logo
#

أحدث الأخبار مع #حزبالكرامة

راية المقاومة الاجتماعية ترفرف مجددًا.. هل تستجيب النخب؟
راية المقاومة الاجتماعية ترفرف مجددًا.. هل تستجيب النخب؟

مدى

timeمنذ 2 أيام

  • سياسة
  • مدى

راية المقاومة الاجتماعية ترفرف مجددًا.. هل تستجيب النخب؟

تشهد مصر، رغم القبضة الأمنية، بدايات حلحلة في الصراع الاجتماعي، شملت تظاهر فقراء المدن ضد محاولات تشريدهم من مساكنهم، ودخول المحامين في إضراب عام ضد تسليع التقاضي، إلى جانب تزايد وتيرة الإضرابات العمالية لمواجهة تدني المرتبات، وسياسات الخصخصة. هذه التطورات تطرح أسئلة على المهتمين بالتغيير السياسي والاجتماعي بشأن كيفية الاشتباك مع وتنظيم وتسييس تلك الاحتجاجات، انطلاقًا من إمكانيات الواقع، وعبر الاستفادة من مرونة نسبية يبديها النظام مع غضب الجماهير، قد تكون مرتبطة بقرب الانتخابات البرلمانية، أو محاولة لخلق هوامش للتنفيس الاجتماعي في مواجهة المعدلات الخطرة لهبوط الملايين تحت خط الفقر. زلزال طرد المستأجرين بينما يؤكد تقرير للبنك الدولي صادر عام 2025 أن 66% من المصريين يعيشون تحت خط الفقر الدولي، بأقل من 6.85 دولار يوميًا، تقدمت حكومة مصطفى مدبولي بمشروع قانون للبرلمان يقضي بتعديل نظام الإيجار القديم، ويتضمن زيادة مجحفة في الأجرة، بالإضافة إلى تحرير العلاقة الإيجارية بعد خمس سنوات (الاسم الحركي لطرد المستأجرين). هذه الأوضاع الكارثية، دفعت آلاف المستأجرين إلى الزحف تجاه مقر حزب الكرامة الناصري، بالقاهرة، لحضور مؤتمر نظمته اللجنة الشعبية للعدالة الاجتماعية «حق الناس» اليسارية، وعندما ضاقت قاعات المقر بالحشود انتقلوا إلى الشارع، وتعالت الهتافات: «مش هنسيب بيوتنا إلا على موتنا» ورفعوا لافتات كتبوا عليها «البيوت لساكنيها». مستأجرة متضررة، قالت بشجاعة، في فيديو بث على قناة اليوتيوب: «أنا أكتر واحدة رقصت أمام المقار الانتخابية فرحًا بقدوم الرئيس السيسي»، وأضافت: «ولكننا عانينا من الغلاء في كل شيء.. وفي الآخر عاوزين يطردونا من بيوتنا». بيان مؤتمر مستأجري الشقق القديمة، والتي تقدر أعدادها حسب الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، بـ1.6 مليون شقة، رفض على نحو قاطع ما ورد بمشروع القانون حول ما يسمى بـ«فترة انتقالية»، وإنهاء العقود الحالية بعد خمس سنوات، الزيادات الجائرة في قيمة الأجرة، محملًا سياسات الحكومة المسؤولية عن الأزمة. وشدد المؤتمرون على أن كل ما تطرحه الحكومة من حلول بديلة للمستأجرين ما هو «إلا خداع وأفكار مرفوضة، إذ من غير المقبول إطلاقًا تهجير وتشريد ملايين المستأجرين إلى مناطق أو مدن بعيدة وتحميلهم مقدمات وأقساط باهظة لا يمتلكونها والنسبة الكبيرة منهم رجالًا ونساءً وأرامل يعيشون على معاشاتهم الزهيدة التي لا تكفي تكاليف الأدوية والعلاج». والملاحظ كذلك أن الصراع المكشوف بين الملاك والمستأجرين على المستوى الدعائي، اشتبك مع محظورات مهمة وراسخة، فقد نازع المستأجرون في حق الملكية المقدس ذاته، وأشار ممثلوهم أكثر من مرة إلى أنهم من اعتنوا «بشققهم»، ووفروا لها الصيانة اللازمة وأنهم دفعوا ثمنها، عبر الإيجار الممتد، عدة مرات، ولم ترهبهم دعاوى الجماعات الدينية بمخالفة قانون الإيجار القديم للشريعة الإسلامية. وعلى غير المعتاد تراجع نواب الحكومة، وسحبوا القانون من البرلمان، في خطوة نادرة، وأعادوا طرحه للحوار المجتمعي، ويبدو أن قرب الانتخابات البرلمانية كان له تأثير مهم. ويستعد المستأجرون للجولة المقبلة، مع دفع الحكومة بمشروع قانونها المعدل للبرلمان، عبر تنظيم حركتهم المنفتحة على القوى السياسية، فيما تلعب وسائل التواصل الاجتماعي دورًا مركزيًا في التنظيم والتعبئة والحشد. ويواجه المستأجرون هجومًا ضاريًا من قبل ملاك العقارات والشركات العقارية الكبرى، وبالأخص الخليجية، التي تريد الاستحواذ على كعكة العقارات القديمة، ويعتبرون أن الإيجار القديم هو المسؤول عن أزمات الإسكان. لكن بحسب تقديرات رسمية، يوجد بمصر 12 مليون شقة غير مسكونة ومغلقة، ولا تزيد الشقق المغلقة بالإيجار القديم على 450 ألفًا، أي أن مشكلة السكن لا تكمن في الإيجار القديم، الذي يستر ثلاثة ملايين أسرة تريد الحكومة تشريدهم. يمكن أن نفهم هذا الهجوم في ضوء تحولات اقتصادية وسياسية جارية لعقود، لكنها تكثفت في العقد الأخير؛ تحولات أدت إلى تصاعد مكانة الريع في الاقتصاد المصري، خاصة الريع العقاري، على حساب قيم اجتماعية مهمة كالستر والاستقرار.. وإلى هيمنة سياسات إحلال طبقي عمراني تدفع آلاف المواطنين بعيدًا عن مناطق سكنهم وعملهم التي استقروا بها لسنين لا لشيء سوى أن قيمة الأرض التي يوجدون عليها ارتفعت في سوق العقارات المقدس. وبالطبع فإن هذا الهجوم يعد امتدادًا لمعركة أهالي الوراق المتواصلة للعام الثامن على التوالي، والذين يقدمون ملحمة نضالية في مواجهة بلدوزر الخلايجة. محامون ضد تسليع العدالة المعركة الثانية المهمة تخوضها نقابة المحامين، التي يترأسها نقيب محسوب على الدولة، عبد الحليم علام، ضد تسليع التقاضي. والمحامون جزء من جماهير المهنيين الذين تتدهور أوضاعهم المعيشية بفعل التضخم وتخفيض سعر العملة المحلية، وقُدرت أعدادهم وفقًا للجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، نهاية عام 2021، بنحو ثمانية ملايين و38 ألف عضو. ويأتي احتجاج محامييّ مصر، عقب قرار من مجلس رؤساء محاكم الاستئناف بفرض رسوم مقابل خدمات مميكنة، بداية من مارس الماضي، وهو ما عَدّته نقابة المحامين في إفادة رسمية «مخالفة للدستور والقانون، ويتنافى مع دور مؤسسات الحكومة المصرية المنظمة لكل الرسوم». وتتميز نقابة المحامين بانتشارها في جميع محافظات مصر. وشاهد مئات الآلاف من المواطنين على شاشات التلفزيون وفي الشوارع، وقفات المحامين الاحتجاجية، واستمعوا إلى هتافاتهم: «القضاء مش استثمار»، «كفاية زيادة.. كفاية نهب.. التقاضي حق للشعب». وفي خطوة تصعيدية نظمت النقابة العامة إضرابًا عامًا لمدة يوم واحد أمام محاكم الاستئناف يوم 9 مايو الجاري، ودعت إلى عقد جمعية عمومية لكل محاميي مصر، الذين تقدر أعدادهم بنحو 323 ألف محامٍ، يوم 21 يونيو المقبل، إلى جانب تنظيم وقفتين أمام جميع المحاكم الابتدائية على مستوى الجمهورية يومي 29 مايو و18 يونيو المقبلين. لا تعد معركة المحامين معركة فئوية، بل معركة من أجل ضمان حق المواطن في التقاضي العادل والميسور، بعيدًا عن أي أعباء مالية غير قانونية تنال من التوازن المفترض بين أداء الرسم والتمتع بالعدالة وحق التقاضي في كنف العدالة الاجتماعية وفقًا لما أقره الدستور. وسبق معركة المحامين بأيام، سقوط مرشح الحكومة، عبد المحسن سلامة، والمعين بقرار جمهوري عضوًا في المجلس الأعلى للإعلام، ورئيس مجلس إدارة جريدة الأهرام القومية السابق، في الانتخابات التي جرت على منصب نقيب الصحفيين، 2 مايو الجاري، أمام مرشح تيار الاستقلال النقابي خالد البلشي. ويمكن إرجاع فوز البلشي للمرة الثانية إلى عاملين: الأول، هو أداؤه الذي لقي رضى قطاعات واسعة من الصحفيين. والثاني غضب الصحفيين من تراجع دور الدولة في تقديم مميزات لهم كما كان يجري في وقت سابق، رغم الغلاء الفاحش وانعدام سقف الحرية، ويكفي الإشارة هنا إلى نتائج الاستبيان الصادمة الذي نظمته نقابة الصحفيين في ديسمبر الماضي، والتي أوضحت أن: 13.1% من الصحفيين لا يحصلون على أي أجر، و7.1% من الصحفيين يحصلون على أجر أقل من ألف جنيه شهريًا، و18.9% يحصلون على أجر أقل من ثلاثة آلاف جنيه شهريًا، ويحصل 32.7% منهم على أجر أقل من ستة آلاف جنيه شهريًا، فيما يزيد أجر 28.2% على ستة آلاف جنيه شهريًا. وفي ديسمبر الماضي، اشتبكت النقابات المهنية مع القضايا المجتمعية من بوابة مواجهة الممارسات الاحتكارية في قطاع مختبرات التحاليل الطبية. وقرّرت نقابات المهندسين والمحامين والصحفيين وقف التعامل مع معامل «المختبر» و«البرج» و«ألفا»، بسبب زيادة أسعار الخدمات التي تقدّمها وتجاوزها نسبة 30% مقارنة بالأسعار المتفق عليها. لم يكتفِ «التحالف الثلاثي» بذلك، بل سعى إلى إدخال المواطنين طرفًا في المواجهة، مشيرًا إلى أن تلك المعامل الكبرى، أي المختبر والبرج وألفا، التي تسيطر على نحو 70% من سوق التحاليل في مصر، تقدّم خدماتها للمرضى بأسعار تزيد أربعة أضعاف على سعر تكاليف الخدمة. وتزداد أهمية التحالف النقابي الجديد، نظرًا لاعتماد المهنيين، على أنظمة تأمينية بعد تخلّي الدولة عن ضمان حق مواطنيها في العلاج. ولا شك أن نجاح التحالف الثلاثي في تحقيق أهدافه قد يفرض ضغوطًا على الحكومة لتطبيق قوانين مكافحة الاحتكار، وتعزيز الرقابة على السوق، وفتح المجال لإنشاء مظلة علاجية مشتركة بين النقابات للتحرّر من استغلال الشركات. إلا أن الطريق إلى بناء تحالف اجتماعي يضم نحو 25 نقابة مهنية ضدّ غول الاحتكارات المتنامي ليس مفروشًا بالورود. العمال قادمون.. ولكن شهد شهر مايو الجاري إضرابات ووقفات احتجاجية، للمطالبة بتحسين المرتبات والتثبيت في مصنع الشوربجي بإمبابة، ولمعلمي هيئة تعليم الكبار، وموظفي البنك الزراعي. العمال والعاملات هتفوا «عاوزين حقوقنا»، ونظموا وقفات أمام جهات حكومية دون تدخلات أمنية سافرة، وهو تطور لافت ومهم. تقول حركة «الاشتراكيين الثوريين» في تقرير لها إنها تمكنت من رصد 56 احتجاجًا عماليًا ومهنيًا واجتماعيًا في الشهور الأربعة الأولى من العام الجاري، مقارنة بـ41 احتجاجًا خلال الشهور الأربعة الأولى من عام 2024. لكن اللافت، كما تقول الحركة في تقرير نُشر على صفحتها بـ«فيسبوك»، هو تزايد لجوء العمال إلى سلاح الإضراب، مقارنة بالعام الماضي، رغم القوانين التي تجرمه فعليًا، إذ سجل 14 إضرابًا مقابل أربعة إضرابات فقط خلال الشهور الأولى من العام الماضي. هذا التطور يمكن إرجاعه إلى ثلاثة عوامل: الأول، التدهور الحاد في معيشة العاملين بأجر، ما جعل العمال «ضهرهم للحيط». والثاني، هو القرارات الحكومية الواجب تنفيذها والمتعلقة برفع الحد الأدنى للأجور، والتي تتباهى بها الحكومة وتدعو القطاع الخاص -إعلاميًا على الأقل- إلى الالتزام بها، ما منح العمال قدرًا من الثقة. والثالث، أن العمال يحصلون، عكس السنوات السابقة، على استجابات جزئية لمطالبهم إلى جانب وعود تدفع إلى مزيد من النضال. وربما بسبب الانتهاكات الواسعة التي يتعرض لها عمال القطاع الخاص (ثمانية ملايين عامل)، كانت نسبة احتجاجاتهم أكبر من الاحتجاجات في قطاعات العام والأعمال والحكومي مجتمعة، إذ سجل «الخاص» بمفرده نحو 60% من الاحتجاجات. واحتل مطلب رفع الأجور البند الأول في مطالب العمال بنسبة 100%، نظرًا للارتفاع الكبير في الأسعار، وعدم التزام رجال الأعمال بتطبيق الحد الأدنى للأجور حتى قبل أن يرتفع إلى سبعة آلاف جنيه في فبراير الماضي. ويمكن الاستنتاج من تحليل النشرة السنوية عن الأجور، التي يصدرها الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، أن الأجور الحقيقية في مصر شهدت زيادة اقتربت من 40% في فترة الحراك الثوري 2010-2013، حيث انتزع العمّال بنضالهم تلك الزيادة، إلا أنهم مع الثورة المضادة ما بين 2014-2017 فقدوا نحو 22% من قيمة أجورهم الحقيقية. لكن، في المرحلة الأخيرة كان معدّل التغير في متوسط الأجور الحقيقية للقطاع الخاص سلبيًا بنسبة -15%. وأتى ذلك في الغالب نتيجة التوسّع في نشرة الأجور لتشمل العاملين في المنشآت الصغيرة في تلك الفترة، والتي تتميّز أجورهم بأنها أقل من المنشآت الأكبر. مقاومة الخصخصة بات معلنًا أن حصول مصر على قروض جديدة من صندوق النقد، حيث تعد ثاني أكبر مقترض عالميًا، مرهون باستمرار سياسات التقشف، وخصخصة الأصول العامة، وتحرير سعر الصرف، ورفع أسعار الوقود. ومن هنا تنبع أهمية نضالات العمال لوقف التصفية والخصخصة، وهو ما ظهر حين نجح عمال شركة النصر للمسبوكات، في قرية طناش بمحافظة الجيزة، ديسمبر الماضي، في إعادة تشغيل شركتهم إثر توقف دام عامين، بعد أن تنازلوا عن قيمة حصتهم في أسهم الشركة مقابل تشغيلها وعدم تسريح العمال وتحسين هيكل الأجور الخاص بهم. وخلال العامين الماضيين تظاهر العمال واعتصموا واحتجزوا رئيس مجلس الإدارة ولم يتركوا بابًا إلا ودقوا عليه، حتى تحقق لهم ما أرادوا. بينما تظاهر آلاف العمال من شركة الشرقية للدخان يوم الجمعة 21 فبراير، أمام مقر النادي الاجتماعي للشركة، في أثناء انعقاد اجتماع الجمعية العامة غير العادية لاتحاد العاملين المساهمين، للتصويت على بيع حصتهم في أسهم الشركة لشركة «هيرمس»، وهتف العمال «مش هنصوت مش هنبيع.. حق ولادنا مش هيضيع». ويوم 19 أبريل رفض العمال للمرة الثانية مقترح البيع، مطالبين بالكشف عن هوية المستثمر، وسحب الثقة من مجلس إدارة الاتحاد الذي جلب عرض البيع، كما طالبوا بـ«تكويد» حصتهم في البورصة، حتى يتمكنوا من إدارة أسهمهم، وحرية التصرف فيها. الصراع بين العمال والشركة وصل إلى البرلمان، حيث تقدم رئيس الهيئة البرلمانية للحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي، إيهاب منصور، بطلب إحاطة موجّه إلى رئيس مجلس الوزراء ووزيري قطاع الأعمال والعمل، بشأن ما وصفه بـ«القرارات التعسفية» التي اتخذتها إدارة «الشرقية للدخان» ضد عدد من العاملين بعد رفضهم للبيع. عمال بلا نقابات يكاد يكون عمال القطاع الخاص في مصر بلا أي تمثيل نقابي، وسلاح الفصل من العمل جاهز لمواجهة أي محاولات لتنظيم العمال في المصانع بالمدن الجديدة، بينما الغالبية الساحقة من التنظيمات النقابية المستقلة التي ولدت من رحم ثورة يناير، وفي خضم الصراع الطبقي قبل الثورة، تم تدميرها، كما يتواصل الهجوم على ما تبقى من النقابات المستقلة المكافحة، ويتم تعطيل بنود قانون المنظمات النقابية التي تحمي الحرية النقابية. ورغم أن فبراير الماضي شهد إعلان وزير العمل، محمد جبران، اعتماد الوزارة، بصفتها الجهة الإدارية، نقابة عمالية عامة، هي النقابة العامة للفلاحين وصغار المزارعين، وست لجان نقابية جديدة، وذلك خلال الفترة من أبريل 2024 وحتى فبراير 2025، بالإضافة إلى لجنتين تقدمتا بطلب تأسيس، ولكنهما لم يستكملا -حتى الآن- الأوراق التأسيسية الخاصة بهما، تمهيدًا لاعتمادهما، فإن عشرات النقابات المستقلة لم تستطع التسجيل، نتيجة العقبات الإدارية والأمنية، بالإضافة إلى التعنت الذي يواجهه عمال القطاع الخاص من قبل أصحاب الأعمال لمجرد التفكير في تأسيس نقابة. ومع ذلك، تسعى الوزارة، منذ فترة، إلى تعديل قانون النقابات العمالية لكي يكون منسجمًا مع المعايير الدولية، ومن أبرز هذه البنود المزمع تعديلها المادة (12) من قانون المنظمات النقابية، التي تشترط وجود سبع نقابات عامة على الأقل تضم 150 ألف عامل لإنشاء اتحاد نقابي، ما يراه الكثير من العمال شرطًا تعجيزيًا، وطالبوا بتخفيض العدد. ومما لا شك فيه، فإن التعديلات المقترحة، تفاديًا لأي عقوبات محتملة على الحكومة خلال اجتماع منظمة العمل في جنيف الشهر المقبل، تفتح مساحات للحركة والنضال يجب الاستفادة منها، فقبل ثورة يناير على سبيل المثال، كان النقابيون الشرفاء يكافحون حتى في اللجان النقابية التابعة للاتحاد الحكومي، حيث كان عدد منها تحت ضغط القواعد، يتبنى مطالب العمال على غير رضى المستويات العليا، بل ومحاربتها. ومن المهم، في ذات الوقت، ممارسة المزيد من الضغوط لتحسين شروط الحرية النقابية، انتظارًا لصعود جديد للحركة العمالية يسمح بتشكيل نقابات حقيقية من قلب الإضرابات والاحتجاجات. ضريبة الكفاح لم تكن الاحتجاجات بلا ثمن، فقد واجه العمال المضربون حربًا حقيقية، مثلما حدث في شركة «تي أند سي» للملابس بمدينة العبور، حين ألقت قوات الأمن القبض على تسعة عمال، لفض الإضراب، وبعد أن تم الإفراج عنهم تم إيقافهم عن العمل، ثم فصلهم نهائيًا. ويعد إضراب عمال «سيراميكا الأمير» بالعاشر من رمضان مثالًا فجًا لتهرب كبار رجال الأعمال من الالتزام بحقوق العاملين، وتواطؤ أجهزة الدولة. فعمال الشركة أضربوا، بداية فبراير، للمطالبة بتطبيق الحد الأدنى للأجور الذي بلغ حينذاك ستة آلاف جنيه، وفي أثناء الإضراب أصدر المجلس القومي للأجور قراره الجديد برفع الحد الأدنى للأجور إلى سبعة آلاف جنيه. القرار جاء مانعًا قاطعًا، فلا توجد استثناءات ويطبق على الجميع بدايةً من مارس الماضي. وعلى الفور طالب المضربون بتطبيق الحد الأدنى الجديد، فما كان من صاحب العمل إلا أن حرر محضرًا ضد عشرة عمال، يتهمهم فيه بالتحريض على الإضراب، لتتحرك قوات أمن النظام فورًا للقبض عليهم، ويشترط صاحب الشركة فض الإضراب لكي يتنازل عن بلاغه المقدم ضد العمال وعودتهم للعمل، وهو ما رضخ له العمال. ولم تستثن الأجهزة الأمنية، كما كانت تفعل سابقًا، العاملات من عمليات القبض، كما حدث في الشركة الوطنية للصوب الزراعية، حيث ألقت قوات الأمن القبض على 39 عاملًا وعاملة، بينهم ذوو همم، خرجوا للتظاهر أمام شركتهم بمحافظة الشرقية، قبل أن تطلق النيابة سراحهم بعد أسبوعين من الحبس. كانت شركة وبريات سمنود شهدت إضرابًا طويلًا العام الماضي، قادته العاملات، وألقت قوات الأمن القبض على ثلاث منهن، بالإضافة إلى أربعة عمال، من بيوتهم، قبل أن تفرج عنهم بعد أسبوعين، ولكن إدارة الشركة رفعت دعوى فصل أمام المحكمة العمالية ضد واحد من هؤلاء القادة، وهو القيادي العمالي هشام البنا، وما زالت قضيته متداولة. واستخدمت البرجوازية في حربها أيضًا سلاح التشريعات، بعد تمرير قانون جديد للعمل، بهدف تقنين تكثيف الاستغلال، عبر تخفيض العلاوة السنوية، وجعل العمل المؤقت هو الأصل، وتسهيل فصل العمال، وتقنين شركات توريد العمالة (مقاولي الأنفار)، وتجريم حق الإضراب الدستوري. والجدير بالذكر أن تقديرات البنك الدولي تشير إلى انخفاض حصة الأجور من الناتج الإجمالي القومي إلى 25% بدلًا من 40% خلال العقد الماضي، وبالطبع هذا الانخفاض في حصة الأجور صب في جيوب الحيتان. آفاق المستقبل نتوقع، في ضوء المعطيات السابقة، أن تكون مصر على موعد مع صيف ساخن، نظرًا لالتزام الحكومة بتطبيق شروط صندوق النقد، ما يعني المزيد من رفع الأسعار، وفي الوقت ذاته قرب الانتخابات النيابية المقررة العام الجاري، ما قد يدفع الحكومة لتكون أكثر مرونة مع مطالب المحتجين، وأن تتخلى -مؤقتًا- عن الجمع بين سياسة القبضة الحديدية وتعميق الاستغلال والتجويع والإفقار. وفي ضوء ذلك، نرى أهمية أن تقوم القوى اليسارية، رغم ضعفها ومحاصرتها، ببناء جبهة اجتماعية سياسية جديدة أو تطوير ما هو قائم، تسعى إلى تضفير الاحتجاجات معًا في مجرى كفاحي واحد ضد سياسات الليبرالية المتوحشة والاستبداد. جبهة تكون قادرة على التعاطي الحذر والمرن مع معطيات اللحظة السياسية المركبة وتمتلك برنامجًا مطلبيًا يعبر بوضوح عن مصالح الطبقات الشعبية، لكي تصبح رقمًا في الصراع السياسي. جبهة بوصلتها الناس وتسعى إلى بناء مرتكزات وسطها. باختصار القوى العمالية والشعبية تخطو بصعوبة وبتضحيات كبيرة خطوة للأمام، فيجب أن تستجيب النخب، أو هكذا نأمل.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store