منذ 14 ساعات
حوار.. حمودي: 'توازن الألم' هو شعار المواجهة بين إسرائيل وإيران
بعد مواجهة دامت 12 يوما، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن دخول اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وإيران حيز التنفيذ فجر الثلاثاء 24 يونيو الجاري، بعد سلسلة أخيرة من الغارات والضربات الصاروخية المتبادلة البلدين.
لتسليط الضوء على حرب الـ 12 يوما غير المتوقعة ونهايتها المفاجئة، أجرت 'الأيام 24″ حوارا مع إسماعيل حمودي أستاذ العلوم السياسية بجامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس، تطرق فيه لأهم نتائج وآثار هذه الحرب سواء بالنسبة لإسرائيل وإيران والولايات المتحدة الأمريكية ومنطقة الشرق الأوسط عموما.
وكشف حمودي، خلال هذا الحوار عن هوية المنتصر في هذه الحرب، وكيف تمكنت إيران من تحقيق ما وصفه بـ'توازن الألم' رغم أن هذه الحرب كانت مفاجئة لها، مشيرا إلى توقعاته بخصوص آثار هذه الحرب بالنسبة لحرب الإبادة الإسرائيلية على غزة.
وخلص حمودي، إلى أن هذه الحرب كانت محسوبة الضربات ومتحكم فيها إلى أن تم الإعلان عن اتفاق وقف إطلاق النار، مبينا أن نتائج مفاوضات ما بعد الحرب هي التي ستُبين النتائج السياسية لهذه المواجهة.
وفي ما يلي نص الحوار كاملا:
1 – ما هي أهم نتائج وآثار الحرب الإيرانية الإسرائيلية الأخيرة؟
منذ بداية العدوان الإسرائيلي على إيران صبيحة يوم 13 يونيو الجاري، كان الهجوم قويا ومثَّل صفعة قوية للنظام الإيراني، ولاشك أنها أربكته في الساعات الأولى من الهجوم، ولكنه سرعان ما استعاد توازنه حيث ظهر هذا الأمر من خلال تعيين قادة جدد خلفا لمن قتلتهم إسرائيل ثم الشروع في الهجوم المضاد.
فإذا كان هدف إسرائيل من تلك الضربات المفاجئة والغادرة هي إرباك النظام بل إسقاطه، فهذا الهدف لم يتحقق لأن النظام الإيراني استطاع أن يستجمع قواه بسرعة خلال أقل من 24 ساعة وانطلق الهجوم والهجوم المضاد.
كما أن المواجهة بين إسرائيل وإيران كانت ثنائية، أي أنه لم يتدخل فيها أي طرف ثالث سواء الأطراف الموالية لإيران من قبيل حزب الله وغيره، ولا من القوى الموالية لإسرائيل أو الحليفة لها أقصد أمريكا والغرب، وبالتالي من الجمعة إلى الجمعة ظلت المواجهة ثنائية وضمن حدود معينة حيث ظلت مواجهة جوية بين طائرات إسرائيل وصواريخ إيران ولم تتحول إلى حرب برية أو بحرية.
وعموما، استطاعت إيران، خلال الأسبوع الأول لهذه المواجهة الثنائية، أن تؤذي إسرائيل في حيفا وتل أبيب وبئر السبع، كما أبانت الصواريخ الإيرانية عن قوة تدميرية إذ استهدفت مطارات وميناء حيفا ومراكز البحث والابتكار التابعة للبرنامج النووي الإسرائيلي.
وبالتالي، استطاعت إيران أن تحقق مع إسرائيل ما يسمى بـ'توازن الألم'، رغم أنها في موقف أضعف من حيث القوة العسكرية والتكنولوجيا العسكرية التي تمتلكها إسرائيل المتفوقة في هذا الجانب، لكنها استطاعت أن تفرض نوعا من التوازن من خلال إيذاء إسرائيل.
وبعد ذلك، ظهر أن هذه المواجهة الثنائية بين البلدين ستدخل طورا ثانيا جراء هذا الإيذاء الذي ألحقته إيران بإسرائيل، وهو ما تجلى في التدخل الأمريكي الذي كان الغرض منه هو ردع إيران وفي نفس الوقت منحها فرصة للخروج من هذه الورطة.
وهذا الذي حصل، إذ كانت الضربة الأمريكية محدودة، كما أن هناك شكوك على قدرتها على تدمير البرنامج النووي الإيراني، فربما تكون نجحت في تدمير المناطق الثلاث التي يوجد فيها البرنامج وهي فوردو ونطنز وأصفهان، لكن إيران لديها 21 موقعا معلنا، وربما مواقع أخرى سرية غير معلنة، حيث إنها حتى بداية يونيو الجاري أعلنت عن 3 مواقع جديدة لم تكن تعلم عنها الوكالة الدولية للطاقة الذرية أي شيء، كما أن الحديث عن تهريب اليورانيوم المخصب، لا تدري الوكالة إلى أين تم ترحيله وعليه يبدو أن هناك مواقع غير معلنة.
وبالتالي فإن الضربة الأمريكية كانت فرصة من أجل إنهاء الحرب، على اعتبار أن الرد الإيراني يبدو أنه كان متفقا عليه، إذ أن إيران كان لابد لها أن ترد حِفظا لكرامتها وماء وجهها كنظام سياسي إزاء شعبه، لكن هذا الرد احتضنته دولة رابعة هي قطر.
ويبدو أن الرد الإيراني كان منسقا ومتفقا عليه لأن إيران كانت سترد في جميع الأحوال لحفظ هيبة نظامها أمام شعبه، وتطوعت قطر لاحتضان الضربة الإيرانية المتفق عليها، وهكذا ساهم التدخل القطري في المعركة أدى إلى اتفاق وقف إطلاق النار الذي يبدو أنه كان غالبا بتأييد قوي من دول الخليج وبموافقة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي التقط الفرصة بدوره من أجل الضغط على إسرائيل لإنهاء الحرب وهذا الذي وقع.
2- بناء على مقولة 'توازن الألم' ألا يمكن تحديد من هو الذي انتصر في هذه المواجهة؟
من أجل الحكم على نتائج الحرب وتحديد المنتصر فيها ينبغي الاستناد إلى معيار أهدافها، فمن حيث القوة التدميرية لاشك أن إيران تلقت ضربات مؤلمة، ولكن في نفس الوقت تعرضت إسرائيل أيضا لضربات مؤلمة، ولذا أُفضل أن أصف الوضع في الأسبوع الأول قبل التدخل الأمريكي بأن المواجهة الثنائية بدأت في التصعيد التدريجي إلى غاية الوصول إلى 'توازن الألم'، إذ في البداية كان الألم أقوى عند الإيرانيين ولكن بعد ذلك وقع 'توازن للألم' الذي أفضى إلى التدخل الأمريكي ليس بغية تعميق الأزمة ولكن من أجل حلها والوصول إلى اتفاق وهو الذي حصل.
لأن البديل عما وقع كان يتجه للأسوأ أي إلى حرب شاملة قد تتحول من حرب جوية إلى حرب برية وبحرية، خاصة أن إيران تتميز بجغرافيتها الكبيرة وكتلتها السكانية الكبيرة أيضا، إضافة إلى أن القوى الشيعية منتشرة في الشرق الأوسط كله، وهذا كان سيؤدي إلى حرب لن تنتهي خلال سنوات، وقد تُحوِل الشرق الأوسط كله إلى ساحة حرب، وعليه فإن الخيار الأفضل هو تحويل الضربة الأمريكية إلى فرصة لوقف الحرب والوصول إلى اتفاق لوقف إطلاق النار فرضه ترامب على إسرائيل وعلى إيران، لكن بتوافق جميع الأطراف التي كان لها رغبة في إيقاف الحرب لأن أمريكا وإسرائيل وإيران ودول المنطقة عموما تدرك أنه إذا أصبحت الحرب شاملة ستكون الأمور سيئة.
فهذه الحرب كانت محسوبة الضربات ومتحكم فيها إلى أن تم الإعلان عن اتفاق وقف إطلاق النار، والآن سيتجهون إلى المفاوضات مرة ثانية، ونتائج هذه المفاوضات هي التي ستعكس النتائج السياسية لهذه الحرب، وفي انتظار ذلك يبقى كل شيء متوقعا أيضا، إذ قد تفشل المفاوضات ونعود إلى الحرب من جديد، خصوصا إذا تبين للأمريكيين والإسرائيليين أن البرنامج النووي الإيراني لم يتضرر .
وبالتالي فإن النتائج السياسية لهذه الحرب ستظهر مع الوقت، كما أن الجميع سيعيد حساباته سواء الإسرائيليين والإيرانيين، حيث إن الإيرانيين أدركوا أن الإستراتيجية العسكرية لا تحميهم بالشكل الكافي، إذن سيضطرون لإعادة النظر في العديد من الوسائل والأهداف، وكذلك الإسرائيليين الذين سيعيدون التفكير في أهدافهم والوسائل اللازمة لتحقيقها خاصة أن لديهم قوة عسكرية كبيرة لكنها لم تستطع حمايتهم من الصواريخ الإيرانية المتطورة، إضافة لدروس أخرى ينبغي لدول منطقة الشرق الأوسط الانتباه إليها، وبالتالي فإن دروس هذه الحرب ستختلف حسب كل دولة وحسب توازن القوى الجديد الذي كشفت عنه الحرب.
3- ما هو توازن القوى الجديد التي كشفت عنه هذه الحرب؟
توازن القوى الجديد هو الذي ستعكسه نتائج المفاوضات، أظن إن إسرائيل لم تنتصر انتصارا حاسما وساحقا على إسرائيل، كما أن إيران ربما لم تنهزم ولكن تلقت ضربات قاصمة ستدفعها لإعادة التفكير في العديد من الأمور في عقيدتها السياسية وإستراتيجيتها العسكرية.
وأظن أن الخلاصة الرئيسية بالنسبة للدول العربية هي كيفية تقوية دورهم كقوة عربية تمنع العودة إلى الحرب في المنطقة مرة أخرى، فهم بحاجة إلى التصرف كتكتل قادر على إحداث التوازن، لأنه في غياب دور عربي فاعل سنعود إلى الحرب بين إسرائيل وإيران مرة أخرى.
وعليه، فإن الدول العربية أمام فرصة لخلق توازن في المنطقة، عبر تكتل قوة عربية سنية فاعلة، مؤثرة وموجهة لا تخضع للنفوذ الإيراني ولا للنفوذ الإسرائيلي، وبالتالي فإن التوازن في المنطقة سيبقى هشا بدون قوة عربية أساسية في المنطقة، لأنه بدون هذه القوة العربية لن يكن هناك سلام في المنطقة بل سنعود إلى الحرب مجددا في أي لحظة وكلما اعتقد طرف ما أنه مهدد من الطرف الثاني.
هل يمكن أن يكون لوقف إطلاق النار آثار إيجابية على حرب الإبادة الإسرائيلية بغزة؟
هناك احتمال كبير أن ينعكس اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وإيران، بشكل إيجابي على الوضع في غزة خاصة أنه تحول إلى حرب عبثية بدون أهداف بالنسبة لإسرائيل التي لم يعد لها ما تحققه من هدف سياسي سوى قتل المدنيين من أطفال ونساء وشيوخ وتجويع شعب كامل، وبالتالي لم يعد لإسرائيل أهداف سياسية في غزة، بل تورطت في إبادة جماعية ولا تزال وهذا قد يدفع ترامب مع بعض الدول العربية خصوصا قطر ومصر إلى الضغط على إسرائيل من أجل إيقاف العدوان على غزة، وهذا مرجح لأن الحرب في غزة لم يعد لها هدف سياسي بل تحولت إلى بؤرة لحرب عبثية تقوم خلالها الآلة الإسرائيلية بارتكاب جرائم حرب غير مسبوقة، ولذا من المرجح أن ينعكس وقف المواجهة بين إيران وإسرائيل على الوضع بغزة.