logo
#

أحدث الأخبار مع #حازمنهار

ريبيكا شريعة طالقاني.. أدب السجون السوري من منظور البويطيقا
ريبيكا شريعة طالقاني.. أدب السجون السوري من منظور البويطيقا

العربي الجديد

time١٠-٠٥-٢٠٢٥

  • سياسة
  • العربي الجديد

ريبيكا شريعة طالقاني.. أدب السجون السوري من منظور البويطيقا

ضمن سلسلة ترجمان، صدر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات كتاب بعنوان "أدب السجون السوري: بويطيقا حقوق الإنسان" للأستاذة المساعدة ومديرة دراسات الشرق الأوسط في كلية كوينز بـ"جامعة مدينة نيويورك"، ريبيكا شريعة طالقاني، وترجمة الباحث السوري حازم نهار. ويقع في 312 صفحة، شاملًا تقديم المترجم ومقدمة وخاتمة ومراجع وفهرسًا عامًّا، إضافةً إلى قائمة رسوم وصور توضيحية. يمثّل الكتاب إضاءة لافتة على العلاقة المتشابكة بين الكلمة والحق و الحرية ؛ إذ إنه ينظر إلى الكتابة بوصفها فعلاً مقاوماً وأخلاقيّاً، لا يقلّ شجاعة عن البقاء ذاته في أقبية القمع. في هذا الإطار، يعقد الكتاب مقارنة بين أدب السجون في سورية وتجارب مشابهة في العالم، مثل تجربة نيلسون مانديلا وعبد الرحمن منيف، كاشفاً عن طابعٍ خاص بالسجون السورية يتسم بوحشية متفرّدة، تجعل من كل كلمة تُكتَب من داخلها أو عنها عملاً بطوليّاً أخلاقيّاً ومقاوماً. تعرض أعمالٌ مثل "القوقعة" لمصطفى خليفة، و"من تدمر إلى هارفارد" لبراء السرّاج، نماذجَ حيّة من هذا الإبداع في وجه القمع. وحتى قبل عام 2011، كتب معتقلون أعمالاً كاملة، مثل عماد شيحة الذي ألّف ثلاث روايات خلال أسره، وظلّ بعضها سرًّا حتى وجد طريقه إلى النشر. ربطٌ بين أدب السجون وخطاب حقوق الإنسان بما يشمله من منظومات وقوانين الفكرة المركزية التي تنهض عليها الدراسة هي الربط بين أدب السجون وخطاب حقوق الإنسان، بما يشمله من منظومات وقوانين ورموز. فترى المؤلفة أنّ نصوص هذا الأدب تقدّم مشاهد اعتراف سردية لا تُظهر فداحة المعاناة التي يكابدها المعتقلون فحسب، بل ترتبط في الوقت نفسه بخطاب حقوق الإنسان العالمي، بما يحوّل هذه النصوص إلى أدوات وعي سياسي وأخلاقي. من هنا، تتناول طالقاني مفهوم "بويطيقا الاعتراف"، فتدرسه فنيّاً وأسلوباً، وتربطه بمفهوم الاعتراف السياسي الذي يُعدّ من الركائز الأساسية في خطاب حقوق الإنسان الحديث، خصوصاً في القرن العشرين. ولم يكن اعتمادها مصطلح "البويطيقا" في عنوان الكتاب ترفاً لغويّاً محضاً، بل هو استدعاء واعٍ لمفهوم نقدي ذي جذور فلسفية وجمالية عميقة؛ لأن الكتاب يعالج النصوص الأدبية ووثائق حقوق الإنسان بوصفها مادة فنية ومعرفية، ويستقصي الكيفية التي تُحدث بها هذه النصوص أثرها الجمالي والحقوقي في آن. أما البويطيقا، فهي كلمة يونانية ارتبطت باسم أرسطو، الذي عنون بها كتابه الشهير فن الشعر. وعُرفت بالفرنسية Poétique وبالإنكليزية Poetics، وكلتاهما متحدرة من الكلمة اللاتينية Poetica المشتقة من الكلمة الإغريقية Poietikos، لتحمل في هذه اللغات كلّها معانيَ تتصل بصناعة الشعر ونظريته وفنونه. أما في الثقافة العربية، فقد تنوّعت ترجمتها وتجلّياتها، فوردت بصيغٍ شتّى: نظرية الشعر، وفن الشعر، وصناعة الشعر، وقواعده، وصوغ اللغة الشعرية، والإنشائية، والبنية الشعرية، والشاعرية، والشعريات، وغير ذلك؛ ما يعكس ثراء هذا المصطلح وتشعّب دلالاته في الحقول الأدبية والنقدية. ينقلنا كتاب أدب السجون السوري: بويطيقا حقوق الإنسان لاحقاً إلى مقاربة أدب السجون في السياق العالمي، مؤكّداً أن تجربة الكتابة خلف القضبان ليست حكراً على سورية أو على المنطقة العربية. ويعرض نماذج من تجارب سجناء سياسيين أو أفراد من الأقليات في الولايات المتحدة الأميركية، ومعتقلي غوانتانامو، ومهاجرين مثل الكردي الإيراني بهروز بوجاني، الذي فاز بجائزة أدبية مرموقة عن كتابه لا صديق إلا الجبال. يشمل أجناساً أدبية عديدة كالرواية والقصة القصيرة والشعر والمسرح ويكشف الكتاب عن تداخُل هذا الأدب مع دراسات حقوق الإنسان، حيث باتت السرديات الفردية، كالروايات والمذكّرات، أدوات أخلاقية وحقوقية، وفق ما يتجلّى في أعمال كاي شافير وسيدوني سميث. ويتوقف عند الجدل النقدي في الأدب العربي حول تصنيف أدب السجون أيضاً، بين مَن يراه شهادة مقاومة، ومن يعتبره عملاً أدبياً صرفاً، كما في كتاب نزيه أبو نضال "أدب السجون". تستعرض المؤلفة تطورات هذا الأدب في ستة فصول متكاملة، في ضوء "التحول التجريبي" في الأدب العربي الحديث، وتبرز كيفية تجاوز أدب السجون السوري الوظيفة التوثيقية إلى فضاء أدبي وجداني يتفاعل مع الأسئلة الجمالية والوجودية الكبرى. يتناول الفصل الأول مسألة تصنيف "أدب السجون" بوصفه نوعاً أدبيّاً قائماً بذاته، مشدداً على أهمية النظر إليه من زاوية سياسية، على الرغم ممّا يحيط بهذا التصنيف من إشكالات نظرية. وينطلق الفصل الثاني من حادثة أطفال درعا التي كانت الشرارة الأولى لانطلاق الثورة السورية، ليربط هذه الحادثة بمفهومَي "الاعتراف" و"الهشاشة الأدبية"، مستنداً في مقاربته إلى نظريات تيرانس كيف، وجوديث بتلر، وبريان تورنر. ويعالج الفصل الثالث تمثيلات التعذيب كما تتبدّى في الأدب وتقارير حقوق الإنسان، ويُجري مقارنة دقيقة بين صوت الضحية المغيّب في التقارير الحقوقية، والذات المتكلمة والناطقة بوجعها في النصوص الأدبية، كما في كتابات فرج بيرقدار وحسيبة عبد الرحمن. كتب التحديثات الحية "سيرة مغيَّب" لغارانس لوكان.. حتى لا تموت قصة مازن الحُمادة ويتناول الفصل الرابع تمثيل الزمان والمكان في أدب السجون السوري وتقارير حقوق الإنسان، مشيراً إلى كيفية معالجة هذا الموضوع في أعمال مثل خمس دقائق وحسب ومن تدمر إلى هارفارد. وينطلق من مناقشة ادعاء ياسين الحاج صالح أنّ السجن "نمط من أنماط الحياة" لآلاف السوريين، ليحلل كيفية تمثيل الزمان والمكان، مستنداً إلى الدراسات الحديثة في جغرافيا السجون، مثل أعمال دومينيك مويران ومايكل فيلدر. ويستعرض الفصل أعمالًا أدبية أخرى مثل مذكرات هبة الدباغ "خمس دقائق وحسب"، ومجموعة بيرقدار الشعرية "حمامة مطلقة الجناحين"، ليبيّن أنّ أدب السجون السوري يعيد إنتاج الجغرافيا العاطفية التي يعيشها المعتقلون من خلال تجربتهم الحقيقية. أما الفصل الخامس فيخصص سجن تدمر موقعاً رمزيّاً للقسوة، ويحلل اللجوء إلى السريالية في بعض الأعمال الأدبية، معتبراً أن هذه السريالية هي شكل من أشكال المقاومة لمحاولة محو ذاكرة العنف التي تعرّض لها المعتقلون في هذا السجن. من خلال أعمال مثل رواية "القوقعة"، يرى الفصل أن الكتابات عن سجن تدمر تنتج أشكالاً من المراقبة تكذّب الرواية الرسمية التي تنكر ارتكاب الدولة انتهاكات حقوق الإنسان عقوداً. ويتناول الفصل السادس الكتابات التي تمزج السرد الذاتي بالتخييل ما بعد الحداثي، متأثرةً بالمنفى، ليجعل أدب السجون امتداداً لكتابة المنفى والمقاومة المزدوجة، من خلال التحليل العلمي لمؤلفات ما بعد الحداثة التي تبتعد عن تقنيات السرد التقليدية لكتّاب، مثل باتريسيا واو ومارك كوري وآخرين. يختم الكتاب بتأمّل دور الإنتاج البصري في توثيق الاعتقال والثورة، من خلال أعمال "أبو نضارة" وفيلم "سُلَيمى"، وغير ذلك. تأسّست مجموعة "أبو نضارة" قبيل الثورة، وقدّمت نفسها من خلال ما سمّته "سينما الطوارئ"، وسعت إلى اختراق ضجيج الإعلام بألسنة الضحايا الحقيقيين. وتطرح المجموعة مفهوم "الحق في الصورة" حقّاً إنسانيّاً، وترفض التمثيلات النمطية للضحايا، ساعيةً إلى تقديم سرديات تحافظ على كرامة الإنسان وتمنح المعتقَل حق التعبير عن ذاته، لا أن يُختزل في صورة مذلّة ومهينة. ويتناول الكتاب أعمال محمد ملص أيضاً، مثل "سلّم إلى دمشق" و"باب المقام"، التي تجسّد ثنائية الاعتقال والثورة، وتربط بين قمع الماضي وجراح الحاضر. وكذلك فيلم "المريض السوري"، الذي نتابع فيه قصة طبيب فقد مريضه المعتقل، ليُعتقل هو لاحقًا. أما "المعتقل غير موجود" فيحكي عن أمّ تبحث عن ابنها المفقود. ويعرض فيلم المجموعة الطويل "سجن صيدنايا.. يرويه السوري الذي أراد الثورة"، شهادات حيّة قدّمها معتقلون سابقون. ولا يقتصر هذا الأدب على الرواية والمذكّرات بل يمتدّ ليشمل أجناساً أدبية أخرى، كالقصة القصيرة والشعر والمسرح أيضاً؛ ما يجعل تعدّده الفنّي يُغني مضمونه، ويمنح قضاياه تراكماً تعبيرياً متجدّداً. ريبيكا شريعة طالقاني هي أستاذة مساعدة ومديرة دراسات الشرق الأوسط في كلية كوينز بـ"جامعة مدينة نيويورك"، تركز بحوثها على المقاومة السياسية والإنتاج الثقافي في الشرق الأوسط، لها منشورات في مجلات أكاديمية مهمّة، منها: "المجلة الدولية لدراسات الشرق الأوسط"؛ و"مجلة الأدب العربي". تشارك حاليّاً في تحرير "مجلة CLC Web"، وقد حرّرت مع أليكسا فيرات كتاب "أجيال المعارضة: المثقفون والإنتاج الثقافي والدولة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا".

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store