#أحدث الأخبار مع #حزبماركسيالعربي الجديد١٤-٠٥-٢٠٢٥سياسةالعربي الجديدخواطر من وحي حلّ حزب العمال الكردستانيقرار حزب العمال الكردستاني حلّ نفسه تاريخي بالفعل، على الأقل لأنه يعدنا بإمكانية أن تنتهي قضية من قضايا هذا الشرق الأوسط وتسقط عن رف "القضايا المقدّسة" العصية على الحل. وبقدر ما هو تاريخي، فإنه يحيل إلى تقاليد سياسية مفقودة في العالم الثالث الذي يشمل مناطق إقامة الأكراد في تركيا والعراق وإيران وسورية. وبغض النظر عن مصير القرار وعن مدى التزام فروع الحزب فيه، وعن كيفية ملاقاته من السلطة في أنقرة، فإنّه بمثابة تذكيرٍ لقارئ عربي كم أن أفكاراً سياسية بدائية وبديهية، كإعلان انتهاء مفعول حزبٍ ما، أو اعتراف بفشل أدوات الشغل لتحقيق هدف، أو إعادة النظر في شعارات قضية معيّنة، غائبة عن الحياة السياسية العربية القريبة جداً جغرافياً وديمغرافياً وفكرياً من ميادين حزب العمّال الكردستاني، التركي رسمياً، ولكنه مطعّم بقيادات ومقاتلين وجماهير كردية عريضة من بلدان عربية. فأن يحلّ حزب ماركسي ــ لينيني نفسه، كـ"العمّال الكردستاني"، متمحور منذ تأسيسه قبل 47 عاماً حول قائد واحد هو بمثابة إله ملهم أو نصف إله بالنسبة إلى أنصاره، فإنما ذلك يتطلب جرأة هائلة ومراجعات سياسية من صاحب القرار (عبد الله أوجلان) لمسيرة نصف قرن من كفاحه المسلح والسياسي. جرأة ومراجعات لا تقلّل من أهميتها ثرثرات تعزو القرار بسطحية مذهلة إلى رغبة أوجلان بالخروج من سجنه مقابل حل الحزب، وهي صفقة كان على الأرجح قادراً على إبرامها منذ اعتقاله عام 1999، لا عن عمر 76 عاماً، بعد 26 سنة قضاها في سجن انفرادي وسط جزيرة إمرلي. في ذاكرة المتابع العربي حالات نادرة من حلّ أحزاب عربية نفسها، على عكس وفرة أمثلة حظرها بقرارات سلطات حاكمة. ويذكر كاتب هذه السطور ما أخبره إياه المفكر الشيوعي المصري سمير أمين عام 2008 عن كيف قررت قيادة الحزب الشيوعي المصري حلّ التنظيم عام 1965 إكراماً لجمال عبد الناصر! وشتّان ما بين تلك الإكرامية وقرار أوجلان الذي لم يكن يقتنع طيلة عقدين من كفاحه المسلح والسياسي بأقل من دولة كردية تمتد على أراضي إقامة الأكراد في سورية والعراق وإيران وتركيا. استوعب الرجل الفشل، فباشر تقديم التنازلات التي لم تجعل من ناسه يكفّرونه، ذلك أن الجمهور الكردي القومي نفسه اقتنع باستحالة إقامة دولة كردية وتعب من كلفة القضية. انتقل أوجلان من شعار الدولة الكردية إلى نظرية الكونفيدرالية الكردية التركية ــ السورية ــ الإيرانية ــ العراقية، ثم يئس فاقترح إرساء أنظمة فيدرالية في بلدان الأكراد الأربعة. فكرة بدت مستحيلة مجدداً في ظل اتفاق أنظمة البلدان المذكورة تلك ضد الأكراد وقومييهم، فنزل أوجلان طابقاً إضافياً في مبنى تصوراته السياسية ليكتفي بمطلب الإقليم الكردي المحكوم ذاتياً داخل تركيا حصراً، وهو إقليم حدد له عيد ميلاد هو 15 يوليو/ تموز 2011، وقد أحبطت السلطات التركية إبصاره النور بحملة أمنية في عاصمة أكراد العالم، دياربكر. حصل كل ذلك بعدما لم يكتفِ أكراد تركيا بما قدمته حكومة رجب طيب أردوغان لهم تحت رئاسة عبد الله غول عام 2009 باسم "خطة الانفتاح الديمقراطي"، من تلفزيون وإذاعة تركيين حكوميين باللغة الكردية (TRT 6)، وخطة لتنمية مناطق الأكراد بقيمة 12 مليار دولار من دون أن تنص لا على حل فيدرالي ولا على قانون عفو شامل ولا على حكم ذاتي للأكراد ولا حتى على توسيع حيّز اللامركزية للمحافظات الكردية في جنوب شرق الأناضول. أمّا وقد بات القوميون الأكراد الأتراك يكتفون بمطلب مساواتهم مع بقية المواطنين في الحقوق السياسية الكاملة في دولة ديمقراطية غير طورانية، فحينها يصبح كل المعنى في تعاطي الحكومة التركية مع حدث حل الحزب نفسه وتسليم سلاحه. أمام السلطة التركية فرصة نادرة لإنصاف الأكراد سياسياً، لا ثقافياً فحسب، وإلا تكون قد حرمتنا من أن نقول إننا أخيراً رأينا في عمرنا القصير هذا قضية تُحَلّ وتخسر لحسن الحظ صفة "القضية" ويصبح ذكرها متبوعاً بصفة "السابقة".
العربي الجديد١٤-٠٥-٢٠٢٥سياسةالعربي الجديدخواطر من وحي حلّ حزب العمال الكردستانيقرار حزب العمال الكردستاني حلّ نفسه تاريخي بالفعل، على الأقل لأنه يعدنا بإمكانية أن تنتهي قضية من قضايا هذا الشرق الأوسط وتسقط عن رف "القضايا المقدّسة" العصية على الحل. وبقدر ما هو تاريخي، فإنه يحيل إلى تقاليد سياسية مفقودة في العالم الثالث الذي يشمل مناطق إقامة الأكراد في تركيا والعراق وإيران وسورية. وبغض النظر عن مصير القرار وعن مدى التزام فروع الحزب فيه، وعن كيفية ملاقاته من السلطة في أنقرة، فإنّه بمثابة تذكيرٍ لقارئ عربي كم أن أفكاراً سياسية بدائية وبديهية، كإعلان انتهاء مفعول حزبٍ ما، أو اعتراف بفشل أدوات الشغل لتحقيق هدف، أو إعادة النظر في شعارات قضية معيّنة، غائبة عن الحياة السياسية العربية القريبة جداً جغرافياً وديمغرافياً وفكرياً من ميادين حزب العمّال الكردستاني، التركي رسمياً، ولكنه مطعّم بقيادات ومقاتلين وجماهير كردية عريضة من بلدان عربية. فأن يحلّ حزب ماركسي ــ لينيني نفسه، كـ"العمّال الكردستاني"، متمحور منذ تأسيسه قبل 47 عاماً حول قائد واحد هو بمثابة إله ملهم أو نصف إله بالنسبة إلى أنصاره، فإنما ذلك يتطلب جرأة هائلة ومراجعات سياسية من صاحب القرار (عبد الله أوجلان) لمسيرة نصف قرن من كفاحه المسلح والسياسي. جرأة ومراجعات لا تقلّل من أهميتها ثرثرات تعزو القرار بسطحية مذهلة إلى رغبة أوجلان بالخروج من سجنه مقابل حل الحزب، وهي صفقة كان على الأرجح قادراً على إبرامها منذ اعتقاله عام 1999، لا عن عمر 76 عاماً، بعد 26 سنة قضاها في سجن انفرادي وسط جزيرة إمرلي. في ذاكرة المتابع العربي حالات نادرة من حلّ أحزاب عربية نفسها، على عكس وفرة أمثلة حظرها بقرارات سلطات حاكمة. ويذكر كاتب هذه السطور ما أخبره إياه المفكر الشيوعي المصري سمير أمين عام 2008 عن كيف قررت قيادة الحزب الشيوعي المصري حلّ التنظيم عام 1965 إكراماً لجمال عبد الناصر! وشتّان ما بين تلك الإكرامية وقرار أوجلان الذي لم يكن يقتنع طيلة عقدين من كفاحه المسلح والسياسي بأقل من دولة كردية تمتد على أراضي إقامة الأكراد في سورية والعراق وإيران وتركيا. استوعب الرجل الفشل، فباشر تقديم التنازلات التي لم تجعل من ناسه يكفّرونه، ذلك أن الجمهور الكردي القومي نفسه اقتنع باستحالة إقامة دولة كردية وتعب من كلفة القضية. انتقل أوجلان من شعار الدولة الكردية إلى نظرية الكونفيدرالية الكردية التركية ــ السورية ــ الإيرانية ــ العراقية، ثم يئس فاقترح إرساء أنظمة فيدرالية في بلدان الأكراد الأربعة. فكرة بدت مستحيلة مجدداً في ظل اتفاق أنظمة البلدان المذكورة تلك ضد الأكراد وقومييهم، فنزل أوجلان طابقاً إضافياً في مبنى تصوراته السياسية ليكتفي بمطلب الإقليم الكردي المحكوم ذاتياً داخل تركيا حصراً، وهو إقليم حدد له عيد ميلاد هو 15 يوليو/ تموز 2011، وقد أحبطت السلطات التركية إبصاره النور بحملة أمنية في عاصمة أكراد العالم، دياربكر. حصل كل ذلك بعدما لم يكتفِ أكراد تركيا بما قدمته حكومة رجب طيب أردوغان لهم تحت رئاسة عبد الله غول عام 2009 باسم "خطة الانفتاح الديمقراطي"، من تلفزيون وإذاعة تركيين حكوميين باللغة الكردية (TRT 6)، وخطة لتنمية مناطق الأكراد بقيمة 12 مليار دولار من دون أن تنص لا على حل فيدرالي ولا على قانون عفو شامل ولا على حكم ذاتي للأكراد ولا حتى على توسيع حيّز اللامركزية للمحافظات الكردية في جنوب شرق الأناضول. أمّا وقد بات القوميون الأكراد الأتراك يكتفون بمطلب مساواتهم مع بقية المواطنين في الحقوق السياسية الكاملة في دولة ديمقراطية غير طورانية، فحينها يصبح كل المعنى في تعاطي الحكومة التركية مع حدث حل الحزب نفسه وتسليم سلاحه. أمام السلطة التركية فرصة نادرة لإنصاف الأكراد سياسياً، لا ثقافياً فحسب، وإلا تكون قد حرمتنا من أن نقول إننا أخيراً رأينا في عمرنا القصير هذا قضية تُحَلّ وتخسر لحسن الحظ صفة "القضية" ويصبح ذكرها متبوعاً بصفة "السابقة".