logo
شجرة الدر أول سلطانة للدولة الأيوبية في مصر و من جارية في الحريم إلى ملكة على مصر

شجرة الدر أول سلطانة للدولة الأيوبية في مصر و من جارية في الحريم إلى ملكة على مصر

الكنانة٠٣-٠٥-٢٠٢٥

كتب وجدي نعمان
شجرة الدر واحدة من السلاطين القلائل في التاريخ الإسلامي، على رغم قصر فترة حكمها التي دامت ما بين 80 و88 يوماً وأصبحت قصة حياتها الرائعة والحزينة موضوع الأعمال الثقافية والفنية الحديثة في مصر فتعالو نتعرف عليها:-
شجر الدرّ (أو شجرة الدّر)، (ت 1257) الملقبة بعصمة الدين أم خليل، خوارزمية الأصل، وقيل أنها أرمينية أو تركية. كانت جارية اشتراها السلطان الصالح نجم الدين أيوب، وحظيت عنده بمكانة عالية حتى أعتقها وتزوجها وأنجبت منه ابنها خليل الذي توفي في 2 من صفر 648 هـ (مايو 1250م). تولت عرش مصر لمدة ثمانين يومًا بمبايعة من المماليك وأعيان الدولة بعد وفاة السلطان الصالح أيوب، ثم تنازلت عن العرش لزوجها المعز أيبك التركماني سنة 648 هـ (1250م). لعبت دورًا تاريخيًا هامًا أثناء الحملة الصليبية السابعة على مصر وخلال معركة المنصورة.
أصولها
الحملة الصليبية السابعة 1249
كانت شجرة الدر جارية من أصل تركي أو خوارزمي وقيل إنها أرمنية. اشتراها الصالح أيوب قبل أن يكون سلطاناً، ورافقته في فترة اعتقاله في الكرك سنة 1239 مع مملوك له اسمه ركن الدين بيبرس الصالحي (ليس الظاهر بيبرس الذي أصبح سلطاناَ لاحقاً سنة 1260م) وأنجبت ولد اسمه خليل. لُقِبَ بالملك المنصور. وبعد ما خرج الصالح من السجن ذهبت معه إلى مصر وتزوجا هناك.وبعد أن أصبح سلطان مصر سنة (1240 م) بقيت تنوب عنه في الحكم عندما يكون خارج مصر. في أبريل 1249 م كان الصالح أيوب في الشام يحارب الملوك الأيوبيين الذين ينافسونه على الحكم وصلته أخبار أن ملك فرنسا لويس التاسع (Louis IX)-الذي أصبح قديساً بعد وفاته. في قبرص، وفي طريقه لمصر على رأس حملة صليبية كبيرة حتى يغزوها بالقرب من دمياط على البر الشرقي للفرع الرئيسي للنيل، حتى يجهز الدفاعات لو هجم الصليبيون. وفعلاً، في يونيو 1249 م نزل فرسان وعساكر الحملة الصليبية السابعة من المراكب على بر دمياط ونصبوا خيمة حمراء للملك لويس. وانسحبت العربات التي كان قد وضعها الملك الصالح في دمياط للدفاع عنها فاحتلها الصليبيون بسهولة وهي خالية من سكانها الذين تركوها عندما رأو هروب العربات. فحزن الملك الصالح وأعدم عدداً من راكبي العربات بسبب جبنهم وخروجهم عن أوامره. انتقل الصالح لمكان آمن في المنصورة.وفي 23 نوفمبر 1249 م توفي الملك الصالح بعد أن حكم مصر 10 سنين وفي لحظة حرجة جداً من تاريخها. استدعت شجرة الدر قائد الجيش المصري «الأمير فخر الدين يوسف» ورئيس القصر السلطاني «الطواشي جمال الدين محسن»، وقالت لهم إن الملك الصالح توفي وأن مصر الآن في موقف صعب من غير حاكم، وهناك غزو خارجي متجمع في دمياط. فاتفق الثلاثة أن يخفوا الخبر حتى لا تضعف معنويات العساكر والناس ويتشجع الصليبيون. وفي السر ومن غير أن يعلم أحد نقلت شجرة الدر جثمان الملك الصالح في مركب على القاهرة ووضعته في قلعة جزيرة الروضة. ومع أن الصالح بن أيوب لم يوص قبل أن يموت بمن يمسك الحكم من بعده، إلا أن شجرة الدر بعثت زعيم المماليك البحرية «فارس الدين أقطاى الجمدار» على حصن كيفا حتى يستدعي «توران شاه» ابن الصالح أيوب ليحكم مصر بدل أبيه المتوفى. قبل أن يتوفى الصالح أيوب كان أعطى أوراقا على بياض لشجرة الدر حتى تستخدمها لو مات. فبقيت شجرة الدر والأمير فخر الدين يصدران الأوامر السلطانية على هذه الأوراق. وقالا إن السلطان مريض ولا يستطيع مقابلة أحد. وكان يتم إدخال الطعام للغرفة التي كان من المفروض أن يكون نائما فيها حتى لا يشك أحد. وأصدرا أمرا سلطانيا بتجديد العهد للسلطان الصالح أيوب وتنصيب ابنه توران شاه ولي عهد للسلطنة المصرية، وحلفا الأمراء والعساكر.
انتصار المماليك على الحملة الصليبية السابعة
لويس التاسع ملك فرنسا يُأسر في فارسكور.
وصلت أخبار وفاة الصالح أيوب للصليبيين في دمياط بطريقة ما. وفي نفس الوقت وصلت إلى دمياط إمدادات مع «الفونس دو بويتي» (Alphonse de Poitiers) أخ الملك لويس. فتشجع الصليبيون وقرروا الخروج من دمياط والتوجه للقاهرة. واستطاعت قوات من الفرسان الصليبيين، بقيادة روبرت دارتوا (Robert d'Artois) أخ الملك لويس، اجتياز قناة اشموم عن طريق مخاضة عرفوها عن طريق أحد قادة العربات. فهجموا فجأة على المعسكر المصري في جديلة على بعد حوالي 3 كليومتر من المنصورة. قتل الأمير فخر الدين يوسف وهو خارج من الحمام على صوت الضجة والصريخ فهربت العساكر التي بغتها الهجوم غير المتوقع وذهبوا إلى المنصورة. عرض الأمير ركن الدين بيبرس على شجرة الدر، الحاكمة الفعلية لمصر في هذا الوقت، خطة وضعها يدخل فيها الفرسان الصليبيون المندفعون نحو المنصورة في مصيدة فوافقت شجر الدر على الخطة. اجتمع بيبرس وفارس الدين اقطاي الذي أصبح القائد العام للجيوش المصرية. نظم صفوف العساكر المنسحبين من جديلة داخل المنصورة وطلب منهم ومن السكان التزام السكون التام بحيث يظن الصليبيون المهاجمون أن المدينة خالية مثل ما حصل في دمياط. وفعلاً وقع الفرسان الصليبيون في الفخ واندفعوا إلى داخل المنصورة واتجهوا نحو القصر السلطاني حتى يحتلوه. فخرجت لهم المماليك البحرية والمماليك الجمدارية فجأة وهاجموهم من كل ناحية بالسيوف والسهام وخرج سكان المنصورة والمتطوعون وهم يرتدون خوذ من النحاس الأبيض بدل خوذات العساكر وضربوهم بكل ما أوتوا من قوة. حاصر المماليك القوات الصليبية المهاجمة وأغلقوا الشوارع والحواري وبقي الصليبيون غير قادرين على الهروب ولم يبق أمامهم سوى الموت على الأرض أو أن يرموا أنفسهم في نهر النيل ويغرقوا فيه. اختبأ «روبرت دارتوا» أخ لويس داخل بيت لكن الناس وجدوه وقتلوه، وانتهت المعركة بهزيمة الصليبيين هزيمة منكرة في حواري المنصورة. وقتل منهم عدد كبير لدرجة أنه لم ينج من فرسان المعبد إلا واحد أو اثنان. هذا كان أول ظهور للماليك البحرية داخل مصر كمقاتلين يدافعون عن مصر. وفي تلك اللحظة كان تاريخ مصر والمنطقة التي حولها يتشكل عن طريق شجرة الدر ورجال دخلوا تاريخ مصر والعالم مثل الظاهر بيبرس عز الدين أيبك وقلاوون الألفي وغيرهم.
التخلص من توران شاه
توران شاه اغتيل سنة 1250.
بعد النصر تنكر السلطان الجديد لشجرة الدر، وبدلاً من أن يحفظ لها جميلها بعث يهددها ويطالبها بمال أبيه، فكانت تجيبه بأنها أنفقته في شؤون الحرب وتدبير أمور الدولة، فلما اشتد عليها، ورابها خوف منه ذهبت إلى القدس خوفًا من غدر السلطان وانتقامه.
ولم يكتف توران شاه بذلك بل امتد حنقه وغيظه ليشمل أمراء المماليك، أصحاب الفضل الأول في تحقيق النصر العظيم وإلحاق الهزيمة بالحملة الصليبية السابعة، وبدأ يفكر في التخلص منهم غير أنهم كانوا أسبق منه في الحركة وأسرع منه في الإعداد فتخلصوا منه بالقتل على يد أقطاي.
المبايعة
دينار من عهد شجرة الدر
وجد المماليك أنفسهم في وضع جديد؛ فهم اليوم أصحاب الكلمة الأولى في البلاد ومقاليد الأمور في أيديهم، ولم يعودوا أداة في يد من يستخدمهم لتحقيق مصلحة أو نيل هدف وعليهم أن يختاروا سلطانًا للبلاد. وبدلاً من أن يختاروا واحدًا منهم لتولي شؤون البلاد اختاروا شجرة الدر لتولي هذا المنصب الرفيع.
أخذت البيعة للسلطانة الجديدة ونقش اسمها على السِّكة بالعبارة الآتية «المستعصمية الصالحية ملكة المسلمين والدة خليل أمير المؤمنين».
جدير بالذكر أن شجرة الدر لم تكن أول امرأة تحكم في العالم الإسلامي، فقد سبق أن تولت رضية الدين سلطنة دلهي، واستمر حكمها أربع سنوات (634 – 638 هـ) الموافق (1236 – 1240م). وحكمت أروى بنت أحمد الصليحي من سلالة بنو صليح اليمن من تاريخ (492 – 532 هـ) الموافق (1098 – 1138م).
تصفية الوجود الصليبي
وما إن جلست شجرة الدر على العرش حتى قبضت على زمام الأمور وأحكمت إدارة شؤون البلاد، وكان أول عمل اهتمت به هو تصفية الوجود الصليبي في البلاد وإدارة مفاوضات معه انتهت بالاتفاق مع الملك لويس التاسع (القدّيس لويس، كما يسمّيه قومه)، الذي كان أسيرًا بالمنصورة، على تسليم دمياط وإخلاء سبيله وسبيل من معه من كبار الأسرى مقابل فدية كبيرة قدرها ثمانمائة ألف دينار، يدفع نصفها قبل رحيله والباقي بعد وصوله إلى عكا، مع تعهد منه بعدم العودة إلى سواحل البلاد الإسلامية مرة أخرى.
المعارضة
غير أن الظروف لم تكن مواتية لأن تستمر في الحكم طويلاً على الرغم مما أبدته من مهارة وحزم في إدارة شؤون الدولة وتقربها إلى العامة وإغداقها الأموال والإقطاعات على كبار الأمراء. لقيت معارضة شديدة داخل البلاد وخارجها، وخرج المصريون في مظاهرات غاضبة تستنكر جلوس امرأة على عرش البلاد، وعارض العلماء ولاية المرأة الحكم وقاد المعارضة العز بن عبد السلام لمخالفة جلوسها على العرش للشرع.
وفي الوقت نفسه، ثارت ثائرة الأيوبيين في الشام لمقتل توران شاه واغتصاب المماليك للحكم بجلوس شجرة الدرّ على سدة الحكم، ورفضت الخلافة العباسية في بغداد أن تقرّ صنيع المماليك، فكتب الخليفة المستعصم إليهم: «إن كانت الرجال قد عدمت عندكم فأعلمونا حتى نسيّر إليكم رجلاً».
تنازلها عن العرش
ولم تجد شجرة الدرّ إزاء هذه المعارضة الشديدة بدًا من التنازل عن العرش للأمير عز الدين أيبك أتابك العسكر الذي تزوجته، وتلقب باسم الملك المعز، وكانت المدة التي قضتها على عرش البلاد ثمانين يوماً.
وإذا كانت شجرة الدر قد تنازلت عن الحكم والسلطان رسمياً، وانزوت في بيت زوجها، فإنها مارسته بمشاركة زوجها مسؤولية الحكم، فخضع هذا الأخير لسيطرتها، فأرغمته على هجر زوجته الأولى أمّ ولده علي وحرّمت عليه زيارتها هي وابنها، وبلغ من سيطرتها على أمور السلطان أن قال المؤرخ الكبير «ابن تغري بردي»: «إنها كانت مستولية على أيبك في جميع أحواله، ليس له معها كلام».
قتل فارس الدين أقطاي
ساعدت شجرة الدر عز الدين أيبك على التخلص من فارس الدين أقطاي الذي سبب لهم مشاكل عديدة في حكم البلاد، والذي كان يعد من أشرس القادة المسلمين في عصره، كما كان لكلمته صدى واضح في تحركات الجند في كل مكان.
وفاتها
غير أن أيبك انقلب عليها بعدما أحكم قبضته على الحكم في البلاد، وتخلص من منافسيه في الداخل ومناوئيه من الأيوبيين في الخارج، وتمرس بإدارة شؤون البلاد، بدأ في اتخاذ خطوات للزواج من ابنة «بدر الدين لؤلؤ» صاحب الموصل.
فغضبت شجر الدر لذلك وأسرعت في تدبير مؤامرتها للتخلص من أيبك، فأرسلت إليه تسترضيه وتتلطف معه وتطلب عفوه، فانخدع لحيلتها واستجاب لدعوتها وذهب إلى القلعة حيث لقي حتفه هناك في 23 ربيع الأول 655 هـ (1257م).
أشاعت شجر الدرّ أن المعزّ لدين الله أيبك قد مات فجأة بالليل، لكن مماليك أيبك لم يصدقوها فقبضوا عليها وحملوها إلى امرأة عز الدين أيبك التي أمرت جواريها بقتلها بعد أيام قليلة، فقاموا بضربها بالقباقيب على رأسها وألقوا بها من فوق سور القلعة، ولم تدفن إلا بعد عدة أيام.
وهكذا انتهت حياتها على هذا النحو بعد أن كانت ملء الأسماع والأبصار، وقد أثنى عليها المؤرخون المعاصرون لدولة المماليك، فيقول «ابن تغري بردي» عنها: «وكانت خيّرة دَيِّنة، رئيسة عظيمة في النفوس، ولها مآثر وأوقاف على وجوه البِرّ، معروفة بها…».
قتلت «شجر الدر» ملكة مصر في القاهرة في يوم 3 مايو (ايار) عام 1257 الموافق 23 ربيع الأول لعام 655 من الهجرة بعد أن دام حكمها ثمانين يوما ثم تنازلت عن العرش لوزيرها «عز الدين» الذي تلقب بالملك المعز.
اتخذت سيرة شجر الدر موضوعا لفيلم سينمائي كان من أوائل الأفلام السينمائية في مصر، وقد اضطلعت فيه بدور شجر الدر الممثلة السيدة آسيا، وعرض في كثير من الأقطار العربية في أوائل الثلاثينيات من القرن الماضي.
شجر الدر في التراث المصري
الحكواتية حكوا للناس عن شجر الدر.
شجر الدر في التراث المصري اسمها شجرة الدر وهي شخصية من شخصيات سيرة الظاهر بيبرس.هذه السيرة الشعبية التي كان يحكيها الحكاواتية في المقاهي في مصر حتى بدايات القرن العشرين، تبين مدى حب المصريين للسلطان الظاهر بيبرس وشجر الدر. وتقول السيرة التي معظمها خيال أن فاطمة شجر الدر كانت ابنة خليفة اسمه المقتدر، كان يحكم في بغداد حتى هجم المغول على مملكته ودمروها. وسبب اسمها شجر الدر هو أن أباها كان يحبها جداً فأهداها فستانا من اللؤلؤ (الدر) فلما لبسته أصبحت وكأنها شجرة در ولما طلبت منه أن يجعلها ملكة مصر أعطاها تقليدا بحكم مصر. فلما ذهبت إلى مصر وجدت أن الصالح أيوب يحكمها فتزوجها حتى يبقى في الحكم معها. ولما وصل بيبرس مصر ودخل القلعة أحبته مثل ابنها. أبيك التركماني في القصة ظهر كشخصية شريرة من الموصل، أتى إلى مصر حتى ينزع الحكم من شجر الدر وزوجها الصالح. بعد أن توفي الصالح تزوجت أيبك. لكن الصالح أيوب أتاها في المنام وأمرها بأن تقتله، فلما استيقظت احضرت السيف وقتلته. ولما دخل ابنه الغرفة ووجدها قد قتلته خافت وركضت فركض وراءها حتى وقعت من القلعة وماتت.
شجر الدر في السينما والتلفزيون
الفيلم المصري شجرة الدر عام 1935 عن قصة حياة شجر الدر بطولة وقامت بدور شجر الدر الممثلة آسيا داغر
المسلسل الإماراتي شجر الدر عام 1979 عن قصة حياة شجر الدر وقامت بدور شجر الدر الممثلة نضال الأشقر
الفيلم المصري وإسلاماه عام 1962 عن قصة حياة قطز بطولة أحمد مظهر وقامت بدور شجر الدر الممثلة تحية كاريوكا في النسخة العربية والممثلة سيلفانا بامبانيني في النسخة الإيطالية
المسلسل المصري الفرسان عام 1994 عن قصة حياة قطز بطولة أحمد عبد العزيز وقامت بدور شجر الدر الممثلة نوال أبو الفتوح
المسلسل المصري على باب مصر عام 2006 عن الغزو التتاري للعالم الإسلامي بطولة يوسف شعبان ورغدة وقامت بدور شجر الدر الممثلة نهال عنبر
المسلسل السوري الظاهر بيبرس عام 2005 عن قصة حياة الظاهر بيبرس بطولة وقامت بدور شجر الدر الممثلة سوزان نجم الدين
أم خليل
وبعد فترة احتجاز أطلق سراح الأسرى الثلاثة، وعادوا إلى القاهرة نحو عام 1240، وعندما وصلوا إلى القاهرة تم إعلان الأمير نجم الدين سلطاناً عليها. والسلطان نجم الدين، هو سابع حاكم مشهور من الأسرة الأيوبية في مصر، وقرر تعيين ركن الدين بيبرس قائداً للجيش الأيوبي، وخلال فترة وجودها في السجن حملت شجرة الدر من سيدها نجم الدين، وأنجبت طفلاً سمته خليل، ومنذ ذلك الوقت أصبح يشار إليها باسم 'أم خليل'.
وكانت شجرة الدر بيضاء البشرة، ترتدي اللؤلؤ على ملابسها، وحتى ملابسها الداخلية، وكانت ذكية للغاية، وذات حيلة وتدبير، وقوية الإرادة، لدرجة أن السلطان نجم الدين في حياته كاد يسلمها الجزء الأكبر من شؤون الدولة وسياستها.
وعينها السلطان أيضاً نائبة له، وكانت تحل محله كلما سافر أو خرج في حملة خارج مصر، وتختم المراسيم في غيابه وتصدر الأوامر والتعليمات وتسير شؤون البلاد.
أم خليل، التي لم تسئ إلى ثقة زوجها، وكانت تعطي قرارات وأوامر دقيقة، حظيت بقبول كبير لدى الشعب المصري.
وفي أبريل (نيسان) 1249، كان السلطان نجم الدين يتنازع على السلطة في دمشق ضد أمراء آخرين من الأسرة الأيوبية، لكنه سمع أن الصليبيين يقومون بحملة نحو مصر عبر جزيرة قبرص، فترك دمشق وتوجه مسرعاً إلى القاهرة.
وحاصرت القوات الصليبية بقيادة الملك الفرنسي لويس التاسع دمياط للمرة الأولى على الضفة الشرقية لنهر النيل على ساحل البحر الأبيض المتوسط، وفي يونيو (حزيران) 1249، أطلق سلاح الفرسان والمشاة الصليبيين الحملة الجديدة، وهبطوا إلى الشاطئ بالسفن والقوارب، وبنوا خيمة الملك الحمراء قبالة مدينة دمياط، ثم سقطت بسهولة على رغم محاولات الدفاع عنها.
وكان السلطان نجم الدين مستاءً للغاية، وقام بقتل بعض الذين فشلوا في الدفاع عن المدينة، ثم واصلت القوات الصليبية تقدمها نحو القاهرة، حتى تراجع نجم الدين إلى منطقة المنصورة، وفي 23 نوفمبر (تشرين الثاني) 1249 توفي بصورة مفاجئة بعد حكم دام نحو 10 سنوات.
صورة تعبيرية للحملة الصليبية السابعة على مصر 1249 (ويكيبيديا)​​​​​
بعد وفاة السلطان نجم الدين الأيوبي، دعت زوجته قوية الإرادة العازمة 'أم خليل' السادة والأمراء والقادة المحيطين بها، وعلى رأسهم قائد الجيش المصري حينها الأمير فخر الدين يوسف، وعقدت مجلساً تشاورياً عاجلاً.
وخطبت في الحاضرين بالكلمات التالية 'لقد توفي سلطاننا كما تعلمون، ولكن من الضروري إنقاذ مصر من الحملة الصليبية التي استولت على دمياط، وتواصل تقدمها، دعونا لا نعلن خبر وفاة السلطان، ليبقى سر الدولة هذا بين أعضاء مجلس القصر، فإذا سمع الشعب والجيش بموت السلطان سيصابون بالإحباط، وسنفقد القاهرة وما تبقى لنا من الأراضي المصرية'، ووافق مجلس القصر على ما اقترحته شجرة الدر، ومن أجل الحفاظ على هذا السر، تم وضع جثمان السلطان نجم الدين في عربة مغطاة، ونقله إلى القلعة بجزيرة الروضة.
وتوفي السلطان نجم الدين الأيوبي من دون أن يوصي بخليفة له، فكان من الضروري اتخاذ قرار عاجل في شأن هذه المسألة، فأرسلت 'أم خليل' المعروفة بقراراتها الدقيقة، رسالة إلى فارس الدين أقطاي الكمدار، قائد القوات البحرية، ونتيجة لمشاورات تم التوصل إلى اتفاق يقضي باستدعاء توران شاه، الذي حكم منطقة 'حسن كيف' باعتباره ابن نجم الدين، على الفور إلى العاصمة لتولي منصب والده.
حيلة ذكية
وقامت أم خليل بتزوير توقيع زوجها وتزوير أحد مراسيم زوجها المتوفى الفارغة، والتي سبق ختمها وتسليمها لها، وأبقت الأمر رسمياً بجعل رفاقه يوقعون على المرسوم، وخلال الفترة حتى مجيء توران شاه وجلوسه إلى العرش، بدأت أم خليل والقائد العام فخر الدين يوسف في حكم الدولة معاً من خلال ملء المراسيم الفارغة المختومة التي كانت في أيديهم بحسب الوضع، فجلب غياب السلطان معه عدداً من الأسئلة والشكوك، وكانت الإجابة بأن السلطان مريض جداً وليس في وضع يسمح له برؤية أحد أو التحدث إلى أي شخص، ولا يريد لأحد أن يدخل إلى غرفته أو يزعجه أو يصيبه بالجراثيم، ولكي يكون الجواب مقنعاً، تم وضع ثلاث وجبات يومياً أمام باب غرفة السلطان الفارغة، وتعاد الأوعية فارغة إلى المطبخ وكأنها أكلت وشربت، وعلى رغم كل السرية فإن نبأ وفاة السلطان كان يسمع بين الجنود المصريين والصليبيين في دمياط.
وفي هذه الأثناء، وصل الدعم اللوجيستي والتعزيزات إلى الصليبيين تحت إشراف شقيق ملك فرنسا، ألفونس دي بواتييه، وخرجت القوات الصليبية، التي ارتفعت معنوياتها وقوتها، من دمياط واتجهت نحو مدينة المنصورة، أما الأخ الآخر، روبرت دارتوا، فقد عبر القناة على رأس القوات الفرنسية وهاجم مقر سيديلي العسكري قرب المنصورة.
وفي خضم الاشتباكات بين المصريين والصليبيين، وصل توران شاه إلى المنصورة، وجلس إلى العرش مكان والده، وعلى رغم ذلك صدر مرسوم بتجديد عهد السلطان الميت، وبعد فترة وجيزة، صدر مرسوم جديد، يقضي بتنصيب ابنه توران شاه ولياً للعهد، وأمرت شجرة الدر الأمراء والقادة الذين معه بالولاء لتوران شاه، الذي اعتلى العرش للتو.
وعلى الجانب الآخر، ذهب الأمير ركن الدين بيبرس إلى شجرة الدر، الحاكم الفعلي لمصر، وعرض عليها تنفيذ خطة حرب من شأنها محاصرة العدو، فاستمعت إليه، واتفقت معه على تنفيذها، وتنص الخطة على أن يختبئ أهالي المنصورة وجنودها، وعندما يدخل الصليبيون يظنون أن المصريين فروا من المدينة كما حصل في دمياط، وبالفعل وضعت الخطة ونفذت، وعندما حاولوا مهاجمة واحتلال قصر السلطان، ظهر فجأة جنود البحرية المصرية وبقية الجنود الذين كانوا مختبئين في أماكن غير مرئية، وحاصروا الصليبيين الذين حاولوا الفرار إلى جميع الجهات وذبحوهم بالسيوف والسهام، وتحرك الأشخاص المختبئون في المنازل وهاجموا الغزاة قدر استطاعتهم بخوذاتهم النحاسية البيضاء، ولم يكن أمام الصليبيين، الذين كانوا محاصرين، سوى خيارين إما القتال حتى الموت أو القفز في مياه النيل والغرق.
لويس التاسع ملك فرنسا يُأسر في فارسكور بدمياط (ويكيبيديا)
أما روبرت دارتوا شقيق ملك فرنسا، فاختبأ في أحد المنازل، وتم إعدامه على يد الأشخاص الذين عثروا عليه، وقتل جميع فرسان الهيكل، الذين اشتهروا بشجاعتهم، باستثناء عدد قليل منهم، وتم تسجيل هذه المعركة على أنها معركة دخل فيها العبيد البحريون الساحة العسكرية للمرة الأولى في مصر وحققوا نجاحاً باهراً.
هذا الحدث العظيم، الذي كان نقطة تحول في التاريخ المصري، أدى إلى انتشار شهرة شجرة الدر، التي عدت أرملة ونائبة نجم الدين، الحاكم السابع في الأسرة الأيوبية، وبعد هذا الحدث بات يطلق على شجرة الدر لقب السلطانة خاتون، وعلى رغم ذلك مثل كل مؤامرات القصر ومعارك العرش في التاريخ، ستكون هناك مخططات وألعاب جديدة من شأنها أن تحدد مصير حاكمة 'اللؤلؤ'.
وعندما غادر توران شاه، الذي تمت دعوته للجلوس إلى العرش بدلاً من والده المتوفى نجم الدين الأيوبي، 'حسن كيف' ووصل إلى مصر في الأول من فبراير (شباط) 1250، تنفست شجرة الدر الصعداء، ونالت إشادة كبيرة لأنها أدارت البلاد بصورة أفضل مما كان متوقعاً في ظل فراغ السلطة، وفي الفترة من الخامس إلى السابع من أبريل 1250، بدأت الجيوش الصليبية، التي كانت تتكبد الهزيمة تلو الأخرى، بالفرار نحو دمياط، وهزمت قوات العبيد التابعة للدولة الأيوبية الصليبيين بصورة كبيرة، وأسروا الملك القديس لويس التاسع، وقيدوه بالسلاسل مع قائده ونبلائه، ومع الانتصار الكبير على الحملة الصليبية السابعة واعتلاء توران شاه عرش الدولة الأيوبية، بدأت مؤامرات القصر ومعاركه في العاصمة، فمن ناحية كان هناك السلطان الأيوبي توران شاه الذي أراد السيطرة على كل شيء، ومن ناحية أخرى، كانت هناك شجرة الدر التي تولت السلطة بالفعل بعد وفاة زوجها وحكمت مثل السلطانة. وسرعان ما أدرك توران شاه أنه لن يتمكن من حكم البلاد ما دام أن منافسه الرئيس، شجرة الدر، وحاشيتها من القادة والأمراء موجودة، لذلك ووفقاً للخطة التي رسمها، بدأ في إقالة مسؤولي الدولة والقصر المحيطين بشجرة الدر، تدريجاً واعتقالهم والقضاء عليهم، واستبدل فريق القصر الذين عملوا معه في 'حسن كيف' بهم.


Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

محافظات : العيد القومى لمحافظة دمياط 8 مايو.. ذكرى الصمود في مواجهة الحملة الصليبية
محافظات : العيد القومى لمحافظة دمياط 8 مايو.. ذكرى الصمود في مواجهة الحملة الصليبية

نافذة على العالم

time٠٨-٠٥-٢٠٢٥

  • نافذة على العالم

محافظات : العيد القومى لمحافظة دمياط 8 مايو.. ذكرى الصمود في مواجهة الحملة الصليبية

الخميس 8 مايو 2025 06:45 صباحاً نافذة على العالم - تحتفل محافظة دمياط بعيدها القومي في 8 مايو من كل عام، إحياءً لذكرى انتصار أهالي دمياط على الحملة الصليبية الخامسة عام 1219م، حين واجهوا بشجاعة قوات الاحتلال الصليبي التي كانت تسعى للسيطرة على مصر عبر بوابة دمياط. ترجع الأسباب التاريخية إلي أوائل القرن الثالث عشر، حيث انطلقت الحملة الصليبية الخامسة، بهدف احتلال مصر باعتبارها مفتاح السيطرة على المشرق الإسلامي. ونزل الصليبيون على شواطئ دمياط في عام 1218، وتمكنوا من احتلال المدينة في نوفمبر 1219 بعد مقاومة شديدة من أهلها، لكن وجودهم لم يدم طويلًا. ويرجع سبب اختيار 8 مايو، إلى أنه في ذلك اليوم عام 1221، وبعد سلسلة من المعارك والكرّ والفرّ، تمكن المصريون بقيادة السلطان الكامل محمد بن العادل من هزيمة الحملة الصليبية وإجبارها على الاستسلام، واستعادة مدينة دمياط، في واحدة من أبرز الانتصارات التي سجلها التاريخ المصري ضد الغزاة الأوروبيين. اختارت محافظة دمياط هذا اليوم ليكون عيدها القومي تخليدًا لهذا الانتصار العظيم، واعتزازًا بصمود أبنائها وتضحياتهم في مواجهة الاحتلال، وقدرتهم على حماية المدينة من الغزاة عبر القرون. تحتفل دمياط بهذا اليوم من خلال فعاليات وطنية، وافتتاح مشروعات تنموية وثقافية، وعروض فنية تعكس الهوية الدمياطية.

صباح الاثنين.. تعرف على الحالة المرورية بالقاهرة والجيزة
صباح الاثنين.. تعرف على الحالة المرورية بالقاهرة والجيزة

24 القاهرة

time٠٥-٠٥-٢٠٢٥

  • 24 القاهرة

صباح الاثنين.. تعرف على الحالة المرورية بالقاهرة والجيزة

شهدت شوارع ومحاور وميادين محافظتي القاهرة والجيزة صباح اليوم الاثنين 5 مايو 2025، حالة من السيولة المرورية في أغلب المناطق، وسط انتشار مكثف لرجال الإدارة العامة للمرور، لمتابعة حركة السير وضمان انتظامها وسلامة قائدي المركبات. الحالة المرورية صباح اليوم وانتظمت حركة السيارات على الطريق الدائري، ومحور 26 يوليو، وكوبري 6 أكتوبر، إلى جانب عدد من المناطق الحيوية بوسط البلد مثل ميادين روكسي، رمسيس، وعبد المنعم رياض، كما ظهرت سيولة ملحوظة بكورنيش النيل، خاصة في الاتجاه المؤدي إلى حلوان والملك الصالح. وفي الجيزة، سادت حالة من الانسياب المروري بمدينة 6 أكتوبر والمناطق المحيطة، خصوصًا في شارع المحور المركزي. في المقابل، شهدت بعض الطرق كثافات مرورية مرتفعة، أبرزها شارع الهرم بسبب استمرار أعمال إنشاء محطات مترو الأنفاق عند تقاطع المريوطية، إلى جانب تباطؤ الحركة في مناطق المساحة، العريش، مدكور، والطالبية. ودفعت الإدارة العامة للمرور بسيارات إغاثة على الطرق السريعة والرئيسية تحسبًا لأي طوارئ، مع تخصيص الخط الساخن 01221110000 لتلقي استغاثات المواطنين، مؤكدة استمرار تواجدها الميداني للتعامل الفوري مع الشبورة الكثيفة التي أثّرت على بعض الطرق.

شجرة الدر أول سلطانة للدولة الأيوبية في مصر و من جارية في الحريم إلى ملكة على مصر
شجرة الدر أول سلطانة للدولة الأيوبية في مصر و من جارية في الحريم إلى ملكة على مصر

الكنانة

time٠٣-٠٥-٢٠٢٥

  • الكنانة

شجرة الدر أول سلطانة للدولة الأيوبية في مصر و من جارية في الحريم إلى ملكة على مصر

كتب وجدي نعمان شجرة الدر واحدة من السلاطين القلائل في التاريخ الإسلامي، على رغم قصر فترة حكمها التي دامت ما بين 80 و88 يوماً وأصبحت قصة حياتها الرائعة والحزينة موضوع الأعمال الثقافية والفنية الحديثة في مصر فتعالو نتعرف عليها:- شجر الدرّ (أو شجرة الدّر)، (ت 1257) الملقبة بعصمة الدين أم خليل، خوارزمية الأصل، وقيل أنها أرمينية أو تركية. كانت جارية اشتراها السلطان الصالح نجم الدين أيوب، وحظيت عنده بمكانة عالية حتى أعتقها وتزوجها وأنجبت منه ابنها خليل الذي توفي في 2 من صفر 648 هـ (مايو 1250م). تولت عرش مصر لمدة ثمانين يومًا بمبايعة من المماليك وأعيان الدولة بعد وفاة السلطان الصالح أيوب، ثم تنازلت عن العرش لزوجها المعز أيبك التركماني سنة 648 هـ (1250م). لعبت دورًا تاريخيًا هامًا أثناء الحملة الصليبية السابعة على مصر وخلال معركة المنصورة. أصولها الحملة الصليبية السابعة 1249 كانت شجرة الدر جارية من أصل تركي أو خوارزمي وقيل إنها أرمنية. اشتراها الصالح أيوب قبل أن يكون سلطاناً، ورافقته في فترة اعتقاله في الكرك سنة 1239 مع مملوك له اسمه ركن الدين بيبرس الصالحي (ليس الظاهر بيبرس الذي أصبح سلطاناَ لاحقاً سنة 1260م) وأنجبت ولد اسمه خليل. لُقِبَ بالملك المنصور. وبعد ما خرج الصالح من السجن ذهبت معه إلى مصر وتزوجا هناك.وبعد أن أصبح سلطان مصر سنة (1240 م) بقيت تنوب عنه في الحكم عندما يكون خارج مصر. في أبريل 1249 م كان الصالح أيوب في الشام يحارب الملوك الأيوبيين الذين ينافسونه على الحكم وصلته أخبار أن ملك فرنسا لويس التاسع (Louis IX)-الذي أصبح قديساً بعد وفاته. في قبرص، وفي طريقه لمصر على رأس حملة صليبية كبيرة حتى يغزوها بالقرب من دمياط على البر الشرقي للفرع الرئيسي للنيل، حتى يجهز الدفاعات لو هجم الصليبيون. وفعلاً، في يونيو 1249 م نزل فرسان وعساكر الحملة الصليبية السابعة من المراكب على بر دمياط ونصبوا خيمة حمراء للملك لويس. وانسحبت العربات التي كان قد وضعها الملك الصالح في دمياط للدفاع عنها فاحتلها الصليبيون بسهولة وهي خالية من سكانها الذين تركوها عندما رأو هروب العربات. فحزن الملك الصالح وأعدم عدداً من راكبي العربات بسبب جبنهم وخروجهم عن أوامره. انتقل الصالح لمكان آمن في المنصورة.وفي 23 نوفمبر 1249 م توفي الملك الصالح بعد أن حكم مصر 10 سنين وفي لحظة حرجة جداً من تاريخها. استدعت شجرة الدر قائد الجيش المصري «الأمير فخر الدين يوسف» ورئيس القصر السلطاني «الطواشي جمال الدين محسن»، وقالت لهم إن الملك الصالح توفي وأن مصر الآن في موقف صعب من غير حاكم، وهناك غزو خارجي متجمع في دمياط. فاتفق الثلاثة أن يخفوا الخبر حتى لا تضعف معنويات العساكر والناس ويتشجع الصليبيون. وفي السر ومن غير أن يعلم أحد نقلت شجرة الدر جثمان الملك الصالح في مركب على القاهرة ووضعته في قلعة جزيرة الروضة. ومع أن الصالح بن أيوب لم يوص قبل أن يموت بمن يمسك الحكم من بعده، إلا أن شجرة الدر بعثت زعيم المماليك البحرية «فارس الدين أقطاى الجمدار» على حصن كيفا حتى يستدعي «توران شاه» ابن الصالح أيوب ليحكم مصر بدل أبيه المتوفى. قبل أن يتوفى الصالح أيوب كان أعطى أوراقا على بياض لشجرة الدر حتى تستخدمها لو مات. فبقيت شجرة الدر والأمير فخر الدين يصدران الأوامر السلطانية على هذه الأوراق. وقالا إن السلطان مريض ولا يستطيع مقابلة أحد. وكان يتم إدخال الطعام للغرفة التي كان من المفروض أن يكون نائما فيها حتى لا يشك أحد. وأصدرا أمرا سلطانيا بتجديد العهد للسلطان الصالح أيوب وتنصيب ابنه توران شاه ولي عهد للسلطنة المصرية، وحلفا الأمراء والعساكر. انتصار المماليك على الحملة الصليبية السابعة لويس التاسع ملك فرنسا يُأسر في فارسكور. وصلت أخبار وفاة الصالح أيوب للصليبيين في دمياط بطريقة ما. وفي نفس الوقت وصلت إلى دمياط إمدادات مع «الفونس دو بويتي» (Alphonse de Poitiers) أخ الملك لويس. فتشجع الصليبيون وقرروا الخروج من دمياط والتوجه للقاهرة. واستطاعت قوات من الفرسان الصليبيين، بقيادة روبرت دارتوا (Robert d'Artois) أخ الملك لويس، اجتياز قناة اشموم عن طريق مخاضة عرفوها عن طريق أحد قادة العربات. فهجموا فجأة على المعسكر المصري في جديلة على بعد حوالي 3 كليومتر من المنصورة. قتل الأمير فخر الدين يوسف وهو خارج من الحمام على صوت الضجة والصريخ فهربت العساكر التي بغتها الهجوم غير المتوقع وذهبوا إلى المنصورة. عرض الأمير ركن الدين بيبرس على شجرة الدر، الحاكمة الفعلية لمصر في هذا الوقت، خطة وضعها يدخل فيها الفرسان الصليبيون المندفعون نحو المنصورة في مصيدة فوافقت شجر الدر على الخطة. اجتمع بيبرس وفارس الدين اقطاي الذي أصبح القائد العام للجيوش المصرية. نظم صفوف العساكر المنسحبين من جديلة داخل المنصورة وطلب منهم ومن السكان التزام السكون التام بحيث يظن الصليبيون المهاجمون أن المدينة خالية مثل ما حصل في دمياط. وفعلاً وقع الفرسان الصليبيون في الفخ واندفعوا إلى داخل المنصورة واتجهوا نحو القصر السلطاني حتى يحتلوه. فخرجت لهم المماليك البحرية والمماليك الجمدارية فجأة وهاجموهم من كل ناحية بالسيوف والسهام وخرج سكان المنصورة والمتطوعون وهم يرتدون خوذ من النحاس الأبيض بدل خوذات العساكر وضربوهم بكل ما أوتوا من قوة. حاصر المماليك القوات الصليبية المهاجمة وأغلقوا الشوارع والحواري وبقي الصليبيون غير قادرين على الهروب ولم يبق أمامهم سوى الموت على الأرض أو أن يرموا أنفسهم في نهر النيل ويغرقوا فيه. اختبأ «روبرت دارتوا» أخ لويس داخل بيت لكن الناس وجدوه وقتلوه، وانتهت المعركة بهزيمة الصليبيين هزيمة منكرة في حواري المنصورة. وقتل منهم عدد كبير لدرجة أنه لم ينج من فرسان المعبد إلا واحد أو اثنان. هذا كان أول ظهور للماليك البحرية داخل مصر كمقاتلين يدافعون عن مصر. وفي تلك اللحظة كان تاريخ مصر والمنطقة التي حولها يتشكل عن طريق شجرة الدر ورجال دخلوا تاريخ مصر والعالم مثل الظاهر بيبرس عز الدين أيبك وقلاوون الألفي وغيرهم. التخلص من توران شاه توران شاه اغتيل سنة 1250. بعد النصر تنكر السلطان الجديد لشجرة الدر، وبدلاً من أن يحفظ لها جميلها بعث يهددها ويطالبها بمال أبيه، فكانت تجيبه بأنها أنفقته في شؤون الحرب وتدبير أمور الدولة، فلما اشتد عليها، ورابها خوف منه ذهبت إلى القدس خوفًا من غدر السلطان وانتقامه. ولم يكتف توران شاه بذلك بل امتد حنقه وغيظه ليشمل أمراء المماليك، أصحاب الفضل الأول في تحقيق النصر العظيم وإلحاق الهزيمة بالحملة الصليبية السابعة، وبدأ يفكر في التخلص منهم غير أنهم كانوا أسبق منه في الحركة وأسرع منه في الإعداد فتخلصوا منه بالقتل على يد أقطاي. المبايعة دينار من عهد شجرة الدر وجد المماليك أنفسهم في وضع جديد؛ فهم اليوم أصحاب الكلمة الأولى في البلاد ومقاليد الأمور في أيديهم، ولم يعودوا أداة في يد من يستخدمهم لتحقيق مصلحة أو نيل هدف وعليهم أن يختاروا سلطانًا للبلاد. وبدلاً من أن يختاروا واحدًا منهم لتولي شؤون البلاد اختاروا شجرة الدر لتولي هذا المنصب الرفيع. أخذت البيعة للسلطانة الجديدة ونقش اسمها على السِّكة بالعبارة الآتية «المستعصمية الصالحية ملكة المسلمين والدة خليل أمير المؤمنين». جدير بالذكر أن شجرة الدر لم تكن أول امرأة تحكم في العالم الإسلامي، فقد سبق أن تولت رضية الدين سلطنة دلهي، واستمر حكمها أربع سنوات (634 – 638 هـ) الموافق (1236 – 1240م). وحكمت أروى بنت أحمد الصليحي من سلالة بنو صليح اليمن من تاريخ (492 – 532 هـ) الموافق (1098 – 1138م). تصفية الوجود الصليبي وما إن جلست شجرة الدر على العرش حتى قبضت على زمام الأمور وأحكمت إدارة شؤون البلاد، وكان أول عمل اهتمت به هو تصفية الوجود الصليبي في البلاد وإدارة مفاوضات معه انتهت بالاتفاق مع الملك لويس التاسع (القدّيس لويس، كما يسمّيه قومه)، الذي كان أسيرًا بالمنصورة، على تسليم دمياط وإخلاء سبيله وسبيل من معه من كبار الأسرى مقابل فدية كبيرة قدرها ثمانمائة ألف دينار، يدفع نصفها قبل رحيله والباقي بعد وصوله إلى عكا، مع تعهد منه بعدم العودة إلى سواحل البلاد الإسلامية مرة أخرى. المعارضة غير أن الظروف لم تكن مواتية لأن تستمر في الحكم طويلاً على الرغم مما أبدته من مهارة وحزم في إدارة شؤون الدولة وتقربها إلى العامة وإغداقها الأموال والإقطاعات على كبار الأمراء. لقيت معارضة شديدة داخل البلاد وخارجها، وخرج المصريون في مظاهرات غاضبة تستنكر جلوس امرأة على عرش البلاد، وعارض العلماء ولاية المرأة الحكم وقاد المعارضة العز بن عبد السلام لمخالفة جلوسها على العرش للشرع. وفي الوقت نفسه، ثارت ثائرة الأيوبيين في الشام لمقتل توران شاه واغتصاب المماليك للحكم بجلوس شجرة الدرّ على سدة الحكم، ورفضت الخلافة العباسية في بغداد أن تقرّ صنيع المماليك، فكتب الخليفة المستعصم إليهم: «إن كانت الرجال قد عدمت عندكم فأعلمونا حتى نسيّر إليكم رجلاً». تنازلها عن العرش ولم تجد شجرة الدرّ إزاء هذه المعارضة الشديدة بدًا من التنازل عن العرش للأمير عز الدين أيبك أتابك العسكر الذي تزوجته، وتلقب باسم الملك المعز، وكانت المدة التي قضتها على عرش البلاد ثمانين يوماً. وإذا كانت شجرة الدر قد تنازلت عن الحكم والسلطان رسمياً، وانزوت في بيت زوجها، فإنها مارسته بمشاركة زوجها مسؤولية الحكم، فخضع هذا الأخير لسيطرتها، فأرغمته على هجر زوجته الأولى أمّ ولده علي وحرّمت عليه زيارتها هي وابنها، وبلغ من سيطرتها على أمور السلطان أن قال المؤرخ الكبير «ابن تغري بردي»: «إنها كانت مستولية على أيبك في جميع أحواله، ليس له معها كلام». قتل فارس الدين أقطاي ساعدت شجرة الدر عز الدين أيبك على التخلص من فارس الدين أقطاي الذي سبب لهم مشاكل عديدة في حكم البلاد، والذي كان يعد من أشرس القادة المسلمين في عصره، كما كان لكلمته صدى واضح في تحركات الجند في كل مكان. وفاتها غير أن أيبك انقلب عليها بعدما أحكم قبضته على الحكم في البلاد، وتخلص من منافسيه في الداخل ومناوئيه من الأيوبيين في الخارج، وتمرس بإدارة شؤون البلاد، بدأ في اتخاذ خطوات للزواج من ابنة «بدر الدين لؤلؤ» صاحب الموصل. فغضبت شجر الدر لذلك وأسرعت في تدبير مؤامرتها للتخلص من أيبك، فأرسلت إليه تسترضيه وتتلطف معه وتطلب عفوه، فانخدع لحيلتها واستجاب لدعوتها وذهب إلى القلعة حيث لقي حتفه هناك في 23 ربيع الأول 655 هـ (1257م). أشاعت شجر الدرّ أن المعزّ لدين الله أيبك قد مات فجأة بالليل، لكن مماليك أيبك لم يصدقوها فقبضوا عليها وحملوها إلى امرأة عز الدين أيبك التي أمرت جواريها بقتلها بعد أيام قليلة، فقاموا بضربها بالقباقيب على رأسها وألقوا بها من فوق سور القلعة، ولم تدفن إلا بعد عدة أيام. وهكذا انتهت حياتها على هذا النحو بعد أن كانت ملء الأسماع والأبصار، وقد أثنى عليها المؤرخون المعاصرون لدولة المماليك، فيقول «ابن تغري بردي» عنها: «وكانت خيّرة دَيِّنة، رئيسة عظيمة في النفوس، ولها مآثر وأوقاف على وجوه البِرّ، معروفة بها…». قتلت «شجر الدر» ملكة مصر في القاهرة في يوم 3 مايو (ايار) عام 1257 الموافق 23 ربيع الأول لعام 655 من الهجرة بعد أن دام حكمها ثمانين يوما ثم تنازلت عن العرش لوزيرها «عز الدين» الذي تلقب بالملك المعز. اتخذت سيرة شجر الدر موضوعا لفيلم سينمائي كان من أوائل الأفلام السينمائية في مصر، وقد اضطلعت فيه بدور شجر الدر الممثلة السيدة آسيا، وعرض في كثير من الأقطار العربية في أوائل الثلاثينيات من القرن الماضي. شجر الدر في التراث المصري الحكواتية حكوا للناس عن شجر الدر. شجر الدر في التراث المصري اسمها شجرة الدر وهي شخصية من شخصيات سيرة الظاهر بيبرس.هذه السيرة الشعبية التي كان يحكيها الحكاواتية في المقاهي في مصر حتى بدايات القرن العشرين، تبين مدى حب المصريين للسلطان الظاهر بيبرس وشجر الدر. وتقول السيرة التي معظمها خيال أن فاطمة شجر الدر كانت ابنة خليفة اسمه المقتدر، كان يحكم في بغداد حتى هجم المغول على مملكته ودمروها. وسبب اسمها شجر الدر هو أن أباها كان يحبها جداً فأهداها فستانا من اللؤلؤ (الدر) فلما لبسته أصبحت وكأنها شجرة در ولما طلبت منه أن يجعلها ملكة مصر أعطاها تقليدا بحكم مصر. فلما ذهبت إلى مصر وجدت أن الصالح أيوب يحكمها فتزوجها حتى يبقى في الحكم معها. ولما وصل بيبرس مصر ودخل القلعة أحبته مثل ابنها. أبيك التركماني في القصة ظهر كشخصية شريرة من الموصل، أتى إلى مصر حتى ينزع الحكم من شجر الدر وزوجها الصالح. بعد أن توفي الصالح تزوجت أيبك. لكن الصالح أيوب أتاها في المنام وأمرها بأن تقتله، فلما استيقظت احضرت السيف وقتلته. ولما دخل ابنه الغرفة ووجدها قد قتلته خافت وركضت فركض وراءها حتى وقعت من القلعة وماتت. شجر الدر في السينما والتلفزيون الفيلم المصري شجرة الدر عام 1935 عن قصة حياة شجر الدر بطولة وقامت بدور شجر الدر الممثلة آسيا داغر المسلسل الإماراتي شجر الدر عام 1979 عن قصة حياة شجر الدر وقامت بدور شجر الدر الممثلة نضال الأشقر الفيلم المصري وإسلاماه عام 1962 عن قصة حياة قطز بطولة أحمد مظهر وقامت بدور شجر الدر الممثلة تحية كاريوكا في النسخة العربية والممثلة سيلفانا بامبانيني في النسخة الإيطالية المسلسل المصري الفرسان عام 1994 عن قصة حياة قطز بطولة أحمد عبد العزيز وقامت بدور شجر الدر الممثلة نوال أبو الفتوح المسلسل المصري على باب مصر عام 2006 عن الغزو التتاري للعالم الإسلامي بطولة يوسف شعبان ورغدة وقامت بدور شجر الدر الممثلة نهال عنبر المسلسل السوري الظاهر بيبرس عام 2005 عن قصة حياة الظاهر بيبرس بطولة وقامت بدور شجر الدر الممثلة سوزان نجم الدين أم خليل وبعد فترة احتجاز أطلق سراح الأسرى الثلاثة، وعادوا إلى القاهرة نحو عام 1240، وعندما وصلوا إلى القاهرة تم إعلان الأمير نجم الدين سلطاناً عليها. والسلطان نجم الدين، هو سابع حاكم مشهور من الأسرة الأيوبية في مصر، وقرر تعيين ركن الدين بيبرس قائداً للجيش الأيوبي، وخلال فترة وجودها في السجن حملت شجرة الدر من سيدها نجم الدين، وأنجبت طفلاً سمته خليل، ومنذ ذلك الوقت أصبح يشار إليها باسم 'أم خليل'. وكانت شجرة الدر بيضاء البشرة، ترتدي اللؤلؤ على ملابسها، وحتى ملابسها الداخلية، وكانت ذكية للغاية، وذات حيلة وتدبير، وقوية الإرادة، لدرجة أن السلطان نجم الدين في حياته كاد يسلمها الجزء الأكبر من شؤون الدولة وسياستها. وعينها السلطان أيضاً نائبة له، وكانت تحل محله كلما سافر أو خرج في حملة خارج مصر، وتختم المراسيم في غيابه وتصدر الأوامر والتعليمات وتسير شؤون البلاد. أم خليل، التي لم تسئ إلى ثقة زوجها، وكانت تعطي قرارات وأوامر دقيقة، حظيت بقبول كبير لدى الشعب المصري. وفي أبريل (نيسان) 1249، كان السلطان نجم الدين يتنازع على السلطة في دمشق ضد أمراء آخرين من الأسرة الأيوبية، لكنه سمع أن الصليبيين يقومون بحملة نحو مصر عبر جزيرة قبرص، فترك دمشق وتوجه مسرعاً إلى القاهرة. وحاصرت القوات الصليبية بقيادة الملك الفرنسي لويس التاسع دمياط للمرة الأولى على الضفة الشرقية لنهر النيل على ساحل البحر الأبيض المتوسط، وفي يونيو (حزيران) 1249، أطلق سلاح الفرسان والمشاة الصليبيين الحملة الجديدة، وهبطوا إلى الشاطئ بالسفن والقوارب، وبنوا خيمة الملك الحمراء قبالة مدينة دمياط، ثم سقطت بسهولة على رغم محاولات الدفاع عنها. وكان السلطان نجم الدين مستاءً للغاية، وقام بقتل بعض الذين فشلوا في الدفاع عن المدينة، ثم واصلت القوات الصليبية تقدمها نحو القاهرة، حتى تراجع نجم الدين إلى منطقة المنصورة، وفي 23 نوفمبر (تشرين الثاني) 1249 توفي بصورة مفاجئة بعد حكم دام نحو 10 سنوات. صورة تعبيرية للحملة الصليبية السابعة على مصر 1249 (ويكيبيديا)​​​​​ بعد وفاة السلطان نجم الدين الأيوبي، دعت زوجته قوية الإرادة العازمة 'أم خليل' السادة والأمراء والقادة المحيطين بها، وعلى رأسهم قائد الجيش المصري حينها الأمير فخر الدين يوسف، وعقدت مجلساً تشاورياً عاجلاً. وخطبت في الحاضرين بالكلمات التالية 'لقد توفي سلطاننا كما تعلمون، ولكن من الضروري إنقاذ مصر من الحملة الصليبية التي استولت على دمياط، وتواصل تقدمها، دعونا لا نعلن خبر وفاة السلطان، ليبقى سر الدولة هذا بين أعضاء مجلس القصر، فإذا سمع الشعب والجيش بموت السلطان سيصابون بالإحباط، وسنفقد القاهرة وما تبقى لنا من الأراضي المصرية'، ووافق مجلس القصر على ما اقترحته شجرة الدر، ومن أجل الحفاظ على هذا السر، تم وضع جثمان السلطان نجم الدين في عربة مغطاة، ونقله إلى القلعة بجزيرة الروضة. وتوفي السلطان نجم الدين الأيوبي من دون أن يوصي بخليفة له، فكان من الضروري اتخاذ قرار عاجل في شأن هذه المسألة، فأرسلت 'أم خليل' المعروفة بقراراتها الدقيقة، رسالة إلى فارس الدين أقطاي الكمدار، قائد القوات البحرية، ونتيجة لمشاورات تم التوصل إلى اتفاق يقضي باستدعاء توران شاه، الذي حكم منطقة 'حسن كيف' باعتباره ابن نجم الدين، على الفور إلى العاصمة لتولي منصب والده. حيلة ذكية وقامت أم خليل بتزوير توقيع زوجها وتزوير أحد مراسيم زوجها المتوفى الفارغة، والتي سبق ختمها وتسليمها لها، وأبقت الأمر رسمياً بجعل رفاقه يوقعون على المرسوم، وخلال الفترة حتى مجيء توران شاه وجلوسه إلى العرش، بدأت أم خليل والقائد العام فخر الدين يوسف في حكم الدولة معاً من خلال ملء المراسيم الفارغة المختومة التي كانت في أيديهم بحسب الوضع، فجلب غياب السلطان معه عدداً من الأسئلة والشكوك، وكانت الإجابة بأن السلطان مريض جداً وليس في وضع يسمح له برؤية أحد أو التحدث إلى أي شخص، ولا يريد لأحد أن يدخل إلى غرفته أو يزعجه أو يصيبه بالجراثيم، ولكي يكون الجواب مقنعاً، تم وضع ثلاث وجبات يومياً أمام باب غرفة السلطان الفارغة، وتعاد الأوعية فارغة إلى المطبخ وكأنها أكلت وشربت، وعلى رغم كل السرية فإن نبأ وفاة السلطان كان يسمع بين الجنود المصريين والصليبيين في دمياط. وفي هذه الأثناء، وصل الدعم اللوجيستي والتعزيزات إلى الصليبيين تحت إشراف شقيق ملك فرنسا، ألفونس دي بواتييه، وخرجت القوات الصليبية، التي ارتفعت معنوياتها وقوتها، من دمياط واتجهت نحو مدينة المنصورة، أما الأخ الآخر، روبرت دارتوا، فقد عبر القناة على رأس القوات الفرنسية وهاجم مقر سيديلي العسكري قرب المنصورة. وفي خضم الاشتباكات بين المصريين والصليبيين، وصل توران شاه إلى المنصورة، وجلس إلى العرش مكان والده، وعلى رغم ذلك صدر مرسوم بتجديد عهد السلطان الميت، وبعد فترة وجيزة، صدر مرسوم جديد، يقضي بتنصيب ابنه توران شاه ولياً للعهد، وأمرت شجرة الدر الأمراء والقادة الذين معه بالولاء لتوران شاه، الذي اعتلى العرش للتو. وعلى الجانب الآخر، ذهب الأمير ركن الدين بيبرس إلى شجرة الدر، الحاكم الفعلي لمصر، وعرض عليها تنفيذ خطة حرب من شأنها محاصرة العدو، فاستمعت إليه، واتفقت معه على تنفيذها، وتنص الخطة على أن يختبئ أهالي المنصورة وجنودها، وعندما يدخل الصليبيون يظنون أن المصريين فروا من المدينة كما حصل في دمياط، وبالفعل وضعت الخطة ونفذت، وعندما حاولوا مهاجمة واحتلال قصر السلطان، ظهر فجأة جنود البحرية المصرية وبقية الجنود الذين كانوا مختبئين في أماكن غير مرئية، وحاصروا الصليبيين الذين حاولوا الفرار إلى جميع الجهات وذبحوهم بالسيوف والسهام، وتحرك الأشخاص المختبئون في المنازل وهاجموا الغزاة قدر استطاعتهم بخوذاتهم النحاسية البيضاء، ولم يكن أمام الصليبيين، الذين كانوا محاصرين، سوى خيارين إما القتال حتى الموت أو القفز في مياه النيل والغرق. لويس التاسع ملك فرنسا يُأسر في فارسكور بدمياط (ويكيبيديا) أما روبرت دارتوا شقيق ملك فرنسا، فاختبأ في أحد المنازل، وتم إعدامه على يد الأشخاص الذين عثروا عليه، وقتل جميع فرسان الهيكل، الذين اشتهروا بشجاعتهم، باستثناء عدد قليل منهم، وتم تسجيل هذه المعركة على أنها معركة دخل فيها العبيد البحريون الساحة العسكرية للمرة الأولى في مصر وحققوا نجاحاً باهراً. هذا الحدث العظيم، الذي كان نقطة تحول في التاريخ المصري، أدى إلى انتشار شهرة شجرة الدر، التي عدت أرملة ونائبة نجم الدين، الحاكم السابع في الأسرة الأيوبية، وبعد هذا الحدث بات يطلق على شجرة الدر لقب السلطانة خاتون، وعلى رغم ذلك مثل كل مؤامرات القصر ومعارك العرش في التاريخ، ستكون هناك مخططات وألعاب جديدة من شأنها أن تحدد مصير حاكمة 'اللؤلؤ'. وعندما غادر توران شاه، الذي تمت دعوته للجلوس إلى العرش بدلاً من والده المتوفى نجم الدين الأيوبي، 'حسن كيف' ووصل إلى مصر في الأول من فبراير (شباط) 1250، تنفست شجرة الدر الصعداء، ونالت إشادة كبيرة لأنها أدارت البلاد بصورة أفضل مما كان متوقعاً في ظل فراغ السلطة، وفي الفترة من الخامس إلى السابع من أبريل 1250، بدأت الجيوش الصليبية، التي كانت تتكبد الهزيمة تلو الأخرى، بالفرار نحو دمياط، وهزمت قوات العبيد التابعة للدولة الأيوبية الصليبيين بصورة كبيرة، وأسروا الملك القديس لويس التاسع، وقيدوه بالسلاسل مع قائده ونبلائه، ومع الانتصار الكبير على الحملة الصليبية السابعة واعتلاء توران شاه عرش الدولة الأيوبية، بدأت مؤامرات القصر ومعاركه في العاصمة، فمن ناحية كان هناك السلطان الأيوبي توران شاه الذي أراد السيطرة على كل شيء، ومن ناحية أخرى، كانت هناك شجرة الدر التي تولت السلطة بالفعل بعد وفاة زوجها وحكمت مثل السلطانة. وسرعان ما أدرك توران شاه أنه لن يتمكن من حكم البلاد ما دام أن منافسه الرئيس، شجرة الدر، وحاشيتها من القادة والأمراء موجودة، لذلك ووفقاً للخطة التي رسمها، بدأ في إقالة مسؤولي الدولة والقصر المحيطين بشجرة الدر، تدريجاً واعتقالهم والقضاء عليهم، واستبدل فريق القصر الذين عملوا معه في 'حسن كيف' بهم.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store