logo
#

أحدث الأخبار مع #جونبولبي

التعلّق: حين يتحوّل الحب
إلى قيد
التعلّق: حين يتحوّل الحب
إلى قيد

الرأي

timeمنذ 2 أيام

  • صحة
  • الرأي

التعلّق: حين يتحوّل الحب إلى قيد

نولد ونحن نبحث عن الأمان، عن حضن يحتوي خوفنا الأول من هذا العالم، ذلك الخوف الذي لا نملك له اسماً لكننا نصرخ بسببه لحظة خروجنا إلى الحياة. منذ تلك اللحظة، يبدأ التعلق. التعلق ليس ضعفاً كما يظنه البعض، بل هو رغبة بشرية فطرية بأن يكون هناك من يرى وجودنا ويشعر به. أن نُحب، أن نشعر بأننا نُهم، أن يكون هناك شخص واحد على الأقل إذا ارتجفنا احتوانا، وإذا سقطنا انتشلنا. لكن المشكلة ليست في التعلق، بل في أن يتحول إلى قيد. يصبح التعلق مؤلماً عندما نعلّق سعادتنا بوجود شخص أو استمراره. حين نظن أن الحياة لا تُطاق من دونه، أو أن قيمتنا تسقط إذا ابتعد، أو أننا غير مرئيين إلا من خلال عينيه. هذا التعلق يتحول إلى جرح مفتوح نُنزف منه كل يوم دون أن نشعر، لأنه يسرق حريتنا، ويجعلنا عبيداً لردة فعل أو رسالة أو وجود. وفقاً لنظرية التعلق لـ جون بولبي (John Bowlby)، فإن العلاقة الأولى التي نبنيها مع مقدم الرعاية في طفولتنا تترك بصمة دائمة في طريقة ارتباطنا بالآخرين في المستقبل. فإذا نشأنا على غياب الاستجابة العاطفية، أو نشأنا في جو من التهديد أو الرفض، نكبر ونحن نبحث عن «الوجه الآخر» لهذا النقص، ونصبح عرضة للتعلق المرضي. نخاف أن يُتركنا الآخر، لأن عقلنا الباطن يكرر تجربة الهجر الأولى التي لم تُشف. نحن لا نُشفى من التعلق فجأة، بل نُشفى حين نبدأ بإعادة تعريف الحب. حين نفهم أن الحب لا يعني التملك، وأن القرب لا يجب أن يكون شرطاً للحياة. نبدأ بالتعافي حين نعرف أننا نستحق أن نُرى حتى وإن كنا وحدنا، وأن السلام الداخلي لا يُمنح، بل يُصنع. أذكر حالة لفتاة في بداية الثلاثين، كانت تُدخل نفسها في علاقات عاطفية سامة، لا لأنها لا ترى العيوب، بل لأنها تخاف من فكرة أن تكون «بلا أحد». كانت تكتب لي: «أفضّل أن أُؤذى على أن أُترك». وعندما عدنا إلى جذور التعلق لديها، وجدنا طفلة عاشت طفولتها وهي تنتظر أباها كل مساء على الباب، ولم يعد. منذ ذلك الحين، لم تعد تثق في أن من يحب، يبقى. وبدأت تخلط بين الحب ووجود الألم، بين الغياب والحنين. تعافت حين سمحت لذاك الطفل بداخلها أن يُصدق بأن الحب لا يعني الانتظار، بل الأمان. أحياناً نتعلق لأننا لم نحصل في طفولتنا على أمان كافٍ، فنتشبث بأي دفء يشبه ذلك الذي افتقدناه. وأحياناً نتعلق لأننا لم نتعلم أن نحب أنفسنا كما يجب، فنبالغ في تقديس الآخر لنملأ الفراغ فينا. كل هذه الأسباب لا تجعلنا سيئين، بل فقط بشراً بحاجة لفهم أعمق. العلاقات السليمة لا تقوم على التعلق، بل على الالتقاء. التقاء روحين تمتلئان بأنفسهما، وتختاران أن تسيرا جنباً إلى جنب لا أن تندمجا حد الذوبان. فالحب الناضج لا يبتز ولا يخيف ولا يطلب إثباتاً دائماً، بل يمنح مساحة، ويتنفس بحرية، ويزهر مع الوقت. التعلق سجن عاطفي، لكن الوعي مفتاح بابه. وما بين الإدراك والاختيار، تنبت الحرية، ويولد نوع آخر من الحب: حب قائم على النضج لا على الحاجة، على الامتلاء لا على النقص، وعلى السلام لا على القلق. تحياتي.

الخذلان .. وأي ألمٍ أقسى منه؟!
الخذلان .. وأي ألمٍ أقسى منه؟!

عمون

time١٩-٠٣-٢٠٢٥

  • سياسة
  • عمون

الخذلان .. وأي ألمٍ أقسى منه؟!

يقول انطون تشيخوف 'لم أعلم يوماََ.. أن الخُذلان قاسي جداََ.. لدرجة أن تشعر بالشفقة على نفسك'.. فما أقساه من شعور.. أن تنظر في أعماقك.. فلا تجد سوى بقايا روح منهكة.. لا تملك حتى أن تغضب.. أو تحزن.. فقط صمتٌ لا روح فيه.. يحيط بك.. تتأمل ذاتك.. وكأنك تعتذر لها على الأوهام التي خدعتك.. على الأحلام التي شيدتها بيديك.. ثم تهاوت أمامك.. دون أن تملك القدرة على إنقاذها.. فالخذلان ليس مجرد خيبة عابرة.. بل انكسار داخلي.. يسلبك الشعور ذاته.. فلا تلوم أحداً.. ولا تنتظر حتى كلمة مواساة.. فقط تواجه الحقيقة.. عارياً من كل يقين.. الخذلان ليس حكراً على صديقٍ خان العهد.. أو حبيبٍ لم يصن الوعد.. أو شخصٍ منحته ثقتك.. فانقلب عليك.. بل يمتد ليشمل كل ما ظننته ثابتاً.. ثم اكتشفت أنه مجرد سراب.. خذلان الحكومات.. حين تتنكر لحقوق مواطنيها.. خذلان النواب.. حين يبيعون وعودهم بثمن بخس.. خذلان المسؤولين.. حين يقدمون المصالح على المبادئ.. بل هو خذلان الدول.. حين تتاجر بآلام الضعفاء.. فالشعوب المقهورة أيضاً.. تصاب بالخذلان.. حين تكتشف أن أصواتها.. ليست إلا صدى يتلاشى في الفراغ.. وأن جراحها وآلامها.. ما هي إلا مشاهد على الشاشات.. وأن أحلامها بالحرية والعدالة.. ما هي إلا سراب.. يتلاعب به الأقوياء كيفما شاؤوا.. وميدان للمزايدات.. ولكن.. هل هناك شعور أقسى من الخذلان؟!.. أن تفقد الثقة.. ليس فقط بالآخرين.. بل بنفسك أيضاً.. أن تجد نفسك غريباً في داخلك.. تسير بلا يقين.. تعيش دون توقعات.. تخشى الأمل.. لأنه قد يتحول إلى خيبة جديدة.. علم النفس والاجتماع.. يتحدثان عن هذا الألم العميق.. بمفاهيم متعددة.. في نظرية التعلق لـ"جون بولبي".. نجد أن الإنسان.. يبني روابط عاطفية أساسية.. وحين تنهار هذه الروابط بالخذلان.. يُوَلِد ذلك شعوراً بالهشاشة الداخلية.. وفقدان الأمان.. أما في نظرية الصدمة النفسية.. فيتحدث الخبراء عمّا يسمى بـ"العجز المكتسب".. حيث يفقد الإنسان الرغبة في المحاولة مجدداً.. ويصبح أسيراً لفكرة.. أن كل شيء سيتكرر بنفس الألم.. والسؤال المطروح هنا.. هل هناك مخرج لمن شعر بالخذلان؟!.. المخرج والترميم لا يكون بالنسيان.. فهذا وهم.. بل بفهم التجربة.. واستيعاب الدرس.. أن تدرك أن الخذلان ليس عيباً فيك.. بل في مَن خذلك.. أن تعي.. أن الحياة ليست مدينة لك بالعدل المطلق.. لكنها تمنحك القوة.. لتنهض كلما سقطت.. أن تعود إلى ذاتك.. إلى حقيقتك.. دون أن تصبح نسخة أخرى من قساوة العالم.. أن تتعلم كيف تميز بين من يستحق قلبك.. ومن لا يستحق حتى وقتك.. أن تجعل من كل خذلانٍ.. نقطة تحولٍ.. لا نقطة انكسار.. لعلنا نعود إلى إنسانيتنا.. لعلنا نتذكر أن أقبح ما قد نفعله.. هو أن نجعل أحداً يشعر بهذا الألم.. الألم الذي عرفناه.. فبعض الجراح تلتئم.. لكن خذلان الروح.. قد يظل ندبة لا تُمحى.. لكن.. حتى الندوب.. قد تصبح يوماً ما دليلاً على قوة مَن مرّ بها.. لا على ضعفه..

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store