logo
#

أحدث الأخبار مع #حنايعقوب

بائع البيض وتهافت الرواية التاريخية
بائع البيض وتهافت الرواية التاريخية

الوطن

time٢٩-٠٤-٢٠٢٥

  • ترفيه
  • الوطن

بائع البيض وتهافت الرواية التاريخية

حديثنا اليوم عن بائع البيض، حنا يعقوب، بطل رواية «دروز بلغراد» للروائي اللبناني ربيع جابر، التي ترتكز على وقائع تاريخية حصلت حقيقة عام 1860، أي قبل عشرات السنين من ولادة الكاتب ربيع جابر. وهنا ستتداخل مهنة المؤرخ مع مهنة الروائي، فجابر يكتب عن عصر لم يعشه ولا يعرف ثقافته الاجتماعية وسيعتمد اعتمادا كليا على المصادر والوثائق التاريخية، فلم ينس أن يذكر المصادر التاريخية التي استند عليها في ذكر أحداث الرواية وبطلها المسيحي حنا يعقوب. وخلافا لعادة المؤرخين وتركيزهم على ذكر سير العظماء والقادة العسكريين، فإن جابر فضل أن يكون بطل روايته بائع بيض فقيرًا، كما هي عادة الروائيين في تنصيب الفقراء والمهمشين أبطالا لأعمالهم الأدبية. ولا ننسى أن الرواية حازت جائزة بوكر العربية عام 2012، وتقول لجنة البوكر عن سبب فوز الرواية بالجائزة: «لتصويرها القوي لهشاشة الوضع الإنساني من خلال إعادة خلق فترة تاريخية ماضية في لغة عالية الحساسية». يمكن القول إن ربيع جابر نجح في إعادة خلق الأحداث التاريخية، وهي مهمة ليست بالعسيرة مع وجود المصادر التاريخية، ولكن هل نجح في نقل ثقافة المجتمع وتصوير سلوك أفراده تصويرا أمينا؟ الرواية وإن كانت لغتها جيدة ولكنها تنتقل بين الأحداث والأوصاف الدقيقة بشكل سريع وغير مترابط يعكس عجز الروائي عن الخوض في التفاصيل الإنسانية، رغم أننا تعاطفنا مع حنا يعقوب «بائع البيض» الذي قادته الأقدار التعيسة وأوقعته سجينا، بعد أن أخذته الصدفة المحضة للوجود على رصيف الميناء طلبا للرزق، فاقتيد مع 550 درزيا من ضمن الأشخاص الذين شاركوا في مذبحة جبل لبنان ضد الموارنة. أخذه الجنود العثمانيون سجينا بدلا من سجين درزي دفع أبوه رشوة لإطلاق سراحه. أبطال الرواية «حنا يعقوب وزوجته هيلانة وابنته بربارة» كانوا شخصيات ثانوية أو هامشية مقابل الأحداث التاريخية التي يركز عليها الكاتب، وأضاف لها بهارات شكلية من أدب السجون، وحاول إضفاء نوع من الإثارة على الرواية من خلال نقل معاناة المساجين والظروف غير الإنسانية التي تعرضوا لها في السجون، وخصوصا معاناة السجين المنكوب حنا يعقوب. ورحلة حنا المضنية من مرفأ بيروت إلى أوروبا والسجون العثمانية وعودته إلى دمشق فبيروت، وما يتخللها من استحضار أحداث الصراع الطائفي الدرزي الماروني في القرن التاسع عشر، لا تكفي لبناء عالم روائي متكامل يشد القارئ، فكانت حيلة الكاتب هي توظيف أدب السجون بتفصيل ممل، للخروج من أزمة النقص في الجانب الثقافي للرواية، فالكاتب يجهل ثقافة مجتمعات القرن التاسع عشر، ونحن نقصد الثقافة باعتبارها معبرا أساسيا عن عادات الناس وأنماط سلوكهم والقيم والأفكار التي يحملونها وهذا المطلب لا يمكن اكتسابه من مصادر التاريخ بل من المعايشة الحسية. عمل الروائي يختلف جوهريا عن عمل المؤرخ، فالرواية تتطلب معرفة معمقة بالمجتمع وأنماط السلوك، لبناء عالم روائي متكامل يقنع القارئ، والنقص في معرفة أنماط السلوك التي تكتسب بالمعايشة الحسية لا يعوضها توظيف أدب السجون وتصوير معاناة المساجين لكسب تعاطف القارئ، فقد كان توظيف صور المعاناة والظروف غير الإنسانية التي يمر بها المساجين في رواية «دروز بلغراد» حيلة من الكاتب لتعويض النقص في الرواية التي لا يمكن لها أن تكون تاريخية لأنها ابنة عصرها.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store