أحدث الأخبار مع #حزب«البديلمنأجلألمانيا»،


قاسيون
١١-٠٥-٢٠٢٥
- سياسة
- قاسيون
ألمانيا: محاولة إعادة إنتاج النازية الليبرالية
شهدت البلاد انتخابات برلمانية في شباط من هذا العام، وكانت النتيجة كارثية بحقّ للأحزاب المصنّفة ضمن «المنظومة» السياسية، أي الأحزاب التقليدية الكبرى. فلم تتمكن أي من القوى السياسية الكبرى: الديمقراطيون المسيحيون، أو الاشتراكيون الديمقراطيون ــ من حصد عدد كافٍ من الأصوات لتشكيل حكومة حتى بمساعدة أحزاب الأقمار الصناعية. مما اضطرهم إلى التفاوض فيما بينهم لتشكيل ائتلاف، لكن الأحداث الأخيرة بيّنت أن حتى هذا الخيار لم يكن كافياً للخروج من المأزق. رشّح الائتلاف العريض فريدريش ميرتس، إلا أن الرجل لم يحظَ سوى بـ310 أصوات في الجولة الأولى من التصويت، في حين أن الحد الأدنى المطلوب هو 316 صوتاً، ليصبح بذلك «بطة عرجاء» في مشهد سياسي غير مسبوق في تاريخ ألمانيا الحديث بعد الحرب العالمية الثانية. المفارقة الساخرة، أن الكتلة المؤيدة للحكومة المفترضة تضم 328 نائباً، ما يعني أن أكثر من عشرة أعضاء من صفوفها إما تمردوا أو امتنعوا عن التصويت. وهذا ما ينذر بحرب داخلية شرسة في صفوف هذه الأحزاب خلال الأيام القادمة، حرب ضد «الخُلْد»، ضد المندسّين، ضد الخونة المحتملين في الداخل. صحيح أن ميرتس نجح في نهاية المطاف في المرور من الجولة الثانية بصعوبة جامحة، إذ نال 325 صوتاً فقط، إلا أن الضرر قد وقع، وصورة السلطة قد تلطخت. لقد كشفت الأحزاب «المنظومية» ــ والتي هي في الواقع قوى نيوليبرالية ــ أمام المجتمع الألماني عن هشاشتها وضعفها البنيوي. ووصف خبراء سياسيون ما جرى بـ«الكارثة الكاملة» و«اللكمة في المعدة» بالنسبة لميرتس. وقد جاء هذا المشهد المخزي تحت قبة البوندستاغ في لحظة تشهد فيها البلاد تصاعداً غير مسبوق في شعبية حزب «البديل من أجل ألمانيا»، الحزب المحافظ اليميني. ففي حين أن الحزب كان قد حلّ ثانياً في انتخابات شباط/فبراير بنسبة تأييد بلغت نحو 20%، فإنه بات اليوم ــ وفقاً لأحدث استطلاعات الرأي ــ القوة السياسية الأولى في البلاد، بحجم تأييد يصل إلى 26%. وفي المقابل، تواصل شعبية الحزبين التقليديين ــ الاتحاد المسيحي الديمقراطي والحزب الاشتراكي الديمقراطي ــ تراجعها بثبات. كان من المنطقي، في ظل هذه المعطيات، أن تفكر الأحزاب التقليدية في الانفتاح على حزب البديل، أو على الأقل في مراجعة أسباب الفشل، وسبر مكامن النقمة الشعبية على سياساتها. لكن تلك الأحزاب اختارت طريقاً آخر تماماً. فقد أعلنت هيئة حماية الدستور رسمياً تصنيف حزب «البديل» كحزب يميني متطرف، واعتبرته «تهديداً للديمقراطية»، ما يمنح الأجهزة الأمنية الحق في مراقبة أعضائه ونشاطاته بشكل موسع. صحيح أن الحظر الرسمي للحزب ليس من صلاحيات الهيئة، بل هو من اختصاص المحكمة الدستورية الفيدرالية، التي يمكن أن تتلقى طلباً من البوندستاغ أو البوندسرات أو الحكومة الفيدرالية نفسها، إلا أن هذه الفرضية باتت مطروحة بجدية على الطاولة. ورغم أن المستشار المنتهية ولايته، أولاف شولتس، دعا الحكومة الجديدة إلى عدم التسرع في خطوة الحظر، فإن النخبة «المنظومية» الجديدة تتخذ موقفاً عدائياً صارماً. فقد صرّح لارس كلينغبايل، زعيم الحزب الاشتراكي الديمقراطي والمرشح لمنصب نائب المستشار، بأن الحكومة فور تشكيلها ستبدأ العمل على حظر حزب البديل. وقال: «البديل من أجل ألمانيا يمثل هجوماً على ألمانيا. إنهم يريدون بلداً مختلفاً، يريدون تدمير ديمقراطيتنا». أما الأمين العام للحزب الاشتراكي، ماتياس ميرش، فأعلن بدوره: «هذا إعلان دستوري صريح… ما يطرحه (AfD) من رؤى ينطق بلغة واضحة. ما يبدو عنصرياً، وما يُسمع كالعنصرية، هو في النهاية عنصرية». وانضم إلى الجوقة أيضاً نواب من حزب الخضر الليبرالي، مؤكدين أنه «ليس فقط بعض فروع الحزب، بل الحزب بكامله، يخوض حرباً ضد دستورنا والنظام الديمقراطي الحر». لكن حزب «البديل» لا ينوي الاستسلام ولا الركوع في وجه هذه «التصفية» السياسية. بل بادر بالفعل إلى التقدم بشكوى قضائية ضد هذا التصنيف، وبدأ في تسديد ضرباته المضادة نحو أكثر مناطق خصومه حساسية. فقد دعت زعيمة الحزب، أليس فايدل، بعد فشل ميرتس في الجولة الأولى، إلى إجراء انتخابات برلمانية جديدة، معتبرة أن ما حدث يُعبّر عن فقدان ثقة عميق بالمنظومة السياسية، ودعت الأحزاب الأخرى إلى التحلي بالحكمة، مؤكدة أن حزبها مستعد لتحمل مسؤولية قيادة البلاد. واعتبرت أن كلمتها تمثل صوت عشرات الملايين من الألمان. وقالت: «لقد سئم الألمان. سئموا من النخبة التي أوصلت البلاد إلى طريق مسدود، من اقتصاد منهار، وهجرة غير مضبوطة، وسياسة خارجية عبثية. لم يخسر ميرتس لأنه يفتقد العلاقات العامة، بل لأنه الوجه الذي يجسد منظومة لم يعد أحد يثق بها. وهذا ليس سوى بداية نهاية النظام القديم». التراجع الألماني في كلّ شيء يشهد الاقتصاد الألماني ــ الذي لطالما اعتُبر قاطرة أوروباــ تراجعاً متواصلاً منذ عامي 2023 و2024. دخلت البلاد في حالة ركود رسمي. وحتى أكثر الخبراء تفاؤلاً لا يتوقعون هذا العام سوى نمو بالكاد يصل إلى 0,1%، فيما يقول آخرون: إن الانكماش مستمر. وفي شباط الماضي، انخفض الإنتاج الصناعي مجدداً بنسبة 1,3%، بعد انتعاشة قصيرة في كانون الثاني، ما يعيد إلى الأذهان نهاية عام 2024، حين سجّل القطاع الصناعي أكبر انخفاض له خلال خمسة أشهر. وكان من بين أعمدة الصناعة الألمانية لعقود، الغاز الروسي الرخيص والمستقر. إلا أن برلين، في خضم تصعيدها لأزمة أوكرانيا، تخلّت طواعية عن هذا المصدر الحيوي. والأسوأ من ذلك، أنها حتى الآن لا تبدي أي رغبة حقيقية في التحقيق بتفجيرات خط أنابيب «نورد ستريم» التي عطّلت الإمدادات. وكأنها تفضل دفن رأسها في الرمال. ولم تكتفِ الحكومة بذلك، بل قررت أيضاً التخلي الكامل عن الطاقة النووية. في هذه الأثناء، يناشد كبار الصناعيين الحكومة الألمانية العودة إلى استيراد الغاز الروسي، أو على الأقل بحث هذه الإمكانية مستقبلاً، لكن أصواتهم لا تجد من يصغي. ونتيجة لأزمة الطاقة، ارتفعت أسعار الوقود والكهرباء، وهو ما انعكس بوضوح على تكاليف الإنتاج وأسعار الخدمات الأساسية، وخاصة المرافق. وقد شعر المواطن الألماني البسيط بهذه الضغوط في جيبه بشكل مباشر، باستثناء العاطلين عن العمل الذين يعيشون كلياً على الإعانات الاجتماعية. كما أنّ هناك جانباً آخر مظلم من المشهد، يتجلّى فيما يشهده المجتمع الألماني من تصاعد في الجريمة، في بلد كان يعد حتى وقت قريب من أكثر بلدان العالم أمناً وسكينة. ففي عام 2024، ارتفعت نسبة الجرائم العنيفة بنسبة 1,5%، وهو أعلى معدل منذ نحو 15 عاماً. وزادت حالات الاغتصاب والجرائم الجنسية الأخرى «بما في ذلك تلك التي انتهت بالموت» بنسبة 9,3%، أما الجرائم باستخدام السكاكين، فارتفعت بنسبة 6%، وتلك باستخدام الأسلحة النارية بنسبة 1,6%، أما الجرائم المرتكبة من قبل أجانب، فزادت بنسبة 7,5%، كما ارتفعت نسبة الجرائم التي تورّط فيها أطفال ومراهقون بنسبة 11,3%، وفي ولاية شمال الراين ــ وستفاليا، كان الأجانب يمثلون 34,3% من المشتبه بهم في الجرائم العنيفة، رغم أنهم لا يشكلون سوى 16,1% من سكان الولاية. في هذا الوقت، تواصل الأحزاب التقليدية التركيز على «الخطر الروسي» بدلاً من معالجة الأزمة الاقتصادية، أو ضبط الأمن الداخلي. حتى أن ميرتس، قبيل انتخابه مستشاراً، تفاخر بأنه اتفق مع الحزب الاشتراكي والخضر على رفع سقف الدين العام الألماني للحصول على 500 مليار يورو قروضاً لأغراض التسليح. وقال: «إنها رسالة واضحة لشركائنا، ولكن أيضاً لأعداء حريتنا: نحن قادرون على الدفاع عن أنفسنا. ألمانيا عادت. ألمانيا تساهم مساهمة كبيرة في الدفاع عن الحرية والسلام في أوروبا». لكن في واقع الأمر، فإن المواطن الألماني البسيط هو من يتحمل فاتورة هذا الجنون. فقد نالت منه الأزمة الاقتصادية، وتهدده الجريمة، وتُفرض عليه ديون هائلة تحت ذرائع محاربة «خطر خيالي». فهل يُستغرب بعد ذلك أن يتحول هذا المواطن إلى دعم حزب غير تقليدي يطرح حلولاً لمطالبه الاجتماعية؟ ماذا ستفعل الطبقة الحاكمة إن تجاوزت نسبة تأييد «البديل» حاجز الـ51%؟ هل سيُقيمون نظاماً على شاكلة الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، ويُنَكّلون بكل ألماني «غير مناسب» ويزجّون به في «دوَيْتشستانات» مغلقة؟ بدأ الفارق بين النازية والليبرالية، في هذا السياق، يبدو أوهى من خيط دخان… وأشد خداعاً مما يتخيله أكثر المراقبين سذاجة.


العرب اليوم
٠٦-٠٣-٢٠٢٥
- سياسة
- العرب اليوم
أميركا المحافظة... هل هو العصر الذهبي؟
غطت أخبار اللقاء العاصف في البيت الأبيض بين الرئيس الأميركي دونالد ترمب ونائبه جي دي فانس، والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، على الكثير من الأحداث ذات الأهمية الكبيرة، التي توضح للقارئ إلى أين تتوجه الولايات المتحدة الأميركية في السنوات الأربع المقبلة. لم يلتفت الكثيرون إلى أعمال إحدى أهم الفعاليات التي عرفتها الولايات المتحدة منذ منتصف سبعينات القرن الماضي، «مؤتمر العمل السياسي المحافظ» CPAC، الذي جرى في الفترة ما بين 19 و22 فبراير (شباط) الماضي، في أوكسون هيل بولاية ماريلاند. جمع المؤتمر أطيافاً وأطرافاً متنوعة، من السياسيين والمفكرين، الإعلاميين والكتاب، رجال الدين وأصحاب المصالح الاقتصادية، وهؤلاء يجمعهم توجه آيديولوجي محافظ واحد وواضح، لا سيما في عدائه الظاهر غير الخفي للميول اليسارية، والانفلات الليبرالي. أظهرت كلمات أيام المؤتمر الأربعة وحواراته أن ترمب نجح بالفعل في تسويق فكرة «العهد الذهبي» القادم لأميركا، خلال سنواته الأربع في البيت الأبيض، على الرغم من أنه قبل أشهر معدودات من إعادة انتخابه رئيساً، ملأ الدنيا ضجيجاً عن نهاية أميركا التي عرفها العالم، المدفوعة باقتصاد تعمه الفوضى، وباتت مدنها فضاءً مستباحاً للمهاجرين غير النظاميين، ناهيك عن الإرهابيين والمغتصبين والقتلة. الذين قُدّرت لهم متابعة أعمال المؤتمر، بدا وكأن هناك خلطة سحرية من أميركا البيوريتانية المؤمنة التي يقودها جناح جي دي فانس من جهة، وأميركا قائدة العالم التي وصفها سيد البيت الأبيض في كلمته بأنها «لا يوجد جبل لا تستطيع أن تعبره، ولا يجابهها عدو من غير أن تهزمه، ولا تحدٍ من دون أن تسحقه، أميركا الشعب الذي لا يعرف الانكسار». تضيق هذه العجالة عن سرد وعرض ما توقف أمامه ترمب من انتصارات – في تقديره – جرت بها الأقدار خلال شهر واحد من دخوله البيت الأبيض. تحمل بعض رؤاه ما يمكن أن نسميه «البشرى الرسائلية اليمينية»، فالرجل يهنئ شعبه بأنهم سحقوا اليسار المتطرف، الذي لم يعد له فقط مكان في أميركا، بل تجاوز الأمر ذلك إلى حدود الغرب كله، معتبراً أن انتصارات اليمين الألماني المتمثل في حزب «البديل من أجل ألمانيا»، انعكاس لانتصار المحافظين الجمهوريين في الداخل الأميركي. أما دي فانس، فقد جاءت كلمته وكأنها ضرب من ضروب العظات الإيمانية الروحانية؛ إذ قال: «نحن لا نخاف الموت. ورغم أن الموت أمر مروع، فإن هناك ما هو أسوأ من فقدان الحياة، وهو فقدان الروح». دي فانس، هو النسخة العصرانية من «المبشرين المحافظين الجدد»، أحفاد وليام كريستول، وروبرت كاغان، وتشارلز كرواثامر والعشرات الثقات منهم. ما يركز عليه دي فانس، هو الهوية الأميركية، والدفاع عن الحق في الحياة، معاداة الإجهاض، والمثلية ومنعطفات ما بعد الليبرالية كافة، ويعادي بنوع خاص من يسميهم «الحمقى الإندروجيين» أي المتحولين جنسياً؛ ما جعل من كلمته حديثاً لمبشر من القرون الوسطى بأكثر من نائب رئيس للولايات المتحدة. في افتتاحية أعمال المؤتمر قال القس جوشوا نافاريتي من ولاية أريزونا، وسط تصفيق حاد وحار: «نحن نعيش في أعظم وقت في عصرنا، إنه العصر الذهبي لأميركا». هل هو بالفعل كذلك؟ الجواب جاء على لسان عالم الأنثربولوجيا الأميركي إليكس هنتون المتخصص في بحث ودرس الثقافة السياسية الأميركية، الذي درس فكرة الـMAGA أو أميركا العظيمة مرة أخرى لسنوات، وأصدر عام 2021 كتاباً في هذا الشأن عنوانه «يمكن أن يحدث هذا». يقدم فيه هنتون ثلاثة أسباب تجعل أنصار حركة «لنجعل أميركا عظيمة مرة أخرى» يعتقدون أن «العصر الذهبي قد بدأ» وهي تبدأ وتنتهي بترمب نفسه. باختصار، يرى أنصار ترمب أنه «البطل المحارب» الشبيه بالكثير من الأبطال الأسطوريين، وربما كانت كلماته «قاتل... قاتل... قاتل». أي لا تستسلم غداة إطلاق النار عليه في بنسلفانيا في يوليو (تموز) الماضي، الباب الذهبي الذي جعل ستيف بانون اليميني المتشدد ومستشاره السابق، يقارن بينه وبين إبراهام لنكولن وجورج واشنطن، بل ودعاه للترشح مرة ثالثة للرئاسة في 2028. أصحاب العهد الذهبي يرون ترمب «كرة هدم» لنظام بيروقراطي فاسد، يسعى لتجفيف مستنقعاته. عطفاً على ذلك وبعد أن أدخل لأميركا ستة تريليونات دولار في شهر، بات ترمب صاحب لمسة ميداس، الذي يحول كل ما يلمسه ذهباً. هل هو العهد الذهبي بالفعل حيث ستصبح أميركا «موضع حسد كل الأمم» بحسب كلمات خطاب التنصيب؟


الشرق الأوسط
٠٦-٠٣-٢٠٢٥
- سياسة
- الشرق الأوسط
أميركا المحافظة... هل هو العصر الذهبي؟
غطت أخبار اللقاء العاصف في البيت الأبيض بين الرئيس الأميركي دونالد ترمب ونائبه جي دي فانس، والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، على الكثير من الأحداث ذات الأهمية الكبيرة، التي توضح للقارئ إلى أين تتوجه الولايات المتحدة الأميركية في السنوات الأربع المقبلة. لم يلتفت الكثيرون إلى أعمال إحدى أهم الفعاليات التي عرفتها الولايات المتحدة منذ منتصف سبعينات القرن الماضي، «مؤتمر العمل السياسي المحافظ» CPAC، الذي جرى في الفترة ما بين 19 و22 فبراير (شباط) الماضي، في أوكسون هيل بولاية ماريلاند. جمع المؤتمر أطيافاً وأطرافاً متنوعة، من السياسيين والمفكرين، الإعلاميين والكتاب، رجال الدين وأصحاب المصالح الاقتصادية، وهؤلاء يجمعهم توجه آيديولوجي محافظ واحد وواضح، لا سيما في عدائه الظاهر غير الخفي للميول اليسارية، والانفلات الليبرالي. أظهرت كلمات أيام المؤتمر الأربعة وحواراته أن ترمب نجح بالفعل في تسويق فكرة «العهد الذهبي» القادم لأميركا، خلال سنواته الأربع في البيت الأبيض، على الرغم من أنه قبل أشهر معدودات من إعادة انتخابه رئيساً، ملأ الدنيا ضجيجاً عن نهاية أميركا التي عرفها العالم، المدفوعة باقتصاد تعمه الفوضى، وباتت مدنها فضاءً مستباحاً للمهاجرين غير النظاميين، ناهيك عن الإرهابيين والمغتصبين والقتلة. الذين قُدّرت لهم متابعة أعمال المؤتمر، بدا وكأن هناك خلطة سحرية من أميركا البيوريتانية المؤمنة التي يقودها جناح جي دي فانس من جهة، وأميركا قائدة العالم التي وصفها سيد البيت الأبيض في كلمته بأنها «لا يوجد جبل لا تستطيع أن تعبره، ولا يجابهها عدو من غير أن تهزمه، ولا تحدٍ من دون أن تسحقه، أميركا الشعب الذي لا يعرف الانكسار». تضيق هذه العجالة عن سرد وعرض ما توقف أمامه ترمب من انتصارات – في تقديره – جرت بها الأقدار خلال شهر واحد من دخوله البيت الأبيض. تحمل بعض رؤاه ما يمكن أن نسميه «البشرى الرسائلية اليمينية»، فالرجل يهنئ شعبه بأنهم سحقوا اليسار المتطرف، الذي لم يعد له فقط مكان في أميركا، بل تجاوز الأمر ذلك إلى حدود الغرب كله، معتبراً أن انتصارات اليمين الألماني المتمثل في حزب «البديل من أجل ألمانيا»، انعكاس لانتصار المحافظين الجمهوريين في الداخل الأميركي. أما دي فانس، فقد جاءت كلمته وكأنها ضرب من ضروب العظات الإيمانية الروحانية؛ إذ قال: «نحن لا نخاف الموت. ورغم أن الموت أمر مروع، فإن هناك ما هو أسوأ من فقدان الحياة، وهو فقدان الروح». دي فانس، هو النسخة العصرانية من «المبشرين المحافظين الجدد»، أحفاد وليام كريستول، وروبرت كاغان، وتشارلز كرواثامر والعشرات الثقات منهم. ما يركز عليه دي فانس، هو الهوية الأميركية، والدفاع عن الحق في الحياة، معاداة الإجهاض، والمثلية ومنعطفات ما بعد الليبرالية كافة، ويعادي بنوع خاص من يسميهم «الحمقى الإندروجيين» أي المتحولين جنسياً؛ ما جعل من كلمته حديثاً لمبشر من القرون الوسطى بأكثر من نائب رئيس للولايات المتحدة. في افتتاحية أعمال المؤتمر قال القس جوشوا نافاريتي من ولاية أريزونا، وسط تصفيق حاد وحار: «نحن نعيش في أعظم وقت في عصرنا، إنه العصر الذهبي لأميركا». هل هو بالفعل كذلك؟ الجواب جاء على لسان عالم الأنثربولوجيا الأميركي إليكس هنتون المتخصص في بحث ودرس الثقافة السياسية الأميركية، الذي درس فكرة الـMAGA أو أميركا العظيمة مرة أخرى لسنوات، وأصدر عام 2021 كتاباً في هذا الشأن عنوانه «يمكن أن يحدث هذا». يقدم فيه هنتون ثلاثة أسباب تجعل أنصار حركة «لنجعل أميركا عظيمة مرة أخرى» يعتقدون أن «العصر الذهبي قد بدأ» وهي تبدأ وتنتهي بترمب نفسه. باختصار، يرى أنصار ترمب أنه «البطل المحارب» الشبيه بالكثير من الأبطال الأسطوريين، وربما كانت كلماته «قاتل... قاتل... قاتل». أي لا تستسلم غداة إطلاق النار عليه في بنسلفانيا في يوليو (تموز) الماضي، الباب الذهبي الذي جعل ستيف بانون اليميني المتشدد ومستشاره السابق، يقارن بينه وبين إبراهام لنكولن وجورج واشنطن، بل ودعاه للترشح مرة ثالثة للرئاسة في 2028. أصحاب العهد الذهبي يرون ترمب «كرة هدم» لنظام بيروقراطي فاسد، يسعى لتجفيف مستنقعاته. عطفاً على ذلك وبعد أن أدخل لأميركا ستة تريليونات دولار في شهر، بات ترمب صاحب لمسة ميداس، الذي يحول كل ما يلمسه ذهباً. هل هو العهد الذهبي بالفعل حيث ستصبح أميركا «موضع حسد كل الأمم» بحسب كلمات خطاب التنصيب؟ دعونا ننتظر المائة يوم الأولى ولكل مقام مقال.


الإمارات اليوم
٠٢-٠٣-٢٠٢٥
- سياسة
- الإمارات اليوم
أوروبا تحتاج للاستقلال عن أميركا من أجل الدفاع عن نفسها
استغل السياسي الألماني، فريدريش ميرتس، الذي سيكون على الأرجح هو المستشار الألماني المقبل، انتصاره في الانتخابات في 23 فبراير الماضي، كي يطلق بعض التحذيرات المهمة إلى أبناء وطنه الألمان. ولم يكن ذلك يتعلق بالحاجة إلى إنعاش الاقتصاد الألماني المتهالك، ولا الرد على الأداء القوي والمثير للقلق لحزب «البديل من أجل ألمانيا» اليميني المتطرف، وإنما كان اتهاماً لأميركا، الحليف الرئيس لألمانيا. وقال ميرتس: «من الواضح تماماً أن الأميركيين، على الأقل الإدارة الحالية، غير مهتمين بمصير أوروبا». وأضاف أن «أولويته الأكثر أهمية هي مساعدة أوروبا على إنجاز الاستقلال عن الولايات المتحدة». وتبدو هذه الكلمات مثيرة للدهشة، من مستشار ألمانيا المقبل، وهو زعيم الحزب المسيحي الديمقراطي. وللأسف فإن ميرتس على صواب، إذ إن أوروبا فعلاً يجب عليها التفكير في إيجاد الطريقة التي تمكنها من الدفاع عن نفسها، دون مساعدة الولايات المتحدة، ولكن قول هذا الكلام أسهل من القيام بما هو مناسب لتحقيقه. مبالغ باهظة وتحتاج ألمانيا، مثل بقية الدول الأوروبية، إلى إنفاق المال من أجل الدفاع، ويتطلب ذلك مبالغ باهظة، ولكن إنفاقها العام مقيد نتيجة كبح الديون، التي تمنع الحكومات من إدارة العجز الهيكلي الذي يتجاوز 0.35% من إجمالي الناتج القومي، وهنا تكمن المعضلة. فبعد الانتخابات، ستفتقر الأحزاب التي ربما تريد التغيير، إلى القوة للقيام بذلك. وحقق الحزبان اللذان طالما حكما ألمانيا منذ الحرب العالمية الثانية، إما بالتناوب أو معاً، نتائج سيئة في الانتخابات. صحيح أن الحزب المسيحي الديمقراطي، وحليفه في ولاية بافاريا، جاءا في المرتبة الأولى، ما يعني أن ميرتس سيكون هو المستشار المقبل، إلا إذا فشلت مفاوضات التوصل إلى ائتلاف حكومي، لكنهما حققا ثاني أسوأ نتيجة في تاريخهما. كما أن الحزب الاجتماعي الديمقراطي الذي قاد الحكومة الحالية المنتهية ولايتها، حقق أسوأ نتائجه، لكنهما يستطيعان تشكيل الائتلاف الوحيد المعقول، إذا اتفقا معاً، والذي يمكن أن يقود الأغلبية في البرلمان، وسيبدآن قريباً محادثات الائتلاف الرسمية. قانون كبح الديون ويتطلب تغيير القانون الذي يكبح الديون أغلبية الثلثين. وكانت الأحزاب الرئيسة في البرلمان تمتلك ذلك قبل الانتخابات، حيث قام الكثير من الأطراف بحثهم على القيام بذلك وهم في وضع يستطيعون تحقيقه. وعندما ينعقد البرلمان الألماني الجديد، لن يكون من الممكن تحقيق أغلبية الثلثين، لأن حزبين متشددين كسبا الكثير من الأصوات، وهما حزب «البديل من أجل ألمانيا»، والحزب الشيوعي السابق، المعروف الآن باسم حزب «اليسار». ولن يوافق حزب «البديل من أجل ألمانيا» على التصويت من أجل تغيير قانون كبح الديون، ولكن حزب اليسار يريد من حيث المبدأ التخلص من هذا القانون، ولكنه يقول «إنه لن يصوت من أجل إعادة التسلح». لكنْ ثمة خلل دستوري يمكن أن يكون مخرجاً لهذا الوضع، وربما يكلل سعي الحكومة الجديدة بالنجاح، إذا تحركت ألمانيا بسرعة. ولن ينعقد البرلمان الجديد قبل 25 مارس الجاري، وحتى ذلك الوقت، ستظل الحكومة الضعيفة الحالية التي يطلق عليها «البطة العرجاء» هي التي تحكم. ويتعين على حزب ميرتس، والحزب المسيحي الديمقراطي، وحزب الخضر، الدفع إلى الأمام، للقيام بإصلاحات ملحة في ما يتعلق بكبح الديون، طالما لايزال بوسعهم ذلك. التمويل الخاص ومن الناحية المثالية، عليهم التخلص من قانون كبح الديون بالمطلق، لأن الديون لا تعمل على كبح التسلح فقط، وإنما مشاريع الطرق، والسكك الحديدية، والبنية التحتية الرقمية، والمستشفيات، وأشياء أخرى كثيرة. وإذا كان التخلص من قانون كبح الديون مسألة صعبة المنال، فعلى الأقل يجب الحصول على إعفاء لموضوع الإنفاق الدفاعي، بما فيه دعم أوكرانيا. وللأسف، يبدو أن ميرتس يعتقد أن التخلص تماماً من القانون أمر صعب المنال، ولهذا اقترح بدلاً من ذلك قانون «التمويل الخاص» بقيمة 200 مليار يورو، أو ما يعادل 210 مليارات دولار من أجل تغطية إنفاق الدفاع، وهو عبارة عن حل بديل لجأ إليه، المستشار الحالي أولاف شولتس. ويتطلب هذا الحل البديل موافقة ثلثي الأغلبية، لأنه من الناحية الفنية يعد تغييراً دستورياً، وربما سيكون تقبله أكثر سهولة، لكنه ليس كافياً تماماً. وإذا أرادت ألمانيا تعزيز إنفاقها الدفاعي على الأقل إلى مستوى 4% من ناتجها المحلي، وفق ما يعتقد الخبراء أنه ضروري، والإبقاء عليه عند هذا المستوى، فإن الصندوق الخاص، مثل سابقه، سينفد في غضون بضع سنوات. ومن المخيب للآمال أن يتجنب ميرتس أول تحدٍّ كبير له. عن «الإيكونوميست» . ألمانيا، مثل بقية الدول الأوروبية، تحتاج إلى إنفاق المال من أجل الدفاع، ويتطلب ذلك مبالغ باهظة، لكن إنفاقها العام مقيد نتيجة كبح الديون.