف دقيق للغاية. الرواية هي أنسب جنس أدبي لنقل إحساس المدينة الحديثة ومن يسكنها، ومعظم الروايات الخالدة عبر التاريخ كانت انعكاسا للمدينة والعلاقات الإنسانية فيها. فكيف بكاتب يعيش في بيروت أو القاهرة ويكتب رواية تدور أحداثها في عصر المماليك والتتار ويصنع شخصيات رواية تنتمي لروما القديمة؟ الكاتب هنا سيضطر لكتابة أحداث تلفيقية، يرقع الحوارات ويمزج الحاضر بالماضي في هجين اجتماعي ينتج عنه بلا أدنى شك رواية ملفقة لا تعكس حقيقة عصر الفراعنة ولا عصر روما وقرطاجة. دائما ما يرتبط إبداع الروائي بمعرفته المتعمقة بالمدينة ونفاذه إلى أسرار الشارع وحديثه بلغة خاصة بالمدينة، فكل ما يكتبه نتيجة للذاكرة الحسية كما رأتها العين وسمعتها الأذن ونقلتها الجوارح، فالكاتب الجيد ينقل علاقات إنسانية مبعثرة من حياته الخاصة، والكاتب نفسه موجود بشكل أو بآخر في عالم الرواية وأبطال روايته هم مزيج من شخصيات حقيقية عاش معها واقعا وشاهدها بأم عينه. ومن هنا يمكن القول إن الرواية ابنة المدينة وكذلك هي ابنة جيلها، فالروائي الجيد يكتب عن جيله وعن أبناء جيله لأنه يعرفهم تمام المعرفة، فهو راصد جيد لديناميكية المجتمع ويعرف ما يدور داخله معرفة نفسية معمقة، ومعرفته العميقة بالمجتمع اكتسبها من تجربته الحسية لا اعتمادا على المراجع التاريخية المعتمدة، فالروائي ابن المدينة البار الذي يستطيع نقل هموم أهلها وتطلعاتهم. فلكل جيل سماته الفريدة التي لا يمكن لها أن تكون مشتركة مع الأجيال السابقة أو اللاحقة، فالروائي صاحب الرواية التاريخية لا يراعي قضية في غاية الأهمية وهي «الفجوة بين الأجيال» أو «مشكلة الأجيال» وأهم مظاهرها سوء الفهم والتوتر في العلاقات بين الأفراد المنتمين لأجيال مختلفة الذي ينتج عنه تأثر علاقات العمل والصداقة والحب والأبوة باختلاف الأجيال. فالرجل الذي عاش جيلا معينا لا يستطيع فهم سلوك جيل أبنائه وأحفاده، والروائي الجيد لا يكتب عن جيل قديم لا يفهمه فكل جيل يتأثر بسياقه التاريخي والاجتماعي الذي يسبب اختلاف وجهات النظر وأساليب التعامل، فكيف يمكن للروائي أن يكون صادقا وأمينا في كتابته عن جيل عاصر بناء الأهرامات أو جيل آخر عاصر سقوط الأندلس والحروب الصليبية؟ الروائية التاريخية لا تراعي قضية اختلاف الأجيال والفجوة الناتجة عن تعاقب الأجيال الذي ينتج عنه اختلاف في المواقف والقيم وردود الأفعال مما يجعل نمط حياة الجيل القديم غير مفهوم للجيل الجديد والعكس، فالجيل القديم لا يستطيع محاكاة الجيل الجديد في طريقة الملبس وأسلوب الأكل، ونوعية الهويات ما ينتج عنه صراع يعرف بصراع الأجيال وهو صراع طبيعي نتيجته سوء الفهم. وهنا نوجه سؤالنا الطبيعي لكاتب الروايات التاريخية: كيف استطعت بناء عالم روائي متكامل واستوعبت حياة وسلوك الجيل الذي عاصر حروب القائد المغولي جنكيز خان؟


ساحة التحرير
٢٨-٠٣-٢٠٢٥
- ترفيه
- ساحة التحرير
البعد الاجتماعي في النقد الأدبي!عدنان عويّد
البعد الاجتماعي في النقد الأدبي! د. عدنان عويّد: إنّ الأديب الحقيقي الملتزم الواقعي, شاعراً كان أو قاصاً أو روائيّاً, لا يفصل الحالة الأدبيّة التي يشتغل عليها عن الحالة الاجتماعيّة التي تحيط به أو ينشط داخلها, لما بينهما من ترابط عضوي، وتشابك يصل إلى حدّ التماهي، إنّ الأديب يظل جزءاً لا يتجزّأ عن محيطه ممثلاً في أسرته ومجتمعه وأمته ووطنه, فهو ظاهرة اجتماعيّة بامتياز, تنطلق من المجتمع لتصبّ فيه، وهو جزء من تراثها في مرحلة اجتماعيّة معيّنة عبر التاريخ, في الوقت الآخر هو جزء أيضاً من ماضيها ومؤسس بالضرورة لمستقبلها أيضاً، وهو طاقة تعكس حال المجتمع في تحوّلاته المستمرّة، في حياته وحركيّته… والأديب إضافة لكونه هكذا, أي هو صورة المجتمع, فدوره لن يقتصر على تصوير الواقع وقضايا فحسب, بل عليه أيضاً أن يعمل على تنميته وتطويره من خلال إظهار عوامل تخلفه ورسم الحلول لتجاوز معوقات تخلفه. وما التنوّع الإبداعي في القضايا التي يتناولها الأديب بشكل عام, إلّا دلالة على عمق التجربة التي مر بها هذا الأديب، ورمزيتها الرؤيويّة. من هنا تأتي واقعيّة الأدب وتأثيره وذاتيّته وثوريته والتزامه بقضايا الفرد والمجتمع والإنسان عموماً. إن الأديب الواقعي لملتزم هو ليس المنغرسّ في تربة وطنه فحسب, بل وفي تراث أمته، ولكنّه في الوقت ذاته، هو منفصل عن تراث أمته نسبيّاً, وما انفصاله هنا إلا من أجل إعادة تأويل واستلهام هذا التراث بما يتفق وروح العصر. من خلال تعرفنا على مناهج النقد الأدبي الحداثيّة وبخاصة (السياقيّة) منها, وهي المناهج التي تدرس العوامل الخارجي المحيطة بالكاتب التي تؤثر فيه عند كتابته لنصه الأدبي, مثل المنهج التاريخي الذي يهتم بالأحداث والوقائع التاريخيّة. والمنهج النفسي الذي يعتمد على آليات علم النفس في دراسة النص, ويهتم بنفسيّة المبدع وعقده النفسيّة إن توفرت, والمنهج الوصفي والمنهج النسوي ومنهج النقد الثقافي وغيرها, أو المناهج ما بعد الحداثيّة (النسقيّة) منها وهي المناهج التي اهتمت بالبنية الداخليّة للنص فقط, وأهملت العوامل الخارجيّة المحيطة بالنص, كالبنيويّة التي قالت بموت المؤلف, وعدم الاهتمام بمولده أو تاريخ حياته أو بنيته النفسيّة, ويقوم الناقد أو المتلقي بدراسة النص من خلال لغته فقط وليس كوسيلة تواصل, وهذا ما يدفع الناقد في هذا المنهج للبحث عن جماليّة النص. فالتركيز على اللغة نجده أيضاً في المنهج التفكيكي, ومنهج التلقي, وعند المنهج الشكلاني الروسي .. الخ, فكل هذا المناهج (النسقيّة) عملت على دراسة العمل الأدبي لذاته, والاشتغال على نظريّة الأدب للأدب, أو الفن للفن. فمن خلال اطلاعنا كما ذكرت على جوهر هذا المناهج تبين لي أن أفضل المناهج التي يجب علينا دراسة النصوص الأدبيّة بكل تجلياتها وخاصة في مجال النثر والشعر, هو المنهج الواقعي الذي بينا في دراسة سابقة لنا طبيعة هذا المنهج وسماته وخصائصه وأهدافه, وخاصة في تياره الاجتماعي الذي جاءت نظريّة أو منهج الانعكاس لـ'جورج لوكاش' لتضفي عليه حيويته عندما ربط ما بين البناء التحتي والفوقي وطبيعة العلاقة الجدليّة بينهما. هذا مع تأكيدنا على ضرورة الاتكاء على المناهج النقديّة الأخرى, فهي ليست عديمة الفائدة في آليّة عملها وسماتها وخصائصها وأهدافها, ففيها جوانب جيدة قادرة على إغناء المنهج الواقعي الاجتماعي, وليست مسألة اللغة كعلامات وإشارات ورموز سواء أكانت طبيعيّة لا يتصرف الانسان فيها, كصوت الحيوانات أو عناصر الطبيعة، أو الاصوات الدالة علي التوجع والألم وغير ذلك. أم كانت هذه العلامات اصطناعيّة أوجدها الإنسان نفسه للتعبير عن حاجاته وتداولها في اللغة اليوميّة المباشرة, أي في اللغة التقريريّة, أو اللغة الأدبيّة وما تحمله هذه اللغة الأدبيّة من جماليات البلاغة كالانزياح والتشبيه والاستعارة والصورة والرمز .. وغير ذلك. وبالتالي أستطيع القول إن اللغة بكليتها هي علامات أو أصوات راحت تدل على كل مفردات الحياة. فللفن لغته وما تحمل من دلالات, وكذلك الفلسفة والطب والعلوم الطبيعيّة والاجتماعي وغير ذلك. إن المناهج التي فيها ما يعانق الواقعيّة الاجتماعيّة برأيي هي أداة لإثراء القراءات النقديّة, وهي أنموذج أنسب لتصور قراءة الداخل والخارج (المضمون والشكل) قراءة دقيقة لبنية النص الشعري والنثري ونسيجهما… قراءة تتطلب بالضرورة تفكيك أو تشريح بنية النص, لا لهدم بنيته العامة وإقصاء العوامل الخارجيّة التي أنتجته من أجل خلق قراءات لا حدود لها عند المتلقي الذي ارتبط بالنص بعيدا عن المؤلف وظروف حياته التي ساهمت في إنتاج هذا النص, بل هي عملية تفكيك لبنية النص للبحث عن المستوي الاجتماعي والدلالي والنحوي والرمزي والأسطوري، والتركيبي، والصوتي والايقاعي والجمالي في هذا النص. إذاً إنّ العلاقة بين الأدب والمجتمع علاقة قويّة متماسكة كما بينا أعلاه، لا يمكن فصلها؛ إذ إن أيّ أديب مهما بلغ من الشهرة لا يمكن أن ينتج أدباً إلاّ في إطار الجماعة التي يعيش معها. وهو يستمدّ تجربته الذاتيّة من هذا المجتمع، وتتولد انفعالاته من خلال شبكة العلاقات الاجتماعيّة في مواقفها المتعددة، تلك التي تمدّه بدفق المشاعر والانسياب الشعري بشكل خاص. وبناءً على ذلك تعد دراسة الجانب الاجتماعي عند أديب ما، هي في غاية الأهميّة؛ لأنها تكشف عن علاقة الأديب بالواقع الاجتماعي الذي عايشه، من خلال النظر إلى النصّ الأدبي الذي أنتجه، وهذا النوع يعتمد على المنهج الاجتماعي في كشف تلك العلاقات بين الأديب وبيئته الخاصة المتصلة بأسرته ومكان سكنه، ومكونات المجتمع الذي يعيش فيه. وقد تأثر النقاد العرب المحدثون بهذا المنهج الاجتماعي، ونظروا إلى النص الأدبي بوصفه وثيقة اجتماعيّة مهمة، وأن المجتمع هو المنتج الفعلي للأعمال الإبداعيّة، فالقارئ حاضر في ذهن الأديب وهو وسيلته وغايته في آن واحد؛ لأن الأدب في أي بلد هو انعكاس للصورة الاجتماعية التي يمارسها المجتمع بكل فئاته. (1)، تنوع الخصائص الاجتماعيّة في البعد الأدبي: نظراً لارتباط الأدب بالوجود الاجتماعي, فإن هناك تعدداً في خصائص أو مفردات البعد الاجتماعي في مضمون الأعمال الأدبيّة, حيث تشمل نـساءً ورجالاً، وأطفالاً وشيوخاً ينتمون إلى مهن متنوعة ومكانات اجتماعيّة وعلميّة مختلفـة, مثلما نجد فيها أحداثاً وتناقضات وصراعات سياسيّة وثقافيّة واجتماعيّة طبقيّة, وهناك حرب وسلم.. الخ. وكل هذه المفردات تشكل المنطلقات الموضوعيّة والذاتيّة للأديب, وغالباً ما يتشابك العديد من هذه المفردات مع بعضها في نطاق عمل إبداعي اجتماعي ضيق, يرصده لنا الأديب من خلال نافذته الخاصـة التي يطل من خلالها على واقعه, وهي تختلف من أديب لآخر. وبالرغم من أن هذه الخصوصيّة لهذا العمل أو ذاك, إلا أن هذه الخصوصيّة التي يقدمها الأديب عن أي ظاهرة اجتماعيّة لا تـتم بمعزل عن بقيّة عناصر المجتمع أو خصائصه، وإنما تظل مرتبطة بالضرورة مع غيرها من الخصائص بشكل مباشر أو غير مباشر، وهنا يأتي التأكيد على التزام الأديب مـن خلال تفاعله مع وسطه الاجتماعي الذي يتحرك فيه. وبهذا يتم التعرف علـى موقـف الأديب عن طريق ربطه بالنسيج العام الذي يتداخل معه والحكم عليه مـن خـلال هـذا التداخل. (2). البعد التاريخي والوطني والقومي في الأدب: – البعد التاريخي: إن الأديب بشكل عام لا يكتب التاريخ أو يدون الأحداث والوقائع الماضية ليكون أدبه سجلا لأحداث التاريخ كي لا تنساه الذاكرة, وإنما يأتي التاريخ هنا حصيلة وعي إبداعي تتداخل فيه خبرات متعددة للكاتب، ومن ثمة لا يكون التاريخ هو المحور والغاية، ولكنه إطار لأحداث كثيرة تكشف عن الهموم والقضايا التي تشغل ذهنية الأديب . لذلك فإن القضايا التاريخيّة التي يشتغل عليها الأديب في نصه شعراً كان أو قصة أو رواية, هي تحيل إلى الماضي بصفته مرجعيّة للذات المبدعة, تستمد منه انشغالات متعددة الأبعاد يحتاج إليها المبدع، وتعمل على إثراء وإغناء النص الإبداعي من جهة, والمتلقي وهو يتأمل تلك اللمسات يجد فيها علاقات معبرة عن صور شتى ترسم ملامح الحاضر في اندماجه مع الماضي في أشكال فنيّة رائعة, تختلف عن السياق التاريخي الجاف الذي يسرد الأحداث بطريقة تخلو من ملامح انعكاس الذات على الماضي في تلونها وتشكلها عبر مسارات تعلو وتنخفض تنكسر وتنحني تستقيم وتتعرج من جهة ثانيّة. وعلى هذا الأساس يأتي التاريخ في النص الأدبي لحظة تأمل في زمن سادته انكسارات وأوهام وضعف وقوة ورقي وحضارة، إن النص الأدبي يستمد القوة والجماليّة من الأبعاد التاريخيّة التي يتجاوز بها الأديب عند تناولها النمطيّة، فالشعر الحداثي مثلاً حين يوظف ملامح التاريخ المتجلية في الخرافة والأسطورة والشخصيات والأحداث الدينية والسياسية والاجتماعية, فإنه يهدف إلى بناء نص شعري جديد يتصف بالحداثة والجماليّة، ويستطيع المتلقي أن يدرك الأهداف التاريخيّة أو العودة إلى الماضي في تشكيلة من الإبداع تنأى عن الأسلوب التاريخي النمطي الذي يتناوله المؤرخ. إن ينطبق على البعد التاريخي من قضايا اشتغل عليها النص الأدبي كما بينا أعلاه, ينطبق أيضاً على البعد الوطني والقومي والإنساني عموماً. إن ' الشخصيّة الإنسانيّة التي يشتغل عليها الأديب لا تقتصر حدودها على التجربة الفرديـّة أو الاجتماعيّة أو الوطنية والقومية, وإنمـا تمتـد أيضاً لتستوعب التجربة الإنسانيّة عموماً. كاتب وباحث من سوريا. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الهوامش: 1- العقاد، عباس محمود، دراسات في المذاهب الأدبية والاجتماعية، مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة، القاهرة، 2012م. ص15. 2- نقد الرواية في الأدب العربي : أحمد إبراهيم الهواري، القاهرة ، دار المعـارف ، د/ط ، ٩٩٣م. صـ.٢٦٧. بتصرف 2025-03-28 The post البعد الاجتماعي في النقد الأدبي!عدنان عويّد first appeared on ساحة التحرير.