
ريبيكا شريعة طالقاني.. أدب السجون السوري من منظور البويطيقا
ضمن سلسلة ترجمان، صدر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات كتاب بعنوان "أدب السجون السوري: بويطيقا حقوق الإنسان" للأستاذة المساعدة ومديرة دراسات الشرق الأوسط في كلية كوينز بـ"جامعة مدينة نيويورك"، ريبيكا شريعة طالقاني، وترجمة الباحث
السوري
حازم نهار. ويقع في 312 صفحة، شاملًا تقديم المترجم ومقدمة وخاتمة ومراجع وفهرسًا عامًّا، إضافةً إلى قائمة رسوم وصور توضيحية.
يمثّل الكتاب إضاءة لافتة على العلاقة المتشابكة بين الكلمة والحق و
الحرية
؛ إذ إنه ينظر إلى الكتابة بوصفها فعلاً مقاوماً وأخلاقيّاً، لا يقلّ شجاعة عن البقاء ذاته في أقبية القمع. في هذا الإطار، يعقد الكتاب مقارنة بين أدب السجون في سورية وتجارب مشابهة في العالم، مثل تجربة نيلسون مانديلا وعبد الرحمن منيف، كاشفاً عن طابعٍ خاص بالسجون السورية يتسم بوحشية متفرّدة، تجعل من كل كلمة تُكتَب من داخلها أو عنها عملاً بطوليّاً أخلاقيّاً ومقاوماً.
تعرض أعمالٌ مثل
"القوقعة"
لمصطفى خليفة، و"من تدمر إلى هارفارد" لبراء السرّاج، نماذجَ حيّة من هذا الإبداع في وجه القمع. وحتى قبل عام 2011، كتب معتقلون أعمالاً كاملة، مثل عماد شيحة الذي ألّف ثلاث روايات خلال أسره، وظلّ بعضها سرًّا حتى وجد طريقه إلى النشر.
ربطٌ بين أدب السجون وخطاب حقوق الإنسان بما يشمله من منظومات وقوانين
الفكرة المركزية التي تنهض عليها الدراسة هي الربط بين أدب السجون وخطاب حقوق الإنسان، بما يشمله من منظومات وقوانين ورموز. فترى المؤلفة أنّ نصوص هذا الأدب تقدّم مشاهد اعتراف سردية لا تُظهر فداحة المعاناة التي يكابدها المعتقلون فحسب، بل ترتبط في الوقت نفسه بخطاب حقوق الإنسان العالمي، بما يحوّل هذه النصوص إلى أدوات وعي سياسي وأخلاقي.
من هنا، تتناول طالقاني مفهوم "بويطيقا الاعتراف"، فتدرسه فنيّاً وأسلوباً، وتربطه بمفهوم الاعتراف السياسي الذي يُعدّ من الركائز الأساسية في خطاب حقوق الإنسان الحديث، خصوصاً في القرن العشرين. ولم يكن اعتمادها مصطلح "البويطيقا" في عنوان الكتاب ترفاً لغويّاً محضاً، بل هو استدعاء واعٍ لمفهوم نقدي ذي جذور فلسفية وجمالية عميقة؛ لأن الكتاب يعالج النصوص الأدبية ووثائق حقوق الإنسان بوصفها مادة فنية ومعرفية، ويستقصي الكيفية التي تُحدث بها هذه النصوص أثرها الجمالي والحقوقي في آن.
أما البويطيقا، فهي كلمة يونانية ارتبطت باسم أرسطو، الذي عنون بها كتابه الشهير فن الشعر. وعُرفت بالفرنسية Poétique وبالإنكليزية Poetics، وكلتاهما متحدرة من الكلمة اللاتينية Poetica المشتقة من الكلمة الإغريقية Poietikos، لتحمل في هذه اللغات كلّها معانيَ تتصل بصناعة الشعر ونظريته وفنونه. أما في الثقافة العربية، فقد تنوّعت ترجمتها وتجلّياتها، فوردت بصيغٍ شتّى: نظرية الشعر، وفن الشعر، وصناعة الشعر، وقواعده، وصوغ اللغة الشعرية، والإنشائية، والبنية الشعرية، والشاعرية، والشعريات، وغير ذلك؛ ما يعكس ثراء هذا المصطلح وتشعّب دلالاته في الحقول الأدبية والنقدية.
ينقلنا كتاب أدب السجون السوري: بويطيقا حقوق الإنسان لاحقاً إلى مقاربة أدب السجون في السياق العالمي، مؤكّداً أن تجربة الكتابة خلف القضبان ليست حكراً على سورية أو على المنطقة العربية. ويعرض نماذج من تجارب سجناء سياسيين أو أفراد من الأقليات في الولايات المتحدة الأميركية، ومعتقلي غوانتانامو، ومهاجرين مثل الكردي الإيراني بهروز بوجاني، الذي فاز بجائزة أدبية مرموقة عن كتابه لا صديق إلا الجبال.
يشمل أجناساً أدبية عديدة كالرواية والقصة القصيرة والشعر والمسرح
ويكشف الكتاب عن تداخُل هذا الأدب مع دراسات حقوق الإنسان، حيث باتت السرديات الفردية، كالروايات والمذكّرات، أدوات أخلاقية وحقوقية، وفق ما يتجلّى في أعمال كاي شافير وسيدوني سميث. ويتوقف عند الجدل النقدي في الأدب العربي حول تصنيف أدب السجون أيضاً، بين مَن يراه شهادة مقاومة، ومن يعتبره عملاً أدبياً صرفاً، كما في كتاب
نزيه أبو نضال
"أدب السجون".
تستعرض المؤلفة تطورات هذا الأدب في ستة فصول متكاملة، في ضوء "التحول التجريبي" في الأدب العربي الحديث، وتبرز كيفية تجاوز أدب السجون السوري الوظيفة التوثيقية إلى فضاء أدبي وجداني يتفاعل مع الأسئلة الجمالية والوجودية الكبرى.
يتناول الفصل الأول مسألة تصنيف "أدب السجون" بوصفه نوعاً أدبيّاً قائماً بذاته، مشدداً على أهمية النظر إليه من زاوية سياسية، على الرغم ممّا يحيط بهذا التصنيف من إشكالات نظرية. وينطلق الفصل الثاني من حادثة أطفال درعا التي كانت الشرارة الأولى لانطلاق الثورة السورية، ليربط هذه الحادثة بمفهومَي "الاعتراف" و"الهشاشة الأدبية"، مستنداً في مقاربته إلى نظريات تيرانس كيف، وجوديث بتلر، وبريان تورنر.
ويعالج الفصل الثالث تمثيلات التعذيب كما تتبدّى في الأدب وتقارير حقوق الإنسان، ويُجري مقارنة دقيقة بين صوت الضحية المغيّب في التقارير الحقوقية، والذات المتكلمة والناطقة بوجعها في النصوص الأدبية، كما في كتابات فرج بيرقدار وحسيبة عبد الرحمن.
كتب
التحديثات الحية
"سيرة مغيَّب" لغارانس لوكان.. حتى لا تموت قصة مازن الحُمادة
ويتناول الفصل الرابع تمثيل الزمان والمكان في أدب السجون السوري وتقارير حقوق الإنسان، مشيراً إلى كيفية معالجة هذا الموضوع في أعمال مثل خمس دقائق وحسب ومن تدمر إلى هارفارد. وينطلق من مناقشة ادعاء ياسين الحاج صالح أنّ السجن "نمط من أنماط الحياة" لآلاف السوريين، ليحلل كيفية تمثيل الزمان والمكان، مستنداً إلى الدراسات الحديثة في جغرافيا السجون، مثل أعمال دومينيك مويران ومايكل فيلدر. ويستعرض الفصل أعمالًا أدبية أخرى مثل مذكرات هبة الدباغ "خمس دقائق وحسب"، ومجموعة بيرقدار الشعرية "حمامة مطلقة الجناحين"، ليبيّن أنّ أدب السجون السوري يعيد إنتاج الجغرافيا العاطفية التي يعيشها المعتقلون من خلال تجربتهم الحقيقية.
أما الفصل الخامس فيخصص سجن تدمر موقعاً رمزيّاً للقسوة، ويحلل اللجوء إلى السريالية في بعض الأعمال الأدبية، معتبراً أن هذه السريالية هي شكل من أشكال المقاومة لمحاولة محو ذاكرة العنف التي تعرّض لها المعتقلون في هذا السجن. من خلال أعمال مثل رواية "القوقعة"، يرى الفصل أن الكتابات عن سجن تدمر تنتج أشكالاً من المراقبة تكذّب الرواية الرسمية التي تنكر ارتكاب الدولة انتهاكات حقوق الإنسان عقوداً.
ويتناول الفصل السادس الكتابات التي تمزج السرد الذاتي بالتخييل ما بعد الحداثي، متأثرةً بالمنفى، ليجعل أدب السجون امتداداً لكتابة المنفى والمقاومة المزدوجة، من خلال التحليل العلمي لمؤلفات ما بعد الحداثة التي تبتعد عن تقنيات السرد التقليدية لكتّاب، مثل باتريسيا واو ومارك كوري وآخرين.
يختم الكتاب بتأمّل دور الإنتاج البصري في توثيق الاعتقال والثورة، من خلال أعمال "أبو نضارة" وفيلم "سُلَيمى"، وغير ذلك. تأسّست مجموعة "أبو نضارة" قبيل الثورة، وقدّمت نفسها من خلال ما سمّته "سينما الطوارئ"، وسعت إلى اختراق ضجيج الإعلام بألسنة الضحايا الحقيقيين. وتطرح المجموعة مفهوم "الحق في الصورة" حقّاً إنسانيّاً، وترفض التمثيلات النمطية للضحايا، ساعيةً إلى تقديم سرديات تحافظ على كرامة الإنسان وتمنح المعتقَل حق التعبير عن ذاته، لا أن يُختزل في صورة مذلّة ومهينة.
ويتناول الكتاب أعمال محمد ملص أيضاً، مثل "سلّم إلى دمشق" و"باب المقام"، التي تجسّد ثنائية الاعتقال والثورة، وتربط بين قمع الماضي وجراح الحاضر. وكذلك فيلم "المريض السوري"، الذي نتابع فيه قصة طبيب فقد مريضه المعتقل، ليُعتقل هو لاحقًا. أما "المعتقل غير موجود" فيحكي عن أمّ تبحث عن ابنها المفقود. ويعرض فيلم المجموعة الطويل "سجن صيدنايا.. يرويه السوري الذي أراد الثورة"، شهادات حيّة قدّمها معتقلون سابقون.
ولا يقتصر هذا الأدب على الرواية والمذكّرات بل يمتدّ ليشمل أجناساً أدبية أخرى، كالقصة القصيرة والشعر والمسرح أيضاً؛ ما يجعل تعدّده الفنّي يُغني مضمونه، ويمنح قضاياه تراكماً تعبيرياً متجدّداً.
ريبيكا شريعة طالقاني هي أستاذة مساعدة ومديرة دراسات الشرق الأوسط في كلية كوينز بـ"جامعة مدينة نيويورك"، تركز بحوثها على المقاومة السياسية والإنتاج الثقافي في الشرق الأوسط، لها منشورات في مجلات أكاديمية مهمّة، منها: "المجلة الدولية لدراسات الشرق الأوسط"؛ و"مجلة الأدب العربي". تشارك حاليّاً في تحرير "مجلة CLC Web"، وقد حرّرت مع أليكسا فيرات كتاب "أجيال المعارضة: المثقفون والإنتاج الثقافي والدولة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا".

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


BBC عربية
منذ 2 أيام
- BBC عربية
الإمارات تتوصل إلى اتفاق مع إسرائيل بشأن "مساعدات عاجلة" لغزة، واتهامات بعرقلة توزيعها
توصلت الإمارات العربية المتحدة إلى اتفاق مع إسرائيل للسماح بإيصال "مساعدات إنسانية عاجلة" إلى غزة، في الوقت الذي تواجه فيه إسرائيل اتهامات محلية ودولية بعرقلة المساعدات. وأفاد البيان الذي نشرته وكالة أنباء الإمارات الرسمية (وام) أن الشيخ عبد الله بن زايد، نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية الإماراتي، أجرى اتصالاً هاتفياً مع جدعون ساعر، وزير خارجية إسرائيل، "أفضى إلى الاتفاق على بدء إدخال مساعدات إنسانية عاجلة من دولة الإمارات". وأضاف البيان أن هذه المساعدات تهدف إلى تلبية الاحتياجات الغذائية لنحو 15 ألف مدني في قطاع غزة كمرحلة أولى. كما تشمل المبادرة توفير المواد الأساسية اللازمة لتشغيل المخابز في القطاع، بالإضافة إلى مستلزمات الأطفال الضرورية، مع ضمان استمرارية توفير هذه المواد لتلبية احتياجات المدنيين. وأعلنت إسرائيل أن 93 شاحنة مساعدات دخلت غزة من إسرائيل يوم الثلاثاء، لكن الأمم المتحدة قالت إن توزيع المساعدات مُعطّل. وأكد آل نهيان خلال الاتصال على أهمية وصول المساعدات الإنسانية والإغاثية والطبية إلى الشعب الفلسطيني في القطاع "بشكل عاجل ومكثف وآمن ودون أي عوائق". كما بحث الجانبان الجهود الإقليمية والدولية للتوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار وإطلاق سراح الرهائن. وتتعرض إسرائيل لضغوط دولية للسماح بوصول المساعدات إلى غزة، حيث تقول المنظمات الإنسانية إن الحصار الشامل المفروض منذ 2 مارس/آذار تسبب في نقص حاد في الغذاء والدواء. "ذراً للرماد في العيون" من ناحية أخرى، اتهم أمجد الشوا مدير شبكة المنظمات الأهلية الفلسطينية في قطاع غزة إسرائيل بمواصلة عرقلة دخول شاحنات المساعدات الإنسانية إلى القطاع. وأكد الشوا أن شاحنات الإغاثة لم تصل بعد إلى مخازن الأمم المتحدة في غزة، قائلاً إن إسرائيل تحاول التهرب من الضغوط الدولية بـ "ادعاء السماح بدخول المساعدات"، على حد تعبيره. وفي السياق ذاته، قالت منظمة أطباء بلا حدود، الأربعاء، إن "كمية المساعدات التي بدأت إسرائيل بالسماح بدخولها إلى قطاع غزة الذي مزقته الحرب ليست كافية على الإطلاق". وأضافت أن المساعدات الحالية جاءت في إطار التمويه "ذراً للرماد في العيون، للتظاهر بانتهاء الحصار"، في إطار نفي تهمة تجويع سكان القطاع عن نفسها. وقالت باسكال كويسارد، منسقة الطوارئ في المنظمة في خان يونس بغزة: "إن قرار السلطات الإسرائيلية بالسماح بدخول كمية غير كافية من المساعدات إلى غزة على نحو مثير للسخرية بعد أشهر من الحصار المشدد، يشير إلى نيتها تفادي تهمة تجويع سكان غزة، بينما في الواقع تُبقيهم على قيد الحياة بالكاد". وأضاف البيان أن "التصريح الحالي بإدخال 100 شاحنة يومياً، في ظلّ الوضع المتردّي للغاية، غير كافٍ على الإطلاق". "لا نعرف إلى أين نُحيل الحالات المرضية الصعبة"، طبيبة من غزة تتحدث لبي بي سي عن انهيار القطاع الصحي في غضون ذلك، تواصل أوامر الإخلاء تهجير السكان، بينما لا تزال القوات الإسرائيلية تُخضع المرافق الصحية لغارات مكثفة. وأعلنت الأمم المتحدة يوم الاثنين أنها حصلت على الموافقة لإرسال مساعدات لأول مرة منذ أن فرضت إسرائيل حصاراً شاملاً في 2 مارس/آذار، ما أدى إلى نقص حاد في الغذاء والدواء. وأعلنت إسرائيل أن 93 شاحنة دخلت غزة من إسرائيل يوم الثلاثاء، محملة بمساعدات شملت الطحين وأغذية أطفال ومعدات طبية وأدوية، لكن الأمم المتحدة قالت إن المساعدات مُعطّلة. وأوضحت الأمم المتحدة أن المساعدات لم توزَّع في غزة حتى الآن، على الرغم من وصول الشاحنات إلى الجانب الفلسطيني من معبر كرم أبو سالم، بعد حصار دام 11 أسبوعاً. وقال المتحدث باسمها، ستيفان دوجاريك، إن الفريق "انتظر عدة ساعات" حتى تسمح له إسرائيل بالدخول إلى المنطقة، لكن "للأسف، لم يتمكنوا من إدخال تلك الإمدادات إلى مستودعاتنا". الاتحاد الأوروبي: "وضع كارثي" وفي إطار الضغوط الدولية، أعلنت بريطانيا، الثلاثاء، تعليق المفاوضات التجارية مع إسرائيل، واستدعاء سفيرة إسرائيل، على خلفية توسيع العمليات العسكرية في قطاع غزة، كما أعلن الاتحاد الأوروبي عن مراجعة شراكته مع إسرائيل على خلفية الأوضاع في غزة. وقالت مسؤولة الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي، كايا كالاس، الثلاثاء إن "الوضع في غزة كارثي، ويجب زيادة إدخال المساعدات إلى القطاع في أسرع وقت". وأوضحت كالاس أن التكتل سيطلق مراجعة لاتفاق الشراكة مع إسرائيل، على ضوء المستجدات الأخيرة في قطاع غزة. بريطانيا تعلّق المفاوضات التجارية مع إسرائيل، والاتحاد الأوروبي يراجع شراكته معها على خلفية الأوضاع في غزة وهناك دعوات متزايدة لمراجعة اتفاقية الشراكة مع إسرائيل، في ظل تفاقم الأزمة الإنسانية بقطاع غزة، وتصاعد الانتقادات الأوروبية لسياسات إسرائيل. وتقود هولندا هذه المبادرة، وتسعى لحشد دعم غالبية الدول الأعضاء من أجل الضغط على المفوضية الأوروبية لتفعيل بند مراجعة الاتفاق. وتنص الاتفاقية في مادتها الثانية على احترام حقوق الإنسان، وهو ما تقول دول أوروبية إنه لم يعد قائماً في ظل الوضع الحالي. ويؤكد دبلوماسيون، أن حصول المبادرة على تأييد 14 دولة سيكون كافياً لدفع المفوضية إلى التحرك أو تبرير موقفها رسمياً. من جهته، قال المكتب الحكومي التابع لحماس في غزة إن إسرائيل تواصل لليوم الثالث على التوالي، منع دخول شاحنات المساعدات الإنسانية والإغاثية إلى قطاع غزة، في "انتهاك صارخ" لما أُعلِن سابقاً من التزامات وتعهدات. وأضاف في بيان أن هذا يأتي استمراراً لسياسة الحصار والتجويع "الممنهجة"، ضد أكثر من مليوني مدني فلسطيني يعيشون أوضاعاً إنسانية صحية ومعيشية متدهورة ونقصاً حاداً في الغذاء والدواء والوقود، ما ينذر بكارثة إنسانية متفاقمة تهدد حياة السكان. واتهم المكتب الحكومي السلطات الإسرائيلية بتعمد استخدام الغذاء والدواء كسلاح حرب ضد المدنيين، مطالباً المجتمع الدولي والأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية والحقوقية بالتحرك العاجل والضغط الفوري لفتح المعابر وضمان تدفق المساعدات دون تأخير أو عراقيل، والعمل الجاد على إنهاء "الحصار الظالم" المفروض على قطاع غزة منذ أكثر من 18 عاماً. مقتل جندي إسرائيلي وأكثر من 40 فلسطينياً على الصعيد الميداني، أعلن الجيش الإسرائيلي، الأربعاء، مقتل جندي برتبة رقيب أول خلال المعارك الجارية في جنوب قطاع غزة، ليكون ثاني جندي يُقتل خلال أقل من 24 ساعة في القطاع. وبذلك، يرتفع عدد القتلى في صفوف الجنود الإسرائيليين منذ بدء الحرب على غزة إلى 858، وفقاً لبيانات الجيش الإسرائيلي. وأفادت إذاعة الجيش الإسرائيلي أن الجندي قُتل جراء تفجير عبوة ناسفة استهدفت المبنى الذي كان بداخله. وذكرت الإذاعة أن المبنى الذي قُتل فيه الجندي فُحِص مسبقاً باستخدام كلب وطائرة مُسيّرة، واستُبعِد وجود قنبلة قبل دخوله إليه، إلا أن الجندي علق تحت الأنقاض لساعات طويلة، واستمرت عملية الإنقاذ حتى وقت متأخر من ليل الثلاثاء. أما على الجانب الفلسطيني، فقال مسعفون فلسطينيون إن سبعة على الأقل قتلوا صباح الأربعاء، في قصف جوي طال سوقاً في مدينة غزة، بعد مقتل العشرات في غارات إسرائيلية، ما يرفع عدد القتلى منذ فجر الأربعاء إلى أكثر من 40 فلسطينياً. وبحسب المصادر، فإن 11 فلسطينياً قُتلوا في قصف منزل بمنطقة جباليا البلد شمالي قطاع غزة، ما أسفر كذلك عن جرح 13 آخرين جميعهم ينتمي إلى عائلة واحدة. وفي المنطقة نفسها، قُتل طفل وجُرح 22 فلسطينياً في قصف ضرب إحدى البنايات. وقال الشهود إن الغارات التي وقعت خلال الساعات القليلة الماضية في شمالي قطاع غزة، استهدفت كذلك منزلين في منطقتي بئر النعجة والفالوجة إلى الغرب من مخيم جباليا، وكذلك المناطق المحيطة بمقبرة الفالوجة. أما في وسط قطاع غزة، فقد قتل خمسة أشخاص، بينهم 3 أطفال أحدهم رضيع، في غارة جوية على منزل في مدينة دير البلح. كما قُتل آخران جراء قصف لطائرة مسيرة إسرائيلية على مخيم المغازي. وفي جنوبي القطاع، قُتل أربعة وجرح آخرون، في قصف جوي طال منزلاً في بلدة عبسان الكبيرة إلى الشرق من مدينة خان يونس. كما قُتل ثلاثة في قصف لمنزل في منطقة معن إلى الجنوب من المدينة نفسها. من جهة أخرى، ووفقاً لشهود عيان، نفذ الجيش الإسرائيلي عملية نسف لعدد من المباني إلى الغرب من بلدة بيت لاهيا شمالي قطاع غزة.


BBC عربية
منذ 7 أيام
- BBC عربية
لماذا تشهد العلاقات الإماراتية الأمريكية "دفعة نوعية غير مسبوقة" في عهد ترامب؟
غادر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب دولة الإمارات العربية المتحدة، الجمعة، في ختام جولته في الشرق الأوسط، التي شملت كلا من السعودية وقطر أيضا. تعد جولة ترامب، التي بدأت في 13 مايو/أيار الجاري واستمرت لأربعة أيام، أول زيارة خارجية رسمية له في ولايته الثانية، باستثناء حضوره مراسم تشييع جنازة البابا فرنسيس في الفاتيكان. أسفرت الزيارة عن صفقات بين دول الخليج وواشنطن بمئات المليارات من الدولارات، أبرزها ما أعلنته الإمارات بأنها ستستثمر 1.4 تريليون دولار في الولايات المتحدة، على مدى السنوات العشر القادمة. "عودة تاريخية" وصفت المتحدثة باسم البيت الأبيض زيارة الرئيس ترامب إلى الدول الخليجية الثلاث بـ "عودة تاريخية إلى منطقة الشرق الأوسط"، التي بدأ فيها زياراته الدولية خلال ولايته الأولى عام 2017 أيضا. وقالت كارولين ليفيت إنه "بعد 8 سنوات، سيعود الرئيس ترامب ليؤكد من جديد على رؤيته المُستمرة لشرق أوسط فخور ومزدهر وناجح، حيث تقيم الولايات المتحدة ودول الشرق الأوسط علاقات تعاون، وحيث يتم هزيمة التطرف ليحل محله التبادل التجاري والثقافي". حظيت الزيارة بترحيب كبير من دول الخليج الثلاث واهتمام إعلامي واسع، وانعكست إيجابيا على تعزيز العلاقات بين وواشنطن وتلك الدول. وحصل ترامب بموجبها على تعهدات باستثمارات تصل إلى 600 مليار دولار من السعودية، و1.2 تريليون دولار من قطر، أما الإمارات فقد أعلن رئيسها الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، خلال استقباله نظيره الأمريكي في قصر الوطن بأبوظبي، أن بلاده ستستثمر 1.4 تريليون دولار في الولايات المتحدة على مدى السنوات العشر القادمة. وقال بن زايد: "هناك شراكة قوية بين الإمارات والولايات المتحدة في مجال التنمية، وقد شهدت هذه الشراكة دفعة نوعية غير مسبوقة، خاصة في مجالات الاقتصاد الجديد، والطاقة، والتكنولوجيا المتقدمة، والذكاء الاصطناعي، والصناعة". وتتمتع أبوظبي بعلاقات متميزة مع الولايات المتحدة تاريخيا على مستوى مختلف الإدارات الأمريكية، لكنها تشهد مزيدا من التقدم في ظل إدارة الرئيس ترامب. تاريخ العلاقات تأسست العلاقات الدبلوماسية الثنائية بين دولة الإمارات والولايات المتحدة بعد فترة وجيزة من قيام دولة الإمارات عام 1971، وتم تدشين سفارة الإمارات في واشنطن عام 1974، وافتتحت الولايات المتحدة سفارتها في أبوظبي خلال العام ذاته. وكانت الولايات المتحدة الدولة الثالثة التي تقيم علاقات دبلوماسية رسمية مع دولة الإمارات. تمتعت الإمارات بعلاقات ثابتة ومستقرة مع واشنطن عبر الإدارات الأمريكية المتعاقبة، لكنها شهدت تقدما ملحوظا خلال إدارة ترامب الأولى، التي بدأت عام 2017 وحتى مطلع عام 2021، حيث أصبحت أبوظبي أحدد أبرز حلفاء واشنطن بالمنطقة. وكانت الاتفاقيات الإبراهيمية أو "اتفاقيات إبراهام" محطة بارزة في تلك العلاقات، وتم التوقيع على أولى تلك الاتفاقيات في 15 سبتمبر/أيلول عام 2020، بين الإمارات والبحرين من جهة، وإسرائيل من جهة أخرى، برعاية الولايات المتحدة مباشرة ودعم من الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، لتلحق بهما السودان والمغرب بعد ذلك. وعلى الرغم من تراجع نسبة التأييد العام للاتفاقيات الإبراهيمية في السنوات التالية، لاسيما في أعقاب الدمار الذي شهدته غزة بعد اندلاع حرب إسرائيل وحماس في أكتوبر/تشرين الأول عام 2023، إلا أن الاتفاقيات الإبراهيمية ظلت قائمة في حد ذاتها، إذ تسهم هذه الاتفاقيات في دعم طموحات الإمارات، على سبيل المثال، وتساعدها في بناء نفسها كقوة عسكرية، إضافةً إلى كونها مركزاً للأعمال التجارية ووجهة سياحية مرموقة، بحسب جيرمي بوين، محرر بي بي سي لشؤون الشرق الأوسط. ويتوقع أن تشهد إدارة ترامب الثانية، التي بدأت قبل بضعة أشهر، مزيدا من تعزيز العلاقات بين واشنطن وأبوظبي. "نقاط اتفاق قوية" تتشارك الإمارات والولايات المتحدة نقاط اتفاق قوية في قضايا عديدة في ظل إدارة ترامب، مما يرشح العلاقات لمزيد من التوثيق والتقدم، وفق الدكتور معتز سلامة، الباحث المتخصص في الشأن الخليجي بمركز الأهرام للدراسات السياسية بالقاهرة. يرى سلامة أن الهدف الأساسي للإمارات هو دعم الاستقرار في البيئة الخليجية والإقليمية المحيطة، واستمرار الازدهار الاقتصادي الذي تعيشه الدولة، الأمر الذي يحققه ترامب. يقول سلامة: "فيما يتعلق بالشأن الإيراني، لا ترغب الإمارات في اندلاع حرب أو مواجهة عسكرية مع إيران تهدد أمن الخليج واستقراره السياسي وازدهاره الاقتصادي، لأن رخاء وازدهار الإمارات مرتبط باستقرار الأوضاع على ضفتي الخليج وعلى جوانب هذه المنطقة في المحيط الهندي والبحر الأحمر، وأعتقد أن هذه نقطة أساسية من نقاط التوافق". ويرى سلامة أن ترامب برغم تهديده بالعمل العسكري ضد ايران، "لكنه في قناعته الشخصية وتفضيلاته السياسية يضع هذا الأمر في المرتبة الثانية أو الثالثة، فهو بطبيعته لا يفضل الدخول في مواجهات عسكرية، وإنما يستخدم ذلك التهديد من أجل التوصل لأفضل اتفاق من وجهة نظرة". كما تتفق الإمارات مع رؤية ترامب للحوثيين باعتبارهم مصدرا رئيسيا من مصادر عدم الاستقرار في منطقة البحر الأحمر، وفق سلامة، ناهيك عن كون الإمارات أول دولة خليجية تطبع علاقاتها مع إسرائيل ضمن الاتفاقيات الإبراهيمية، التي دشنها ترامب، مما جعلها "تتمتع بحظوة مهمة وأساسية لدى ترامب بشكل خاص، وهو يدعو دول الخليج الأخرى إلى أن تحذوا حذوها والتحلي بالنموذج الإماراتي والانضمام إلى تلك الاتفاقيات". الرهان على دور الصفقات الاقتصادية في تسوية النزاعات السياسية أيضا من نقاط الاتفاق. يقول سلامة: "ترامب مدخله الأساسي لتسوية النزاعات السياسية والنزاعات المسلحة هو الصفقات. كذلك أعتقد أن دولة الإمارات تسعى لبناء صفقات اقتصادية وتجارية مع الدول التي أحيانا يكون بينها مشكلات سياسية، فالرهان على الشراكة والانتعاش الاقتصادي رهان أساسي يجمع الامارات والولايات المتحدة في عهد ترامب". "التوافق الشخصي" يرى سلامة أن "وضوح شخصية الرئيس ترامب" يسهل على القادة الخليجيين ومنهم قادة الإمارات التعامل معه، فهو "رجل صفقات وذو شخصية قوية تجعله يمتلك القدرة على اتخاذ قرار أمريكي داخلي، يتجاوز به أحيانا مؤسسات وبيروقراطية الدولة الأمريكية"، وذلك على خلاف رؤساء آخرين يكون التعامل معهم على أساس مؤسسي وبيروقراطي. ويضيف: "هذا الرئيس يتعامل بشكل مباشر مع القادة الخليجيين وتربطه بهم علاقات شخصية قوية. وأعتقد أن هذه الطريقة في التعامل تسهل الكثير من الأشياء، وتتجاوز الكثير من الصعوبات فيما يتعلق ببناء أسس العلاقات". هناك نقطة محورية أخرى فيما يتعلق بالعلاقات بين البلدين حاليا، وهي "وجود قياديتين على نفس المستوى من الحكمة ونفس المستوى من القوة في كل من الامارات والولايات المتحدة"، وفق معتز سلامة. ويشير سلامة إلى "الكيمياء الشخصية (التوافق الشخصي) في العلاقة بين محمد بن زايد وترامب... الرهان على الدور القيادي لكل رئيس في بلده مسألة مهمة ومتحققة جدا، وتساعد الامارات على أن تتخذ قراراتها على مدى السنوات الأربع من حكم ترامب بناء على رؤية واضحة، فيما يتعلق بمستقبل علاقاتها بالولايات المتحدة والتطورات الإقليمية". هل هناك تحديات؟ لا يشير المراقبون إلى تحديات كبيرة قد تعرقل العلاقات بين أبوظبي وواشنطن في ظل إدارة ترامب، لكن ريهام محمد، الباحثة في شؤون الشرق الأوسط، تشير إلى "التقارب بين الإمارات والصين في مجالات كالبنية التحتية وشبكات الجيل الخامس، ما قد يثير قلقا في واشنطن حيال مستقبل التحالف الاستراتيجي مع أبوظبي، واحتمالية تأثير زيادة المنافسة الجيوسياسية بين الولايات المتحدة والصين على الإمارات". يذكر أن إدارة الرئيس الأمريكي السابق، جو بايدن، قد فرضت قيوداً صارمة على صادرات رقائق الذكاء الاصطناعي الأمريكية إلى الشرق الأوسط – بما في ذلك الإمارات - ومناطق أخرى، وذلك لأسباب من بينها المخاوف من نقل أشباه الموصلات إلى الصين، حيث يمكن استخدامها في دعم القدرات العسكرية لبكين. كما تشير الباحثة، في تقرير منشور على موقع "شاف" للدراسات السياسية، إلى أن "سياسات ترامب ربما تؤدي إلى زيادة الضغوط على الإمارات لتبني مواقف معينة تجاه قضايا حساسة، مثل العلاقة مع الصين أو إيران، ما يمكنُ أن يدخل أبوظبي في وضع معقد من حيث الموازنة بين مصالحها الإقليمية والدولية". ربما يكون لوجهة النظر هذه اعتبار مهم، خصوصا في ظل الحرب التجارية التي أشعلها الرئيس ترامب ضد الصين ودول أخرى في مستهل إدارته الثانية، وكذلك في حال فشل التوصل لاتفاق نووي بين إدارة ترامب وإيران بشأن برنامجها النووي. ماذا في المستقبل؟ يقول معتز سلامة إن الفترة الرئاسية الأولى لترامب غلفتها إلى حد كبير أزمة الرباعي العربي – السعودية والإمارات والبحرين ومصر – مع قطر، وبالتالي لم يكن يوجه خطابا مشتركا لدول الخليج "وكان لديه مشكلة في التعامل معهم وفي علاقاته البينية معهم". لكن في فترته الثانية يأتي ترامب إلى المنطقة في ظروف مختلفة، لأن دول الخليج "تدخل الآن في مزاج تعاوني وحديث مشترك وأهداف مشتركة الى حد كبير"، وبالتالي فإن ترامب يمثل فرصة أكبر ومزاجا ربما أكثر قربا لدول الخليج في فترته الثانية عنه في فترته الأولى. ويستشهد بصفقة الاستثمارات الإمارتية بقيمة 1.4 تريليون دولار في الولايات المتحدة، معتبرا أن هذا معناه أن أبوظبي تبني في ظل عهد ترامب شراكة "ربما تدوم لمئة عام". ويشكك مراقبون في إمكانية تنفيذ هذه الصفقات الضخمة المعلنة بشكل كامل، إذ ربما يتم تأجيل بعضها أو تجميده عند التفاوض على التفاصيل، خاصة فيما يتعلق بالذكاء الاصطناعي وتصدير الرقائق الأكثر تقدما للإمارات، بسبب مخاوف تتعلق بالأمن القومي لدى دوائر في الحكومة الأمريكية، أو ربما بمجرد انتهاء رئاسة ترامب الثانية، أو عودة الديمقراطيين للبيت الأبيض. ورغم ذلك يرى سلامة أننا بصدد علاقات بين البلدين "متقدمة بشكل مستمر. هذه العلاقات ليس فيها انكسارات، أو تحول من الصداقة إلى العداء، بل بالعكس فيها تقدير متبادل من الجانبين مهما تبدلت الإدارات أو القيادات، لكن في ظل إدارة ترامب فإن العلاقة مرشحة لمزيد من التطور على كافة الأصعدة".


العربي الجديد
١٣-٠٥-٢٠٢٥
- العربي الجديد
من مذكّرات فاروق الشرع... محضر اللقاء الأخير بين بشار الأسد ورفيق الحريري (2)
عرض نائب الرئيس وزير الخارجية السوري الأسبق، فاروق الشرع، في الحلقة السابقة من مذكّراته ونشرتها "العربي الجديد" تفاصيل جلسة مجلس الأمن في نيويورك بعد تصويته على القرار 1636 يطلب تعاوناً سورياً كاملاً مع التحقيق الأممي بشأن جريمة اغتيال رئيس الوزراء الأسبق، رفيق الحريري. ويأتي الشرع على ملابسات إعفائه من وزارة الخارجية، وحادثة انتحار وزير الداخلية السوري الأسبق غازي كنعان. وفي الحلقة التالية ملحق ضمنه الشرع كتابه الذي يصدره المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات نصّ محضر اللقاء الأخير بين الرئيس السوري (المخلوع) بشّار الأسد ورفيق الحريري في أغسطس/ آب في دمشق، ودار بشكل رئيس حول رغبة الأسد في التمديد لإميل لحود رئيساً للجمهورية اللبنانية في معارضة أبداها الحريري. نص محضر اللقاء بين الرئيس السوري بشّار الأسد ورفيق الحريري رئيس مجلس الوزراء اللبناني في 26/8/2004 في دمشق الرئيس: معناه ما نمت هنا؟ الحريري: لا والله. البارحة خبّروني. أنا أخدت إجازة وعلى أساس رايح يوم السبت ورحت يوم الجمعة وزرت الأمير سلطان لأنه عمل عملية. الرئيس: الآن وضعه كويس؟ الحريري: الآن وضعه مليح. الرئيس: كيف كان لقاؤك مع البطرك. الحريري: البطرك ردّد الكلام الذي حكاه. وكان قد عمل مقابلة من قبل وطلعت البارحة في جريدة "النهار". الرئيس: وشو حاكي فيها؟ الحريري: نفس الكلام تقريبًا بمعنى يا أخي نحن على الأقل بدنا نجيب رئيسنا وبدنا نجيب وزيرنا وبدنا كذا وبدنا كذا. وهو منزعج لأن طالع كلام من عند الرئيس (لحود)، أو من حواليه، مش من الرئيس بالذات، بأن البطرك موافق على التمديد له. الرئيس: لكن كأنه أعطى كلامًا جيدًا للحود عندما التقى معه في الديمان. الحريري: لا. الرئيس: لماذا عَزَمَه إذاً. الحريري: لم يعزمه. هو الذي طلب. كان فيه عندهم مناسبة تسمية غابة شجر على اسم البطرك صفير. فهي عندهم تقليد يسمون غابة على اسم كل بطرك. وكانوا بصدد هذه المناسبة وعلم لحود بذلك فقال للبطرك: راح إجي وأحضر. قال له البطرك، هذه قصة بسيطة وكذا. قال لحود: لا، بدّي إجي. وطلع وحضر. الرئيس: في الديمان؟ الحريري: نعم، في الديمان. الرئيس: الغابة في الديمان؟ الحريري: الغابة في الديمان. وهي منطقة مسيحية. وعندما وقع عليهم الاضطهاد من قبل الأتراك هربوا إلى مكان اسمه وادي قنّوبين من الصعب الوصول إليه. الرئيس: وأول شيء كانوا حلبيين، جاؤوا من حلب. الموارنة أصلهم حلبيون. الحريري: نعم ما بعرف إذا كنت تعرف هذه القصة: الله يرحمه والدك مرة كان عندو كميل شمعون فقال له الوالد مازحًا: بمعنى شو بكم بتضلوا تحكوا! مار مارون أصله من عندنا من سورية! فقال له شمعون: أي وأنتم من تلك الأيام عمتدخلوا بشؤوننا! (ضحك مشترك) الرئيس: القضية لم تعد لحود. القضية صارت هنا. القضية قضية سورية والقرار قرار سورية الحريري: نحن مش عمّناقش موضوع أين هو القرار. نحن عمّناقش أن وجود إميل لحود والتمديد له هو ضرر الرئيس: لا، قصدي أيام شمعون وليس أيام مار مارون. فشمعون حكى هذا الكلام في أول الحرب. الحريري: شمعون وقتها لم يكن رئيسًا للجمهورية. الرئيس: نعم، أعرف هذا الكلام كان في 1976 أو 1977. الحريري: نعم. الرئيس: وكانت علاقتهم جيدة معنا وقتها. الحريري: هيك وهيك. الرئيس: هَهْ، معناها كانت بدأت تخرب يعني بعد دخول القوات السورية وليس قبل. الحريري: نعم، بعد دخول القوات السورية. الرئيس: أنا ظننت أنه كان يحكي عن التدخل في الشؤون اللبنانية في الستينيات وما قبل. الحريري: هو قالها كنكتة. عندما قال له الوالد إن مار مارون من عندنا من سورية، قال شمعون: أوف من هديك الأيام عمتدخلوا بشؤوننا. (ضحك مشترك) الرئيس: وليد إلى أين رايح؟ الحريري: وليد، وأنا حكيت مع أبو عبدو، إنه حكى كلامًا وإنه مرتبط هنا وهنا وهنا. وليد، تعرف، منطقته منطقة مختلطة فيها دروز ومسيحية وفيها مجموعة إشكاليات وأنا بودّي أن يسمع مني في هذه المسألة. منطقته منطقة مسيحيين مختلطة. وبهالقانون الانتخابي يعني إن المسيحيين رجعوا وصاروا موجودين. الرئيس: في الجبل بشكل عام أم في قضاء وليد؟ الحريري: في الجبل. في الجبل وإذا بقي الجبل دائرة واحدة كارثة. وإذا تقسّم إلى أقضية، كما الوجود المسيحي فيه بيعود مثل أيام كميل وكمال: كمال بيّو، وكميل يعني شمعون! الدروز قبائل. الرئيس: يعني غير القبيلتين الأرسلانية والجنبلاطية؟ الحريري: أي. في الأخير يعني عقلهم مثل عقل قبائل البدو! والبدوي إذا أدخلته إلى غرفة يمكنك أن تعمل فيه اللي بدّك إياه، ولكن بدّك تلبسه العباية وتحترمه قدّام جماعته فيمشي الحال. أما أن تلبسه الطاقية بينك وبينه وبتبهدله قدام جماعته فيجنّ. وهذه العقلية موجودة عند الدروز. وعملية الاتصال سواء مع لحود أو معكم أو مع كذا صايرة على "very low level": [على مستوى منخفض جدًا] وهذه الناحية عاملة له مشكلة. الرئيس: هو كان جايي لعندي! إميل لحود (يسار) ورفيق الحريري وحسن نصر الله في مهرجان الحرية بيروت (25/5/2001/فرانس برس) الحريري: إي. أعرف. لكن هذا ما دخل في موضوع التمديد للحود، على ما يقول، ووليد معروف عنه أنه بيحكي شي وبيعمل شي، وهو عمبيحكي وعمبيقول، والبارحة مصرّح "للأوريان" وعامل عدة تصريحات، وجوّه كله: هو مش ماشي بعملية تعديل الدستور والتمديد للحود. لأنه يعتبر أنه لم يمش فيه في 1998 بسبب العسكرة وبسبب التدخل. الرئيس: منشان ما يجي لحود؟ الحريري: منشان ما يجي عسكري. والحقيقة الذي مشي بالتمديد لإلياس الهراوي أكثر واحد كان هو. الرئيس: إي، بس هو كان جزءًا من الدعم للحود. الحريري: نعم، هو مشى. طبعًا هو مشي. الرئيس: ولحود قال هذا. لأن لحود كان مطروحًا أيضًا. الحريري: نعم صحيح. والقصة هي أن لحود رجل عسكري وهذه مالها علاقة لا بالتوجه السياسي ولا بغيرو وكل هذا الكلام جماعة لحود هم الذين يحكوه. والرجل (لحود)، بدون أدنى شك، فيما يتعلق بموضوع الإدارة الداخلية للبلد أداؤه دون الوسط. الرئيس: في الحقيقة، كلكم كطبقة سياسية، بنفس المستوى. لكن ليس هذا هو الموضوع. وما راح أحكي بهذه التفاصيل فهذه هي تفاصيل لبنانية. لكن عندما يطلع القرار لا يعود موضوع لحود. وفيك تاخد مثالًا: في سورية عدّلوا الدستور من أجل شخص. الحريري: نعم. الرئيس: وبالنتيجة صار بشار رئيسًا، ولكن صار لأنه عاجب الناس وهو مش عاجبهم بالقوة. ونحن في سورية ما عندنا شخص، وأنت تعرف هذا، مثلًا في 1998 نحن اختلفنا معك في موضوع الدولة ولكن نحن حميناك كشخص. ماهيك. وفي عام 2000 رجعت وما كان عندنا مانع. وبقينا حامينك. وبالنسبة للوضع الداخلي، أسمع من اللبنانيين شكاوى بحق لحود، ولكننا نحن لا نعيش في الوضع الداخلي وحده نحن بالنسبة لنا، أنت شايف وضعنا وشايف الضغط الحاصل علينا. وبلا شك نحن نتعرض لضغط قاس كثيرًا والقرار لم نتخذه من زمان. اتخذناه مؤخرًا فقط. لكن أقول لك إننا على المستوى الاستراتيجي هو يشكل الأولوية رقم واحد من بين همومنا. بلا شك إذا جاء لحود سيُفرض عليه أن يمشي بشكل ثانٍ. ما عاد عندو خيار بأن يمشي على كيفه: لا بالطريق، ولا بالشكل، لكن بمجرد أن اتخذ القرار، وأنت بزمانك حاكي لي، والعلاقة بيني وبينك من 1998 إلى الآن علاقة فعلية. وأنت كل مرة كنت تجي وتحكي كلامًا، وأنا كنت أقول لك إنني لست من النوع الذي يحب أن يسمع كلامًا، أنا أريد أن أرى أفعالًا. واليوم سيكون أول احتكاك بيني وبينك حتى شوف فعلًا أين هو رفيق. لأنه بمجّرد أن طلع القرار من هنا المشكلة ما عادت مشكلة لحود. صارت مشكلة سورية. وهذا القرار بمجرد أن نتخذه بدنا نمشي فيه سواء إذا كان فيه معركة أم لا. وهذا الكلام بلغته لوليد وقلت له إن هذا قرار سوري وبس ناخده راح نمشي فيه. وكل اللبنانيين هوّلوا: الشارع والعصيان وكذا!! قلنا لهم: ما عندنا مانع. وأقرب الناس إليه أبلغونا هذا الشيء. قلنا لهم: الآن فيه عملية فرز. الظرف الذي نحن فيه شيء والمرحلة المقبلة شيء آخر. الآن نحن في ظرف، وأنت كنت في ظروف أصعب من هيك، أنت جئت في 1998 وكانت البلد طالعة من حرب ومرت بظروف مختلفة وسورية حمتك وستبقى تحميك. وهذا الموضوع لازم يبقى معروفًا، لازم تبقى ماشيًا مع سورية وسورية لازم تبقى ماشية معك. وما فيك تضمن أنت سورية إذا نحنا ما ضمنّاك. ونحن خلال الفترة الماضية كانت تجربتنا معك جيدة بكل الاتجاهات. لحود ليس مشكلة. أعرف مشكلتك مع لحود وأعرف معاناتك معه. وإذا حكيت لي عنها الآن لساعات سأقول لك إن هذا كله صحّ ولن أعارضك في شيء لكن أريد منك أن نجد حلًا. فيه أولويات وفيه صورة شاملة. ولا يمكننا أن نأخذ فقط الجزء اللبناني منها. (صمت ثم يتابع الرئيس) الحريري: ما بعرف شو بدّي قول. هذا الرجل ذلّني الرئيس: هلّق أنت بدك تناقشني حول لحود، وأنا أناقشك حول القرار السوري في موضوع أكبر، في موضوع آخر! فهل سورية أم لحود؟! الوضع الفرنسي وأحكي معك بصراحة، ما راح حمّلك إياه. الوضع الفرنسي ما بدّي حمّلك إياه لأن علاقتك بشيراك عميقة. وبلا شك أداء شيراك كان سيئًا. وهو الذي حكى مع الأميركيين بشأن القرار بإخراج سورية من لبنان. وشيراك يسعى إلى تفجير الوضع في لبنان. وسورية لا تخرج بهذه البساطة. وإذا كان واضعًا في باله هذا الموضوع، فَفَهّمه إياه! ما لازم ينحكى في هذا الموضوع! فسورية ضمنت الأمن في لبنان وما زالت تضمنه. ونحن ما بدنا نوصل إلى هذه المرحلة. فلا السفير الفرنسي يضيع وقته، ولا البطرك يضيع وقته. وهذه التصريحات التي طلعت وردّ الفعل على الاستشارات صارت مواجهة مع بشار. وبشار يعرف كيف يردّ. وأنا لحد الآن ما فتّ في مواجهة في لبنان. وعندما أدخل أنا في مواجهة كل سورية تدخل في المواجهة. ما فه عندنا حل وسط. كل السوريين يدخلون وحتى دروز البلد، أعني دروز سورية، يدخلون فيها. فهذا الموضوع أتمنى وأنا لاحظت أن الجو ما رايح هيك، نحن ماشون وفعلًا مانّا آخدين القرار، لكن شفنا أن المطلوب في موضوع هذا الاستحقاق هو معركة مع سورية! ولم تعد القضية قضية لحود أو شيء آخر. ما عاد فيه فرصة ما عاد فيه رجعه إلى الخلف. وستكون الأمور صعبة كثيرًا. أتمنى أن نمشي بالموضوع بشكل واضح. أن يمشي بموضوع التعديل الدستوري. وهذا هو ما حبيت أن أنطلق منه. وبدي أسمع منك أنت. جاك شيراك مستقبلاً رفيق الحريري في باريس (27/3/2000/فرانس برس) الحريري (متنهدًا بعمق): شوف سيدي....... الرئيس: أعرف أنك تضعضعت، بس بدنا نحكي. وأنت رجل سياسي وبدك تتحمل مواقف صعبة. مهيك؟! الحريري: يعني، أنت، أولًا، أنا في 1998 خرجت من الحكم، وأنت، كما قلت، حميتني. لكن حميتني من شخص كلنا جلبناه. مش حميتني من إسرائيل. حميتني من واحد أنا دعمت مجيئه وأنا صوتت له. وأنا مشيت بتعديل الدستور من أجله. ووقتها لو رفضت أنا ما كان جاء. كنا اختلفنا وبعدين ما كان جاء إميل لحود. الرئيس: وقتها كان قرار الرئيس حافظ الأسد. الحريري: على راسي، كان قرار الرئيس حافظ الأسد، معليش. كان قرار الرئيس الأسد لكن تشاور معنا فيه وطلبه. الرئيس: صحيح. الحريري: وقال هذه وعدت الرجل فيها. ولحود كذب علي، كما كلمتك سابقًا ومش إنو والله، هيك وبس. قعدت أنا وإياه ثلاث جلسات. وفي الثلاث جلسات، سيادة الرئيس، استعمل كل أنواع الكذب لكي يقول لي إنني أنا وإياك يد واحدة. وفي نفس الوقت كان يشتغل ليجلب سليم الحص. ما مهمّ. هو حرّ. رئيس جمهورية جديد وبدّو واحد يفيدو. ما فيه مشكلة! وأنا لم أمشي بالتمديد لأنه هو نفسه أقنعني بحاله، أنا مشيت لأنه الرئيس قرر هيك. لكن هو حط براسه يبعد رفيق الحريري ثلاث سنوات. وهذا في رأيي لا يغيّر. أنا عندي قناعة بأنه لا يغيّر، معليش،.... الرئيس: ما تغيّر فيه شي. الحريري: سيادة الرئيس، اليوم، اليوم، البارحة، البارحة. أنا نزلت إلى جلسة رئاسة الوزراء البارحة صباحًا. هو ما قدر، أو يمكن عندو خبر بأنني أنا جايي، تلفن وطلب أن تؤجل الجلسة إلى بعد الظهر لأن هو مشغول قبل الظهر. وبدل أن يقول أنا مشغول فخلوا الرئيس الحريري يترأس الجلسة، قال إنه هو المشغول وسيترأسها بعد الظهر! هذا واحد. ثم بيانه الترشيحي. أنا جاء لعندي أبو عبدو يوم الاثنين ولم يقل لي أبدًا إن فيه قرار. إنما قال لي: سيادة الرئيس بدّو يشوفك وقال لي في واحد الشهر. قلت له: في واحد الشهر عندي عشاء لأنني عازم رئيس البنك الدولي منذ أربعة أشهر ليأتي هو وزوجته ويقعدوا عندي 3-4 أيام وما فيني غيّر الموعد الآن. فقال: طيب، إذًا في 4 أو 5 الشهر. وقال إنو ما فيه قرار وإنما بدنا نفتح الخيارات، وإنّو هدا بيتغيّر وكذا. وكان هذا الكلام يوم الاثنين. يوم الثلاثاء أعلن ترشيحه. وشو عمل ترشيحه؟! نَشَر عرضنا!! كتاب! كتاب! الرئيس: هو الحق عليه هو حمّل حاله المسؤولية. أنا طلبت البيان. الحريري: شفت شو قال! الرئيس: شو قال، قال إننا نتحمل كلنا المسؤولية. الحريري: قال إننا نتحمل كلنا مسؤولية تعثر الوضع الداخلي، ولكن..... الرئيس (مقاطعًا): يعني هلق أنت ونبيه لا تتحملان مسؤولية أبدًا؟! (ضاحكًا) يعني كمان هذا ما مقبول أن تقول له: كله أنت. ماله أغلاط؟ لذا غلاط! الحريري: أولًا، أولًا، نبيه شيء وأنا شيء. الرئيس: أكيد، لكن أنتم الثلاثة... الحريري: نبيه رئيس مجلس نيابي وعنده صلاحيات وعنده فريق شغل. وأنا رئيس مجلس وزراء عندي كاركتير وعندي فريق شغل وأنا تقريبًا مجمّع.... الرئيس(مقاطعًا): أنتم كل واحد منكم في دولة أو كل واحد منكم في وطن؟!! الحريري: لا. الرئيس: كلكم مسؤولون مسؤولية واحدة تجاه البلد. الحريري: صار لنا فترة الذي يدير الدولة هو لحود. الرئيس: ليس كليًا. الحريري: لا، كليًا كليًا. يمكن مانك بالصورة. الرئيس: لا، أنا ما بعرف التفاصيل. الرئيس: طاقتك صغيرة! ونحن كنا حاسبينها أكبر من هيك الحريري: إي أنا طاقتي في هذا الموضوع مش قادر أتحمله... أنا صار لي فترة عايش على الأدوية الحريري: كليًا، كليًا، سيادة الرئيس. كليًا. ويجلب مواضيع من خارج جدول أعمال الجلسة. وما له حق بذلك. والدستور يقول إنه في حالات الضرورة القصوى يمكن لرئيس الجمهورية أن يطرح موضوعًا من خارج جدول الأعمال. مثلًا منذ أسبوع. جلب موضوعًا يتعلق بفؤاد مخزومي أنا رفضت وضعه على جدول الأعمال. الرئيس: عندي فكرة عن الموضوع. الحريري: عال. مقدّم طلب، يريد أن يؤسس حزبًا. وطلع على التلفزيون وسبّ المفتي، سبّ المفتي على التلفزيون!! الرئيس: طيب أنا بدي أسألك سؤالًا. ما هي العلاقة بين مسبّة المفتي وتأسيس حزب؟! ما له علاقة. الحريري: لا، له علاقة. الرئيس: ما هي العلاقة؟ الحريري: فيه علاقة. الرئيس: صح. الناس إذا زعلانين منه منشان المفتي. يعني، بدي أسألك: منطق الدولة يختلف عن منطق الطائفة. الحريري: أنا رئيس الحكومة، شو طلبت؟ الرئيس: التأجيل. الحريري: قلت خلينا نؤجله شوية حتى تهدأ هذه الأمور. أبدًا. أبدًا إلاّ بدّو يجيبه وجابه من خارج الجدول. وما له حق. وما له حق. الرئيس: طيب، أنت تصرفت بمنطق أن الناس زعلت، السنّة زعلوا. هو طلبه منطقي حسب القانون. الحريري: يعني هذا مفتي، مفتي شو بدّك فيه. الرئيس: أعرف، أعرف. لكن أنت عمتحكي بمنطق الشارع، وهو عميحكي بمنطق الدستور أو القانون. إذا كان رئيس الدولة عميحكي بمنطق القانون فحقه. وصار فيه مسبّة بينه وبين المفتي فيحاسب عليها حسب القانون. حاسبوه حسب القانون. لكن أنت وجهة نظرك صح وهو أيضًا وجهة نظره صح. الحريري: لكنه ما بعت الطلب، ما فيه ورقة على الطاولة! الرئيس: على كل حال، أنا أعرف تفاصيل هذا الموضوع. الحريري: أنا فقط عمبعطيك إياه كَمَثل. هذه الجمعة، في جدول أعمال جلسة هذه الجمعة بدو ينبحث. الرئيس: طيب، وبيان المفتي (قباني) والمفتي قبلان شو موضوعه. هل طلعا من تلقاء ذاتهم أم ماذا؟! خلينا نحكي بالواقع! هكذا هو الحال في لبنان. هيك بدهم اللبنانيين! الحريري: صحيح. الرئيس (ضاحكًا): وأنت نفسك عندك إعلام وتسوّق الفكرة التي تعجبك. الحريري: المشكلة جاءت من قبلان والبيان كله انعمل منشان ما يحصل في المتن. الرئيس: وهذا أسوأ. معناه ينتقلون من هذا الموضوع إلى موضوع آخر. الحريري: الذي يكتب البيانات للمفتي القباني هو محمد السمّاك الذي هو قريب لي. لكنه ملحق عند المفتي، قاعد عند المفتي. طلبوا منه فكتب البيان وأراه للاثنين (للمفتيين قباني وقبلان) فوافقا عليه وأذيع البيان. الرئيس: كم مضى على هذا البيان؟ الحريري: 3-4 أشهر. الرئيس: معناها جاء لحود وردّ عليه وفينا نعطيه تبريرًا. قصدي: فيه شي من هون، وفيه شي من هون. الحريري: وأنا لم أعترض على شيء آخر! الرئيس: أنت قلت إنه حملنا المسؤولية في بيانه. بيان يهاجمه بدّو يوقّفه! الحريري: لكنه ما ردّ على المفتي. ولو كان ردّ على المفتي كان كويّس. الرئيس: عندك شك في أنه لو قلت للحود اقعد في بيتك ولا تحضر جلسات مجلس الوزراء بيقعد في بيته أم لا؟ الحريري: (سكت لحظة ولم يجب بشيء على هذا السؤال). فقال الرئيس: ما بتعرفها! هاي خليها، راح تعرفها في المستقبل. الحريري: أنت كنت عمبتقول له... الرئيس(مقاطعًا): لا، أكثر من هيك. أنتم كان المطلوب منكم أن تتفقوا وتوصلوا إلى حل. الحريري (محتدًا ورافعًا صوته): بشو؟! الرئيس (بنفس اللهجة): بكل شيء! بكل شيء! لأن مجلس الوزراء مانو آخد دوره. لا أحد من الوزراء يحكي شيئًا عندكم! يا أخي، اشتغلوا كمجلس وزراء! نحن هكذا نشتغل عندنا في سورية. وهذا عندكم في لبنان أهمّ بكثير. أما إذا كان كل واحد منكم يقوّص على الآخر عن قريب، خلينا نقول هيك! هذا هو الواقع. وبالأخير كان اللبنانيون يشتكون من الوضع كله. واللبنانيون ليسوا معه ضدك. ولا معك ضده أبدًا. المهم، الآن القضية لم تعد لحود. القضية صارت هنا. القضية قضية سورية والقرار قرار سورية. والصورة ليست صورة لبنانية وليست هي العلاقة بينك وبين لحود. الصورة هي بالنسبة لنا ضرورة الإصلاح في لبنان، الوضع الداخلي وموضوع العلاقة مع لبنان على الوضع الخارجي. فهذا هو الموضوع. الحريري: موضوع لبنان الخارجي لا أعتقد أنه فيه أي إشكال سيادة الرئيس. موضوع لبنان الخارجي طول عمره واقف مع سورية. وهذا الأمر ليس مطروحًا أبدًا. رفيق الحريري يدلي بصوته خلال جلسة انتخب فيها إيميل لحود رئيساً بالإجماع (15/10/1998/فرانس برس) الرئيس: لا، فيه هيك شي، فيه مئة طريقة لكي يخربطوا الوضع على سورية من داخل لبنان. فيه طرق كثيرة ولا يجوز أن يبسّط الواحد الأمور بهذا الشكل. في الموضوع الخارجي، أعتقد أنك أنت أدرى به. الآن اتخذ القرار وانتهى الموضوع ونبيه يعرف وهو جايي. الآن بلغني عن طريق رستم. فنحن بدنا نمشي، وبدنا مرحلة جديدة، وبدنا إياك تكون من ضمنها. وأنا لو كان لي وجهة نظر أخرى فيك، أنت تعرف، أنا واضح وصريح، وأنت شفتني. أتعامل مع الرؤساء العرب بطريقتي، أنا بطبعي واضح. الحريري: بعرف. الرئيس: فلذلك، لا. نحن لنا مآخذ على كل اللبنانيين. فهم الطبقة السياسية، كل واحد منهم معبأ بالعيوب من راسه إلى رجليه. وضمن هذه المشاكل وهذا الجو المهم هو أن نمشي للمستقبل بطريقة جدية. وأنا ما عمحملك المسؤولية، ولحود يتحمل اللّي عليه. وهلّق لو نقول له: رح واقعد في البيت، بيقعد في البيت وما عنده مشكلة. ونحن لنا مآخذ على فريقه من المرّ وجرّ، من ميشيل وإلياس والبقية اللّي حوله كل هذا الوضع راح يتغير. نحن في سورية ما فينا نمشي معكم بهذه الطريقة. وإلا سينهار لبنان كلبنان. إذا انهار لبنان ستنهار سورية معه. الحريري: بس هذا الشيء بدو ناس غير هالناس! الرئيس: لا. لا. أول شي أنت بدّك تتحمل مسؤولية معنا. فإذا كنت أنت على جنب معناها أي رئيس حكومة بيجي. أنت رئيس حكومة بإمكانيات خاصة. وفي هذه الحالة، بهذا التصوّر الذي عندك ما بيمشي الحال. الحريري: شو التصوّر يعني؟! الرئيس: بتعرف بعدين، مو هلّق. كل شي بوقته. كل شي بوقته كويس. ولذلك بدنا إياك تمشي بالاتجاه الصحيح. فَخَلَصْ! وأنت عندما تقول إن القرار هنا هل هذا مجرد كلام تحكيه أم أنت مقتنع فيه؟! فأنت كنت تجي دائمًا وتقول لي هذا الكلام. الحريري: أنا أعرف أن القرار هنا وأنا مقتنع فيه، سيادة الرئيس. بس بموضوع رئيس الجمهورية أن استمر معه مش معقول لأنه خلال ست سنوات، اثنتان في المعارضة وأربع في الحكم، لغاية اليوم، لغاية البارحة، عمتطلب مني شغلة هي فوق طاقة البشر! الرئيس: إذًا، لماذا تقول إن القرار هنا؟! الحريري: وأنا بعدي بقول لك إن القرار هنا، لأن لبنان ما ممكن ينحكم إلا بهذه الطريقة. ونحن مش عمّناقش موضوع أين هو القرار. نحن عمّناقش أن وجود إميل لحود والتمديد له هو ضرر، من وجهة نظري أنا، لسورية وضرر للبنان كبير جدًا. وعلى مستوى سقفي عمتطلب مني شغلة فوق طاقتي. الرئيس (بصوت هادئ): لا، مش فوق طاقتك، بالعكس. الحريري: بلى، بلى! الرئيس: معناها عمترفض! هل ترفض؟! الحريري: مش هيك الموضوع. مش هيك الموضوع. معناها عمتحطني في محلّ إما إنّو أنا... الرئيس (مقاطعًا): معناها طاقتك صغيرة! الحريري: إي. الرئيس: ونحن كنا حاسبينها أكبر من هيك. الحريري: لا، إي أنا طاقتي في هذا الموضوع مش قادر أتحمله. الرئيس: كويّس. إذا هذا هو قرارك. زعماء المعارضة اللبنانية عند ضريح رفيق الحريري وسط بيروت (17/2/2005/فرانس برس) الحريري: سيادة الرئيس، أنا، يعني، ما بدّي أقعد أشكي ضعفي، أنا صار لي فترة عايش على الأدوية، وبحياتي ما أخذت أدوية! الرئيس: طيب، هلّق... الحريري (مقاطعًا): أنا صار لي فترة عايش على الأدوية. الرئيس: يا ترى هل بدك إياني أبني قراري على هذه الكلمة؟! الحريري: لا، لا، لا. ما بدي إياك تبني قرارك على الأدوية. أنا ما فيّي، ما فيّي! هذا الموضوع، ذلّني! لا، لا، لا، آخذ الموضوع، يعني، معليش، ما بعرف شو بدّي قول. هذا الرجل ذلّني. الرئيس: هلّق أنت بدك تناقشني حول لحود، وأنا أناقشك حول القرار السوري في موضوع أكبر، في موضوع آخر! فهل سورية أم لحود؟! الحريري: يعني عمبتحطني بمحل إنّو لحود وسورية واحد! الرئيس: لا. رفيق. أنت حطيت حالك بهذا الشكل. أنت الآن قلت إن القرار عندنا. وقلت إن الرئيس بشار هو أهم شيء فيه. وهذا الكلام قلته أمامي، ولسّه ما فيه شهرين، وما فيه بيان ولا فيه شي. الحريري (محتدًا قليلًا): لا، سيادة الرئيس، أنت تعرف شو هو رأيي بلحود. وأنا قلت لك آخر مرة شو عمل فييّ الزلمي. وشو مستمر يعمل فييّ، شو مستمر يعمل فييّ! الرئيس (بهدوء): سورية ولبنان أهم من شخصين أو من ثلاثة أشخاص. فهمت شو هي الفكرة؟ هذا هو اللّي عمناقشه أنا. بترك لك القرار لَإلَكْ. بترك لك القرار لَإلَك. وهذا الموضوع بيدك. بإيدك. أنت تحدد كيف العلاقة بيننا وبينك. وأنا ما راح أفرض عليك شيء أبدًا. الحريري: سيادة الرئيس... الرئيس (مقاطعًا): أنا أعطيتك قراري وأنت حرّ التصرف فيه، أنا أعطيتك إياه، خذه واعمل فيه، وبدّك كبّو! الحريري: لا، ما بكبّو! الرئيس: بدّك تمشي فيه، خَلَص. الحريري: شوف لأقول لك سيادة الرئيس... الرئيس (مقاطعًا): أنت حكيت كلامًا كثيرًا أمامي وأمام رستم. فبدنا نجّرب! الحريري: لاء. لاء. الرئيس: وهذا هو أول محكّ. أول محكّ حقيقي يا رفيق. الحريري: لاء، لاء، سيادة الرئيس. أنا صار لي 22 سنة ما أخليت يومًا بأمر سورية. ما أخليت يومًا. أنا أخليت؟! طيب، أنا ليش تحملت هذه السنوات؟! الرئيس: أنا الآن صار لي أربع سنوات رئيس. الحريري: إي أربع سنوات. في هذه الأربع سنوات، سيادة الرئيس، في السنتين الأوليين أنا عدة مرات كنت بدي إجي وأستاذنك وأقول لك، أنا ما عاد قادر أحمل. واللّي خلاني ما أعمل هيك هو شغلة أساسية هي إنني أعرف أنه في لبنان، في ذلك الوقت قبل أن نعمل مؤتمر باريس-2، إذا أنا تركت معناها راح كل شيء. ولذلك تحملت شوية حتى عملنا مؤتمر باريس-2 وبعد باريس بشوية صارت قصة العراق. وأنا جئت وقلت لكم يا عمّي إذا بدكم تغيروا هذه الحكومة غيروها هلّق وجيبوا الحكومة اللّي أنتم بترتاحوا لها. عملتم حكومة على أساس أنكم ترتاحوا. لكن هذه الحكومة كانت مجّيرة لإميل لحود! مجّيرة لإميل لحود بالسرّاء والضرّاء! وكان من المفروض أن تجي هذه الحكومة من أجل أن تضمن الأمن السوري والسياسة السورية بحيث تكون أنت مرتاحًا مئة بالمئة! الرئيس: بدّك تتحمل مسؤولية معنا. فإذا كنت أنت على جنب معناها أي رئيس حكومة بيجي.. بهذا التصوّر الذي عندك ما بيمشي الحال. الحريري: شو التصوّر يعني؟!... الرئيس: بتعرف بعدين، مو هلّق. كل شي بوقته الرئيس (محتدًا قليلًا): إذا بدنا نحكي بهذا المنطق، بدنا نحكي عن الأداء الطائفي الذي صار وكنت أنت جسده. ما تخلينا نفتح كل الأوراق! خلينا هلق واضحين! أنا أعرف وضع لبنان بالتفاصيل. ما بدنا نلعب على بعضنا لعبة القط والفار! أنت تعرف ونحن نعرف. نعرف كل التفاصيل. علاقتك بالمفتي نعرفها. كل الألعاب التي صارت لاستفزاز لحود، ولتظهر أغلاطه أكثر نعرف كيف لُعِبَتْ. ونعرف كل هذه الأمور اللّي عمبتصير بينك وبينه. الموضوع الطائفي كان خطيرًا. وما بدنا نحكي بهذا المنطق! وحركة (رافعًا صوته أكثر) السفير الفرنسي، أحملك إياها الآن مباشرة وأقول لك. أنت عمبتشوف شيراك بخاطرك. فأين هي هذه العلاقة؟ فأنا بدي شوف الأمور على الواقع. إذا كان بدنا نحكي بالواقع وبمصلحة سورية ولبنان نقول: لا، ما صار شي جيد. ما صار أبدًا. وشو هلْ الاتصالات بيننا وبين شيراك، هالثلاثة أربعة مبعوثين الذين بعثهم إلينا؟! هلّق فيه أداء على الواقع وأنا فيني حمَّلك مسؤوليته إذا بدي أحكي بهالمنطق. ما فيك تقول: والله أتعبني وأهانني. هنا فيه قرار دولة. ونحن لا نتعامل كأشخاص. وسورية وضعها غير وضع ويختلف عن الوضع عندكم. أتمنى أن تفهم هذا الموضوع. الآن أعطيتك القرار. والقرار أنا أخذته وتبلغه السوريون واللبنانيون. وما فيه رجعة. بتحب تأخذه، قلت لك القرار بيدك. يعني ما بدي عالج معك هذا الموضوع. أنا عمبحكي معك كصديق في البداية، لكن عندما سأحكي كرئيس أقول لك إن فيه مئة ألف شغلة بيدي أنا. وما بدي نوصل إلى هذه المرحلة! نحن نحبك ونحترمك، وخلّ الصداقة تبقى بيننا هيك. أتمنى أن تمشي بهذا الموقف. ومصلحة سورية ولبنان فوق كل الاعتبارات. وأتمنى أن يكون هذا الكلام واضحًا. والآن جايي لعندي نبيه وراح بلّغه مباشرة وبدنا نمشي. ونحن ماشون. ومهما تكن النتائج نحن ماشون. فأتمنى من الآن لوقتها أن تكون الأمور فعلًا جيدة وأن تكون ضمن الإطار الهادئ لكي تساعدنا حتى نصل إلى مرحلة جيدة. يعني إذا ما كان الوضع جيدًا هل تتحمّله سورية؟ لا، سورية سيكون لها موقف ثانٍ. فأتمنى أن نمشي بالموضوع. والقرار لك أنت. ما راح آخد منك القرار الآن. القرار بيدك. بتحبّ تفكّر، بتحبّ تراجع حالك، بتحب تبلّغ أحدًا، أنا أترك لك الموضوع. بس هذا هو أول محكّ بيني وبينك وأول مرة أجرّبك فيها. أول مرة أقول لك: هات لنشوف، كل شي حكيته وَرْجينا إياه! وَرْجيني نتائجه! هل يا ترى أنا أم لحود، قراري أنا أم مشاكلك مع لحود؟! وما بدّي اسمع الآن الجواب. وأنا عمقول لك روح الآن وبعدين بلِّغْ العميد رستم أو بلِّغ نبيه، ما فيه مشكلة. الحريري: ماشي الحال. الرئيس: ونسِّق مع العميد رستم. الحريري: مَعْ؟! الرئيس: مع العميد رستم. احكِ معه وبلغه إذا كان في شي. الحريري: ماشي. الرئيس: طيب. أهلًا وسهلًا. الحريري: بخاطرك! الرئيس: مع السلامة.