logo
#

أحدث الأخبار مع #حركةالاعتدال

مسلمات العصر الفيكتوري.. قصة شمعتين أضاءتا بريطانيا في عصر مظلم
مسلمات العصر الفيكتوري.. قصة شمعتين أضاءتا بريطانيا في عصر مظلم

الجزيرة

time٠٨-٠٥-٢٠٢٥

  • ترفيه
  • الجزيرة

مسلمات العصر الفيكتوري.. قصة شمعتين أضاءتا بريطانيا في عصر مظلم

يسعى مسلمون جدد في بريطانيا إلى بناء ذاكرتهم الجماعية، بالتنقيب في تاريخ الإسلام المبكّر، وتدوين وقائعه، وإبراز دور الشخصيات المؤثرة فيه. والحلقتان المميزتان من سلسلة 'مسلمو العصر الفيكتوري' المتعلقتان بمسلمتين 'فاطمة إليزابيث كيتس' و'الليدي زينب كوبولد' مثال جيّد على ذلك. فقد عاشت كلتاهما إسلامها على طريقتها الخاصّة العميقة، فمثلتا نموذجين مختلفين للمرأة البريطانية المسلمة. سلسلة 'مسلمو العصر الفيكتوري' هي من إخراج 'ستيفن لونغدي'، وقد أنتجتها قناة الجزيرة الوثائقية، وعرضتها على شاشتها. يعوّل المخرج 'ستيفن لونغدين' أساسا على ناشطين مسلمين متحمسين لإحياء التاريخ، منهم 'رون جيفز' و'إيفون ريدلي' و'أميرة سكرسبريك'، وعلى مؤرخين وباحثين في تاريخ الإسلام والمسلمين في بريطانيا، منهم حامد محمود و'يحيى بيرت' مؤلفا كتاب 'فاطمة ليفربول: قصة فاطمة كيتس، المرأة الفيكتورية التي أسهمت في تأسيس الإسلام البريطاني'، وعلى كتابات المرأتين الشخصية. 'فاطمة كيتس'.. داعية مصلحة اهتدت إلى الإسلام نشأت 'فرانسيس إليزابيث موراي' (1865-1900) في عائلة مسيحية صارمة من الطبقة العاملة، وتعد أول امرأة تدخل الإسلام في ليفربول. ومع أنّ والدها ذا الأصل الأيرلندي كان يشتغل حمالا، فقد أسعف الحظ البنت، فتلقت تعليمها برغم ظروف العائلة المادية، فكانت من أوائل المجموعات التي استفادت من قانون إجبارية التعليم عام 1870، واستطاعت أن تبني شخصيتها المستقلة المتمرّدة. دفعتها استقلاليتها هذه إلى الانخراط في 'حركة الاعتدال'، وهي حركة اجتماعية نشطت في الولايات المتحدة وبريطانيا، وعملت على نشر الديمقراطية، ومناهضة العبودية، وفرض الحقّ النقابي. كما عملت على الحدّ من استهلاك الخمور ضمن تصورها للمجتمع المتوازن، ثمّ تولت الكتابة العامة لفرع الحركة في ليفربول، أما الحدث الذي غيّر حياتها، فهو لقاؤها 'عبد الله هنري كويليام'، ناشر الإسلام في الأرخبيل البريطاني. فقد أوقد فضولها للتعرّف على الدين الإسلامي، حين ذكر في خطبة له أنّ من العظماء الذين تستلهم منهم الحركة قيمها النبي محمد ﷺ، 'العربي العظيم الذي لا يشرب الخمر'. ثم لمّا أبدت حماستها للإسلام نصحها بقراءة القرآن أولا، ومنحها نسخة مترجمة منه، قائلا: لا تُصدِّقي ما أقول وما يقوله الآخرون عن الإسلام، من الأفضل أن تكتشفي ذلك بنفسك، اقرئي القرآن. وفي يونيو/ حزيران من سنة 1887 أعلنت إسلامها، وسمّت نفسها فاطمة. مسلمة صابرة على الأذى في سبيل الله بعد ترسّخ قناعاتها الدينية، شاركت 'فاطمة إليزابيث كيتس' مع 'كويليام' و'علي هاميلتون' في تأسيس جمعية ليفربول الإسلامية (Liverpool Muslim Society). وتمثّل دورها في الدعوة إلى الإسلام، وشرح تعاليمه، فكانوا يلتقون يوم الجمعة في مبنى مستأجر للصلاة وحفظ القرآن والتفقه في الدين. ولكن تحريض مناوئيهم دفع صاحب العقار إلى إنذارهم بوجوب إخلاء محلّه سنة 1887. وبعد سنتين، انتقلت الجمعية إلى مبنى أكبر حجما وأكثر جذبا للناس، فتعاظم دورها وأشعت صورتها الدولية، ثم تولت فاطمة تمثيلها وطنيا ودوليا، ونشرت كتاباتها ذات البعد الديني شعرا ونثرا في مجلة الله أباد. ولم تكن طريقها إلى الإسلام سالكة، فقد لقيت عراقيل كثيرة، أولها عائلتها، فقد حاولت أمها أن تمنعها من قراءة المصحف، وأن تأخذه منها لإحراقه. وتنقل الحلقة عنها قولها: لقد لجأت إلى غرفتي، وأقفلت الباب، وواصلت قراءة القرآن، الذي اكتشفت فيما بعد أنه أفضل الكتب على الإطلاق. ثم غضب عليها الناس لترك دينها، حتى رُمي مسكنها بالحجارة، وكُسرت نوافذه مرارا، ولُطّخ وجهها بروث البغال. وقد زوجها أهلها عنوة للخلاص مما وجدوه عبئا عليهم، ومع أن المصادر تعلن إسلام زوجها، فقد مثّل هذا الاقتران عقبة جديدة، فلم تسلم فاطمة من أذاه، الذي بلغ حدّ الشروع في القتل. ولمّا طلبت حماية الشرطة، اصطدمت بقانون صادر عام 1857، يرفض طلب النساء للطلاق، فأسعفت بانفصال عن زوجها مدة سنة، ولكن رباطهما انتهى حقا، فقد عاشت منفصلة عنه حتى وفاته سنة 1895. وفي المعهد عطّل خصوم الجمعية اجتماعات أعضائها، فمنعوا دون دخولهم مقرها، ورموهم بالخضر والقمامة، واعتدوا عليهم جسديا. ولم تمنعها تلك العقبات من التمسك بدينها، والمضي في تكوين مجتمع إسلامي بريطاني، فعلى يديها أسلمت أختاها 'كلارا' و'آن'، ونسوة من ليفربول منهن 'بيرثا بومان'، و'هانا ورودا روبنسون'، و'ليا بانكس'، و'إيمي موكايش'. لم تعمّر هذه المرأة الاستثنائية طويلا، فقد أصيبت بأنفلونزا، خلّفت لها التهابا رئويا أودى بحياتها عام 1900. ومع أنها أقيمت لها مراسم دفن إسلامية بمقبرة 'أنفيلد'، فقد ظل قبرها بلا علامات وأهمل لاحقا، حتى أخذ حامد محمود -وهو أحد مسلمي هذا الجيل- على عاتقه تحديد موقعه وإعادة بنائه، ثم سمى باسمها مدرسته الدينية لإحياء ذكراها. 'زينب كوبولد'.. آثار الطفولة في البلاد العربية تنحدر 'إيفلين كوبولد' (1867-1965) من عائلة أرستقراطية، فقد كان والدها المستكشف 'إيرل دونمور السابع' يصطحب عائلته إلى ممتلكاته بشمال أفريقيا كل شتاء، هروبا من برد أسكوتلندا. لذلك فقد قضت أكثر طفولتها بين الجزائر والقاهرة، وخوّل لها ذلك أن تنغمس في أسلوب حياة العرب المسلمين، مستفيدة من براءة الأطفال وسلامتهم من التمييز العنصري والطبقي، فتعلمت العربية، وزارت المساجد، ونشأت على الانبهار بالشرق، وقد أثر ذلك في حياتها كلها. ولمّا بلغت سن الشباب تزوجت رجل أعمال ثريا من شرق إنجلترا، وقد كان متفهّما كرهها للحياة المستقرّة المترفة في إنجلترا، وتفضيلها حياة الإثارة والترحال، فاستأنفت رحلاتها إلى الشرق بدعم منه، بداية من 1911، قبل أن تدخل الإسلام. وفي عام 1912، نشرت كتابها الأول الذي يعرض رحلاتها تلك، بعنوان 'عابرة سبيل في الصحراء الليبية'، وفصّلت فيه مغامرات التخييم الممتعة في الصحراء وزيارة المساجد. 'لطالما كنت مسلمة في قلبي من دون أن أعي' ينقل الفيلم عن 'إيفلين موراي' قصّة إسلامها كما ترويها بنفسها لحفيدها. فتقول: مرّت عدة سنوات، وفي أحد الأيام كنت أقيم في روما مع بعض الأصدقاء الإيطاليين، فسألتني مضيفتي هل أرغب بزيارة البابا، فشعرت بسعادة غامرة، ولبست ثيابا سوداء وحجابا طويلا، ودخلت إلى حضرة البابا الموقّر مع مضيفي وأخته. وفجأة خاطبني حضرته وسألني هل أنا كاثوليكية، فصمتّ لحظة، ثم أجبته: أنا مسلمة. لا أستطيع أن أفسّر تماما ما دفعني إلى ذلك، فأنا لم أفكر في الإسلام سنين عددا، لكن ما حدث أربكني، وأنار شيئا في داخلي، فقد كنت عازمة على دراسة العقيدة الإسلامية، ولطالما كنت مسلمة في قلبي من دون أن أعي. ثم كتبتُ في مذكراتي: يسألونني متى ولماذا أصبحت مسلمة؟ فلا يسعني الرّد، فأنا لا أعرف اللحظة الدقيقة التي تفجرت فيها حقيقة الإسلام داخلي، لكن يبدو أنني كنت مسلمة دائما. سمت 'إيفلين' نفسها 'زينب كوبولد'، ثم عزمت على أداء فريضة الحج، لأنه أهم رحلة يخوضها المسلم، فطلبت من سفير السعودية في لندن أن يساعدها في مسعاها لتحقيق 'أمنيتها الأخيرة في الحياة'، ويبدو أن الأمر لم يكن هينا. يشرح الفيلم الصعوبات التي لقيتها، وينزّل زيارتها المفترضة ضمن سياقها السياسي، فقد تأسست الممالك العربية في شبه الجزيرة العربية على حساب الدولة العثمانية، وكانت علاقتها بالإمبراطورية البريطانية التي دعمتها تجمع بين الصداقة والحذر، ومن شأن مثل هذه الزيارة الغريبة يومئذ أن تثير الريبة، كما يرى الباحث في التراث الإسلامي البريطاني محمد صديق سدون. أضف إلى ذلك أن هذه المرأة كانت تنوي زيارة مكة بلا محرم، لذلك لم تتلق ردا سريعا من السلطات السعودية، ولم تستطع تحقيق حلمها إلا عام 1933، بعد مساعٍ كثيرة. يقرأ حفيدها الأصغر الذي يحتفظ بأرشيفها رسالتها إلى والده، وفيها تعبّر عن فخرها بكونها أول امرأة مسلمة بريطانية المولد تؤدي فريضة الحج. ويذكر أنها ألّفت بعد عودتها كتابا سردت فيه تفاصيل رحلتها المقدسة تلك، وقدمت المحاضرات وعرضت الصور. وتظهر الحلقة أنها أدّت المناسك بروح المستكشفة التي ورثتها من والدها. وبعد حجها بثلاثين سنة، توفيت في مركز لرعاية المسنين وقد بلغت 95 عاما، ودفنت في مرتفعات 'ويستروس' بأسكتلندا على وصيتها، بين الأيائل التي أدمنت صيدها، وقد صادف موتها موجة برد شديدة في التلال المتجمّدة، ولكن احتُرمت رغبتها في أن تدفن سريعا، على عادة المسلمين الذين يرون أن إكرام الميت دفنه. مسلمتان وتصوّران لإسلام المرأة البريطانية بعد إعادة اكتشاف قبر 'فاطمة إليزابيث كيتس' المهمل في مقبرة الأنفيلد سنة 2022، نُقش على شاهده الرخامي مقطع من شعرها، تستعرض فيه محنها التي واجهتها بعزيمة وصبر. ومنه: تتربص بنا جحافل من الأعداء مختبئين على امتداد الطريق علينا مواجهتهم بعزيمة لا تلين بالعمل والاجتهاد، والتضرع بالدعاء إنهم يراقبوننا، لينقضوا كوحوش كاسرة تبحث عن فريسة إذا غفلنا، ولو لحظة واحدة وتوقفنا عن العمل والدعاء فلنكن على يقظة من الإشارات التي أنعم الله بها علينا حتى نسير بأمان على الطريق.. الطريق الذي يقودنا إلى الجنة ف. إ. ك. (فاطمة إليزابيث كيتس)- (1892) ومقابل انخراط 'فاطمة إليزابيث كيتس' في إسلام نضالي دعوي، مثّل ارتباط الليدي 'زينب كوبولد' بالإسلام وبالشرق طريقة في الحياة، أكثر من كونه دخولا في ديانة، ومثّل تديّنها مسألة شخصية، فقد طوعته ليناسب حياتها الأرستقراطية المترفة. فلم تتخلّ عن أناقتها، وبقيت تعتمر القبعات والفساتين أو التنورات على طريقة سيدات المجتمع البريطاني، مع ما كان يميز رفقاءها المسلمين من المشايخ والأئمة من الالتزام، وكانوا يقبَلون منها ذلك، ولا يرون فيه حرجا. ولم تهجر هواية صيد الغزلان في مرتفعات أسكوتلندا، حيث كانت تمتلك منزلا، ومن خلال ألبوماتها التي يحتفظ بها حفيدها الأصغر تبدو فخورة بمهارتها وهي تقف بجانب فرائس الغزلان والأيائل الضخمة. هكذا مثلت 'فاطمة إليزابيث كيتس' الإسلام البريطاني النضالي، ومثلت 'الليدي زينب كوبولد' الإسلام الأرستقراطيّ الروحاني، ولا شكّ أنّ للبيئة الحضارية وللانتماء الطبقي لكلتيهما دورا في ذلك.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store