أحدث الأخبار مع #حسامالحفاظي


اليمن الآن
١٤-٠٥-٢٠٢٥
- منوعات
- اليمن الآن
عدن… المدينة التي تحضن اليمن في حوضها'
كتاب الرأي كتب حسام الحفاظي عدن، ليست مجرد مدينة، بل معنى محفور في ذاكرة الجسد واللغة والتاريخ. من نطقها الأول، يتكشف أمامك اسمٌ أقدم من السياسة والجغرافيا، اسمٌ ينتمي إلى اللغة الحميرية القديمة: 'عُدن' — وهو الموضع المنخفض بين الكتف والرقبة، حيث تستقر القلادة وتُروى الحكايات، ويستريح الرأس في لحظات التعب. عدن بهذا المعنى ليست فقط ميناءً ولا فقط بحراً يُعانق الشمس، بل حضن… حضن جغرافي، تحيطه الجبال من كل الجهات، وكأنها أضلاعٌ عظيمة تحرس قلب المدينة. منظرها الجوي يكشف عن تلك الفلسفة: مدينة تجلس في حوض جبلي، تحت جناح جبل شمسان، الذي ينهض من خاصرتها كطريق حجري إلى السماء. أتذكر جدتي فخرية — رحمها الله — حين كانت تُناديني وأنا أعلق سماعة الرأس في عنقي: 'أيش هذا بين أعدانك؟' كانت تسأل بلهجة قديمة، غير مدركة أنها تُعيد إلي كلمة من جذور التاريخ. كلمة 'أعدانك' لم تكن فقط تعني العنق، بل كانت تستدعي صورة الحماية، الاحتضان، وتلك المنطقة الخاصة من الجسد التي لا يراها الغرباء. وهكذا، تتجلى 'عدن' في اللغة اليمنية الشفاهية، في الذاكرة، في اللهجات التي تقول: 'عدن الأشلوح' 'عدن مرقد' 'عدن لولة' بل وفي منطقة 'العدين'، حيث تنتشر أسماء قرى عديدة باسم 'الأعدان'، وكأن اليمن بأكمله يبحث عن حضن جغرافي ومعنوي. تأملوا عدن من الأعلى، كيف يطوّقها البحر من جهة، والجبال من الجهات الأخرى، وكأنها وليدٌ نائم في حضن الطبيعة. في 'كريتر'، تُروى قصة الصعود من بركان خامد إلى الحياة. في 'خور مكسر'، لا يتحرك الموج، بل يتنهد كما تنهد المغترب العائد. وفي 'المعلا'، تتشابك الوجوه والحكايات والموانئ، في بوح مفتوح على كل الجهات. عدن ليست فقط عاصمة مؤقتة. عدن فكرة، وحضنٌ تاريخي، وثقافة تجذّرت في تضاريس الجسد اليمني. عدن لم تفقد بوصلة العروبة، ولا أصالة التمدن، رغم أنها اليوم تُعاني من حصار معنوي، من محاولات طمس، من سوء إدارة وتهجير من نوع آخر. لكنها، كما كانت دوماً، تنهض كلما ظنوها سقطت. شمسان لن ينكسر. والخور لن يجف. وعدن لن تنسى اسمها: 'عُدن'… المدينة التي تحمل اليمن كله في حضنها.


اليمن الآن
١٢-٠٥-٢٠٢٥
- ترفيه
- اليمن الآن
سبأ بين ضفتين.. دهشة يمني في مرايا الحبشة!
حسام الحفاظي حين أتوقف أمام آية 'لَقَدْ كانَ لِسَبَإٍ في مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَن يَمِينٍ وَشِمَالٍ…' (سبأ: 15)، ينتابني شعور بهشاشة الزمن واتساعه، كأن كلا الجنتين يجلسان على أكتاف اليمن والحبشة، يضمُان بين جدولهما «البن واللبان والعسل» الذي أرخ له العهد القديم وجنّتي اليمن والحبشة التي خُطت هنا دعوة للشكر والاعتراف بجميل النعمة. في خيالي، تنمو جنتان عن يمين اليمن، وغرباً وراء البحر الأحمر تمتد الأخرى فوق ربوع الحبشة؛ فلسفة تأخذني بعيداً في رحلة عبر أعماق التاريخ، حيث لم يكن سد مأرب محصوراً داخل ضفائر الوادي، بل أرسى جسوره على صخور أكسوم، وساهمت النقوش السبئية في إثبات ذلك التمدد الحضاري. ففي عام 2020، أعلنت مصادر محلية في الصومال عن اكتشاف نقش مسندي يعود لأكثر من 3,000 عام على ساحل القرن الأفريقي، ما يبرهن على انتشار الأبجدية السبئية حتى هناك. ومع تلك النقوش التي تحدثت ببراعة عن مطر وعطايا الآلهة، تحول خط المسند الذي كان يُكتب من اليمين إلى اليسار إلى 'الجعزي' في الحبشة، بحركاته الصوتية واتجاهه من اليسار إلى اليمين، فنشأت لغة جديدة تتشارك في أسراب الحروف مع اللغة السبئية، وكانت اليمن والحبشة تشتركان في نبرة صوتية واحدة. وفي ذات ليل يمني، لا يتركني حلم 'قصر سليمان' الذي ترويه الأساطير الشعبية، حيث يقولون إن النبي سليمان – صاحب القدرة على مخاطبة الجن والرياح – مر على اليمن، وبنى فيها قصوراً وضاحية من الصخر، قبل أن يواصل مسيره إلى القدس، تاركاً وراءه عقداً من الحكايا التي تمسح الغبار عن وجوه النخيل وترسم ملامح بركة سليمانية في أرض العرب. أما في جبال سيميان بإثيوبيا، فيُفاجئني منظر 'الوعل' واقفاً على حواف صخرية، قرنه الطويل يلمع تحت شمس الصباح، يذكرني بنقوشه التي نقشها السبئيون على جدران مأرب، قبل ثلاثة آلاف عام، كرمز للصمود والجمال المشترك بين ضفتي البحر الأحمر. وهكذا، حين ألتفت من جديد إلى آية الجنتين، أرى في اليمن جنتي اليمين، وفي الحبشة جنتي الشمال؛ لا يفرقهما البحر، بل يربطهما قلم مسندي انطلق من مأرب وخطا سيرته بماء الأنهار في أرض أكسوم، والوعل يركض على قمم الجبال في آنٍ واحد. كم أتمنى لو يجمعنا التاريخ ويشيد فوق صدورنا جسراً لا تهدمه حدود، فتظلّ دهشتي كياناً يمنياً ينبض بوفاء لماضيٍ واحد وروح مشتركة لا تعرف الانطفاء. وحياً، من نقاش ثري مع القيل عادل الأحمدي تعليقات الفيس بوك