logo
#

أحدث الأخبار مع #حركات_ثورية

سوريا.. من الثورة إلى حكم القانون
سوريا.. من الثورة إلى حكم القانون

الجزيرة

timeمنذ 5 أيام

  • أعمال
  • الجزيرة

سوريا.. من الثورة إلى حكم القانون

تلخَّص الثورة بأنها ظاهرة من مظاهر تطور المجتمع؛ يلجأ إليها الأخير بقصد إحداث تغيير لم تفلح الأقنية القانونية والدستورية في إحداثه، بعد فشل النظام السياسي بتحقيق ما تصبو إليه الجماعة، فتصل الجموع إلى حد القناعة بعجز النظام القائم، وعدم جدوى سياساته لتحقيق مرامها؛ فيستحيل عدم الرضا عن سياسات حكومة أو نظام إلى انفعال شعبي يتباين شدةً ومدى، يقصد تغييرًا لم تكن المشروعية الدستورية حلًا ناجعًا له. ولا ينبغي أن تنحصر الثورة -بمفهومها الحقيقي المراد- بالإطاحة بنظام سياسي لتنصيب بديله؛ فالمراد هو التأسيس لنظام اجتماعي يتفق ومرادات شعب الثورة؛ يسلك فيه المجموع وفق قواعد اجتماعية مغايرة، وتنتظم فيه ممارسة السلطة بطريقة شرعية عادلة، لا الاكتفاء بالتغييرات الشكلية المنقوصة، وهذا ما يستدعي بالضرورة أن ينجم عن الثورة تغيير حقيقي عميق في النظام الاقتصادي والاجتماعي والسياسي للدولة، لمعالجة الأسباب الجذرية التي أدت إلى اندلاع الثورة؛ لا الاكتفاء بتغيير أشخاص النظام السياسي المخلوع. ومن موجبات الثورة أن تنتقل الجموع من نشوة الشعور بالانتصار إلى العمل على تحديد النهج العام للسياسة والاقتصاد والحياة الاجتماعية؛ لتُبنى منظومة قانونية وفق المعتقدات الجديدة للعقل الجمعي الثوري، وهنا تكمن ضرورة التفريق بين التوق إلى الحرية، وعملية بناء الدولة على أسس العدالة والشرعية، وضرورة تحقيق الأهداف الثورية وطموحات الشعب الثائر بحقيقة مضامينها ومراداتها، عقب استبدال النظام المنشود بالنظام المخلوع. من نافلة القول أن مجتمعات ما بعد الثورة عادةً ما تواجه مهمةً أساسية، تتمثل في استعادة حكم القانون وإثباته من حيث الوجود والتطبيق، باعتباره الضامن الأساسي للحقوق، والإطار الذي لا غنى عنه لتأطير الحريات ومصدر فرض الالتزامات عادةً ما تعقب الثورة مرحلة انتقال سياسي، تتمثل في ترتيبات حكم مؤقت يمارس فيها الجهاز التنفيذي -والتشريعي أحيانًا- السلطة العامة في البلاد؛ بغية النهوض بمهام الدولة؛ ريثما تتم استعادة النظام الدستوري عقب عملية إصلاح للمؤسسات الحكومية تمهد لعهد جديد؛ يؤسس لسلطة تعتلي الحكم عادةً بالانتخاب. وإن هذه المرحلة مهمة جدًا؛ إذ إنها تشكل فترةً ضرورية لتشكُّل أو تشكيل اختيارات الشعب واتجاهاته، وتكوين قدر كافٍ من الوعي السياسي لديه، خصوصًا في البلاد التي رزحت تحت حكم الاستبداد والإقصاء والدكتاتورية ردحًا طويلًا. ومن نافلة القول أن مجتمعات ما بعد الثورة عادةً ما تواجه مهمةً أساسية، تتمثل في استعادة حكم القانون وإثباته من حيث الوجود والتطبيق، باعتباره الضامن الأساسي للحقوق، والإطار الذي لا غنى عنه لتأطير الحريات ومصدر فرض الالتزامات، كما أنه مصدر مشروعية السلطة وممارساتها. ونقصد بحكم القانون؛ خضوع الكافة من حاكمين ومحكومين، وسلطة وشعب، ومؤسسات وكيانات عامة وخاصة، لأحكام عامة مجردة ملزمة، تطبق على الأوضاع المتماثلة بالتساوي دون تمييز، بما يتواكب مع التغييرات الطارئة على المجتمع، وبما يتوافق مع العقل الجمعي للثورة ومبادئها، وهذا يعني أن الشرعية الثورية لا بد أن تستحيل إلى شرعية دستورية يحكمها القانون ويحكم عليها. ويتبع ذلك بناء المؤسسات التي ترهلت أو تآكلت أو ربما انهارت قبيل ومع نجاح الثورة، وبناء الدولة بما فيها من وظائف سياسية وتشريعية وتنفيذية وقضائية، وبيان حدود كل منها، وتنظيم التفاعل فيما بينها دون تغول ودون تعارض. كيف تُبنى دولة القانون؟ إن من موجبات بناء الدولة التأسيس لفصل حقيقي وواضح للسلطات، بما يضمن عدم تركز السلطة بيد تلك التنفيذية، ومنح استقلال تام وحقيقي للسلطة القضائية، وتوفير مناخ تنافسي فاعل وفعال للآليات الانتخابية التمثيلية، وتفعيل رقابة شعبية مدنية نزيهة وشفافة على السلطة التنفيذية، ما من شأنه ضمان تحقيق الأهداف الثورية وعدم تكرار فساد الحكم والتفرد بالسلطة، والسعي في تحقيق العدالة والسلم، ومشاركة أطياف الشعب دون إقصاء، وجعل الولاية للدولة. ومن أسس بناء دولة القانون عقب الثورات إعادة النظر في القوانين النافذة في البلاد، والتي في ظلها ظهر الفساد، وتدهور الوضع الاقتصادي والسياسي، وتطاولت الأذرع الأمنية، وسيطرت الأحكام العرفية. والحقيقة أن مسألة إصلاح القوانين ليست باليسيرة، خصوصًا في بلاد كانت تتداخل فيها السلطات، وتتشابك في ظل منظومة فساد واستبداد؛ إلا أن إحداث التغيير في العقلية الجمعية في المجتمع هو الأكثر تعقيدًا، بغية إحلال عقلية القانون محل العقلية الأمنية، والالتزام بالقانون لا البحث عن أصحاب النفوذ، وأداء الحقوق لا الالتفاف عليها، والحفاظ على المكتسبات الوطنية لا التفريط بها لمصالح شخصية، وبناء الدولة لا الحزب والجماعة والانتماءات المختلفة. يتأكد ذلك إذا ما علمنا أن السلطة المستبدة الفاسدة ليست عدوًا فردًا أوحد، وإنما هي بناء مركب نما وتغذى بفعل الجموع التي تركت الالتزام بالحق والتصرف بالعدل والوقوف بوجه الخطأ عقودًا إلى أن أصبحت السلطة مستبدة؛ ما يؤذن بولادة منظومة قانونية ليس فيها شيء من بقايا الفساد المترسخة في أعماق النظام السابق، تغيب فيها هشاشة المؤسسات، وتتخلص من مخلفات الشمولية والدكتاتورية، وتبنى فيها على أساس من الشرعية والمشروعية، فلا يساس الناس إلا بالقانون. نجاح الثورة يقتضي نجاح بناء الدولة، وأساس بناء الدولة الناجح هو ذاك الذي يعالج المشكلات التي أدت إلى اندلاع الثورة أساسًا؛ فيؤسس لدولة تحتكم للقانون وتكرس العدالة، وتحترم الإنسان، وتزن بالقسطاس المستقيم وإن من أولويات دولة القانون تصحيح مسارات الدولة وأسسها؛ بالانتقال من المركزية المفرطة إلى اللامركزية المنضبطة، ومن البيروقراطية إلى الديمقراطية، ومن الأحادية إلى التعددية، ومن الاحتكار إلى التنافسية، ومن محاولة التهميش إلى طلب المشاركة، ومن القمع إلى التكامل، وإعادة صياغة العقد الاجتماعي لتشكيل العلاقة بين الحكم والشعب بما يتوافق والهوية الوطنية، والأسس الثقافية والسياسية والاجتماعية لعموم أفراد الشعب، وبما يضمن الاستقرار والتنمية في الوقت نفسه، وإيجاد آليات حقيقية وفعالة للرقابة، ومدى تطبيق القانون؛ تتمتع بالاستقلال، ولا تحكم سوى بالقانون الذي ينبغي أن يخضع له هرم السلطة بكل طبقاته. ومن المهم أن نعلم أن استنساخ نماذج المشروعية وشكل المؤسسات وفاعليتها من المنظومات الأخرى، دون مراعاة الفوارق في البيئة والثقافة والخصوصية، لا يفلح في تحقيق ما ترنو إليه الطموحات من ضرورة انبثاق المشروعية عن شرعية حقيقية، ومراعاة الحالة الوطنية، وواقعية الحياة السياسية والدستورية، ومستوى المؤسسات الحكومية؛ ليتم البناء خطوةً تلو أخرى على أسس متينة، وإن كانت غير سريعة، لا أن تبنى على شفا جرف هار فتنهار. وهذا يعني أن نجاح الثورة يقتضي نجاح بناء الدولة، وأساس بناء الدولة الناجح هو ذاك الذي يعالج المشكلات التي أدت إلى اندلاع الثورة أساسًا؛ فيؤسس لدولة تحتكم للقانون وتكرس العدالة، وتحترم الإنسان، وتزن بالقسطاس المستقيم، ويكون مبتدأ ذلك كله بناء الدستور، ويكون منتهاه ضمان تنفيذ أصغر مادة قانونية وفق منظومة متكاملة، ترشح عن مراد المجموع وإرادة عقله الجمعي؛ مرورًا بإعادة النظر في التشريعات النافذة، وإعادة هيكلة المؤسسات المختلفة، وضمان تحقيق الاستقلالية والشفافية والشرعية من حيث التشريع والتطبيق.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store