أحدث الأخبار مع #حملةصليبية


العربي الجديد
منذ 10 ساعات
- سياسة
- العربي الجديد
أميركا المسيحانية وما وراء مشروع "إستير"
في مقدمته الخالدة، كاسمه، يرى المفكر والفيلسوف عبد الرحمن بن خلدون، تبدلَ الأفكار المهيمنة في أي مجتمع بدايةً يلحقها تغيير في هياكل السلطة، وهو بالضبط ما نلمس أثره اليوم في أميركا، ومعاناتها من تبعات ديمقراطيتها الشائخة وأزمة نموذجها الناكص على عقبيه ليس في صورته الترامبية الحالية فقط، وإنما في عهد بايدن وما كان يمثله من مؤسسات تقليدية، تبين في نهاية المطاف عجزها عن مواجهة الأزمات الداخلية والخارجية، وفقدانها القدرة على تجديد ذاتي عقلاني يوقف استقطاباً مجتمعياً ويفتح آفاقاً جديدة أمام الإمبراطورية، وإن كانت أداتية مثل مشروع "نشر الديمقراطية" على ظهر دبابات "المحافظين الجدد"، الذين يبدو أننا سنتحسر على أيامهم، مقارنة بهؤلاء "الإلهيين" كما يصفهم كتاب "أميركا المسيحانية وحروب المحافظين الجدد"، أو ما يعرف بتيار الصهيونية المسيحية المتوغل داخل الإدارة الحالية، بعد توسع نطاق انتشار شبكاته المحلية والدولية منذ عقود. من قلب الأزمة، التقط تيار ماضوي الفرصة، مجتراً أفكاراً تراثية بالية اكتسبت زخماً كبيراً في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، وتحديداً مع الرئيس رونالد ريغان المدعوم من المحافظين الجدد واليمين الديني، ومن وقتها بدأ صعود التيار ومحاولته للهيمنة على البلاد، التي تتبدى جلياً في أسماء مشاريعه ذات الحمولات الدينية مثل "تفويض إلهي" أو "نبوءة الجبال السبعة" (المصطلح مستمد من سفر الرؤيا) ويعني تكليف المؤمنين بالسيطرة على جبال السلطة المجتمعية، وهي الحكومة، والدين، والأسرة، والتعليم، والإعلام والفنون، والترفيه، والتجارة، كما يقول الباحثان الأميركيان المتخصصان في حركات اليمين المتطرف بمركز Political Research Associates فريدريك كلاركسون وبن لوربر ضمن تقرير بعنوان: "الصهيونية المسيحية في حملة صليبية معاصرة"، نشره موقع أوريان 21. مستهدفات هذا المخطط تتقاطع مع آخر يدعى مشروع "إستير"، وسُمي كذلك تكريماً لملكة توراتية يُحتفى بها لإنقاذها الشعب اليهودي، وتقف وراءه مؤسسة هيرتيج المحافظة التي تصنف من بين الجهات الأكثر نفوذاً في واشنطن، وبرز دورها الكبير وتأثيرها على صانع القرار منذ عهد ريغان، وبالطبع تدعم أجندة مختلطة، تضم ما يبحث عنه المحافظون الجدد، في نقاط مثل توسيع الدور والإنفاق العسكري الأميركي عالمياً، بينما داخلياً تقف ضد المثليين والحق في الإجهاض وسياسات مكافحة تغير المناخ، وغيرها من قضايا اليمين الديني، المعادي لليساريين والنخب التقدمية والليبراليين، وهؤلاء هم الهدف للثاني للمشروع بعد الحركة المؤيدة للفلسطينيين في أميركا، إذ يركز، بحسب تحقيق لـ"نيويورك تايمز"، على ما يطلق عليه معاداة السامية لدى اليسار، متجاهلاً المضايقات والعنف المعادي لها من اليمين القريب من ترامب وأفكاره، وكل ذلك تحقيقاً لحلم تيار الصهيونية المسيحية الأثير بتجسيد أفكار نهاية العالم المذكورة في الكتاب المقدس على أرض الواقع، بالتالي يرون في دعم إسرائيل تعزيزاً للنفوذ العالمي للمسيحية، أو ما يطلقون عليه الألفية السعيدة، وهي مدة زمنية يعتقدون أنها ستحقق لهم الحكم المسيحي النقي والكامل. القائمون على هذه المشاريع بالتأكيد يستخدمون أحدث أنواع التكنولوجيا، ويعيشون في أكثر المجتمعات تطوراً، ومع أن أجسادهم في القرن الواحد والعشرين، إلا أن أوراحهم وعقولهم تحيا في زمن المسيح كما يتخيلونه، وفق تفسير خاص بهم يتيح لهم حشد ملايين المؤمنين والداعمين، من بينهم أعضاء في الحكومة الأميركية وعسكريون ودبلوماسيون ونواب كونغرس وشبكات إذاعية وتلفزيونية وجامعات ومستشفيات، كلها معنية بالانتشار والسيطرة المجتمعية بحسب "معتقد الجبال السبعة"، ولا يوجد أسهل من اتهام من يقف في طريقهم بأنهم ينتقدون إسرائيل ويدعمون الإرهاب كما جاء مخطط "إستير"، ومن خلال ذلك يمكن ترحيلهم وسحب تمويلهم ومقاضاتهم وفصلهم من العمل، وهو ما نراه حالياً في واشنطن استهدافاً لوسائط إعلامية أو مؤسسات أكاديمية تمثل المرحلة الأولى من الانزلاق نحو السلطوية، فما يجري ليس استراتيجية وطنية حقيقية لمكافحة معاداة السامية، وإنما خطوة على طريق الديكتاتورية، فمن كان يتوقع أن تفتش الهواتف وحسابات التواصل الاجتماعي في الجامعات والمطارات والمنافذ البرية، وترحيل من كتب رأياً يخالف رواية الطغمة الحاكمة في واشنطن الترامبية. عربياً، لا يقتصر خطر هذا التيار في تشجيع دولة الاحتلال على إجرامها فقط، إذ سبق أن ضرب منطقتنا عبر أفكاره المتطرفة مبكراً، ففي 21 أغسطس/آب 1969، أشعل سائح أسترالي يدعى دينيس مايكل روهان النار في المسجد الأقصى، وتسبب في حريق هائل أدى إلى تدمير واسع في المصلى القبلي ومنبر السلطان صلاح الدين الأيوبي، في حادث ساعدته فيه دولة الاحتلال بقطع المياه عن المنطقة المحيطة بالمسجد وعرقلة وصول سيارات الإطفاء، وتبين بعدها أن روهان كان متشبعاً بأفكار واحدة من تلك الكنائس المنتمية لتيار اليمين الديني المنطرف، واعتاد قراءة مجلتها "الحقيقة الواضحة"، وأقدم على فعلته من أجل التعجيل بعودة المسيح المرتبطة ببناء الهيكل الثالث، وثبت أنه تدرب على يد جماعات يهودية متطرفة لمدة عامين، وقتها كانت خارج دائرة الحكم، إلا أنها بالتأكيد تقبع اليوم وتمسك بتلابيب حكومة دولة الاحتلال، بل إن السفير الأميركي المنتمي إلى التيار ذاته، مايك هاكابي، يشجعها على أفكارها وهي في الحقيقة لا تختلف عن معتقداته، وإلا لم يكن ليزور مزرعة أبقار في مستوطنة "شيلو" الواقعة شمال شرق رام الله رفقة زوجته بداية الشهر الجاري، وفيها توجد خمس بقرات حمراوات، تعتقد جماعات الهيكل المتطرفة أنها إشارة إلهية إلى قرب بناء "المعبد الثالث" مكان المسجد الأقصى وظهور المسيح المنتظر. المعلوم من البديهيات يمكن الاستدلال عليه بغير مقدمات، وتلك المشاريع معلنة وليست خفية، أو مؤامرة وهمية تحاك في الظلام، اليوم يقول القوم إنهم سيشيّدون هيكلهم المزعوم، حتى إنهم في عام 2014 بنوا مجمعاً كنسياً بتكلفة 300 مليون دولار بمدينة ساوباولو في البرازيل، وزعمت الكنيسة الخمسينية العالمية أنه نسخة مطابقة لهيكل سليمان الذي سيعاد تشييده، لذا جرى محاكاة العملية في البناء الجديد واستجلاب حجارة من القدس لأرضيته وجدرانه، كما يقول الباحثان كلاركسون ولوربر، ما يطرح أسئلة برسم زعماء وشعوب الدول العربية، ماذا أنتم فاعلون؟


الكنانة
٠٣-٠٥-٢٠٢٥
- منوعات
- الكنانة
شجرة الدر أول سلطانة للدولة الأيوبية في مصر و من جارية في الحريم إلى ملكة على مصر
كتب وجدي نعمان شجرة الدر واحدة من السلاطين القلائل في التاريخ الإسلامي، على رغم قصر فترة حكمها التي دامت ما بين 80 و88 يوماً وأصبحت قصة حياتها الرائعة والحزينة موضوع الأعمال الثقافية والفنية الحديثة في مصر فتعالو نتعرف عليها:- شجر الدرّ (أو شجرة الدّر)، (ت 1257) الملقبة بعصمة الدين أم خليل، خوارزمية الأصل، وقيل أنها أرمينية أو تركية. كانت جارية اشتراها السلطان الصالح نجم الدين أيوب، وحظيت عنده بمكانة عالية حتى أعتقها وتزوجها وأنجبت منه ابنها خليل الذي توفي في 2 من صفر 648 هـ (مايو 1250م). تولت عرش مصر لمدة ثمانين يومًا بمبايعة من المماليك وأعيان الدولة بعد وفاة السلطان الصالح أيوب، ثم تنازلت عن العرش لزوجها المعز أيبك التركماني سنة 648 هـ (1250م). لعبت دورًا تاريخيًا هامًا أثناء الحملة الصليبية السابعة على مصر وخلال معركة المنصورة. أصولها الحملة الصليبية السابعة 1249 كانت شجرة الدر جارية من أصل تركي أو خوارزمي وقيل إنها أرمنية. اشتراها الصالح أيوب قبل أن يكون سلطاناً، ورافقته في فترة اعتقاله في الكرك سنة 1239 مع مملوك له اسمه ركن الدين بيبرس الصالحي (ليس الظاهر بيبرس الذي أصبح سلطاناَ لاحقاً سنة 1260م) وأنجبت ولد اسمه خليل. لُقِبَ بالملك المنصور. وبعد ما خرج الصالح من السجن ذهبت معه إلى مصر وتزوجا هناك.وبعد أن أصبح سلطان مصر سنة (1240 م) بقيت تنوب عنه في الحكم عندما يكون خارج مصر. في أبريل 1249 م كان الصالح أيوب في الشام يحارب الملوك الأيوبيين الذين ينافسونه على الحكم وصلته أخبار أن ملك فرنسا لويس التاسع (Louis IX)-الذي أصبح قديساً بعد وفاته. في قبرص، وفي طريقه لمصر على رأس حملة صليبية كبيرة حتى يغزوها بالقرب من دمياط على البر الشرقي للفرع الرئيسي للنيل، حتى يجهز الدفاعات لو هجم الصليبيون. وفعلاً، في يونيو 1249 م نزل فرسان وعساكر الحملة الصليبية السابعة من المراكب على بر دمياط ونصبوا خيمة حمراء للملك لويس. وانسحبت العربات التي كان قد وضعها الملك الصالح في دمياط للدفاع عنها فاحتلها الصليبيون بسهولة وهي خالية من سكانها الذين تركوها عندما رأو هروب العربات. فحزن الملك الصالح وأعدم عدداً من راكبي العربات بسبب جبنهم وخروجهم عن أوامره. انتقل الصالح لمكان آمن في المنصورة.وفي 23 نوفمبر 1249 م توفي الملك الصالح بعد أن حكم مصر 10 سنين وفي لحظة حرجة جداً من تاريخها. استدعت شجرة الدر قائد الجيش المصري «الأمير فخر الدين يوسف» ورئيس القصر السلطاني «الطواشي جمال الدين محسن»، وقالت لهم إن الملك الصالح توفي وأن مصر الآن في موقف صعب من غير حاكم، وهناك غزو خارجي متجمع في دمياط. فاتفق الثلاثة أن يخفوا الخبر حتى لا تضعف معنويات العساكر والناس ويتشجع الصليبيون. وفي السر ومن غير أن يعلم أحد نقلت شجرة الدر جثمان الملك الصالح في مركب على القاهرة ووضعته في قلعة جزيرة الروضة. ومع أن الصالح بن أيوب لم يوص قبل أن يموت بمن يمسك الحكم من بعده، إلا أن شجرة الدر بعثت زعيم المماليك البحرية «فارس الدين أقطاى الجمدار» على حصن كيفا حتى يستدعي «توران شاه» ابن الصالح أيوب ليحكم مصر بدل أبيه المتوفى. قبل أن يتوفى الصالح أيوب كان أعطى أوراقا على بياض لشجرة الدر حتى تستخدمها لو مات. فبقيت شجرة الدر والأمير فخر الدين يصدران الأوامر السلطانية على هذه الأوراق. وقالا إن السلطان مريض ولا يستطيع مقابلة أحد. وكان يتم إدخال الطعام للغرفة التي كان من المفروض أن يكون نائما فيها حتى لا يشك أحد. وأصدرا أمرا سلطانيا بتجديد العهد للسلطان الصالح أيوب وتنصيب ابنه توران شاه ولي عهد للسلطنة المصرية، وحلفا الأمراء والعساكر. انتصار المماليك على الحملة الصليبية السابعة لويس التاسع ملك فرنسا يُأسر في فارسكور. وصلت أخبار وفاة الصالح أيوب للصليبيين في دمياط بطريقة ما. وفي نفس الوقت وصلت إلى دمياط إمدادات مع «الفونس دو بويتي» (Alphonse de Poitiers) أخ الملك لويس. فتشجع الصليبيون وقرروا الخروج من دمياط والتوجه للقاهرة. واستطاعت قوات من الفرسان الصليبيين، بقيادة روبرت دارتوا (Robert d'Artois) أخ الملك لويس، اجتياز قناة اشموم عن طريق مخاضة عرفوها عن طريق أحد قادة العربات. فهجموا فجأة على المعسكر المصري في جديلة على بعد حوالي 3 كليومتر من المنصورة. قتل الأمير فخر الدين يوسف وهو خارج من الحمام على صوت الضجة والصريخ فهربت العساكر التي بغتها الهجوم غير المتوقع وذهبوا إلى المنصورة. عرض الأمير ركن الدين بيبرس على شجرة الدر، الحاكمة الفعلية لمصر في هذا الوقت، خطة وضعها يدخل فيها الفرسان الصليبيون المندفعون نحو المنصورة في مصيدة فوافقت شجر الدر على الخطة. اجتمع بيبرس وفارس الدين اقطاي الذي أصبح القائد العام للجيوش المصرية. نظم صفوف العساكر المنسحبين من جديلة داخل المنصورة وطلب منهم ومن السكان التزام السكون التام بحيث يظن الصليبيون المهاجمون أن المدينة خالية مثل ما حصل في دمياط. وفعلاً وقع الفرسان الصليبيون في الفخ واندفعوا إلى داخل المنصورة واتجهوا نحو القصر السلطاني حتى يحتلوه. فخرجت لهم المماليك البحرية والمماليك الجمدارية فجأة وهاجموهم من كل ناحية بالسيوف والسهام وخرج سكان المنصورة والمتطوعون وهم يرتدون خوذ من النحاس الأبيض بدل خوذات العساكر وضربوهم بكل ما أوتوا من قوة. حاصر المماليك القوات الصليبية المهاجمة وأغلقوا الشوارع والحواري وبقي الصليبيون غير قادرين على الهروب ولم يبق أمامهم سوى الموت على الأرض أو أن يرموا أنفسهم في نهر النيل ويغرقوا فيه. اختبأ «روبرت دارتوا» أخ لويس داخل بيت لكن الناس وجدوه وقتلوه، وانتهت المعركة بهزيمة الصليبيين هزيمة منكرة في حواري المنصورة. وقتل منهم عدد كبير لدرجة أنه لم ينج من فرسان المعبد إلا واحد أو اثنان. هذا كان أول ظهور للماليك البحرية داخل مصر كمقاتلين يدافعون عن مصر. وفي تلك اللحظة كان تاريخ مصر والمنطقة التي حولها يتشكل عن طريق شجرة الدر ورجال دخلوا تاريخ مصر والعالم مثل الظاهر بيبرس عز الدين أيبك وقلاوون الألفي وغيرهم. التخلص من توران شاه توران شاه اغتيل سنة 1250. بعد النصر تنكر السلطان الجديد لشجرة الدر، وبدلاً من أن يحفظ لها جميلها بعث يهددها ويطالبها بمال أبيه، فكانت تجيبه بأنها أنفقته في شؤون الحرب وتدبير أمور الدولة، فلما اشتد عليها، ورابها خوف منه ذهبت إلى القدس خوفًا من غدر السلطان وانتقامه. ولم يكتف توران شاه بذلك بل امتد حنقه وغيظه ليشمل أمراء المماليك، أصحاب الفضل الأول في تحقيق النصر العظيم وإلحاق الهزيمة بالحملة الصليبية السابعة، وبدأ يفكر في التخلص منهم غير أنهم كانوا أسبق منه في الحركة وأسرع منه في الإعداد فتخلصوا منه بالقتل على يد أقطاي. المبايعة دينار من عهد شجرة الدر وجد المماليك أنفسهم في وضع جديد؛ فهم اليوم أصحاب الكلمة الأولى في البلاد ومقاليد الأمور في أيديهم، ولم يعودوا أداة في يد من يستخدمهم لتحقيق مصلحة أو نيل هدف وعليهم أن يختاروا سلطانًا للبلاد. وبدلاً من أن يختاروا واحدًا منهم لتولي شؤون البلاد اختاروا شجرة الدر لتولي هذا المنصب الرفيع. أخذت البيعة للسلطانة الجديدة ونقش اسمها على السِّكة بالعبارة الآتية «المستعصمية الصالحية ملكة المسلمين والدة خليل أمير المؤمنين». جدير بالذكر أن شجرة الدر لم تكن أول امرأة تحكم في العالم الإسلامي، فقد سبق أن تولت رضية الدين سلطنة دلهي، واستمر حكمها أربع سنوات (634 – 638 هـ) الموافق (1236 – 1240م). وحكمت أروى بنت أحمد الصليحي من سلالة بنو صليح اليمن من تاريخ (492 – 532 هـ) الموافق (1098 – 1138م). تصفية الوجود الصليبي وما إن جلست شجرة الدر على العرش حتى قبضت على زمام الأمور وأحكمت إدارة شؤون البلاد، وكان أول عمل اهتمت به هو تصفية الوجود الصليبي في البلاد وإدارة مفاوضات معه انتهت بالاتفاق مع الملك لويس التاسع (القدّيس لويس، كما يسمّيه قومه)، الذي كان أسيرًا بالمنصورة، على تسليم دمياط وإخلاء سبيله وسبيل من معه من كبار الأسرى مقابل فدية كبيرة قدرها ثمانمائة ألف دينار، يدفع نصفها قبل رحيله والباقي بعد وصوله إلى عكا، مع تعهد منه بعدم العودة إلى سواحل البلاد الإسلامية مرة أخرى. المعارضة غير أن الظروف لم تكن مواتية لأن تستمر في الحكم طويلاً على الرغم مما أبدته من مهارة وحزم في إدارة شؤون الدولة وتقربها إلى العامة وإغداقها الأموال والإقطاعات على كبار الأمراء. لقيت معارضة شديدة داخل البلاد وخارجها، وخرج المصريون في مظاهرات غاضبة تستنكر جلوس امرأة على عرش البلاد، وعارض العلماء ولاية المرأة الحكم وقاد المعارضة العز بن عبد السلام لمخالفة جلوسها على العرش للشرع. وفي الوقت نفسه، ثارت ثائرة الأيوبيين في الشام لمقتل توران شاه واغتصاب المماليك للحكم بجلوس شجرة الدرّ على سدة الحكم، ورفضت الخلافة العباسية في بغداد أن تقرّ صنيع المماليك، فكتب الخليفة المستعصم إليهم: «إن كانت الرجال قد عدمت عندكم فأعلمونا حتى نسيّر إليكم رجلاً». تنازلها عن العرش ولم تجد شجرة الدرّ إزاء هذه المعارضة الشديدة بدًا من التنازل عن العرش للأمير عز الدين أيبك أتابك العسكر الذي تزوجته، وتلقب باسم الملك المعز، وكانت المدة التي قضتها على عرش البلاد ثمانين يوماً. وإذا كانت شجرة الدر قد تنازلت عن الحكم والسلطان رسمياً، وانزوت في بيت زوجها، فإنها مارسته بمشاركة زوجها مسؤولية الحكم، فخضع هذا الأخير لسيطرتها، فأرغمته على هجر زوجته الأولى أمّ ولده علي وحرّمت عليه زيارتها هي وابنها، وبلغ من سيطرتها على أمور السلطان أن قال المؤرخ الكبير «ابن تغري بردي»: «إنها كانت مستولية على أيبك في جميع أحواله، ليس له معها كلام». قتل فارس الدين أقطاي ساعدت شجرة الدر عز الدين أيبك على التخلص من فارس الدين أقطاي الذي سبب لهم مشاكل عديدة في حكم البلاد، والذي كان يعد من أشرس القادة المسلمين في عصره، كما كان لكلمته صدى واضح في تحركات الجند في كل مكان. وفاتها غير أن أيبك انقلب عليها بعدما أحكم قبضته على الحكم في البلاد، وتخلص من منافسيه في الداخل ومناوئيه من الأيوبيين في الخارج، وتمرس بإدارة شؤون البلاد، بدأ في اتخاذ خطوات للزواج من ابنة «بدر الدين لؤلؤ» صاحب الموصل. فغضبت شجر الدر لذلك وأسرعت في تدبير مؤامرتها للتخلص من أيبك، فأرسلت إليه تسترضيه وتتلطف معه وتطلب عفوه، فانخدع لحيلتها واستجاب لدعوتها وذهب إلى القلعة حيث لقي حتفه هناك في 23 ربيع الأول 655 هـ (1257م). أشاعت شجر الدرّ أن المعزّ لدين الله أيبك قد مات فجأة بالليل، لكن مماليك أيبك لم يصدقوها فقبضوا عليها وحملوها إلى امرأة عز الدين أيبك التي أمرت جواريها بقتلها بعد أيام قليلة، فقاموا بضربها بالقباقيب على رأسها وألقوا بها من فوق سور القلعة، ولم تدفن إلا بعد عدة أيام. وهكذا انتهت حياتها على هذا النحو بعد أن كانت ملء الأسماع والأبصار، وقد أثنى عليها المؤرخون المعاصرون لدولة المماليك، فيقول «ابن تغري بردي» عنها: «وكانت خيّرة دَيِّنة، رئيسة عظيمة في النفوس، ولها مآثر وأوقاف على وجوه البِرّ، معروفة بها…». قتلت «شجر الدر» ملكة مصر في القاهرة في يوم 3 مايو (ايار) عام 1257 الموافق 23 ربيع الأول لعام 655 من الهجرة بعد أن دام حكمها ثمانين يوما ثم تنازلت عن العرش لوزيرها «عز الدين» الذي تلقب بالملك المعز. اتخذت سيرة شجر الدر موضوعا لفيلم سينمائي كان من أوائل الأفلام السينمائية في مصر، وقد اضطلعت فيه بدور شجر الدر الممثلة السيدة آسيا، وعرض في كثير من الأقطار العربية في أوائل الثلاثينيات من القرن الماضي. شجر الدر في التراث المصري الحكواتية حكوا للناس عن شجر الدر. شجر الدر في التراث المصري اسمها شجرة الدر وهي شخصية من شخصيات سيرة الظاهر بيبرس.هذه السيرة الشعبية التي كان يحكيها الحكاواتية في المقاهي في مصر حتى بدايات القرن العشرين، تبين مدى حب المصريين للسلطان الظاهر بيبرس وشجر الدر. وتقول السيرة التي معظمها خيال أن فاطمة شجر الدر كانت ابنة خليفة اسمه المقتدر، كان يحكم في بغداد حتى هجم المغول على مملكته ودمروها. وسبب اسمها شجر الدر هو أن أباها كان يحبها جداً فأهداها فستانا من اللؤلؤ (الدر) فلما لبسته أصبحت وكأنها شجرة در ولما طلبت منه أن يجعلها ملكة مصر أعطاها تقليدا بحكم مصر. فلما ذهبت إلى مصر وجدت أن الصالح أيوب يحكمها فتزوجها حتى يبقى في الحكم معها. ولما وصل بيبرس مصر ودخل القلعة أحبته مثل ابنها. أبيك التركماني في القصة ظهر كشخصية شريرة من الموصل، أتى إلى مصر حتى ينزع الحكم من شجر الدر وزوجها الصالح. بعد أن توفي الصالح تزوجت أيبك. لكن الصالح أيوب أتاها في المنام وأمرها بأن تقتله، فلما استيقظت احضرت السيف وقتلته. ولما دخل ابنه الغرفة ووجدها قد قتلته خافت وركضت فركض وراءها حتى وقعت من القلعة وماتت. شجر الدر في السينما والتلفزيون الفيلم المصري شجرة الدر عام 1935 عن قصة حياة شجر الدر بطولة وقامت بدور شجر الدر الممثلة آسيا داغر المسلسل الإماراتي شجر الدر عام 1979 عن قصة حياة شجر الدر وقامت بدور شجر الدر الممثلة نضال الأشقر الفيلم المصري وإسلاماه عام 1962 عن قصة حياة قطز بطولة أحمد مظهر وقامت بدور شجر الدر الممثلة تحية كاريوكا في النسخة العربية والممثلة سيلفانا بامبانيني في النسخة الإيطالية المسلسل المصري الفرسان عام 1994 عن قصة حياة قطز بطولة أحمد عبد العزيز وقامت بدور شجر الدر الممثلة نوال أبو الفتوح المسلسل المصري على باب مصر عام 2006 عن الغزو التتاري للعالم الإسلامي بطولة يوسف شعبان ورغدة وقامت بدور شجر الدر الممثلة نهال عنبر المسلسل السوري الظاهر بيبرس عام 2005 عن قصة حياة الظاهر بيبرس بطولة وقامت بدور شجر الدر الممثلة سوزان نجم الدين أم خليل وبعد فترة احتجاز أطلق سراح الأسرى الثلاثة، وعادوا إلى القاهرة نحو عام 1240، وعندما وصلوا إلى القاهرة تم إعلان الأمير نجم الدين سلطاناً عليها. والسلطان نجم الدين، هو سابع حاكم مشهور من الأسرة الأيوبية في مصر، وقرر تعيين ركن الدين بيبرس قائداً للجيش الأيوبي، وخلال فترة وجودها في السجن حملت شجرة الدر من سيدها نجم الدين، وأنجبت طفلاً سمته خليل، ومنذ ذلك الوقت أصبح يشار إليها باسم 'أم خليل'. وكانت شجرة الدر بيضاء البشرة، ترتدي اللؤلؤ على ملابسها، وحتى ملابسها الداخلية، وكانت ذكية للغاية، وذات حيلة وتدبير، وقوية الإرادة، لدرجة أن السلطان نجم الدين في حياته كاد يسلمها الجزء الأكبر من شؤون الدولة وسياستها. وعينها السلطان أيضاً نائبة له، وكانت تحل محله كلما سافر أو خرج في حملة خارج مصر، وتختم المراسيم في غيابه وتصدر الأوامر والتعليمات وتسير شؤون البلاد. أم خليل، التي لم تسئ إلى ثقة زوجها، وكانت تعطي قرارات وأوامر دقيقة، حظيت بقبول كبير لدى الشعب المصري. وفي أبريل (نيسان) 1249، كان السلطان نجم الدين يتنازع على السلطة في دمشق ضد أمراء آخرين من الأسرة الأيوبية، لكنه سمع أن الصليبيين يقومون بحملة نحو مصر عبر جزيرة قبرص، فترك دمشق وتوجه مسرعاً إلى القاهرة. وحاصرت القوات الصليبية بقيادة الملك الفرنسي لويس التاسع دمياط للمرة الأولى على الضفة الشرقية لنهر النيل على ساحل البحر الأبيض المتوسط، وفي يونيو (حزيران) 1249، أطلق سلاح الفرسان والمشاة الصليبيين الحملة الجديدة، وهبطوا إلى الشاطئ بالسفن والقوارب، وبنوا خيمة الملك الحمراء قبالة مدينة دمياط، ثم سقطت بسهولة على رغم محاولات الدفاع عنها. وكان السلطان نجم الدين مستاءً للغاية، وقام بقتل بعض الذين فشلوا في الدفاع عن المدينة، ثم واصلت القوات الصليبية تقدمها نحو القاهرة، حتى تراجع نجم الدين إلى منطقة المنصورة، وفي 23 نوفمبر (تشرين الثاني) 1249 توفي بصورة مفاجئة بعد حكم دام نحو 10 سنوات. صورة تعبيرية للحملة الصليبية السابعة على مصر 1249 (ويكيبيديا) بعد وفاة السلطان نجم الدين الأيوبي، دعت زوجته قوية الإرادة العازمة 'أم خليل' السادة والأمراء والقادة المحيطين بها، وعلى رأسهم قائد الجيش المصري حينها الأمير فخر الدين يوسف، وعقدت مجلساً تشاورياً عاجلاً. وخطبت في الحاضرين بالكلمات التالية 'لقد توفي سلطاننا كما تعلمون، ولكن من الضروري إنقاذ مصر من الحملة الصليبية التي استولت على دمياط، وتواصل تقدمها، دعونا لا نعلن خبر وفاة السلطان، ليبقى سر الدولة هذا بين أعضاء مجلس القصر، فإذا سمع الشعب والجيش بموت السلطان سيصابون بالإحباط، وسنفقد القاهرة وما تبقى لنا من الأراضي المصرية'، ووافق مجلس القصر على ما اقترحته شجرة الدر، ومن أجل الحفاظ على هذا السر، تم وضع جثمان السلطان نجم الدين في عربة مغطاة، ونقله إلى القلعة بجزيرة الروضة. وتوفي السلطان نجم الدين الأيوبي من دون أن يوصي بخليفة له، فكان من الضروري اتخاذ قرار عاجل في شأن هذه المسألة، فأرسلت 'أم خليل' المعروفة بقراراتها الدقيقة، رسالة إلى فارس الدين أقطاي الكمدار، قائد القوات البحرية، ونتيجة لمشاورات تم التوصل إلى اتفاق يقضي باستدعاء توران شاه، الذي حكم منطقة 'حسن كيف' باعتباره ابن نجم الدين، على الفور إلى العاصمة لتولي منصب والده. حيلة ذكية وقامت أم خليل بتزوير توقيع زوجها وتزوير أحد مراسيم زوجها المتوفى الفارغة، والتي سبق ختمها وتسليمها لها، وأبقت الأمر رسمياً بجعل رفاقه يوقعون على المرسوم، وخلال الفترة حتى مجيء توران شاه وجلوسه إلى العرش، بدأت أم خليل والقائد العام فخر الدين يوسف في حكم الدولة معاً من خلال ملء المراسيم الفارغة المختومة التي كانت في أيديهم بحسب الوضع، فجلب غياب السلطان معه عدداً من الأسئلة والشكوك، وكانت الإجابة بأن السلطان مريض جداً وليس في وضع يسمح له برؤية أحد أو التحدث إلى أي شخص، ولا يريد لأحد أن يدخل إلى غرفته أو يزعجه أو يصيبه بالجراثيم، ولكي يكون الجواب مقنعاً، تم وضع ثلاث وجبات يومياً أمام باب غرفة السلطان الفارغة، وتعاد الأوعية فارغة إلى المطبخ وكأنها أكلت وشربت، وعلى رغم كل السرية فإن نبأ وفاة السلطان كان يسمع بين الجنود المصريين والصليبيين في دمياط. وفي هذه الأثناء، وصل الدعم اللوجيستي والتعزيزات إلى الصليبيين تحت إشراف شقيق ملك فرنسا، ألفونس دي بواتييه، وخرجت القوات الصليبية، التي ارتفعت معنوياتها وقوتها، من دمياط واتجهت نحو مدينة المنصورة، أما الأخ الآخر، روبرت دارتوا، فقد عبر القناة على رأس القوات الفرنسية وهاجم مقر سيديلي العسكري قرب المنصورة. وفي خضم الاشتباكات بين المصريين والصليبيين، وصل توران شاه إلى المنصورة، وجلس إلى العرش مكان والده، وعلى رغم ذلك صدر مرسوم بتجديد عهد السلطان الميت، وبعد فترة وجيزة، صدر مرسوم جديد، يقضي بتنصيب ابنه توران شاه ولياً للعهد، وأمرت شجرة الدر الأمراء والقادة الذين معه بالولاء لتوران شاه، الذي اعتلى العرش للتو. وعلى الجانب الآخر، ذهب الأمير ركن الدين بيبرس إلى شجرة الدر، الحاكم الفعلي لمصر، وعرض عليها تنفيذ خطة حرب من شأنها محاصرة العدو، فاستمعت إليه، واتفقت معه على تنفيذها، وتنص الخطة على أن يختبئ أهالي المنصورة وجنودها، وعندما يدخل الصليبيون يظنون أن المصريين فروا من المدينة كما حصل في دمياط، وبالفعل وضعت الخطة ونفذت، وعندما حاولوا مهاجمة واحتلال قصر السلطان، ظهر فجأة جنود البحرية المصرية وبقية الجنود الذين كانوا مختبئين في أماكن غير مرئية، وحاصروا الصليبيين الذين حاولوا الفرار إلى جميع الجهات وذبحوهم بالسيوف والسهام، وتحرك الأشخاص المختبئون في المنازل وهاجموا الغزاة قدر استطاعتهم بخوذاتهم النحاسية البيضاء، ولم يكن أمام الصليبيين، الذين كانوا محاصرين، سوى خيارين إما القتال حتى الموت أو القفز في مياه النيل والغرق. لويس التاسع ملك فرنسا يُأسر في فارسكور بدمياط (ويكيبيديا) أما روبرت دارتوا شقيق ملك فرنسا، فاختبأ في أحد المنازل، وتم إعدامه على يد الأشخاص الذين عثروا عليه، وقتل جميع فرسان الهيكل، الذين اشتهروا بشجاعتهم، باستثناء عدد قليل منهم، وتم تسجيل هذه المعركة على أنها معركة دخل فيها العبيد البحريون الساحة العسكرية للمرة الأولى في مصر وحققوا نجاحاً باهراً. هذا الحدث العظيم، الذي كان نقطة تحول في التاريخ المصري، أدى إلى انتشار شهرة شجرة الدر، التي عدت أرملة ونائبة نجم الدين، الحاكم السابع في الأسرة الأيوبية، وبعد هذا الحدث بات يطلق على شجرة الدر لقب السلطانة خاتون، وعلى رغم ذلك مثل كل مؤامرات القصر ومعارك العرش في التاريخ، ستكون هناك مخططات وألعاب جديدة من شأنها أن تحدد مصير حاكمة 'اللؤلؤ'. وعندما غادر توران شاه، الذي تمت دعوته للجلوس إلى العرش بدلاً من والده المتوفى نجم الدين الأيوبي، 'حسن كيف' ووصل إلى مصر في الأول من فبراير (شباط) 1250، تنفست شجرة الدر الصعداء، ونالت إشادة كبيرة لأنها أدارت البلاد بصورة أفضل مما كان متوقعاً في ظل فراغ السلطة، وفي الفترة من الخامس إلى السابع من أبريل 1250، بدأت الجيوش الصليبية، التي كانت تتكبد الهزيمة تلو الأخرى، بالفرار نحو دمياط، وهزمت قوات العبيد التابعة للدولة الأيوبية الصليبيين بصورة كبيرة، وأسروا الملك القديس لويس التاسع، وقيدوه بالسلاسل مع قائده ونبلائه، ومع الانتصار الكبير على الحملة الصليبية السابعة واعتلاء توران شاه عرش الدولة الأيوبية، بدأت مؤامرات القصر ومعاركه في العاصمة، فمن ناحية كان هناك السلطان الأيوبي توران شاه الذي أراد السيطرة على كل شيء، ومن ناحية أخرى، كانت هناك شجرة الدر التي تولت السلطة بالفعل بعد وفاة زوجها وحكمت مثل السلطانة. وسرعان ما أدرك توران شاه أنه لن يتمكن من حكم البلاد ما دام أن منافسه الرئيس، شجرة الدر، وحاشيتها من القادة والأمراء موجودة، لذلك ووفقاً للخطة التي رسمها، بدأ في إقالة مسؤولي الدولة والقصر المحيطين بشجرة الدر، تدريجاً واعتقالهم والقضاء عليهم، واستبدل فريق القصر الذين عملوا معه في 'حسن كيف' بهم.


ساحة التحرير
٢٢-٠٤-٢٠٢٥
- سياسة
- ساحة التحرير
وداعا سلوى الحوت عميدة وأيقونة الصندوق القومي الفلسطيني !غانية ملحيس
وداعا سلوى الحوت عميدة وأيقونة الصندوق القومي الفلسطيني ! غانية ملحيس يصعب التعبير عن وجع الفقدان الشخصي في زمن الفقدان الجماعي لآلاف الأسر الفلسطينية ومحوها من السجل المدني. ما يعطل القدرة على البوح بالألم. ويحول الإنسان منا إلى جسد بلا روح يهيم في غابة لا بقاء فيها سوى للأقوى والأكثر وحشية. ويصعب أكثر، رثاء شخص بعينه – مهما بلغ تميزه – في حضرة الإبادة الجماعية لشعب بأكمله، ما تزال حلقتها الأخيرة تتواصل للشهر التاسع عشر على التوالي في قطاع غزة ومخيمات الضفة الغربية. فتحصد أرواح عشرات آلاف الأطفال والنساء والشيوخ والصحفيين وطواقم الإسعاف قصفا، أو حرقا أو تجويعاً أوعطشا أو مرضا. ويشاهدها العالم أجمع بالبث الحي لحظة حدوثها، ولا يحرك ساكنا لوقفها. ويتابعون جميعا على الهواء مباشرة مليونين من الغزيين وجلهم مشاريع شهداء يتنقلون بين شمال القطاع ووسطه وجنوبه. يطلب منهم طغاة الكون (الذين لا يشبهون ما عرفته البشرية على امتداد تاريخها الطويل قديمه وحديثه من همجية ووحشية وتعطش للقتل والتدمير) التوجه إليها باعتبارها مناطق آمنة. ثم يتعقبونهم بالقصف جوا وبرا وبحرا. ويعلنون أن بإمكان من يبقى منهم على قيد الحياة الرحيل 'طوعا' خارج فلسطين. الأرض الموعود حصريا للشعب المختار الذي اصطفاه الخالق دونا عن سائرالأغيار وفقا للأساطير التوراتية. وحقا للأوروبيين المسيحيين وفقا للبابا أوربان الثاني – كنيسة كليرمونت- فيراند بفرنسا – عندما دعى لشن حملة صليبية لتحرير القبر المقدس (1095). وللأوروبيين اليهود وفقا لنابليون بونابارت عندما دعا يهود أوروبا للانخراط في حملته التوسعية لاحتلال المشرق لقاء وعد بإقامة دولة يهودية في فلسطين (1798). ولوزير الخارجية البريطاني آرثر جيمس بلفور (الذي أصدر وعدا بالتزام بريطانيا بإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين (1917). ومؤخرا للأمريكيين وفقا لدونالد ترامب (الذي قرر استملاك قطاع غزة فور انتهاء إسرائيل من تطهيره من أصحابه الفلسطينيين بالإبادة والتهجير (2025). فقداسة فلسطين للعرق الغربي الأبيض لا صلة لها بالارتباط الروحي بمهد الديانات السماوية (اليهودية والمسيحية والإسلامية) التي بات يدين بها ثلاثة أرباع البشرية من مختلف الأعراق والأجناس والألوان والقارات. وإنما تكمن أساسا بتموضع فلسطين في مركز الوصل والفصل الجغرافي والديموغرافي والحضاري للمنطقة الجيو – استراتيجية الأهم في العالم، التي تشرف على خطوط الملاحة والتجارة والمواصلات والاتصالات الدولية. وتمتلك ثروات طبيعية ومعدنية وفيرة. وطاقة أحفورية تشكل عصب الاقتصاد العالمي باحتياطات مؤكدة هي الأضخم عالميا والأجدى اقتصاديا من حيث كلفة استخراجها. ما يجعل تحويل فلسطين إلى قاعدة استعمارية استيطانية متقدمة عازلة جغرافيا وديموغرافيا وحضاريا، للسيطرة على عموم المنطقة عنصرا حاسما في ترجيح موازين القوى الدولية. وبالتالي هدفا مركزيا للقوى الساعية للقيادة العالمية. وتاريخ فلسطين منذ آلاف السنين يدلل على أنها كانت على الدوام مفتاح النصر كما الهزيمة. وأنها بحق أم البدايات وأم النهايات كما وصفها بدقة محمود درويش. قد يبدو لافتا للبعض التوقف عند رحيل المناضلة الفلسطينية اللبنانية المخضرمة سلوى الحوت، لتوافق رحيلها مع سنة الحياة (86 عاما). وتزامنه مع حرب إبادة جماعية لاستكمال اجتثاث الشعب الفلسطيني جغرافيا وديموغرافيا وحضاريا. غير أن رثاء سلوى الحوت لا يندرج في إطار الوفاء المستحق لمناضلة صلبة، بقدر ما هو استحقاق وطني واجب اتجاه الأجيال الفلسطينية والعربية الفتية. للتعريف بمناضلة استثنائية عملت 56 عاما متصلة في الصندوق القومي الفلسطيني، فباتا كيانا واحدا. واستحقت لقب أيقونة وعميدة الصندوق القومي الفلسطيني. أكسبها عملها الطويل في الصندوق ثروة معرفية مهنية وسياسية واجتماعية لا تضاهى. تجاوزت الإلمام بالقوانين والأنظمة التي أسهمت في صياغتها وحفظها وتطويرها. ما حمى استمرار الصندوق القومي الفلسطيني عندما تعرضت منظمة التحرير الفلسطينية للاجتثاث من مراكزها، وتعرضت مقراتها للتدمير والسطو. فكانت ذاكرة سلوى الموسوعية حامية لمؤسسة الصندوق، ولشبكة علاقاته السياسية والاجتماعية والخدمية بعد حروب الاقتلاع وتدميرالمخيمات والمؤسسات. وكان لها دور أساسي في الحفاظ على الصندوق وحماية إرثه واستئناف العمل بكفاءة وسرعة. وعلى الرغم من أن سلوى الحوت لم تتمكن من مواصلة تعليمها الجامعي، إلا أن ذكاءها الفطري، وانتماءها الوطني، ووعيها السياسي، ومثابرتها الدؤوبة، وتجربتها النضالية والمهنية الطويلة، أكسبتها معارف متعددة تفوق ما تتيحه المعاهد الجامعات. وأحسب أن سلوى الحوت امتلكت معرفة بالقوانين والأنظمة تضاهي خبراء القانون. ومعرفة بأنواع وسلوك البشر تضاهي علماء النفس. تميزت سلوى بالثبات والشجاعة والتفاني. ولم تنحرف بوصلتها يوما، فأمضت جل عمرها في السعي لإحقاق الحق الفلسطيني المسلوب. وبقيت حتى الرمق الأخير ثابتة على العهد. حامية للمال العام، وفية للمناضلين، وحارسة لحقوق أسر الشهداء والجرحى والأسرى، ونصيرة للضعفاء والمظلومين. وعليه، فإن رثاء سلوى الحوت يتجاوز الخاص للعام. باعتبارها نموذجا وطنيا ونضاليا يحتذى. فسلوى الحوت لمن لا يعرفها من الأجيال الفلسطينية والعربية الفتية. ابنة عائلة الحوت العربية اللبنانية السنية العريقة. وحفيدة سليم محمد الحوت، الذي انتقل من لبنان إلى فلسطين في الربع الأخير من القرن التاسع عشر، عندما كانت بلاد الشام وحدة جغرافية وسياسية واحدة، وكان التنقل بين مناطقها المختلفة تنقلا داخل الوطن الواحد. قبل أن يقطع الغزاة المستعمرون الأوروبيون أوصالها قبل أكثر من قرن. استقر جدها في مدينة يافا الفلسطينية، التي كانت المركز التجاري والثقافي الأهم في المشرق العربي. وتزوج من بناتها، وأصبح من أعيانها، وعين مختارا لأحد أحيائها. فلم تكن فلسطين عموما، ويافا خصوصا، تفرق آنذاك بين سكانها وفقا لانتماءاتهم الجغرافية والفئوية. والدها إبراهيم سليم الحوت أحد كبار تجار البرتقال. ولد في يافا وتزوج من ابنة أحد أسرها تحفة الأبيض. وسكنا حي المنشية. وأنجبا ستة أبناء. ولدت سلوى في 10/2/1939، قبل ستة أشهر من انتهاء الثورة الفلسطينية الكبرى (نيسان / ابريل/ 1936- أواخر آب / أغسطس/ 1939) واندلاع الحرب العالمية الثانية في الأول من أيلول / سبتمبر/ 1939. يكبرها أربعة أشقاء: مصطفى ونعيم وجمال وشفيق، ويصغرها وزياد. عاشت سلوى سنوات طفولتها المبكرة تحت الاحتلال البريطاني. والتحقت بالمدرسة الابتدائية للبنات في حي المنشية. ومنذ ذلك الحين بدأت تدرك معنى العيش تحت الاحتلال، فقد كانت تشاهد في ذهابها وإيابها، اعتداءات جنود الاحتلال البريطاني والعصابات الصهيونية على أبناء شعبها العزل. صقل وعيها روايات الثورة الفلسطينية الكبرى. التي وإن فشلت في وقف المشروع الصهيوني، إلا أنها بلورت الوعي الجمعي الفلسطيني بأهمية النضال ضد الاستعمار. وأسهم انخراط عائلتها في المقاومة، ومداهمات الجيش البريطاني المتكررة لمنزلها، والاعتداء على أفراد أسرتها في ترسيخ انتمائها الوطني الفلسطيني. الذي تجذر بعد استشهاد شقيقها المناضل جمال، البالغ من العمر 24 عاما، أثناء دفاعه عن مدينة يافا. وللمفارقة تزامن يوم تشييعه الجماهيري المهيب في 4/4/1948 مع تقديم شقيقهما شفيق لامتحانات الثانوية العامة /المتريكوليشين/. فلم يتمكن من المشاركة في تشييع شقيقه الأثير إلى مقبرة الكزخانة /الرابية الحمراء/ المطلة على شاطئ البحر في حيّ الجبلية بمدينة يافا حيث تم دفنه، إلى جانب شهداء 1929 و1936 و1948. وانضم إليهم ابن يافا إبراهيم أبو لغد، صديق جمال وشفيق في 25/5/2001، وأحد المشاركين في تشييعه قبل 53 عام. إذ نجحت عائلة إبراهيم أبو لغد وأصدقاؤه بتحقيق حلمه بالعودة إلى يافا ولو جسدا. باستغلال ثغرة قانونية في نظام الدفن الإسرائيلي لتنفيذ وصيته بدفنه في المقبرة -المغلقة والممنوعة على الفلسطينيين منذ النكبة- بجوار والده وأشقائه وصديقه جمال الحوت. فكان إبراهيم أبو لغد أول لاجىء فلسطيني يعود الى مسقط رأسه في يافا. وينضم إلى رفاقه واصدقائه المناضلين. لم يكد يمضي ثلاثة أسابيع على استشهاد شقيقها جمال، حتى هاجرت سلوى في 24/4/1948 قسرا مع أفراد عائلتها إلى لبنان على متن سفينة يونانية/ دولوريس/ أقلتهم من ميناء يافا مع مهجرين فلسطينيين ولبنانيين إلى بيروت. إذ كانت السفن والمراكب تصطف في موانئ فلسطين لإجلاء الشعب الفلسطيني عن أرض وطنه. انقلب عالم الطفلة سلوى ابنة التسعة أعوام باستشهاد شقيقها، وانتقالها إلى موطن أجدادها لبنان. رغم أنها وأسرتها لا يعرفون وطنا لهم غيرفلسطين. وبالرغم من أن ذلك جنبها العيش في المخيمات كباقي اللاجئين الفلسطينين. إذ سكنت عائلتها لمدة عامين بشقق مفروشه في منطقة سوق الغرب، بانتظار عودة إلى يافا كانوا يحسبوها وشيكة، قبل أن تستقر في منطقة رأس النبع ببيروت الغربية. ولم تنس سلوى وأسرتها يوما أنهم فلسطينيين عاشوا مرارة الفقدان واللجوء. فاقمها رحيل جدها سليم في 23/8/1949. الذي قضى وهو يحلم بالعودة إلى يافا. فدفن بجوار والده وأفراد عائلته. فيما بقي رفات حفيده شقيقها جمال، وحيدا في مدينتهم الأثيرة يافا، التي باتت ممنوعة على كل أهلها المهجرين. خسرت سلوى مع شقيقها ووطنها وصديقاتها ومدرستها وحلمها بالعودة، وجدها، سنة دراسية. وأتاحت لها جذورها اللبنانية الالتحاق بالمدارس الرسمية في سوق الغرب. وبعد انتقال الأسرة لبيروت التحقت سلوى بمدرسة المقاصد للبنات، التابعة لجمعية المقاصد الخيرية الإسلامية. إذ كان لعائلة الحوت دور بارز في قيادة الجمعية وفي دعم التعليم والعمل الخيري الإسلامي. وكان الشيخ عبد الرحمن الحوت- الذي شغل منصب نقيب السادة الأشراف في بيروت (1901 – 1917) – قد تولى رئاسة الجمعية عام 1908. أكملت سلوى تعليمها الثانوي في مدارس المقاصد، وبعد تخرجها عملت في اتحاد الجامعيين الفلسطينيين، الذي تم تأسيسه في مطلع ستينيات القرن العشرين. والتحقت بجبهة التحرير الفلسطينية التي أسهم شقيقها شفيق مع مجموعة من المناضلين الفلسطينيين في تأسيسها عام 1963. ثم تم حلها بعد تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية عام 1964 كإطار وطني فلسطيني جامع، الذي شارك به شقيقها شفيق. وعين في الاجتماع الأول للجنة التنفيذية ممثلا ومديرا لمكتب المنظمة في لبنان. تتلمذت سلوى الحوت سياسيا وفكريا على يد القائد الكبير شقيقها شفيق الحوت. ومثله، بقيت فلسطينية الهوية عربية الانتماء عصية على الاستقطاب الحزبي والانحياز التنظيمي والفئوي. وتطوعت للعمل في مكتب المنظمة ببيروت عند تأسيسه عام 1964. وشاركت عام 1965 في المؤتمر التأسيسي للاتحاد العام للمرأة الفلسطينية، الذي أنشىء كمنظمة شعبية وإطار نقابي نسائي تابع للمنظمة. وأصبحت عضوة في الهيئة الإدارية لفرع الاتحاد بلبنان. ونشطت مع مجموعة من الرائدات الفلسطينيات في العمل مع النساء الفلسطينيات بالمخيمات. للنهوض بوعيهن الوطني والاجتماعي والصحي والثقافي. فبادرن لتنظيم دورات لمحو الأمية، ولإحياء التراث الفلسطيني/ التطريز/. وأطلقن مشروع 'كنزة المقاتل' عام 1969 الذي تجاوز دوره توفيرالملابس الشتوية للمقاتلين الفلسطينيين في جنوب لبنان. لتعزيز الالتحام الشعبي مع المقاتلين، وتعبئة وتسييس النساء الفلسطينيات وإشراكهن في العمل النضالي السياسي والاجتماعي والنقابي. وعندما تفرغت للعمل في مكتب منظمة التحرير الفلسطينية، وعينت عام 1969 معتمدة للصندوق القومي الفلسطيني في لبنان. لم تستظل سلوى ولم تستقو يوما بنفوذ شقيقها شفيق، الذي كان عضوا بارزا في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية وممثلا لها ورئيسا لمكتب المنظمة حيث تعمل. فحرصت على استقلاليتها المهنية. وتسلحت بالقوانين والأنظمة المعتمدة. والتزمت بإنفاذها. اتسمت سلوى بشجاعة وجرأة نادرة في التصدي لمحاولات القيادات المتنفذة تجاوزالقوانين والأنظمة. وكانت من القلة القليلة القادرة على مواجهة رئيس اللجنة التنفيذية ياسر عرفات – صاحب الهالة والنفوذ الذي يحسب له ألف حساب ويهابه القادة – بالحجة والقانون. ما أكسبها احترامه وثقته. فكان على تواصل مباشر ودائم معها منذ انتقاله من الأردن إلى لبنان في تموز/ يوليو/ 1971. ومثل جميع من عمل مباشرة مع عرفات، اعتادت سلوى وصل الليل بالنهار. فلم تكن موظفة مقيدة بساعات دوام، ولم تثنها الأخطار الكبيرة خلال الحرب الأهلية والاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982 عن المخاطرة، عندما كان عرفات ملاحقا برا وبحرا وجوا. ولم تردعها محاولات اغتيال شقيقها شفيق المتكررة. ولم تمنعها الملاحقة والتعقب بعد اقتلاع المقاومة الفلسطينية من لبنان واجتياح بيروت عام 1982. من مواصلة العمل لتقديم العون للناجين من مجازر صبرا وشاتيلا عام 1982، وخلال حرب المخيمات (1985-1988). انتخبت سلوى الحوت لعضوية المجلس الوطني الفلسطيني عام 1983، وشاركت في عدد من دوراته حتى الدورة التاسعة عشرة في الجزائرعام 1988. وبقيت في بيروت حتى منتصف العام 1990، عندما طلب منها الانتقال إلى مقر الصندوق القومي الفلسطيني في عمان بالأردن، الذي كان قد أنشىء عام 1985. ذلك أن مركزه الرئيس في سوريا بات خاضعا لهيمنة المنشقين والمنظمات الموالية لسوريا، وما يزال أرشيف الصندوق محتجزا في دمشق. وقد أسهمت سلوى – التي تتمتع بذاكرة موسوعية – بدور رئيسي في استئناف الصندوق لعمله من مركزه الجديد بعمان، في مرحلة سياسية فارقة لانتزاع استقلالية القرارالفلسطيني. أعقبها انخراط قيادة المنظمة في عملية التسويات السياسية / مؤتمر مدريد ومفاوضات أوسلو/. ورغم أن نزارأبوغزالة – المدير العام للصندوق القومي الفلسطيني، آنذاك، كان يتولى مسؤولية إدارة الموارد المالية للمنظمة بإشراف عرفات. إلا أن وجود سلوى كان حيويا في مواصلة التزامات المنظمة والصندوق الاجتماعية اتجاه فلسطينيي الخارج والمناضلين. خصوصا بعد توقيع اتفاقات أوسلو وإنشاء السلطة الفلسطينية، وانتقال القرارالسياسي والمالي الفلسطيني إلى السلطة المستحدثة داخل فلسطين عام 1995. إذ حافظ عرفات- عبر جمعه بين رئاسة السلطة والمنظمة على هامش للصندوق بإدارة بعض الموارد المالية الفلسطينية، لكن هذا الهامش تراجع بعد تولي سلام فياض وزارة المالية في 13/6/2002 وصولا إلى انتهائه كليا باستشهاد عرفات في 4/11/2004. وتغير النظام السياسي الفلسطيني. وانتقال القرار السياسي والمالي الفلسطيني للسلطة الفلسطينية الوليدة. فاقتصردورالصندوق منذ ذلك الحين على المهام التنفيذية. وعلى الرغم من إعادة بعض الاعتبار للصندوق – في أعقاب نجاح حركة حماس بالانتخابات التشريعية عام 2006. وقطع التمويل العربي والدولي عن حكومة الوحدة الوطنية. تم إنشاء مكتب للصندوق في مدينة رام الله. كقناة لاستقبال الأموال، وأسندت لسلام فياض مهمة الإشراف على إدارة الموارد المالية الفلسطينية عبره مؤقتا. وحصر دور مركز الصندوق بالمهام التنفيذية خارج فلسطين. عاصرت سلوى الحوت خلال فترة عملها في الصندوق القومي الفلسطيني على مدى 56 عام متصلة، منها 35 عام في مقرالصندوق بعمان/الأردن/ 10 رؤساء تعاقبوا على رئاسته: عبد المجيد شومان (1964 – 1969) وخالد اليشرطي (1969 – 1970) وزهير العلمي (1970 – 1971) ووليد قمحاوي (1974 – 1981) ويوسف صايغ (1981 – 1983) وصلاح الدين الدباغ (1983) وحنا ناصر (1983 – 1984) وجويد الغصين (1984 – 1996) ومحمد زهدي النشاشيبي (1996- 27/1/2020) ورمزي خوري 7/2/2022 – حتى الآن). وعملت سلوى مع عدة مدراء عامين منهم درويش الأبيض في سوريا( لا تتوفر معلومات دقيقة عن فترة خدمته)، ونزار أبو غزالة في الأردن (مطلع التسعينات حتى 2005) ورمزي خوري (انتدب لإدارة الصندوق في 1/6/2005، وعين مديرا عاما للصندوق في 29/3/2007 حتى انتخابه لرئاسة الصندوق في 7/2/2022). وحظيت خلال عملها باحترام الجميع، لمهنيتها، ونزاهتها، وصلابتها، وترفعها عن الصغائر. فلم تغتب يوما أحدا في غيابه بما لم تقله صراحة في حضوره. وأكسبها صدقها، وصراحتها في قول الحق في وجه المتنفذين، ووفاءها للمناضلين، وتواصلها مع ذوي الشهداء والجرحى والأسرى ومشاركتها أفراحهم وأتراحهم، وتواضعها الشديد، وعطفها، وحنوها الذي غمر الصغار والكبار، وانحيازها للضعفاء، ودفاعها عن المظلومين، ومساعدتها المحتاجين، محبة الجميع. ولا أغالي القول بأن سلوى تفردت بمحبة واحترام استثنائيان عكسه التشييع المهيب لمثواها الأخير في مقبرة الشهداء بعمان، وتوافد الآلاف صغارا وكبارا، عناصر وقادة، على بيت العزاء. لروحها الطاهرة المعذبة الرحمة والسكينة، والسلام في دارالحق الذي لم تعهده في الحياة الدنيا. فقد أدمتها حرب الإبادة الجماعية في قطاع غزة، وغمرها العجزعن نصرة وإغاثة أهله بحزن وألم طاغ أنهك جسدها المتعب. سيفتقدك يا سلوى كل من عرفك، فقد كنت عونا للجميع وملاذا لكل ضعيف ومحتاج. تغمدك الله بواسع رحمته وأسكنك فسيح جناته مع الصديقين والشهداء. وأبقى ذكراك العطرة ومسيرتك النضالية حية في قلوب وعقول الأجيال الفلسطينية والعربية الفتية. 21/4/2025


نافذة على العالم
٠٦-٠٤-٢٠٢٥
- سياسة
- نافذة على العالم
ثقافة : لم يفهموا الدرس.. هزيمة أخرى للصليبيين بالمنصورة وأسر لويس التاسع
الأحد 6 أبريل 2025 06:15 مساءً نافذة على العالم - تمر اليوم ذكرى أسر الملك الفرنسي لويس التاسع، وذلك في مثل هذا اليوم 6 أبريل من عام 1250، وذلك بدار ابن لقمان بمدينة المنصورة على إثر انهزام الصليبيين على يد الجيش المصري خلال الحملة الصليبية السابعة التي كانت تحاول احتلال مصر، وجاءت الحملة ردًا على استرداد بيت القدس من قبل المسلمين في عام 642 هـ، 1244م. وحسب ما جاء في كتاب "تاريخ مصر عبر العصور - الجزء الثاني" من تأليف الدكتور محمد ناصر قطبي، في موضوع بعنوان "الحملة الصليبية السابعة 1249"، لم يستوعب الصليبيون درس الهزيمة في المنصورة ففي غضون أقل من ثلاثين عامًا أعادوا الهجوم على ميناء دمياط المصري بقيادة الملك الفرنسي "لويس التاسع". وقع لويس في نفس الأخطاء الإستراتيجية التي وقعت فيها الحملة الصليبية الخامسة، فقد إستقر في دمياط ثم بعد حين تقدم جنوبًا إلى مدينة "المنصورة" حيث لاقت جيوشه نفس مصير سابقتها من هزيمة على يد قوات الملك الصالح نجم الدين أيوب والذي لحق بها ابنه توران شاه بعد ان دفعت به زوجة الملك الصالح "شجر الدر" والتي حبست خبر وفاة الملك الصالح عن القوات حتى لا تفت في عضدهم. انتصرت القوات المصرية وأسر الملك لويس وبقي سجينًا في دار ابن لقمان بالمنصورة إلى أن إسترد حريته بفدية مالية كبيرة. تعلمت أوروبا من الهزائم فلم تحشد حملة صليبية جديدة على شرق البحر المتوسط رغم بقاء بعد الإمارات الصليبية في موانئ فلسطين والشام إلى عهد الناصر محمد بن قلاوون والذي قضى تمامًا على الوجود الصليبي بالمشرق العربي وذلك بسقوط عكا.


نافذة على العالم
٣١-٠٣-٢٠٢٥
- سياسة
- نافذة على العالم
ثقافة : الحملة الصليبية الثانية.. ملوك أوروبا في طريقهم لغزو الشرق
الاثنين 31 مارس 2025 06:56 مساءً نافذة على العالم - الحملة الصليبية الثانية كانت ثاني حملة صليبية رئيسية تنطلق من أوروبا، دعي إليها عام 1145 كرد فعل على سقوط مملكة الرها في العام الذي سبق. كانت الرها (إديسا) أول مملكة صليبية تقام خلال الحملة الصليبية الأولى (1096 - 1099) وكانت أول مملكة تسقط كذلك، دعا إلى الحملة الثانية البابا إيجونيوس الثالث، وكانت أول حملة يقودها ملوك أوروبا، وهم لويس السابع ملك فرنسا، وكونراد الثالث ملك ألمانيا، وبمساعدة عدد من نبلاء أوروبا البارزين. تحركت جيوش الملكين كل على حدة في أوروبا، وأخرهم بعض الشيء الإمبراطور البيزنطي مانويل الأول كومننوس، وبعد عبور الجيوش المناطق البيزنطية من الأناضول، هُزم كلا الجيشين على يد السلاجقة، كل على حدة. ووصل كل من لويس وكونراد وشراذم جيوشهما إلى القدس عام 1148، وهناك اتبعوا نصيحة أثبتت كونها سيئة بالهجوم على دمشق. كانت الحملة الصليبية الثانية إلى الشرق فشلا ذريعا للصليبيين، ونصرًا للدويلات الإسلامية. وأدت نتائجها إلى قيام الحملة الصليبية الثالثة في نهاية القرن الثاني عشر. كان النصر الصليبي الوحيد في تلك الحملة على الجانب الآخر من البحر المتوسط، حيث قام الصليبيون الإنجليز أثناء عبورهم للبحر بالسفن بالتوقف مصادفة قرب لشبونة، وساعدوا في السيطرة عليها عام 1147. وفي تلك الأثناء، في أوروبا الشرقية، كانت أولى الحملات الصليبية الشمالية لتحويل القبائل الوثنية للمسيحية قد بدأت، واستمرت تلك الحملات بعد ذلك لقرون.