أحدث الأخبار مع #حزقيال


الجزيرة
منذ 9 ساعات
- سياسة
- الجزيرة
نبوءة حزقيال وحرب إيران وتمهيد الخلاص المسيحاني لإسرائيل
في ظل الاعتقادات الدينية التي ترافق الدعم المطلق لقيام دولة إسرائيل الذي يقدمه أتباع المسيحية الصهيونية في أميركا -المعروفين بالألفيين- تطرح تساؤلات كبيرة عن موقع حرب إسرائيل على إيران في تلك المعتقدات. وفي معتقدات هؤلاء أن إنشاء دولة إسرائيل وتجميع اليهود في فلسطين هو تحقيق لنبوءات العهد القديم وشرط لمجيء الملك المسيح ليحكم ألف سنة، لتحقيق ما يسمونه بالخلاص المسيحاني في نهاية الزمان. ويزعم أنصار الرئيس الأميركي دونالد ترامب أنه منح مرسوما إلهيا لتحقيق النبوءات المسيحية بمواجهة إيران، وأن تدخله بشكل مباشر في هذه الحرب ما هو إلا استجابة لنداء الرب، كما زعم سفيره في إسرائيل مايك هاكابي. ففي مقال بعنوان: "قد تكون النظرة الإنجيلية لمايك هاكابي هي المفتاح" نشرته على موقع "فوروورد" تؤكد الأستاذة المُحاضرة في الجغرافيا البشرية بجامعة كوينز بلفاست الأميركية تريستان ستورم أن المسيحيين الصهاينة يرون في المواجهة الحالية بين إسرائيل وإيران تحقيقا لنبوءة توراتية بالغة الأهمية. وتنقل ستورم عن المؤرخ الفرنسي فرانسوا هارتوغ قوله إن المؤشرات على نهاية العالم باتت كثيرة، وإن الهجوم الإسرائيلي الأخير على إيران يعد خطوة في هذا الاتجاه خصوصا بالنسبة للمسيحيين الصهاينة الذين يترقبون هذا الحدث بفارغ الصبر. عملية روحية وفي السياق ذاته اعتبرت افتتاحية لمجلة "تريبين كريستيين" (المنبر المسيحي) الفرنسية بعنوان: "إسرائيل وإيران: هل تتحقق نبوءة حزقيال؟" نشرت الثلاثاء الماضي أن حدة المواجهة بين إسرائيل وإيران تدل على أن هذا الصراع أكثر من مجرد تنافس إستراتيجي "إنها حرب ذات جذور توراتية، تنبأ بها النبي حزقيال قبل آلاف السنين". وتختار المجلة اقتباسات من هذه النصوص المزعومة جاء في أحدها: "يا ابن آدم، وجّه وجهك نحو أرض مأجوج.. وتنبأ عليه.. واخرج أنت وكل جيشك.. معهم فارس وكوش كلهم بدروع وخوذ.. إلى أرض مستعادة.. سأكسرك أنت وجيشك على جبال إسرائيل". وتشرح المجلة المسيحية الفرنسية أنه بالنسبة لمعتنقي الصهيونية الدينية، فإن هذه المقاطع هي تفسير لأحداث الأزمنة الحالية: تجميع اليهود وهجوم تحالف من الأعداء من الشمال بما في ذلك بلاد فارس، ثم الحرب الشاملة. وتوضح المجلة أنه مما يعضد الجانب الديني في هذه المواجهة تنامي نفوذ الشخصيات الدينية والقومية في إسرائيل التي ترى أن الحرب ضد إيران ليست دفاعية فحسب، بل هي جزء من عملية روحية، وخطوة نحو ما تصفه بالخلاص الذي وعد به الأنبياء. وتؤكد المجلة أنه حتى لدى الطرف الآخر (إيران) فإن الصبغة الدينية لهذه الحرب حاضرة أيضا، إذ ينتظر معتنقو المذهب الشيعي الإثني عشري عودة المهدي، أو من يصفونه بالإمام الغائب، الذي سيقضي بمجيئه على الظلم في الأرض. وتخلص المجلة إلى أنه رغم أهمية القضايا الجيوسياسية والنووية وقضايا الطاقة في الصراع الحالي فإن صعود الخطاب الديني على الجانبين يجعل الصراع أكثر غموضا وأكثر خطورة، حيث إن الحرب التي يعتقد كل طرف فيها أنه يتصرف باسم الله تصبح حرب اللاعودة. وفي مقال على موقع هارفست الأميركي بعنوان "هجوم إسرائيل على إيران: تحديث لنبوءات الكتاب المقدس" يتساءل كبير قساوسة كنيسة هارفست في كاليفورنيا وهاواي جريج لوري كيف تتوافق هذه المرحلة الجديدة من الصراع بين إسرائيل وإيران مع نبوءات الكتاب المقدس؟ وهل تُمثل هذه اللحظة تحقيقًا لنبوءة محددة عن نهاية العالم؟ يجيب كبير القساوسة: "نعم ولا. فقد تنبأ الكتاب المقدس بوضوح بأن إسرائيل ستتشتت ثم تتجمع من جديد، وقد تحقق ذلك في 14 مايو/أيار 1948، كما تنبأ الكتاب المقدس أيضًا "بأنه في الأيام الأخيرة سيظهر تحالف عظيم من الشمال – بما في ذلك بلاد فارس- ضد إسرائيل مع أن ما نراه اليوم ليس تحقيقًا كاملًا لتلك النبوءة، إلا أنه بلا شك نذير شؤم". لكن لوري يقول إن الكتاب المقدس لم يقتصر على الإشارة إلى تجميع اليهود بل أوضح أنه ستزداد عزلتهم، وهذا ما يحدث، كما تنبأ الكتاب المقدس بتصاعد معاداة السامية في آخر الزمان، وهذا ما يحدث أيضا. ترامب والمرسوم الإلهي بشأن إيران تتجلى نظرة الصهيونية الدينية لهذه الحرب بشكل واضح في رسالة السفير الأميركي في إسرائيل مايك هاكابي التي وجهها إلى ترامب في وقتٍ سابق من هذا الأسبوع، وكتب فيها "لقد نجاك الله في بنسلفانيا.. أعتقد أنك ستسمع من السماء لصوت أهم بكثير من صوتي أو صوت أي شخص آخر". وتعتبر الباحثة ستورم في مقالها أن هاكابي هو أقوى صهيوني مسيحي في العالم، وتؤكد أن هذه ليست المرة الأولى التي يُصوّر فيها أنصار ترامب الإنجيليون ترامب على أنه مُنح مرسومًا إلهيًا فيما يتعلق بإيران. ففي ولايته الأولى قارنوه بالملكة إستر، حيث قال وزير الخارجية آنذاك مايك بومبيو إن ترامب "رُبِّيَ لمثل هذا الوقت، تمامًا مثل الملكة إستر، للمساعدة في إنقاذ الشعب اليهودي من الخطر الإيراني". كما قارنه البعض بالملك كورش الذي يوصف أيضا في المعتقدات التوراتية بأنه أداة الله الفارسية التي حرّرت اليهود. والآن، يُكلف الله ترامب -حسب أنصاره من الإنجيليين- بمهمة توراتية مماثلة، ولكن على عكس كورش وإستر، فإن مهمة ترامب -كما تصورها هاكابي- ليست إنقاذ اليهود، "بل هو لإحداث خطفٍ وشيك، يُرفع خلاله جميع المؤمنين الحقيقيين إلى مقاعد المدرجات في السماء لمشاهدة المسيح يهزم جيوش المسيح الدجال في تل مجدو". لكن المفارقة أنه حسب هذا الاعتقاد سيموت معظم اليهود باستثناء قلة ممن سيتحولون إلى المسيحية. وتعتبر الباحثة أن رسالة هاكابي تحثّ ترامب، بشكلٍ غير مباشر، على الانضمام إلى الحرب على اعتبار أن الصراع الإسرائيلي الإيراني مُنبأ به في الكتاب المقدس: "لم تطلبوا هذه اللحظة، بل هذه اللحظة طلبتكم"، كما جاء في الرسالة. إرشاد الرب وتوضح الباحثة أنه انطلاقا من هذه المعتقدات فإن الصهاينة المسيحيين يدعون أن أفعالهم بإرشاد الرب، وهو ما يرون أنه يجردهم من أي مسؤولية سياسية عما يقع بسبب أفعالهم بما في ذلك تبرعهم بملايين الدولارات للمستوطنات وللجيش الإسرائيلي، رغم ما يمارسه من جرائم إبادة في قطاع غزة. وهم مدفوعون باعتقاد مفاده أن الدولة اليهودية يجب أن تغطي الأرض الواقعة بين نهر الأردن والبحر الأبيض المتوسط وأن تمحى الأراضي الفلسطينية، كجزء من العملية المؤدية إلى نهاية العالم. وتعتبر ستورم أنه لم يعد ممكنا التعامل مع التنبؤات الصهيونية المسيحية باعتبارها مجرد خرافات جيوسياسية عنصرية، فقد تغلغلت في الدوائر الغربية خصوصا في أميركا. ودخل المسيحيون الصهاينة، الذين يؤمنون بها إيمانًا راسخًا، إلى أروقة السلطة، لا سيما ضمن الفريق الحاكم حاليا في البيت الأبيض ، بدءا بالرئيس ترامب ومرورا بوزير الدفاع بيت هيغسيث ووصولا إلى السفير هاكابي، وهو ما يجعل المخاطر مرتفعة لإمكانية أن يدفع الفكر المسيحي الصهيوني الولايات المتحدة إلى صدام مباشر مع إيران. ماذا تقول النبوءات عن إيران؟ نقل موقع شبكة ترينيتي التلفزيونية المسيحية الأكثر مشاهدة في أميركا عن القس جويل روزنبرغ قوله إن هناك نبوءتين في الكتاب المقدس يتجاهلهما معظم الناس تتعلقان بمستقبل إيران، إحداهما كتبها النبي حزقيال عن حرب يأجوج ومأجوج، والأخرى كتبها النبي إرميا، وستحدث كلتاهما قبيل عودة المسيح ليُرسّخ حكمه الأرضي. وأضاف روزنبرغ أن "الرب يقول إنه سيدمر القدرة العسكرية لإيران"، ويستدل على هذا بنص مزعوم جاء فيه "وأجلب على عيلام (اسم قديم لإيران) الرياح الأربع من 4 جهات السماء، وبددهم بكل تلك الرياح، ولا تكون أمة إلا ويدخل عليها منفيو عيلام". يعتبر روزنبرغ أن ذلك تحقق ابتداء من عام 1979 مع الثورة الإسلامية في إيران التي أطاحت بنظام الشاه، حيث تشتت الإيرانيون بعدها وتفرقوا في أنحاء العالم، فعندما تلتقي الإيرانيين الذين يعيشون في المنفى تلاحظ أنهم تركوا الإسلام واعتنقوا الإيمان، حسب وصفه. ويضيف روزنبرغ ثم تأتي نقطة التحول عندما يقول الله لإرميا إن المستقبل هو إيران، "سأضع عرشي في عيلام"، وهو ما يفسره قائلا: "إن الله سينقل عرشه الروحي إلى إيران، وسوف يدمر النظام، سوف يدمر جيشهم، فهو سيباركهم بأن يجعل يسوع يستقر في إيران لتتحول إلى بلد مرسل للمبشرين وليتحول المسلمون الشيعة المتطرفون والمتعصبون الذين يكرهون إسرائيل حاليًا إلى أمة من "الرسل مثل بولس". الفرس لا يعادون إسرائيل وفي السياق ذاته تبحث دراسة على موقع "إغليز ديي فيفان" بعنوان "العماليق وإيران والنبوءة" في أسباب التغير المفاجئ في العلاقات بين إيران وإسرائيل بعد الإطاحة بالشاه محمد رضا بهلوي في عام 1979، وكيف تحول صديق سابق لإسرائيل والولايات المتحدة، بين عشية وضحاها، إلى أسوأ عدو لهما. وتقول الدراسة كان الشاه يعتبر نفسه الوريث لملوك الإمبراطورية الفارسية القديمة، وتؤكد الدراسات الديمغرافية إلى أن غالبية السكان الإيرانيين الحاليين لا يزالون من أصل فارسي، بينما تشير المصادر التاريخية والتوراتية إلى أن الشعب الفارسي لم يكن عدوا للشعب اليهودي. وتضيف الدراسة إن كثيرا من الناس لا يفهمون أن الحكومة الإيرانية بعد سقوط الشاه سقطت في أيدي أقلية ليست من أصل فارسي، فمن هذه الأقلية؟ تعتبر الدراسة أنه استنادا للكتاب المقدس والتاريخ فإن ملوك الفرس منذ العصور القديمة كان لديهم موقف إيجابي عموما تجاه الشعب اليهودي، وهي سمة ظلت موجودة في زمن الشاه محمد رضا بهلوي في القرن الـ20 فقد كان بعض وزرائه من اليهود. غير أن الدراسة تتحدث عن ملك من ملوك الإمبراطورية الفارسية كان استثناء بعداوته لليهود حيث حاربهم وأراد استئصالهم ويدعى هامان حسب الكتاب المقدس، لكنه لم يكن من أصل فارسي، بل كان عماليقيا. وتشير الدراسة إلى التشابه بين موقف هامان العماليقي تجاه الشعب اليهودي وما حدث في إيران منذ تولي آية الله الخميني للسلطة بعد الإطاحة محمد رضا بهلوي، وتلاحظ الدراسة أن هناك تشابها حتى في الأسماء حيث يشترك "الخميني" في نفس الجذر مع اسم "هامان". وتخلص الدراسة إلى أن الأمة الفارسية في إيران وقعت تحت تأثير أقلية العماليق الذين تولوا مقاليد السلطة بعد الإطاحة بالشاه محمد رضا بهلوي. تنبؤات مشكوك فيها يعتبر رئيس تحرير مجلة "كريستيانيتي توداي" راسل مور في مقال بعنوان: "لا تُلقِ باللوم على نبوءات الكتاب المقدس في الحرب مع إيران" أن ربط مخططات النبوءات بالأحداث الجيوسياسية المعاصرة قد يثير حماس الجمهور وتخويفه، لكنه مدعاة لإثارة الشكوك أيضا. ففي السابق ربط كثيرون بين تأسيس دولة إسرائيل ومجيء المسيح، ونسبوا للكتاب المقدس أن ذلك سيحدث خلال 40 عاما، لكن ثبت زيف ذلك. ولاحقا اعتاد جيل الحرب الباردة سماع أن الاتحاد السوفياتي هو يأجوج ومأجوج، ولكن الاتحاد السوفياتي انهار، ثم قيل إن العراق بابل جديدة، وإن صدام حسين هو نبوخذنصر جديد، وبالتالي سيكون ما يسمى الخطف على الأبواب، ولم يحدث شيء من ذلك. ورغم ما أورده الكاتب أعلاه من تنبؤات سابقة ثبت زيفها، تعود حاليا مزاعم النبوءات للواجهة في الدوائر الغربية فيما يتعلق بالحرب الإسرائيلية الإيرانية وفي النهاية تكتسب جمهورا. ويفسر بعض الدارسين ذلك بتعقيد الطبيعة البشرية وأن الناس لا يتعلمون التعليم الصحيح، بل يختارون لأنفسهم معلمين ومرشدين حسب أهوائهم، فيبتعدون عن سماع الحق، وينحرفون إلى الخرافات التي يتلذذون بسماعها.


الجزيرة
٠٩-٠٢-٢٠٢٥
- سياسة
- الجزيرة
هآرتس: مدينة "تل أبيب" التوراتية لم توجد قط
تأسست مدينة " تل أبيب" عام 1909 وقد كانت حيا في شمالي يافا ثم توسعت على حساب المدينة الأصلية والقرى الفلسطينية التي هجر أهلها لتصبح عاصمة إسرائيل بعد 1948، وفكك تقرير جديد لصحيفة هآرتس الإسرائيلية خرافة حضرية شائعة عن المدينة التي افترضت تفسيرات تقليدية للعهد القديم أنها مدينة حقيقية أقام فيها النبي حزقيال. غير أن أبحاثا حديثة، تستند إلى السجلات البابلية والنقوش الأثرية المكتشفة حديثا، تلقي بظلال الشك على هذه الفرضية، مشيرة إلى أن "تل أبيب" لم تكن مكانا جغرافيا بل تعبيرا استعاريا يشير إلى "خراب المدن". كما تكشف هذه الأبحاث أن حزقيال ربما عاش في بيئة حضرية داخل العاصمة بابل أو في إحدى المراكز الإدارية التابعة لها، وليس في القرى الزراعية على أطراف الإمبراطورية كما كان يعتقد سابقا. في هذا التقرير، تستعرض صحيفة هآرتس الإسرائيلية كيف أسهمت الاكتشافات الأثرية الحديثة، وتحليل النصوص المسمارية، والمقارنة بين المصادر التوراتية والبابلية في تقديم فهم جديد لحياة النبي حزقيال ومكان إقامته خلال منفاه في بابل. كتب الأكاديمي الإسرائيلي يوفال ليفافي، الباحث في قسم الآثار والشرق الأدنى القديم بالجامعة العبرية في القدس، أن مصطلح "تل أبيب" القديم عاد إلى اللغة العبرية لأول مرة في عام 1902، عندما استخدمه الكاتب اليهودي البولندي ناحوم سوكولوف عنوانا لترجمته للرواية اليوتوبية للزعيم الصهيوني ثيودور هرتزل، "ألتنويلاند" (Altneuland)، التي تعني حرفيا "الأرض القديمة الجديدة". وبعد سنوات قليلة، أصبح "تل أبيب" اسما لحي جديد كان يعرف سابقا باسم "أحوزات بايت"، الذي تأسس خارج أسوار مدينة يافا، ثم تطور ليصبح ثاني أكبر مدينة في إسرائيل ومركزها الاقتصادي. لكن كثيرين لا ينتبهون للأصل التوراتي لاسم "تل أبيب"، حيث ورد في سفر حزقيال (3:15): "وأتيت إلى المسبيين عند تل أبيب، الساكنين عند نهر خابور". إعلان وهنا، يشير مصطلح "المسبيين" إلى سبي بابل، حيث نقل النبي حزقيال إلى هناك مع الملك يهوياكين، إلى جانب جميع الحرفيين والحدادين، وذلك عام 597 قبل الميلاد (بحسب سفر الملوك الثاني 24)، أي قبل 11 عاما من تدمير الهيكل في القدس وحدوث السبي البابلي الأشهر عام 586 ق.م. يجادل الباحثون حول مراحل كتابة سفر حزقيال وتحريره، لكن يعتقد على نطاق واسع أن نواة السفر تشير بالفعل إلى كاهن يهودي متعلم كان نشطا في بابل خلال القرن السادس قبل الميلاد. ويفترض أن حزقيال عاش بالفعل في "تل أبيب"، ولكن ليس في فلسطين، بل في قرية صغيرة متواضعة شرقي بابل، على ضفاف نهر الخابور أكبر رافد دائم لنهر الفرات. المدينة التي لم تكن لم يكن موقع النبي حزقيال الدقيق محل اهتمام كبير لدى المفسرين والباحثين التوراتيين. ومع مرور الزمن، تحول التاريخ إلى أسطورة، ثم تحولت الأسطورة إلى خرافة، وبات اسم تل أبيب (Tel-abib) طي النسيان لأكثر من 2500 عام. لكن حدث ما لم يكن متوقعا، ظهور علم الآشوريات (Assyriology)، وهو العلم الذي يدرس حضارات بلاد الرافدين القديمة. وبالتزامن مع الترجمة التي قام بها ناحوم سوكولوف لعنوان كتاب هرتزل "الأرض القديمة الجديدة" (Altneuland) إلى "تل أبيب" -حيث جعل كلمة "تل" تشير إلى تلة أو ركام، و"أبيب" تعني الربيع والتجدد- أعاد الباحثون الآشوريون استكشاف اسم تل أبيب التوراتي وربطه بالسياق التاريخي للحياة البابلية التي كان النبي حزقيال جزءا منها. مع نهاية القرن الـ19، تمكن الباحثون من تحديد موقع "نهر خابور" المذكور في سفر حزقيال، الذي يعرف في النصوص البابلية باسم "نار كاباري". كان هذا النهر في الواقع قناة مائية تحمل المياه من مدن بابل الوسطى نحو الجنوب الشرقي. ويعني الاسم الأكادي "نار كاباري" "القناة العظيمة"، وهو قريب في معناه من كلمة "كبير" بالعربية والعبرية. تشير السجلات البابلية إلى وجود عشرات العائلات اليهودية من الجيلين الأول والثاني من المنفيين الذين عاشوا بالقرب من هذه القناة، حيث عملوا في أراض زراعية مملوكة للدولة واستأجروها للعيش. وأطلق على إحدى القرى القريبة منهم اسم "يهود" (Yahud)، تيمنا بمكانهم الأصلي في مملكة يهوذا. ومن خلال ألواح "أل ياهودو" -وهي مجموعة من النصوص البابلية التي توثق حياة اليهود في بابل والمحفوظة اليوم في متحف أراضي الكتاب المقدس في القدس- نستطيع فهم المصاعب الاقتصادية التي واجهها المنفيون، بما في ذلك زراعة الأراضي الشاقة، ومشاكل البيروقراطية البابلية، والتكيف مع محيطهم الجديد، كما يقول الكاتب. معنى تل أبيب تمكن الباحثون الآشوريون من تتبع الأصل الحقيقي لمصطلح "تل أبيب". ورغم أن كلمة "أبيب" في العبرية تعني "الربيع" وترمز إلى التجدد والازدهار، فإن البحث الأكاديمي الحديث كشف أن النبي حزقيال لم يكن يشير إلى هذا المعنى الإيجابي. بل إنه قام بتحوير كلمة أكادية وهي "أبوبو" (Abubu)، والتي تعني "الطوفان" أو "الدمار". أما كلمة "تل"، التي تعني "تل أثري" أو "كومة من الأنقاض" في اللغتين العبرية والأكادية، فقد جعلت من اسم "تل أبيب" يعني في الحقيقة "تل الخراب" أو "كومة الدمار" (Mound of Ruins). وفي الواقع، نجد في النقوش الآشورية أن العديد من ملوك آشور كانوا يفتخرون بتدمير مدن أعدائهم وتحويلها إلى "تيل أبوبه" (Til Abube)، أي "تلة من الخراب". تل أبيب كقرية بابلية وتشير الدراسات الحديثة إلى أن تل أبيب لم تكن مدينة بالمعنى المتعارف عليه، بل كانت مستوطنة صغيرة قرب القناة العظيمة نار كاباري. وتم التعرف على موقعها التقريبي من خلال نص بابلي عثر عليه في مدينة أور الكلدانية، وهو عبارة عن سند دين يعود للعام 510 ق.م (السنة الـ11 من حكم داريوس الأول الفارسي)، وذكر فيه أن السند تم تحريره في مكان يدعى تل أبيب. إعلان ومن خلال مقارنة هذه النصوص بالسجلات التوراتية والبابلية، تمكن الباحثون من تحديد الموقع التقريبي لهذه القرية في الأراضي الزراعية الواقعة على أطراف بابل، وإعادة بناء ملامح الحياة فيها من خلال دراسة ألواح "أل ياهودو". استعارة للدمار لا شك أن عبارة "تل أبيب" جاءت في النص التوراتي كاستعارة لغوية مستوحاة من التعبير الأكادي "تيل أبوبه"، ولم تكن اسما لمدينة أو مستوطنة قائمة بذاتها، كما يقول الكاتب. إذا، يبدو أن النبي حزقيال، مثل العديد من المنفيين من مملكة يهوذا، عاش في محيط بابل الريفي، في منطقة تعرف بتل أبيب على ضفاف القناة العظيمة. ورغم أننا لم نعثر (حتى الآن) على ذكر مباشر لحزقيال في السجلات البابلية، فإن تفاصيل حياة جيرانه والجالية اليهودية في بابل تتكشف شيئا فشيئا مع تقدم الأبحاث. مع ذلك، لا تزال هناك تعقيدات كثيرة في ربط المصادر التوراتية بالبابلية، وبعض الفرضيات أكثر تعقيدا مما قد يبدو. فعند العودة إلى الآية التوراتية التي ذكر فيها اسم "تل أبيب": "وأتيت إلى المسبيين عند تل أبيب، الساكنين عند نهر خابور، وجلست حيث هم جالسون، وأقمت هناك 7 أيام مبهوتا في وسطهم" (حزقيال 3:15)، نجد أن القراءة الحرفية للنص لا تؤكد أن حزقيال كان يسكن هناك بالفعل، بل تشير إلى أنه "أتى" إلى هذا المكان، وجلس بين المسبيين هناك لمدة أسبوع فقط، مما يجعل وجوده في تل أبيب مجرد إقامة مؤقتة وليس استقرارا دائما. سواء كانت الكلمات المنسوبة إلى النبي حزقيال في سفر حزقيال من تأليفه شخصيا، أو كتبت لاحقا على لسانه من قبل أتباعه، أو حتى من قبل كاتب لاحق تبنى ضمير المتكلم المفرد، فإن هناك إجماعا على أن التقاليد التوراتية لم تعتبر تل أبيب مكان إقامته الدائم. مثلما لا نجد اسم "تل أبيب" إلا مرة واحدة في سفر حزقيال، فإن اسم المستوطنة البابلية "تيل أبوبه" (Til-Abube) مذكور أيضا في مصدر وحيد: سند دين تم اكتشافه في مدينة أور الكلدانية. لكن رغم الإجماع الواسع بين الباحثين في الدراسات التوراتية وعلم الآشوريات بأن الاسم يشير إلى الموقع نفسه، فإن قراءة هذا الاسم ليست بهذه البساطة. أولا، الحروف الأولى من الاسم في النص المسماري غير واضحة تماما، وبعضها متضرر، مما يجعل قراءة "تيل" تخمينية إلى حد كبير، وربما غير صحيحة إطلاقا. كما أن اللوح الطيني الذي نقش عليه النص غير متاح حاليا لإعادة الفحص وتحسين قراءة العلامات المسمارية. وثانيا، العلامة الأولى في اسم المستوطنة ليست "تل"، وبالتالي فإن قراءة الاسم الكامل على أنه "تل أبوبه" مستبعدة. بل إن الحرف الأخير في الاسم نفسه محل خلاف بين الباحثين. وبناء على هذه الاكتشافات، لا يمكن فقط نفي أن حزقيال عاش في تل أبيب، بل يبدو أنه لم تكن هناك أي مستوطنة بهذا الاسم في بابل على الإطلاق. النصوص النبوية لحزقيال تمتلئ بالمصطلحات والصور المستمدة من الثقافة البابلية، وهو ما يعكس معرفته العميقة بالبيئة التي عاش فيها. ولهذا، لا شك في أن عبارة "تل أبيب" مستمدة من التعبير الأكادي "تيل أبوبه"، لكنها لم تكن اسما لمستوطنة، بل كانت تعبيرا مجازيا يعني "كومة الدمار" أو "تل الخراب"، وهو تعبير كان يستخدم آنذاك لوصف القرى والمدن التي تعرضت للدمار. بالتالي، من الأكثر منطقية أن نفهم "تل أبيب" ليس كموقع جغرافي، بل كوصف لحالة اليهود المنفيين في بابل. فقد كانت رمزا لوضعهم البائس بعد السبي، وليس مجرد اسم لمكان إقامتهم. كيف فهم المترجمون القدامى هذا التعبير؟ قد يبدو هذا التفسير صادما للأذن الحديثة، لكن في العصور القديمة، لم تكن هناك مشكلة في فهم "تل أبيب" على أنها استعارة. على سبيل المثال، جيروم (St. Jerome)، الذي ترجم الكتاب المقدس إلى اللاتينية في القرن الرابع الميلادي، لم يفسر "تل أبيب" على أنها اسم مستوطنة، بل كان مدركا أن "أبيب" في العبرية تعني "الربيع"، لكن دون أن يعتبرها مكانا جغرافيا محددا. وهكذا، فإن المصدر الأصلي لاسم "تل أبيب" توراتي بالفعل، لكنه لم يكن اسما لموقع، بل تعبيرا عن معاناة المنفيين اليهود الأوائل في بابل وعن اليأس الذي أصابهم في تلك الفترة. رغم أن العديد من اليهود المنفيين تم إسكانهم في الضواحي الزراعية، كما تشير ألواح "أل ياهودو"، فإن سفر حزقيال لا يحتوي على أي إشارات إلى الزراعة أو العمل في الحقول. على العكس من ذلك، يؤكد الكاتب التوراتي مرارا أن حزقيال كان جزءا من النخبة اليهودية التي نفيت مع الملك يهوياكين. وبغض النظر عما إذا كان تحرير كتاب حزقيال قد مر بعمليات تحرير لاحقة، فإن ارتباط حزقيال بمجموعة المنفيين من طبقة النخبة اليهودية ليس موضع شك، وهو ما يشكل الإطار الزمني والموضوعي الأساسي للنص التوراتي. رؤية جديدة من المصادر البابلية تم توثيق سبي يهوياكين الذي يذكره سفر الملوك الثاني (الإصحاح 24) في السجلات البابلية التي كتبت بعد الحدث بحوالي 5 سنوات، أي قبل تدمير الهيكل الأول في القدس عام 586 قبل الميلاد. وتشير هذه السجلات إلى ما يلي: "في السنة السابعة، في شهر كيسليف (ديسمبر)، حشد ملك أكاد (نبوخذ نصر الثاني) قواته، وسار إلى حاتي (بلاد الشام)، ونصب معسكره مقابل مدينة يهوذا (القدس). وفي اليوم الثاني من شهر آذار (مارس)، استولى على المدينة وأسر ملكها (يهوياكين). ثم نصب ملكا من اختياره (صدقيا)، وجمع جزية هائلة، وعاد إلى بابل". تشير هذه السجلات إلى تفاصيل تتطابق مع الرواية التوراتية، مما يعزز مصداقية الحدث من الناحية التاريخية. أسرى يهوياكين في السجلات البابلية تم العثور على ذكر لبعض المنفيين من سبي يهوياكين في أرشيف قصر نبوخذ نصر، حيث تم تسجيلهم كمستفيدين من مخصصات إعاشة مقدمة من السلطات البابلية. ويمكن تحديد هويتهم كيهود منفيين، ليس فقط بناء على تواريخ الوثائق التي تعود إلى الفترة بين سبي الصناع والحدادين (597 ق.م) وسبي تدمير الهيكل (586 ق.م)، بل أيضا لأن اسم يهوياكين نفسه، المشار إليه كـ"ملك يهوذا"، يظهر في قوائم المستفيدين من هذه المخصصات إلى جانب أبنائه. إن العثور على مثل هذه الوثائق النادرة، التي تبدو أقرب إلى الخيال لندرتها، يعزز فهمنا لتلك الحقبة. كما أن اكتشافها في حفريات أثرية رسمية يمنع أي احتمال للتزوير، مما يجعلها دليلا قاطعا على وجود هذا السبي، كما يقول الكاتب. سياق حضري وليس ريفيا تشير الأدلة إلى أن المنفيين اليهود لم يرسلوا جميعا إلى العمل الزراعي في الريف البابلي، بل استقر بعضهم في العاصمة بابل وتم تكليفهم بمهام إدارية ودبلوماسية. وبما أن حزقيال كان متعلما ومهنيا ماهرا، فمن المحتمل جدا أنه أدرج في هذا النظام الإداري دون صعوبة. ومن الممكن أيضا أنه وصل إلى مجتمع المنفيين الذين استقروا على ضفاف "نهر خابور" (المعروف بChebar في الترجمة الإنجليزية) كجزء من مهمة رسمية كلفه بها القصر البابلي. وهذا يتماشى مع مواقفه الإيجابية تجاه بابل ومعرفته العميقة بالثقافة الحضرية البابلية، وهو ما يظهر جليا في كتاباته. التجار الملكيون في بابل بالإضافة إلى المنفيين الذين ذكروا في سجلات القصر البابلي، تشير المصادر أيضا إلى مجموعة من التجار الملكيين اليهود الذين كانوا نشطين في المراكز التجارية شمال بابل. ويبدو أن هؤلاء المنفيين، رغم عدم إقامتهم في العاصمة، عملوا أيضا تحت رعاية القصر البابلي. وبالنظر إلى تعليم حزقيال وإلمامه بالجغرافيا المحلية، فمن الممكن أنه كان جزءا من هذه الأنشطة التجارية أو الإدارية. كما أن هؤلاء التجار كانوا يسافرون بانتظام في رحلات عمل، وبالتالي فإن رحلة قصيرة لبضعة أيام إلى مستوطنات المنفيين على نهر خابور لا تبدو سيناريو مستبعدا. حتى وإن كنا لا نملك عنوانا دقيقا لمكان إقامة حزقيال، فإن جميع المصادر التوراتية والبابلية المتاحة تشير إلى أنه عاش في بيئة حضرية، وليس في المناطق الريفية حيث استوطن بعض المنفيين للعمل في الزراعة. وبالتالي، حتى لو زار مجتمعات الفلاحين المنفيين على نهر خابور، فمن المؤكد أن ذلك لم يكن مكان إقامته الدائم، بل كانت إقامة مؤقتة مرتبطة بمهام محددة.