
بائع البيض وتهافت الرواية التاريخية
حديثنا اليوم عن بائع البيض، حنا يعقوب، بطل رواية «دروز بلغراد» للروائي اللبناني ربيع جابر، التي ترتكز على وقائع تاريخية حصلت حقيقة عام 1860، أي قبل عشرات السنين من ولادة الكاتب ربيع جابر. وهنا ستتداخل مهنة المؤرخ مع مهنة الروائي، فجابر يكتب عن عصر لم يعشه ولا يعرف ثقافته الاجتماعية وسيعتمد اعتمادا كليا على المصادر والوثائق التاريخية، فلم ينس أن يذكر المصادر التاريخية التي استند عليها في ذكر أحداث الرواية وبطلها المسيحي حنا يعقوب. وخلافا لعادة المؤرخين وتركيزهم على ذكر سير العظماء والقادة العسكريين، فإن جابر فضل أن يكون بطل روايته بائع بيض فقيرًا، كما هي عادة الروائيين في تنصيب الفقراء والمهمشين أبطالا لأعمالهم الأدبية.
ولا ننسى أن الرواية حازت جائزة بوكر العربية عام 2012، وتقول لجنة البوكر عن سبب فوز الرواية بالجائزة: «لتصويرها القوي لهشاشة الوضع الإنساني من خلال إعادة خلق فترة تاريخية ماضية في لغة عالية الحساسية». يمكن القول إن ربيع جابر نجح في إعادة خلق الأحداث التاريخية، وهي مهمة ليست بالعسيرة مع وجود المصادر التاريخية، ولكن هل نجح في نقل ثقافة المجتمع وتصوير سلوك أفراده تصويرا أمينا؟ الرواية وإن كانت لغتها جيدة ولكنها تنتقل بين الأحداث والأوصاف الدقيقة بشكل سريع وغير مترابط يعكس عجز الروائي عن الخوض في التفاصيل الإنسانية، رغم أننا تعاطفنا مع حنا يعقوب «بائع البيض» الذي قادته الأقدار التعيسة وأوقعته سجينا، بعد أن أخذته الصدفة المحضة للوجود على رصيف الميناء طلبا للرزق، فاقتيد مع 550 درزيا من ضمن الأشخاص الذين شاركوا في مذبحة جبل لبنان ضد الموارنة. أخذه الجنود العثمانيون سجينا بدلا من سجين درزي دفع أبوه رشوة لإطلاق سراحه.
أبطال الرواية «حنا يعقوب وزوجته هيلانة وابنته بربارة» كانوا شخصيات ثانوية أو هامشية مقابل الأحداث التاريخية التي يركز عليها الكاتب، وأضاف لها بهارات شكلية من أدب السجون، وحاول إضفاء نوع من الإثارة على الرواية من خلال نقل معاناة المساجين والظروف غير الإنسانية التي تعرضوا لها في السجون، وخصوصا معاناة السجين المنكوب حنا يعقوب.
ورحلة حنا المضنية من مرفأ بيروت إلى أوروبا والسجون العثمانية وعودته إلى دمشق فبيروت، وما يتخللها من استحضار أحداث الصراع الطائفي الدرزي الماروني في القرن التاسع عشر، لا تكفي لبناء عالم روائي متكامل يشد القارئ، فكانت حيلة الكاتب هي توظيف أدب السجون بتفصيل ممل، للخروج من أزمة النقص في الجانب الثقافي للرواية، فالكاتب يجهل ثقافة مجتمعات القرن التاسع عشر، ونحن نقصد الثقافة باعتبارها معبرا أساسيا عن عادات الناس وأنماط سلوكهم والقيم والأفكار التي يحملونها وهذا المطلب لا يمكن اكتسابه من مصادر التاريخ بل من المعايشة الحسية.
عمل الروائي يختلف جوهريا عن عمل المؤرخ، فالرواية تتطلب معرفة معمقة بالمجتمع وأنماط السلوك، لبناء عالم روائي متكامل يقنع القارئ، والنقص في معرفة أنماط السلوك التي تكتسب بالمعايشة الحسية لا يعوضها توظيف أدب السجون وتصوير معاناة المساجين لكسب تعاطف القارئ، فقد كان توظيف صور المعاناة والظروف غير الإنسانية التي يمر بها المساجين في رواية «دروز بلغراد» حيلة من الكاتب لتعويض النقص في الرواية التي لا يمكن لها أن تكون تاريخية لأنها ابنة عصرها.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


مجلة سيدتي
٠٤-٠٥-٢٠٢٥
- مجلة سيدتي
روايات عربية ترجمت إلى لغات أجنبية ونالت شهرة عالمية
استطاعت الرواية العربية أن تحقق مكانة مرموقة في الأدب العالمي، مما جعلها أكثر جذبًا للترجمة والانتشار، حيث تساهم في تعزيز التفاهم الثقافي وتوثيق التراث الأدبي العربي على الساحة الدولية، وهناك الكثير من الروايات العربية الرائدة تمت ترجمتها إلى أكثر من لغة على مدار أكثر من عقد، حيث اهتم بعض الناشرين الغربيين بنشرالأدب العربي المعاصر، ما يجعله يسهم في إثراء الأدب العالمي، و"سيدتي" تقدم لك بعضاً من هذه الروايات. رواية ساق البامبو .. سعود السنعوسي في عمله السردي الرائع "ساق البامبو"، يتحدث سعود السنعوسي عن الهوية وهو يفعل ذلك من خلال رصد حياة شاب وُلد لأب كويتي، ينتمي لعائلة عريقة، ومن أم فلبينية، فتوزعت الرواية بين هاتين الهويتين في علاقة ملتبسة يغلب فيها الشعور بالانتماء إلى ثقافتين مختلفتين، وعدم القدرة على التماهي مع إحداها وترك الأخرى، ولعل خير ما يتمظهر به هذا الالتباس هو الرغبة لدى بطل الرواية في التصالح مع الذات و الهوية الأصلية، للوطن القديم، الكويت، الأرض "الحلم" أو "الجنة" كما صورتها له والدته منذ كان طفلاً، وفي الرواية، تأتي جوزافين للعمل في الكويت كخادمة تاركة دراستها وعائلتها، وهم يعقدون آمالهم على جوزافين، لتضمن لهم حياة كريمة، بعد أن ضاقت بهم السبل وهناك في منزل العائلة تتعرف جوزافين إلى "راشد" الابن الوحيد المدلل لدى الأم "غنيمة" والأب "عيسى"، فيقرر الابن الزواج بجوزافين بعد قصة حب قصيرة، وتحمل جوزافين بوليدها "Jose" والذي أصبح اسمه "هوزيه ميندورا" فيما بعد، عندئذٍ يتخلى الأب عن الابن الذي لم يبلغ شهره الثاني من عمره، ويرسله إلى بلاد أمه، وفي الفلبين، يكابد الطفل الفقر وصعوبة الحياة، ويمني نفسه بالعودة إلى بلاد أبيه، حين يبلغ الثامنة عشرة، ومن هنا تبدأ الرواية> رواية ثلاثية غرناطة.. رضوى عاشور تعدُّ "ثلاثية غرناطة" الرواية العربية الأشهر حول الأندلس، حيث تناولت فيها الكاتبة الراحلة رضوى عاشور سيرة الأندلسيين بحسّ ملحميّ وزعته في ثلاثة أجزاء، غرناطة ومريمة وخاتمتها الرحيل، يأتي هذا التسلسل في الفترة الزمنية منذ عام 1491 وحتى عام 1609، أي منذ لحظة تسليم آخر ممالكهم غرناطة وحتى قرار الملك فيليب الثالث والقاضي بطرد الأندلسيين المنصرين أو المورسكيين باعتبارهم جسما غريبا طارئا على تلك البلاد، ومن خلال سرد قصة عائلة غرناطية يتكون أفرادها من الجد إلى الحفيد، استطاعت رضوى عاشور توصيف حال دقيق للظروف الاجتماعية والسياسية والدينية التي عاشها الأندلسيون عقب سقوط أوطانهم، كما أبدعت في صياغة الحالة النفسية للأندلسيين المرابطين في بلادهم إثر ما عانوه من ظلم وقهر وطمس للهوية وحرمان من ممارسة أبسط حقوقهم الإنسانية. قد ترغبين كذلك في التعرف إلى: روايات خيالية رومانسية رواية يوم غائم في البر الغربي.. محمد المنسي قنديل تقدم الرواية نظرة على جانب مهم من تاريخ مصر والنضال الوطني، كما تمتاز بسردها المشوق وتصويرها المميز للشخصيات التاريخية والخيالية، والرواية كان لها تأثير كبير ودخلت المراكز الأولى في جائزة بوكر العربية 2010، والقصة تمزج بين الواقع والخيال بطريقة فريدة، تعرض أحداث و شخصيات رائعة من تلك الفترة بشكل جديد، وتدور أحداث هذه الرواية الشيقة والممتعة في مصر في مطلع القرن العشرين، حيث يحكي لنا عن عائشة، الفتاة الجميلة التي عاشت الحب وعانت من النبذ والخديعة، ورحلتها الطويلة، من أعماق الصعيد، إلى عوالم القاهرة الخفية، إلى مقابر وادي الملوك في طيبة، وعلى خلفية هذه الفترة الخصبة وشبه المجهولة من تاريخ مصر والتي امتلأت فيها البلاد بمحاولات إحياء الروح المصرية نرى تشكل حياة عائشة ومخاوفها وتجربتها لاكتشاف ذاتها. رواية موسم الهجرة إلى الشمال.. الطيب صالح من الروايات التي انتشرت واشتهرت كثيرا على المستوى العربي والدولي، وترجمت إلى كثير من اللغات الأجنبية، واختيرت كواحدة من أفضل مئة رواية في القرن العشرين، وترجمت إلى عشرين لغة، والطيب صالح أديب سوداني هو أحد أشهر الأدباء العرب، حيث نقل صوراً عميقة وعبر عنها في لغة أدبية سامية ومعالجة روائية بديعة أعجب بها جميع القراء سواء في الوطن العربي أو الغرب، والطيب صالح كان نافذة من النوافذ الواسعة والمضيئة والتي أطل بها أدبنا فيما بيننا وبين بعضنا وفيما بيننا وبين الغرب، وتدور أحداث الرواية حول شخص سوداني يدعى (مصطفي سعيد)، إبان الإحتلال الإنجليزي للسودان، أظهر ذكاءً حادا خلال مراحله التعليمية، وفي إجادته لتعلم اللغة الإنجليزية، فتمكن بمساعدة الإنجليزية السيدة روبنسون، التي سبق وتعرف عليها، أن ترسله إلى مصر لمواصلة تعليمه الثانوي، ثم أرسلته الى إنجلترا لمواصلة تعليمه العالي، وحصوله على إجازة الدكتوراه في الاقتصاد، وخلال دراسته هذه، استوعب حضارة انجلترا والغرب بصفة عامة، فعاش في تلك الحضارة، وبعد تخرجه عمل على تدريس مادة علم الاقتصاد في جامعات بريطانيا، وتعرف على نساء الغرب وتزوج العديد منهن، وانتحل الأسماء الكاذبة، ليوقع الأوروبيات في شباكه، وصار ينتقل من واحدة إلى أخرى، وفي النهاية عاد إلى السودان في قرية نائية من شمال السودان. رواية نارنجة.. جوخة الحارثية صدرت رواية نارنجة للروائية العمانية جوخة الحارثي ضمن روايات عربية متميزة تضم أعمال الروائية الحاصلة على جائزة البوكر العالمية للكتاب، ورواية نارنجة حصلت على جائزة السلطان قابوس للثقافة والفنون والآداب في عام ٢٠١٦، وذلك بعد صدورها بعدد من اللغات كالإنجليزية والميلبارية، وينتظر صدور الترجمات الفرنسية والتركية والإيطالية والكرواتية واليونانية والبرازيلية تباعًا هذا العام، وقد تم ترشيح النسخة الإنجليزية من نارنجة التي صدرت بترجمة مارلين بوث لجائزة دبلن الأدبية، تقدم الرواية شخصية الطالبة العُمانيّة المبتعثة للدراسة في بريطانيا، وهي تسترجع وتستحضر ذكريات متقاطعة لظواهر اجتماعية صادفتها في حياتها في بلادها الأم "عُمان". السياق التالي يعرفك:


الوطن
٢٩-٠٤-٢٠٢٥
- الوطن
بائع البيض وتهافت الرواية التاريخية
حديثنا اليوم عن بائع البيض، حنا يعقوب، بطل رواية «دروز بلغراد» للروائي اللبناني ربيع جابر، التي ترتكز على وقائع تاريخية حصلت حقيقة عام 1860، أي قبل عشرات السنين من ولادة الكاتب ربيع جابر. وهنا ستتداخل مهنة المؤرخ مع مهنة الروائي، فجابر يكتب عن عصر لم يعشه ولا يعرف ثقافته الاجتماعية وسيعتمد اعتمادا كليا على المصادر والوثائق التاريخية، فلم ينس أن يذكر المصادر التاريخية التي استند عليها في ذكر أحداث الرواية وبطلها المسيحي حنا يعقوب. وخلافا لعادة المؤرخين وتركيزهم على ذكر سير العظماء والقادة العسكريين، فإن جابر فضل أن يكون بطل روايته بائع بيض فقيرًا، كما هي عادة الروائيين في تنصيب الفقراء والمهمشين أبطالا لأعمالهم الأدبية. ولا ننسى أن الرواية حازت جائزة بوكر العربية عام 2012، وتقول لجنة البوكر عن سبب فوز الرواية بالجائزة: «لتصويرها القوي لهشاشة الوضع الإنساني من خلال إعادة خلق فترة تاريخية ماضية في لغة عالية الحساسية». يمكن القول إن ربيع جابر نجح في إعادة خلق الأحداث التاريخية، وهي مهمة ليست بالعسيرة مع وجود المصادر التاريخية، ولكن هل نجح في نقل ثقافة المجتمع وتصوير سلوك أفراده تصويرا أمينا؟ الرواية وإن كانت لغتها جيدة ولكنها تنتقل بين الأحداث والأوصاف الدقيقة بشكل سريع وغير مترابط يعكس عجز الروائي عن الخوض في التفاصيل الإنسانية، رغم أننا تعاطفنا مع حنا يعقوب «بائع البيض» الذي قادته الأقدار التعيسة وأوقعته سجينا، بعد أن أخذته الصدفة المحضة للوجود على رصيف الميناء طلبا للرزق، فاقتيد مع 550 درزيا من ضمن الأشخاص الذين شاركوا في مذبحة جبل لبنان ضد الموارنة. أخذه الجنود العثمانيون سجينا بدلا من سجين درزي دفع أبوه رشوة لإطلاق سراحه. أبطال الرواية «حنا يعقوب وزوجته هيلانة وابنته بربارة» كانوا شخصيات ثانوية أو هامشية مقابل الأحداث التاريخية التي يركز عليها الكاتب، وأضاف لها بهارات شكلية من أدب السجون، وحاول إضفاء نوع من الإثارة على الرواية من خلال نقل معاناة المساجين والظروف غير الإنسانية التي تعرضوا لها في السجون، وخصوصا معاناة السجين المنكوب حنا يعقوب. ورحلة حنا المضنية من مرفأ بيروت إلى أوروبا والسجون العثمانية وعودته إلى دمشق فبيروت، وما يتخللها من استحضار أحداث الصراع الطائفي الدرزي الماروني في القرن التاسع عشر، لا تكفي لبناء عالم روائي متكامل يشد القارئ، فكانت حيلة الكاتب هي توظيف أدب السجون بتفصيل ممل، للخروج من أزمة النقص في الجانب الثقافي للرواية، فالكاتب يجهل ثقافة مجتمعات القرن التاسع عشر، ونحن نقصد الثقافة باعتبارها معبرا أساسيا عن عادات الناس وأنماط سلوكهم والقيم والأفكار التي يحملونها وهذا المطلب لا يمكن اكتسابه من مصادر التاريخ بل من المعايشة الحسية. عمل الروائي يختلف جوهريا عن عمل المؤرخ، فالرواية تتطلب معرفة معمقة بالمجتمع وأنماط السلوك، لبناء عالم روائي متكامل يقنع القارئ، والنقص في معرفة أنماط السلوك التي تكتسب بالمعايشة الحسية لا يعوضها توظيف أدب السجون وتصوير معاناة المساجين لكسب تعاطف القارئ، فقد كان توظيف صور المعاناة والظروف غير الإنسانية التي يمر بها المساجين في رواية «دروز بلغراد» حيلة من الكاتب لتعويض النقص في الرواية التي لا يمكن لها أن تكون تاريخية لأنها ابنة عصرها.

سعورس
٢٥-٠٤-٢٠٢٥
- سعورس
شارع الأعشى والمسكوت عنه!
لهذا كانت قضايا المرأة من أكثر الموضوعات المسكوت عنها في تلك الحقبة، إذ ظلت المرأة محصورة في أدوار محددة داخل الأسرة والمجتمع، مع غيابها شبه التام عن المجالات العامة، حتى جاءت الرواية السعودية التي حققت نجاحاً كبيراً خلال العقدين الماضيين لتقول الكثير من المسكوت عنه في تلك الحقبة لاسيما شؤون المرأة وشجونها، ومن هنا تحديداً جاء هذا النجاح الباهر لمسلسل «شارع الأعشى» الذي جسّد رواية «غراميات شارع الأعشى» للمبدعة د. بدرية البشر، ومع الإشادة بكامل طاقم العمل الذي استطاع أن يقدم لنا سيرة مثيرة لأهل ذلك المكان والزمان، إلا أن المسكوت عنه قديمًا ذاك الذي قالته الرواية وجسّدته الصورة اليوم هو ما منح مسلسل شارع الأعشى هذا الوهج وهذه الإثارة التي جعلتها واحداً من أهم الأعمال الدرامية الرمضانية هذا العام، والحقيقة أننا بانتظار انفتاح أكبر على أعمالنا الروائية التي قالت كثيراً مما سكتنا عنه في ظل النفوذ المتزايد للتيارات الدينية خلال تلك العقود، حيث تعرضت الفنون والثقافة لرقابة مشددة، وتم تقييد الإنتاج الفني ليقتصر على محتوى يتماشى مع الخطاب الديني السائد حينها وكان هناك محاولات لإبعاد أي أفكار تُعتبر "غربية" أو "تغريبية"، ما أدى إلى تراجع الحراك الثقافي والفني مقارنة بدول أخرى في المنطقة. ومع ذلك، ظل هناك اهتمام خفي بالثقافة والفن لدى بعض فئات المجتمع، ولكن في إطار خاص وغير مُعلن ظهر جلياً في الأعمال الروائية التي ازدهرت مع بداية الألفية وبالتالي قاومت التيار الديني كقوة مؤثرة في تلك الفترة، تلعب دورًا في تشكيل القوانين والعادات الاجتماعية. لاسيما والخطاب الديني يُهيمن على العديد من مناحي الحياة، ابتداءً من التعليم وحتى القوانين التي تنظم الحياة العامة، ولم يكن من السهل مساءلة هذا النفوذ أو مناقشة بعض الممارسات الدينية بشكل علني، إذ كان هناك نوع من الرقابة الذاتية التي فرضها المجتمع على نفسه، ما جعل بعض القضايا الدينية والاجتماعية مسكوتًا عنها رغم تأثيرها الكبير على حياة الناس، فضلاً عن حالة الالتباس بين الدين والعادات والتقاليد والهوية الخاصة، لكن الرواية السعودية استطاعت اختراق كل ذلك وقدمت لنا أعمالاً نوعية تقدمت من خلاله رواياتنا وروائيونا إلى موقع الصدارة بالنسبة للإنتاج الروائي العربي .. إذ فاز ثلاثة من روائيينا خلال العقدين الماضيين بجائزة البوكر وهي الجائزة الأقدر على مستوى الرواية العربية. نعود ونقول: إن مسلسل شارع الأعشى الذي حقق كل هذا النجاح ليس إلا إطلالة أولى على أعمالنا الروائية التي تجرّأت في قراءتها لهوامش حياتنا الاجتماعية المسكوت عنها، وبالتالي فإن تقديمها درامياً اليوم تكريماً لها وإمتاعاً لنا...