logo
#

أحدث الأخبار مع #جوسلينالبستاني

لا تعبثوا مع "Daddy"
لا تعبثوا مع "Daddy"

صوت لبنان

timeمنذ 2 أيام

  • سياسة
  • صوت لبنان

لا تعبثوا مع "Daddy"

د. جوسلين البستاني - نداء الوطن غالبًا ما يُستخدَم مُصطلح "Daddy" في الخطاب الإعلامي الأميركي لِوصف نمط الهيمنة الأدائية الذي يتبنّاه دونالد ترامب، ورفضه التساهل إزاء التحدّيات التي تواجه سياساته. وقد تجلّت هذه الهيمنة في العبارة التي أشار إليها مازحًا الأمين العام لحلف شمال الأطلسي، مارك روته، بقوله: "على الأب أن يستخدم أحيانًا لغة قويّة"، مُلمِّحًا بذلك إلى الضغوط التي مارسها ترامب على حلفاء الناتو لزيادة الإنفاق الدفاعي. وفي هذا السياق، يتصوّر ترامب السياسة الخارجية كتسلسل هرميّ تكون فيه الولايات المتحدة، بزعامته، في موقع القمّة، مع التأكيد على أنّ قوتها تكمن في الهيمنة وليس الدبلوماسية. هذا المنطق بالتوازي مع قرار الكونغرس HR 2297، يحكم إدارته الملف اللبناني. وقد نصّ القرار المُشار إليه على أنّ "الحكومة الأميركية تُطبّق سياسة صارمة في عدم تقديم تنازلات تجاه "حزب اللّه"، باعتباره منظمة إرهابيّة أجنبيّة مسؤولة عن مقتل أميركيين، ولن يحصل "الحزب" على أيّ مشاركة دبلوماسية أو مزايا أو إعانات مالية حتى ينزع سلاحه بالكامل، وينبذ العنف، ويخضع لِسلطة الدولة اللبنانيّة. وقد تمّ التأكيد على هذا المبدأ في جلسات الاستماع التي عقدها الكونغرس، والتشريعات التي أصدرها الحزبان الجمهوري والديمقراطي، مثل قانون منع التمويل الدولي لـ "حزب اللّه" لعام 2015". من جهة أخرى، لم يُخفِ ترامب انحيازه لأهداف إسرائيل الإلغائية تجاه "حزب اللّه"، ولم يدّعِ الحياد كما فعلت إدارات أميركية سابقة. وقد شهد الخطاب الصادر عن مراكز الأبحاث المُقرّبة من إدارته تحوّلًا لافتًا، من لغة الردع التقليدية إلى تبنّي مفردات "القضاء الاستراتيجي" على القدرات العسكرية لـ "حزب اللّه". مع العلم أن التنسيق مع إسرائيل عبر القنوات الخلفيّة قد انطلق فعلًا، كذلك التعاون الاستخباراتي الموسّع. ومن المفارقات اللافتة، أن الضربة التي وجّهها ترامب ضد إيران جعلت احتمال نزع سلاح "حزب اللّه" أكثر بُعدًا على المدى القصير. فهذا السلاح لا يزال يُمثّل أحد أعمدة الموقف الدفاعي الإيراني، حتى ولو رمزيًّا. كما أسهمت الضربة في تأجيج عقلية الحصار داخل طهران، ورسّخت في أذهان قادتها ضرورة التمسّك بالأصول غير المُتماثلة. فبالنسبة لِطهران، يُمثّل "حزب اللّه" آخر أدوات الردع الموثوقة، حتى وإن كانت فعاليّته آخذة في التآكل، واقع تُدركه جيّداً إيران. ومع ذلك، فإنّ رفض طهران التخلّي عن سلاح "حزب اللّه" ينبع من قناعة راسخة بأنّ تقديم هذا التنازل قد يفتح الباب أمام مشروع أوسع يستهدف تغيير النظام. ولأنّ الضربة ضد إيران كشفت عن استعداد ترامب لاستخدام القوّة الساحقة حين تتعثّر الدبلوماسية، رأى مراقبون في مهمّة توم برّاك تكرارًا لنمط مألوف: الضغط أوّلًا، يتبعه التصعيد عند الحاجة. ويبدو أنّ الجدول الزمنيّ الضيّق الذي قيل إن مهمته محصورة ضمنه، يعكس قناعة لدى الإدارة بأنّ فرص الدبلوماسية محدودة، وأنّ الهدف من هذه الخطوة هو ترسيخ شرعيّة إجرائيّة تُمهّد لدعم مُحتمل لأيّ تحرّك عسكريّ إسرائيليّ. وتُشير التقارير الصادرة عن الاجتماعات الداخلية في البيت الأبيض إلى أنّ الموقف اللبناني "المُعرقل"، يخضع لفيتو يفرضه "حزب اللّه"، لا سيّما أن الردّ الرسميّ على المُقترح الأميركي جاء مُنتهكًا عرضها المشروط. وعلى الرغم من إشادة برّاك بهذا الردّ، إلّا أنّ الإشارات الرسمية من الإدارة الأميركيّة ظلّت غائبة. ولم يكن هناك أي مؤشر علنيّ على أنّ ترامب أيّد أداء مبعوثه الدبلوماسي، ما ترك تقييم المهمّة خاضعًا للتأويل. ويُمكن تفسير صمت الإدارة بأنه ناتج عن موقف وزارة الخارجية ومجلس الأمن القومي المنزعج من لهجة برّاك، التي ساهمت في إضفاء الشرعية على "حزب اللّه"، من خلال الاعتراف العمليّ بمكانته في السياسة اللبنانية. وهو ما اعتُبر تقويضًا للسياسة الأميركية الرسميّة، لا سيّما أنه وصف مسألة نزع السلاح بأنها شأن لبنانيّ، لا أولوية أمنيّة عالميّة. في هذه الأثناء، تستمرّ إسرائيل بتنفيذ عمليات استباقية، في حين يواصل "حزب اللّه" مسار التسلّح. وقد ذكرت تقارير استخباراتية نقلتها صحيفة هآرتس الإسرائيلية في 10 تموز 2025، إلى أن مسؤولين أميركيين أبلغوا إسرائيل، قبيل تنصيب ترامب في كانون الثاني 2025، بأنهم يتوقعون التزامًا بوقف إطلاق النار، وسمحوا لها ضمنًا بالاحتفاظ بخياراتها العسكرية في حال عدم امتثال "حزب اللّه". وقد فُسّر ذلك بحسب تحليل صادر عن معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، على أنه تمهيد لاحتمال التصعيد العسكري عند الضرورة، وهو ما يبدو أنه يتحقّق تدريجيًا. بالتالي، يبقى الخيار المُستبعد أن ينزع "حزب اللّه" سلاحه "طوعًا". أما في ما يخصّ فشل مهمة برّاك، ومع أنّ ترامب لم يتطرّق إليه علنًا، يبدو أن إدارته قد ضاقت ذرعًا بالغموض الدبلوماسي الذي تبديه السلطات اللبنانية، والتي إن لم تتحرّك، فسيُفسح المجال أمام إسرائيل لإنهاء المهمة بمباركة واشنطن. ألم يؤكد ترامب مرارًا حقّ إسرائيل المُطلق في الدفاع عن نفسها، واصفًا "حزب اللّه" بالتهديد الوجودي، ومُحذّرًا الدولة اللبنانية من عواقب وخيمة إذا لم تنزع سلاحه بالكامل؟ في المحصّلة، لم يعد نزع سلاح "حزب اللّه" مطروحًا للنقاش. "Daddy" رسم الخطوط الحمراء، وعلى الجميع الامتثال.

بري و'الحزب': تحالف تحوّل إلى تجربة فرانكنشتاين
بري و'الحزب': تحالف تحوّل إلى تجربة فرانكنشتاين

صوت لبنان

time٠٨-٠٧-٢٠٢٥

  • سياسة
  • صوت لبنان

بري و'الحزب': تحالف تحوّل إلى تجربة فرانكنشتاين

كتبت جوسلين البستاني في 'نداء الوطن': في 19 حزيران 2025، تسلّم لبنان، بوساطة أميركية، خارطة طريق لنزع سلاح 'حزب اللّه'، مقابل انسحاب إسرائيلي وحوافز اقتصادية. حيال ذلك، لم يُعلن 'حزب اللّه' صراحةً عن نيّته التجاوب مع شروط نزع السلاح، لا بل أكّد بعض قادته تمسّكهم به. كما أنّ الإعلان عن 'استعداده للمناقشة' جاء في إطار التفاوض الاستراتيجي، لا في سياق الإذعان. أمّا الرئيس برّي، فلم تصدر عنه تصريحات جديدة تناقض آخر تصريح علنيّ له، الذي أدلى به في 25 نيسان الماضي، حين شدّد بحزم على أنّ 'حزب اللّه' لن يسلّم سلاحه ما لم تنفّذ إسرائيل التزاماتها بموجب اتفاق وقف إطلاق النار بالكامل. وقد نفى الرئيس بري مؤخّرًا ما تداولته وسائل الإعلام بشأن تصريحاته حول سلاح 'حزب اللّه'، واصفًا إيّاها بـ 'الفبركات الإعلامية الكاذبة'. بذلك، ومنذ نيسان الماضي حتى اليوم، اقتصر دوره على دبلوماسية الكواليس، من دون الإدلاء بأي تصريحات إعلامية تؤكد موقفه. ولا توجد أيّ تغطية تُشير إلى تأييده تسليم سلاح 'حزب اللّه' دون قيد أو شرط. يبدو أنّ صمت الرئيس بري في ما يتعلّق بقضية سلاح 'حزب اللّه' هو صمت استراتيجي بامتياز. إنّه فعل متعمّد يندرج ضمن سياق المُعايرة السياسية، ويُشكّل موقفًا محايدًا موقتًا هدفه الحفاظ على وحدة الصفّ الشيعي في ظلّ عملية دبلوماسية هشّة للغاية. من جهته، ينظر 'حزب اللّه' إلى الرئيس بري كأداة سياسية أساسية؛ فصمته الحذر ومناوراته المؤسّساتية يمنحانه هامشًا استراتيجيًا: للمماطلة، أو لإعادة التموضع من دون التراجع العلنيّ. في الوقت نفسه، ومن شبه المؤكّد أنّ أي محاولة لإضعاف 'حزب اللّه' أو نزع سلاحه ستؤدي تلقائيًّا إلى إضعاف الرئيس بري. فمن دون سلاح 'حزب اللّه' وعضلاته السياسية، سيواجه ضغوطًا محلية ودولية أكثر جدّية للتنحّي أو للسماح بإجراء إصلاحات حقيقية. ولأنه سيّد سياسة حافة الهاوية والمماطلة، فقد أدرك الرئيس بري، كما قال يومًا كبير موظفي البيت الأبيض السابق، الديمقراطي رام إيمانويل، أنّ 'الأزمة الخطيرة لا تُهدَر هباءً'. ومن هنا، طالبت حركة 'أمل' التي يرأسها بـ 'ضمانات مشدّدة'، وركّزت على ضرورة تطبيق ما لم يُنفّذ من اتفاق الطائف، لا سيّما البنود الإصلاحية، وفي مقدّمها: إنجاز قانون عصري للانتخابات النيابية خارج القيد الطائفي، إنشاء مجلس شيوخ وتشكيل الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية السياسية. لكن، هل طُبِّقت كلّ الإصلاحات الأخرى المنصوص عليها في الدستور، ولم يتبقَّ سوى بند إلغاء الطائفية السياسية؟ أم أنّ هذه المطالبة تمثّل مغالطة منطقية هدفها الإلهاء، وتوجيه الجدال نحو مسار مختلف لا صلة له بالموضوع الأساسيّ؟ بغضّ النظر عن الأهداف الكامنة وراء ذلك، فإنّ تكتيكات الرئيس بري التقليدية، من الغموض الاستراتيجي، إلى التخريب الإجرائي، وصولًا إلى الاعتدال الخطابي الخالي من المضمون السياسي، لم تعد مجدية في ظلّ تغيّر مشهد السياسة الخارجية. ولم يعد بإمكانه التصرّف كما لو أن قواعد اللعبة القديمة لا تزال سارية، حتى لو أراد ذلك. في الواقع، فإنّ هذه الاستراتيجية التي خدمته لعقود باتت مرفوضة بشكل متزايد، خصوصًا في ظلّ احتمال اندلاع حرب شاملة. فهل سيتمكّن، ولو على مضض، من انتزاع تنازلات من 'حزب اللّه' في هذا الشأن؟ لنعد إلى عام 1992، حين عمل الرئيس بري على إعادة تشكيل الساحة السياسية اللبنانية، وقد تضمّنت استراتيجيّته آنذاك تمكين 'حزب اللّه' كجزء من خلق توازن سياسي داخلي. لكن ومع مرور الوقت، تمكّن 'حزب اللّه'، الذي كان يُنظر إليه في البداية كقوة مضادة مُسيطر عليها، من تحقيق مستوى من الاستقلالية المؤسّسية. فوسّع من قدراته العسكرية ونفوذه السياسي، إلى أن أصبح فعليًّا بمثابة دولة موازية داخل الدولة اللبنانية. وكما يُجسّد وحش فرانكنشتاين الأخطار غير المتوقّعة للابتكار غير المضبوط، فإنه يُسلّط الضوء أيضًا على معضلة أساسية في السياسة: فكلّما زاد تمكين قوةٍ ما لتحقيق هدف معيّن، ازداد خطر أن تعمل لاحقًا بشكل مستقلّ، وبطرق قد تُقوّض الأهداف ذاتها التي كان من المفترض أن تخدمها. من نواحٍ عديدة، يمكن النظر إلى التحالف السياسي الطويل الأمد بين الرئيس بري و 'حزب اللّه' على أنه تجربة فرانكنشتاين؛ أي أنها شراكة محكومة، انطلقت بضوابط محسوبة، لكنها انحرفت في نهاية المطاف عن مسارها، لتتحوّل إلى تهديد يتجاوز من أطلقها الذي لم يعد بمقدوره كبح جماحها، حتى لو أراد ذلك. والآن، تطالب خارطة الطريق الأميركية الدولة اللبنانية التي كان الرئيس بري أحد أهمّ أركانها بتفكيك ما سمحت له بالنموّ سابقًا. لكن، وكما هو الحال مع وحش فرانكنشتاين، لا يمكن ببساطة تفكيك 'حزب اللّه' من دون عواقب. وكما كشفت الغطرسة العلمية في رواية ماري شيلي، فإن قرار تمكين 'حزب اللّه' أهمل احتمال أن تخرج هذه القوة عن السيطرة. ومحاولة التراجع بالإكراه، قد لا تؤدي إلّا إلى إعادة إنتاج مأساة الرواية: مواجهة بين الخالق والمخلوق، تنتهي بانهيار الاثنين معًا. وفي ضوء ذلك، لا يكمن التحدّي فقط في نزع السلاح، وهي فكرة مرعبة لأولئك الذين بنوا هويتهم حول أوهام معيّنة، بل في المهمة الأعمق: استعادة سيادة الدولة من دون التسبّب في انهيارها.

بري و'الحزب': تحالف تحوّل إلى تجربة فرانكنشتاين
بري و'الحزب': تحالف تحوّل إلى تجربة فرانكنشتاين

IM Lebanon

time٠٨-٠٧-٢٠٢٥

  • سياسة
  • IM Lebanon

بري و'الحزب': تحالف تحوّل إلى تجربة فرانكنشتاين

كتبت جوسلين البستاني في 'نداء الوطن': في 19 حزيران 2025، تسلّم لبنان، بوساطة أميركية، خارطة طريق لنزع سلاح 'حزب اللّه'، مقابل انسحاب إسرائيلي وحوافز اقتصادية. حيال ذلك، لم يُعلن 'حزب اللّه' صراحةً عن نيّته التجاوب مع شروط نزع السلاح، لا بل أكّد بعض قادته تمسّكهم به. كما أنّ الإعلان عن 'استعداده للمناقشة' جاء في إطار التفاوض الاستراتيجي، لا في سياق الإذعان. أمّا الرئيس برّي، فلم تصدر عنه تصريحات جديدة تناقض آخر تصريح علنيّ له، الذي أدلى به في 25 نيسان الماضي، حين شدّد بحزم على أنّ 'حزب اللّه' لن يسلّم سلاحه ما لم تنفّذ إسرائيل التزاماتها بموجب اتفاق وقف إطلاق النار بالكامل. وقد نفى الرئيس بري مؤخّرًا ما تداولته وسائل الإعلام بشأن تصريحاته حول سلاح 'حزب اللّه'، واصفًا إيّاها بـ 'الفبركات الإعلامية الكاذبة'. بذلك، ومنذ نيسان الماضي حتى اليوم، اقتصر دوره على دبلوماسية الكواليس، من دون الإدلاء بأي تصريحات إعلامية تؤكد موقفه. ولا توجد أيّ تغطية تُشير إلى تأييده تسليم سلاح 'حزب اللّه' دون قيد أو شرط. يبدو أنّ صمت الرئيس بري في ما يتعلّق بقضية سلاح 'حزب اللّه' هو صمت استراتيجي بامتياز. إنّه فعل متعمّد يندرج ضمن سياق المُعايرة السياسية، ويُشكّل موقفًا محايدًا موقتًا هدفه الحفاظ على وحدة الصفّ الشيعي في ظلّ عملية دبلوماسية هشّة للغاية. من جهته، ينظر 'حزب اللّه' إلى الرئيس بري كأداة سياسية أساسية؛ فصمته الحذر ومناوراته المؤسّساتية يمنحانه هامشًا استراتيجيًا: للمماطلة، أو لإعادة التموضع من دون التراجع العلنيّ. في الوقت نفسه، ومن شبه المؤكّد أنّ أي محاولة لإضعاف 'حزب اللّه' أو نزع سلاحه ستؤدي تلقائيًّا إلى إضعاف الرئيس بري. فمن دون سلاح 'حزب اللّه' وعضلاته السياسية، سيواجه ضغوطًا محلية ودولية أكثر جدّية للتنحّي أو للسماح بإجراء إصلاحات حقيقية. ولأنه سيّد سياسة حافة الهاوية والمماطلة، فقد أدرك الرئيس بري، كما قال يومًا كبير موظفي البيت الأبيض السابق، الديمقراطي رام إيمانويل، أنّ 'الأزمة الخطيرة لا تُهدَر هباءً'. ومن هنا، طالبت حركة 'أمل' التي يرأسها بـ 'ضمانات مشدّدة'، وركّزت على ضرورة تطبيق ما لم يُنفّذ من اتفاق الطائف، لا سيّما البنود الإصلاحية، وفي مقدّمها: إنجاز قانون عصري للانتخابات النيابية خارج القيد الطائفي، إنشاء مجلس شيوخ وتشكيل الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية السياسية. لكن، هل طُبِّقت كلّ الإصلاحات الأخرى المنصوص عليها في الدستور، ولم يتبقَّ سوى بند إلغاء الطائفية السياسية؟ أم أنّ هذه المطالبة تمثّل مغالطة منطقية هدفها الإلهاء، وتوجيه الجدال نحو مسار مختلف لا صلة له بالموضوع الأساسيّ؟ بغضّ النظر عن الأهداف الكامنة وراء ذلك، فإنّ تكتيكات الرئيس بري التقليدية، من الغموض الاستراتيجي، إلى التخريب الإجرائي، وصولًا إلى الاعتدال الخطابي الخالي من المضمون السياسي، لم تعد مجدية في ظلّ تغيّر مشهد السياسة الخارجية. ولم يعد بإمكانه التصرّف كما لو أن قواعد اللعبة القديمة لا تزال سارية، حتى لو أراد ذلك. في الواقع، فإنّ هذه الاستراتيجية التي خدمته لعقود باتت مرفوضة بشكل متزايد، خصوصًا في ظلّ احتمال اندلاع حرب شاملة. فهل سيتمكّن، ولو على مضض، من انتزاع تنازلات من 'حزب اللّه' في هذا الشأن؟ لنعد إلى عام 1992، حين عمل الرئيس بري على إعادة تشكيل الساحة السياسية اللبنانية، وقد تضمّنت استراتيجيّته آنذاك تمكين 'حزب اللّه' كجزء من خلق توازن سياسي داخلي. لكن ومع مرور الوقت، تمكّن 'حزب اللّه'، الذي كان يُنظر إليه في البداية كقوة مضادة مُسيطر عليها، من تحقيق مستوى من الاستقلالية المؤسّسية. فوسّع من قدراته العسكرية ونفوذه السياسي، إلى أن أصبح فعليًّا بمثابة دولة موازية داخل الدولة اللبنانية. وكما يُجسّد وحش فرانكنشتاين الأخطار غير المتوقّعة للابتكار غير المضبوط، فإنه يُسلّط الضوء أيضًا على معضلة أساسية في السياسة: فكلّما زاد تمكين قوةٍ ما لتحقيق هدف معيّن، ازداد خطر أن تعمل لاحقًا بشكل مستقلّ، وبطرق قد تُقوّض الأهداف ذاتها التي كان من المفترض أن تخدمها. من نواحٍ عديدة، يمكن النظر إلى التحالف السياسي الطويل الأمد بين الرئيس بري و 'حزب اللّه' على أنه تجربة فرانكنشتاين؛ أي أنها شراكة محكومة، انطلقت بضوابط محسوبة، لكنها انحرفت في نهاية المطاف عن مسارها، لتتحوّل إلى تهديد يتجاوز من أطلقها الذي لم يعد بمقدوره كبح جماحها، حتى لو أراد ذلك. والآن، تطالب خارطة الطريق الأميركية الدولة اللبنانية التي كان الرئيس بري أحد أهمّ أركانها بتفكيك ما سمحت له بالنموّ سابقًا. لكن، وكما هو الحال مع وحش فرانكنشتاين، لا يمكن ببساطة تفكيك 'حزب اللّه' من دون عواقب. وكما كشفت الغطرسة العلمية في رواية ماري شيلي، فإن قرار تمكين 'حزب اللّه' أهمل احتمال أن تخرج هذه القوة عن السيطرة. ومحاولة التراجع بالإكراه، قد لا تؤدي إلّا إلى إعادة إنتاج مأساة الرواية: مواجهة بين الخالق والمخلوق، تنتهي بانهيار الاثنين معًا. وفي ضوء ذلك، لا يكمن التحدّي فقط في نزع السلاح، وهي فكرة مرعبة لأولئك الذين بنوا هويتهم حول أوهام معيّنة، بل في المهمة الأعمق: استعادة سيادة الدولة من دون التسبّب في انهيارها.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store