
روايات عربية ترجمت إلى لغات أجنبية ونالت شهرة عالمية
استطاعت الرواية العربية أن تحقق مكانة مرموقة في الأدب العالمي، مما جعلها أكثر جذبًا للترجمة والانتشار، حيث تساهم في تعزيز التفاهم الثقافي وتوثيق التراث الأدبي العربي على الساحة الدولية، وهناك الكثير من الروايات العربية الرائدة تمت ترجمتها إلى أكثر من لغة على مدار أكثر من عقد، حيث اهتم بعض الناشرين الغربيين بنشرالأدب العربي المعاصر، ما يجعله يسهم في إثراء الأدب العالمي، و"سيدتي" تقدم لك بعضاً من هذه الروايات.
رواية ساق البامبو .. سعود السنعوسي
في عمله السردي الرائع "ساق البامبو"، يتحدث سعود السنعوسي عن الهوية وهو يفعل ذلك من خلال رصد حياة شاب وُلد لأب كويتي، ينتمي لعائلة عريقة، ومن أم فلبينية، فتوزعت الرواية بين هاتين الهويتين في علاقة ملتبسة يغلب فيها الشعور بالانتماء إلى ثقافتين مختلفتين، وعدم القدرة على التماهي مع إحداها وترك الأخرى، ولعل خير ما يتمظهر به هذا الالتباس هو الرغبة لدى بطل الرواية في التصالح مع الذات و الهوية الأصلية، للوطن القديم، الكويت، الأرض "الحلم" أو "الجنة" كما صورتها له والدته منذ كان طفلاً، وفي الرواية، تأتي جوزافين للعمل في الكويت كخادمة تاركة دراستها وعائلتها، وهم يعقدون آمالهم على جوزافين، لتضمن لهم حياة كريمة، بعد أن ضاقت بهم السبل وهناك في منزل العائلة تتعرف جوزافين إلى "راشد" الابن الوحيد المدلل لدى الأم "غنيمة" والأب "عيسى"، فيقرر الابن الزواج بجوزافين بعد قصة حب قصيرة، وتحمل جوزافين بوليدها "Jose" والذي أصبح اسمه "هوزيه ميندورا" فيما بعد، عندئذٍ يتخلى الأب عن الابن الذي لم يبلغ شهره الثاني من عمره، ويرسله إلى بلاد أمه، وفي الفلبين، يكابد الطفل الفقر وصعوبة الحياة، ويمني نفسه بالعودة إلى بلاد أبيه، حين يبلغ الثامنة عشرة، ومن هنا تبدأ الرواية>
رواية ثلاثية غرناطة.. رضوى عاشور
تعدُّ "ثلاثية غرناطة" الرواية العربية الأشهر حول الأندلس، حيث تناولت فيها الكاتبة الراحلة رضوى عاشور سيرة الأندلسيين بحسّ ملحميّ وزعته في ثلاثة أجزاء، غرناطة ومريمة وخاتمتها الرحيل، يأتي هذا التسلسل في الفترة الزمنية منذ عام 1491 وحتى عام 1609، أي منذ لحظة تسليم آخر ممالكهم غرناطة وحتى قرار الملك فيليب الثالث والقاضي بطرد الأندلسيين المنصرين أو المورسكيين باعتبارهم جسما غريبا طارئا على تلك البلاد، ومن خلال سرد قصة عائلة غرناطية يتكون أفرادها من الجد إلى الحفيد، استطاعت رضوى عاشور توصيف حال دقيق للظروف الاجتماعية والسياسية والدينية التي عاشها الأندلسيون عقب سقوط أوطانهم، كما أبدعت في صياغة الحالة النفسية للأندلسيين المرابطين في بلادهم إثر ما عانوه من ظلم وقهر وطمس للهوية وحرمان من ممارسة أبسط حقوقهم الإنسانية.
قد ترغبين كذلك في التعرف إلى: روايات خيالية رومانسية
رواية يوم غائم في البر الغربي.. محمد المنسي قنديل
تقدم الرواية نظرة على جانب مهم من تاريخ مصر والنضال الوطني، كما تمتاز بسردها المشوق وتصويرها المميز للشخصيات التاريخية والخيالية، والرواية كان لها تأثير كبير ودخلت المراكز الأولى في جائزة بوكر العربية 2010، والقصة تمزج بين الواقع والخيال بطريقة فريدة، تعرض أحداث و شخصيات رائعة من تلك الفترة بشكل جديد، وتدور أحداث هذه الرواية الشيقة والممتعة في مصر في مطلع القرن العشرين، حيث يحكي لنا عن عائشة، الفتاة الجميلة التي عاشت الحب وعانت من النبذ والخديعة، ورحلتها الطويلة، من أعماق الصعيد، إلى عوالم القاهرة الخفية، إلى مقابر وادي الملوك في طيبة، وعلى خلفية هذه الفترة الخصبة وشبه المجهولة من تاريخ مصر والتي امتلأت فيها البلاد بمحاولات إحياء الروح المصرية نرى تشكل حياة عائشة ومخاوفها وتجربتها لاكتشاف ذاتها.
رواية موسم الهجرة إلى الشمال.. الطيب صالح
من الروايات التي انتشرت واشتهرت كثيرا على المستوى العربي والدولي، وترجمت إلى كثير من اللغات الأجنبية، واختيرت كواحدة من أفضل مئة رواية في القرن العشرين، وترجمت إلى عشرين لغة، والطيب صالح أديب سوداني هو أحد أشهر الأدباء العرب، حيث نقل صوراً عميقة وعبر عنها في لغة أدبية سامية ومعالجة روائية بديعة أعجب بها جميع القراء سواء في الوطن العربي أو الغرب، والطيب صالح كان نافذة من النوافذ الواسعة والمضيئة والتي أطل بها أدبنا فيما بيننا وبين بعضنا وفيما بيننا وبين الغرب، وتدور أحداث الرواية حول شخص سوداني يدعى (مصطفي سعيد)، إبان الإحتلال الإنجليزي للسودان، أظهر ذكاءً حادا خلال مراحله التعليمية، وفي إجادته لتعلم اللغة الإنجليزية، فتمكن بمساعدة الإنجليزية السيدة روبنسون، التي سبق وتعرف عليها، أن ترسله إلى مصر لمواصلة تعليمه الثانوي، ثم أرسلته الى إنجلترا لمواصلة تعليمه العالي، وحصوله على إجازة الدكتوراه في الاقتصاد، وخلال دراسته هذه، استوعب حضارة انجلترا والغرب بصفة عامة، فعاش في تلك الحضارة، وبعد تخرجه عمل على تدريس مادة علم الاقتصاد في جامعات بريطانيا، وتعرف على نساء الغرب وتزوج العديد منهن، وانتحل الأسماء الكاذبة، ليوقع الأوروبيات في شباكه، وصار ينتقل من واحدة إلى أخرى، وفي النهاية عاد إلى السودان في قرية نائية من شمال السودان.
رواية نارنجة.. جوخة الحارثية
صدرت رواية نارنجة للروائية العمانية جوخة الحارثي ضمن روايات عربية متميزة تضم أعمال الروائية الحاصلة على جائزة البوكر العالمية للكتاب، ورواية نارنجة حصلت على جائزة السلطان قابوس للثقافة والفنون والآداب في عام ٢٠١٦، وذلك بعد صدورها بعدد من اللغات كالإنجليزية والميلبارية، وينتظر صدور الترجمات الفرنسية والتركية والإيطالية والكرواتية واليونانية والبرازيلية تباعًا هذا العام، وقد تم ترشيح النسخة الإنجليزية من نارنجة التي صدرت بترجمة مارلين بوث لجائزة دبلن الأدبية، تقدم الرواية شخصية الطالبة العُمانيّة المبتعثة للدراسة في بريطانيا، وهي تسترجع وتستحضر ذكريات متقاطعة لظواهر اجتماعية صادفتها في حياتها في بلادها الأم "عُمان".
السياق التالي يعرفك:

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


مجلة سيدتي
٠٤-٠٥-٢٠٢٥
- مجلة سيدتي
روايات عربية ترجمت إلى لغات أجنبية ونالت شهرة عالمية
استطاعت الرواية العربية أن تحقق مكانة مرموقة في الأدب العالمي، مما جعلها أكثر جذبًا للترجمة والانتشار، حيث تساهم في تعزيز التفاهم الثقافي وتوثيق التراث الأدبي العربي على الساحة الدولية، وهناك الكثير من الروايات العربية الرائدة تمت ترجمتها إلى أكثر من لغة على مدار أكثر من عقد، حيث اهتم بعض الناشرين الغربيين بنشرالأدب العربي المعاصر، ما يجعله يسهم في إثراء الأدب العالمي، و"سيدتي" تقدم لك بعضاً من هذه الروايات. رواية ساق البامبو .. سعود السنعوسي في عمله السردي الرائع "ساق البامبو"، يتحدث سعود السنعوسي عن الهوية وهو يفعل ذلك من خلال رصد حياة شاب وُلد لأب كويتي، ينتمي لعائلة عريقة، ومن أم فلبينية، فتوزعت الرواية بين هاتين الهويتين في علاقة ملتبسة يغلب فيها الشعور بالانتماء إلى ثقافتين مختلفتين، وعدم القدرة على التماهي مع إحداها وترك الأخرى، ولعل خير ما يتمظهر به هذا الالتباس هو الرغبة لدى بطل الرواية في التصالح مع الذات و الهوية الأصلية، للوطن القديم، الكويت، الأرض "الحلم" أو "الجنة" كما صورتها له والدته منذ كان طفلاً، وفي الرواية، تأتي جوزافين للعمل في الكويت كخادمة تاركة دراستها وعائلتها، وهم يعقدون آمالهم على جوزافين، لتضمن لهم حياة كريمة، بعد أن ضاقت بهم السبل وهناك في منزل العائلة تتعرف جوزافين إلى "راشد" الابن الوحيد المدلل لدى الأم "غنيمة" والأب "عيسى"، فيقرر الابن الزواج بجوزافين بعد قصة حب قصيرة، وتحمل جوزافين بوليدها "Jose" والذي أصبح اسمه "هوزيه ميندورا" فيما بعد، عندئذٍ يتخلى الأب عن الابن الذي لم يبلغ شهره الثاني من عمره، ويرسله إلى بلاد أمه، وفي الفلبين، يكابد الطفل الفقر وصعوبة الحياة، ويمني نفسه بالعودة إلى بلاد أبيه، حين يبلغ الثامنة عشرة، ومن هنا تبدأ الرواية> رواية ثلاثية غرناطة.. رضوى عاشور تعدُّ "ثلاثية غرناطة" الرواية العربية الأشهر حول الأندلس، حيث تناولت فيها الكاتبة الراحلة رضوى عاشور سيرة الأندلسيين بحسّ ملحميّ وزعته في ثلاثة أجزاء، غرناطة ومريمة وخاتمتها الرحيل، يأتي هذا التسلسل في الفترة الزمنية منذ عام 1491 وحتى عام 1609، أي منذ لحظة تسليم آخر ممالكهم غرناطة وحتى قرار الملك فيليب الثالث والقاضي بطرد الأندلسيين المنصرين أو المورسكيين باعتبارهم جسما غريبا طارئا على تلك البلاد، ومن خلال سرد قصة عائلة غرناطية يتكون أفرادها من الجد إلى الحفيد، استطاعت رضوى عاشور توصيف حال دقيق للظروف الاجتماعية والسياسية والدينية التي عاشها الأندلسيون عقب سقوط أوطانهم، كما أبدعت في صياغة الحالة النفسية للأندلسيين المرابطين في بلادهم إثر ما عانوه من ظلم وقهر وطمس للهوية وحرمان من ممارسة أبسط حقوقهم الإنسانية. قد ترغبين كذلك في التعرف إلى: روايات خيالية رومانسية رواية يوم غائم في البر الغربي.. محمد المنسي قنديل تقدم الرواية نظرة على جانب مهم من تاريخ مصر والنضال الوطني، كما تمتاز بسردها المشوق وتصويرها المميز للشخصيات التاريخية والخيالية، والرواية كان لها تأثير كبير ودخلت المراكز الأولى في جائزة بوكر العربية 2010، والقصة تمزج بين الواقع والخيال بطريقة فريدة، تعرض أحداث و شخصيات رائعة من تلك الفترة بشكل جديد، وتدور أحداث هذه الرواية الشيقة والممتعة في مصر في مطلع القرن العشرين، حيث يحكي لنا عن عائشة، الفتاة الجميلة التي عاشت الحب وعانت من النبذ والخديعة، ورحلتها الطويلة، من أعماق الصعيد، إلى عوالم القاهرة الخفية، إلى مقابر وادي الملوك في طيبة، وعلى خلفية هذه الفترة الخصبة وشبه المجهولة من تاريخ مصر والتي امتلأت فيها البلاد بمحاولات إحياء الروح المصرية نرى تشكل حياة عائشة ومخاوفها وتجربتها لاكتشاف ذاتها. رواية موسم الهجرة إلى الشمال.. الطيب صالح من الروايات التي انتشرت واشتهرت كثيرا على المستوى العربي والدولي، وترجمت إلى كثير من اللغات الأجنبية، واختيرت كواحدة من أفضل مئة رواية في القرن العشرين، وترجمت إلى عشرين لغة، والطيب صالح أديب سوداني هو أحد أشهر الأدباء العرب، حيث نقل صوراً عميقة وعبر عنها في لغة أدبية سامية ومعالجة روائية بديعة أعجب بها جميع القراء سواء في الوطن العربي أو الغرب، والطيب صالح كان نافذة من النوافذ الواسعة والمضيئة والتي أطل بها أدبنا فيما بيننا وبين بعضنا وفيما بيننا وبين الغرب، وتدور أحداث الرواية حول شخص سوداني يدعى (مصطفي سعيد)، إبان الإحتلال الإنجليزي للسودان، أظهر ذكاءً حادا خلال مراحله التعليمية، وفي إجادته لتعلم اللغة الإنجليزية، فتمكن بمساعدة الإنجليزية السيدة روبنسون، التي سبق وتعرف عليها، أن ترسله إلى مصر لمواصلة تعليمه الثانوي، ثم أرسلته الى إنجلترا لمواصلة تعليمه العالي، وحصوله على إجازة الدكتوراه في الاقتصاد، وخلال دراسته هذه، استوعب حضارة انجلترا والغرب بصفة عامة، فعاش في تلك الحضارة، وبعد تخرجه عمل على تدريس مادة علم الاقتصاد في جامعات بريطانيا، وتعرف على نساء الغرب وتزوج العديد منهن، وانتحل الأسماء الكاذبة، ليوقع الأوروبيات في شباكه، وصار ينتقل من واحدة إلى أخرى، وفي النهاية عاد إلى السودان في قرية نائية من شمال السودان. رواية نارنجة.. جوخة الحارثية صدرت رواية نارنجة للروائية العمانية جوخة الحارثي ضمن روايات عربية متميزة تضم أعمال الروائية الحاصلة على جائزة البوكر العالمية للكتاب، ورواية نارنجة حصلت على جائزة السلطان قابوس للثقافة والفنون والآداب في عام ٢٠١٦، وذلك بعد صدورها بعدد من اللغات كالإنجليزية والميلبارية، وينتظر صدور الترجمات الفرنسية والتركية والإيطالية والكرواتية واليونانية والبرازيلية تباعًا هذا العام، وقد تم ترشيح النسخة الإنجليزية من نارنجة التي صدرت بترجمة مارلين بوث لجائزة دبلن الأدبية، تقدم الرواية شخصية الطالبة العُمانيّة المبتعثة للدراسة في بريطانيا، وهي تسترجع وتستحضر ذكريات متقاطعة لظواهر اجتماعية صادفتها في حياتها في بلادها الأم "عُمان". السياق التالي يعرفك:


الوطن
٢٩-٠٤-٢٠٢٥
- الوطن
بائع البيض وتهافت الرواية التاريخية
حديثنا اليوم عن بائع البيض، حنا يعقوب، بطل رواية «دروز بلغراد» للروائي اللبناني ربيع جابر، التي ترتكز على وقائع تاريخية حصلت حقيقة عام 1860، أي قبل عشرات السنين من ولادة الكاتب ربيع جابر. وهنا ستتداخل مهنة المؤرخ مع مهنة الروائي، فجابر يكتب عن عصر لم يعشه ولا يعرف ثقافته الاجتماعية وسيعتمد اعتمادا كليا على المصادر والوثائق التاريخية، فلم ينس أن يذكر المصادر التاريخية التي استند عليها في ذكر أحداث الرواية وبطلها المسيحي حنا يعقوب. وخلافا لعادة المؤرخين وتركيزهم على ذكر سير العظماء والقادة العسكريين، فإن جابر فضل أن يكون بطل روايته بائع بيض فقيرًا، كما هي عادة الروائيين في تنصيب الفقراء والمهمشين أبطالا لأعمالهم الأدبية. ولا ننسى أن الرواية حازت جائزة بوكر العربية عام 2012، وتقول لجنة البوكر عن سبب فوز الرواية بالجائزة: «لتصويرها القوي لهشاشة الوضع الإنساني من خلال إعادة خلق فترة تاريخية ماضية في لغة عالية الحساسية». يمكن القول إن ربيع جابر نجح في إعادة خلق الأحداث التاريخية، وهي مهمة ليست بالعسيرة مع وجود المصادر التاريخية، ولكن هل نجح في نقل ثقافة المجتمع وتصوير سلوك أفراده تصويرا أمينا؟ الرواية وإن كانت لغتها جيدة ولكنها تنتقل بين الأحداث والأوصاف الدقيقة بشكل سريع وغير مترابط يعكس عجز الروائي عن الخوض في التفاصيل الإنسانية، رغم أننا تعاطفنا مع حنا يعقوب «بائع البيض» الذي قادته الأقدار التعيسة وأوقعته سجينا، بعد أن أخذته الصدفة المحضة للوجود على رصيف الميناء طلبا للرزق، فاقتيد مع 550 درزيا من ضمن الأشخاص الذين شاركوا في مذبحة جبل لبنان ضد الموارنة. أخذه الجنود العثمانيون سجينا بدلا من سجين درزي دفع أبوه رشوة لإطلاق سراحه. أبطال الرواية «حنا يعقوب وزوجته هيلانة وابنته بربارة» كانوا شخصيات ثانوية أو هامشية مقابل الأحداث التاريخية التي يركز عليها الكاتب، وأضاف لها بهارات شكلية من أدب السجون، وحاول إضفاء نوع من الإثارة على الرواية من خلال نقل معاناة المساجين والظروف غير الإنسانية التي تعرضوا لها في السجون، وخصوصا معاناة السجين المنكوب حنا يعقوب. ورحلة حنا المضنية من مرفأ بيروت إلى أوروبا والسجون العثمانية وعودته إلى دمشق فبيروت، وما يتخللها من استحضار أحداث الصراع الطائفي الدرزي الماروني في القرن التاسع عشر، لا تكفي لبناء عالم روائي متكامل يشد القارئ، فكانت حيلة الكاتب هي توظيف أدب السجون بتفصيل ممل، للخروج من أزمة النقص في الجانب الثقافي للرواية، فالكاتب يجهل ثقافة مجتمعات القرن التاسع عشر، ونحن نقصد الثقافة باعتبارها معبرا أساسيا عن عادات الناس وأنماط سلوكهم والقيم والأفكار التي يحملونها وهذا المطلب لا يمكن اكتسابه من مصادر التاريخ بل من المعايشة الحسية. عمل الروائي يختلف جوهريا عن عمل المؤرخ، فالرواية تتطلب معرفة معمقة بالمجتمع وأنماط السلوك، لبناء عالم روائي متكامل يقنع القارئ، والنقص في معرفة أنماط السلوك التي تكتسب بالمعايشة الحسية لا يعوضها توظيف أدب السجون وتصوير معاناة المساجين لكسب تعاطف القارئ، فقد كان توظيف صور المعاناة والظروف غير الإنسانية التي يمر بها المساجين في رواية «دروز بلغراد» حيلة من الكاتب لتعويض النقص في الرواية التي لا يمكن لها أن تكون تاريخية لأنها ابنة عصرها.


Independent عربية
٠٤-٠٤-٢٠٢٥
- Independent عربية
سعود السنعوسي: الروائي عين لاقطة تحيل الهامش إلى متن
يواصل الكاتب الكويتي سعود السنعوسي استلهام التاريخ واستنطاقه روائياً في ثلاثيته "أسفار مدينة الطين" بعد حفره السابق في هذا المجال في روايته "ناقة صالحة". وهو لا يهدف إلى قنص موضوع من التاريخ، بل يتخذ التاريخ في مجمله كموضوع ليعيد تشكيله، إذ يرى أن الكويت لم تكتب روائياً بعد. ويؤمن السنعوسي بأن التمرد من صميم الفعل الإبداعي بشرط أن يكون مدروساً. وفي هذا الحوار مع "اندبندنت عربية"، يستعرض تفاصيل مغامرته الروائية الأخيرة، متطرقاً أيضاً إلى عوالم أعماله الأخرى، ومن بينها "سجين المرايا" و"ساق البامبو" و"فئران أمي حصة" و"حمام الدار". في "سِفْر العباءة" و"سِفر التَبَّة" و"سِفر العَنْفُوز" التي تشكل ثلاثيته الروائية الضخمة "أسفار مدينة الطين" (منشورات مولاف ودار كلمات ومكتبة تنمية)، تتمثل الرواية التاريخية، أو ذات المرجعية التاريخية بتعبير أدق، على نحو مغاير يخص سعود السنعوسي، من ناحية لعبة الروائي الافتراضي والمعالجة والـ"تكنيك" والتقنيات السردية، ومن قبل ذلك الموضوع والرؤية والثيمة. وإلى جانب اللعب على ثنائية الماضوي والراهن للإسقاط على اللحظة الحالية، هناك ثنائية الحقيقي والمتخيل التي يحققها أيضاً الارتداد إلى سجلات التاريخ، إذ تختلط الوقائع الفعلية الثابتة والأحداث الروائية المصنوعة والمرويات الشعبية والأساطير والفانتازيا والخرافات في قماشة مركبة بالغة التنوع والثراء. الثلاثية الروئاية الجديدة (مولاف وكلمات) بسؤاله عما إذا كانت جغرافيا تجربته الروائية الناضجة بحاجة إلى ذلك الفضاء التاريخي الرحب الممتد إلى أبعد من 100 عام، ليعيد قراءة الواقع الحالي ومساءلته من خلال الماضي وأحداثه وتشابكاته الاجتماعية والسياسية، وكيف جاءت تفاصيل تلك الانعطافة إلى التاريخ والتراث الشعبي في مسيرته الروائية، يوضح سعود السنعوسي في حواره مع "اندبندنت عربية" أن انطلاقه في هذا المسار لم يكُن انعطافة جديدة، إذ ليست حيلة الرجوع إلى التاريخ هي مرّته الأولى مع "أسفار مدينة الطين"، فسبقتها تجربة صغيرة مع "ناقة صالحة" التي عاد بزمنها للوراء، زمن معركة الصريف عام 1901، كمحاولة أولى لخوض غمار تجربة الكتابة عن الماضي بعد روايات عدة تناولت الحاضر. لكن بالتأكيد، يضيف السنعوسي، الفائز بالجائزة العالمية للرواية العربية "بوكر" عن روايته "ساق البامبو"، أن في "أسفار مدينة الطين" أخذت المواضيع المطروحة امتداداً تاريخياً أكبر وأكثر تشابكاً وتعقيداً. فما كان له أن يناقش كل تلك الثيمات التي طرحتها الرواية إلا بالعودة لجذورها، ثم إسقاطها على الحاضر. ومن هنا كانت فكرة الثلاثية ملحة، ليست مجرد حلم يحاكي أحلام غالبية الروائيين بأن تكون لهم ثلاثية يتوجون بها مسيرتهم الروائية، فالامتداد الزمني في الرواية تطلب كل هذا العدد من الصفحات والنفس الكتابي المتمهل الطويل وفق الأحداث والمتغيرات التي طرأت على الكويت خلال 70 عاماً منذ 1920 حتى 1990. أما في شأن ثنائية الحقيقي والمتخيل، فيضيف السنعوسي أنها "اللعبة أو الحيلة الوحيدة التي تمنحني فرصة مساءلة التاريخ واستنطاقه، بالتالي محاولة فهمه لفهم الحاضر، فما المتخيل في الرواية إلا إجابات محتملة في فراغات الحقيقي التي صمت عنها التاريخ". كتابة الوطن ولربما لم يواكب الروائيون الكويتيون، والخليجيون عموماً، مرحلة ما قبل النفط في حينها، وهي مرحلة بالغة الخصوبة شهدت كثيراً من التحولات والمعارك والاضطرابات، وأثيرت فيها تساؤلات وإشكالات مهمة تمس الجذور والهوية على مستوى البشر والمكان والعلاقة مع الآخر. فهل فراغ تلك المرحلة من روائيين يشرّحونها، له دور في توجه سعود السنعوسي إلى تلك المنطقة، أم أن الدافع الأكبر هو استمرار التشابه بين تلك الفترة وواقعنا الحالي غير المستقر وتشابه مصائر الشخوص، إلى جانب رغبة الكاتب في التخفي النسبي وارتداء قناع يمنحه مزيداً من التحرر في الاصطدام مع الحاضر؟ السنعوسي في أحد لقاءاته (صفحة الكاتب - فيسبوك) يجيب الكاتب الكويتي مؤكداً أنه لم يقصد التخفي وارتداء القناع سعياً إلى مزيد من التحرر في الاصطدام مع الحاضر، إذ إنه كتب الحاضر واشتبك مع قضاياه في أكثر من عمل. ويقول "أؤمن بأن الكويت لم تكتب روائياً بعد. هناك نماذج روائية مهمة وملهمة لأساتذتنا من الأجيال المؤسسة بل حتى من الزملاء المجايلين، لكن في الكويت، وفي الخليج عموماً، هناك مناطق بِكر لم يطأها الروائيون، وهو أمر مغرٍ لأي روائي. لذلك كنت دائماً أقول إننا جيل محظوظ. اغرفْ من المواضيع التاريخية أو المعاصرة، فلم يسبقك إليها أحد! ليس قصوراً فيمن سبقنا، إنما لأن الأدب الروائي بطبيعته جديد عربياً، وأكثر جدّة خليجياً". حتى لو عدنا لما اتفق على أنه العمل الروائي الكويتي الأول "آلام صديق" لفرحان راشد الفرحان، يستطرد السنعوسي، نجد أنها نشرت عام 1948، أي بعد اكتشاف النفط وتصديره، على رغم أن الفرحان عايش مرحلة كبيرة من الفترة التي تسبق النفط، لكن تلك المحاولة المبكرة نسبياً لا تعتبر محاولة ريادية أو تأسيسية لما بعدها. وهناك أعمال رائدة ومؤسسة لا شك جاءت في ما بعد، لكنها بطبيعة الحال قليلة لأسباب عدة "إذا أخذنا تجربة ليلى العثمان على سبيل المثال، فهي من الرائدات في كتابة كويت ما قبل النفط في القصة والرواية، غير أن المواضيع التي كانت تتناولها كانت في مجملها اجتماعية أو مهتمة بقضايا المرأة". وبحسب السنعوسي فإن "إسماعيل فهد إسماعيل هو المؤسس الحقيقي للرواية الكويتية منذ مطلع سبعينيات القرن الماضي، غير أن انتماءه المتشظي بين بلد والده الكويتي وبلد أمه العراقي حيث وُلد ونشأ، إضافة إلى التزامه الحزبي، كل هذا جعله يكبر على ضيق مفهوم الوطن بالنسبة إليه، فراح يكتب عن الإنسان في العراق وفلسطين ومصر ولبنان وسريلانكا. أعمال قليلة، على رغم أهميتها، كتبها عن الكويت، على رأسها العمل الروائي التسجيلي ليوميات الغزو 'إحداثيات زمن العزلة'، إذ يقول إنه لم يشعر بأنه كويتي إلا خلال أشهر الاحتلال. وربما وليد الرجيب هو الأكثر تنوعاً في المواضيع الكويتية ضمن رواياته، ولكن كل تلك التجارب على أهميتها كانت تستل مواضيع معينة من التاريخ، وحتى نقول إن الكويت كتبت روائياً فنحن بحاجة إلى تراكم التجارب الروائية". الرواية التي فازت بجائزة بوكر العربية (الدار العربية) ويستطرد: "حينما أردت أن أكتب "أسفار مدينة الطين"، كان حلمي أن أكتب ما كنت أتمنى قراءته، ألا أستل من التاريخ موضوعاً، بل أن أستل التاريخ في مجمله كموضوع أعيد قراءته وكتابته. وكان عام 1920 مثالياً، إذ يمثل بانوراما للكويت بكل تنوعها. فهو واحد من أبرز محطات التاريخ الكويتي، عام بناء السور الثالث ومعركة الجهراء، في ذروة زمن الغوص على اللؤلؤ والسفر بالسفن الشراعية التجارية إلى بلاد فارس والهند، حتى جنوب القرن الأفريقي، وزمن النشاط التبشيري لمستشفى الإرسالية الأميركية الإنجيلية في الكويت ووجود اليهود وانتشار العبودية، في ظل معاهدة الحماية البريطانية وتهديدات حركة إخوان من طاع الله. هو زمن زاخر بالتفاصيل والأحداث". وهكذا يضيف الروائي الكويتي "أردتُ منذ البدء التفكير في أن أكتب عن الإنسان في الكويت وسط كل تلك الظروف، هو عمل تأسيسي لا أدعي أني نجحت في كتابته، لكنني حاولت. ما أردت أن أكتفي بموضوع واحد كالعبودية مثلاً، أو التبشير، أو الحركات الجهادية، ولا عيب في أن يقدم الروائي على معالجة موضوع واحد، غير أني أردت كتابة كل هذا وأكثر في الكويت كما تمنيت أن أقرأها ويقرأها الآخرون". آفاق التجريب في حفره مساره الخاص كصاحب مشروع، تشير مراوغات سعود السنعوسي الروائية إلى تمرد دائم، يمتد للتمرد على ذاته أيضاً من عمل إلى آخر. وبسؤاله هل لمحطات السياحة الزمانية التي ظهرت بوادرها في "ناقة صالحة" وتجلت على نحو موسع في "أسفار مدينة الطين"، أن تمتد في محطات مقبلة، أم أنه يجد نفسه على أعتاب مراوغات جديدة في مدارات أخرى خارج سياق الارتداد إلى التاريخ؟ يجيب مؤكداً أن التمرد من صميم الكتابة الإبداعية، التمرد على السائد وعلى الذات والآخر، لكن يجب أن يكون تمرداً مدروساً لقول شيء، لا أن يكون تمرداً من أجل التمرد فحسب. أما بالنسبة إلى المقبل، فيقول السنعوسي إن "الأفكار كثيرة، خصوصاً نحو مرحلة الناقة والأسفار، فهي مرحلة مغرية لكنها مضنية في البحث، ولكني بأمانة في الفترة المقبلة أتمنى كتابة عمل بعيد، بسيط في موضوعه وفكرته، استراحة لي وللقارئ. وبدأتُ بالفعل فتح ملفات مشاريع قديمة، ولا يمكنني التنبؤ بالخطوة المقبلة. والذي أعرفه بعد كل تجربة أني أفضل مكاناً آخر جديداً من دون تفكير في ضغط المقارنة، فأنا أكتب ما أشتهي كتابته فحسب، وأكتب ما أريد بالشكل الذي أريد، لا أن أكتب عملاً أفضل مما سبقه لأن مسألة الأفضلية هذه أيضاً نسبية بحسب مزاج القارئ. وهذا السؤال يذكرني بالروائي الصديق محسن الرملي، التقيته قبل أيام في مدريد وسألني عن المفاجآت في جديدي، فقلت له إنه عمل هذه المرة بلا تجريب. ضحك وهو يقول، 'تجريبك هذه المرة في أنك لن تجرب... وهذه مفاجأة'. لا أخفيك أنه شجعني على إتمام فكرتي من دون مقارنة ما سوف أكتب بما كتبت". قنص المهمل وسط شيوع الروايات التاريخية، هناك من اقتحم هذا الفضاء معولاً في المقام الأول على الشخصيات المستدعاة، وماذا سيحدث لها في النهاية، وهل ذلك يطابق الحقيقة أو يخالفها، وكأن الفن وسيلة لخدمة التاريخ أو الجدل معه أو مشاكسته وليس غاية قرائية بحد ذاته. ولكن في أعمال سعود السنعوسي، شأن الروائيين المجيدين، يبدو قنص الهامشي والاستغراق في التقاط التفاصيل الحيوية واللحظات المضيئة واصطحاب المتلقي بتلقائية وبساطة إلى موضع الحدث وزمانه لينغمس فيه، من أسرار الإدهاش والإمتاع التي تدفع القارئ إلى مواصلة قراءة العمل الشهي الممتد على مئات الصفحات. بسؤاله عما إذا كان يرى أن رهانات الفن وتأثيراته تبقى دائماً معقودة على جمالياته المجردة في المقام الأول، وسحرية اللغة والمعالجة وآليات التعبير والتصوير، سواء كانت لهذا الفن أجنحة تاريخية إضافية أو لا، يجيب الروائي الكويتي بقوله "تماماً، ليس بالضرورة أن يخدم الفن المسلم من الموروث أو التاريخ أو إعادة إنتاجه، بل على العكس، ربما من أهم أدواره أن يسائله وأن يستنطقه ولو بالخيال، ولهذا السبب صدَّرت في أولى صفحات 'أسفار مدينة الطين' كلمة بقلم الروائي المفترض صادق بوحدب، كاتب الثلاثية، حين كتب إن 'هذا النص بأسمائه وأحداثه، وبطبيعة حاله، لا يعدو كونه رواية، نتخيل بها التاريخ ولا نكتبه'. وأنا كروائي، مثل أي روائي، لست متحمساً لكتابة التاريخ بقدر حماستي لكتابة ما أهمله التاريخ، وإن بالخيال الذي أؤمن بأنه يقارب الحقيقة لو فعّل الروائي خياله وأساليب بحثه، شرط أن يبتكر العمل أدواته، وأن تحقق تلك الأمور شرط المتعة، وهذا ليس أمراً سهلاً". وبأمانة، يستطرد السنعوسي، "توقفت كثيراً في السؤال عند عبارة "قنص الهامشي"، وهذا تماماً ما أهتم به قراءة وكتابة، أن أحيل الهامش إلى متن، وأن أخرج الشخصيات والأحداث من الظل إلى موضع الضوء. والروائي أو الفنان بصورة عامة هو عبارة عن عين لاقطة، عين حساسة تختلف عن أعين الآخرين، تميز ما يصلح للاقتناص وتستثمره كتابة". قضايا الفرد والمجتمع وتتوازى المغامرة في الـ"تكنيك" والشكل وأبجديات الطرح لدى سعود السنعوسي دائماً مع الجسارة في انتقاء الموضوع. هكذا عهده في "سجين المرايا" التي تقصت كواليس غزو الكويت، وفي "فئران أمي حصة" التي خاضت في إشكالات آفة الطائفية، وفي "ساق البامبو" التي أثارت سؤال الهوية داخل مجتمعات الخليج العربي، وفي "ناقة صالحة" التي عالجت موضوع الهوية بين البادية والحاضرة و"حمام الدار" التي أثارت أسئلة الروائي الوجودية بين الكاتب والمكتوب، وأيهما يكتب الآخر. بسؤاله عما إذا كان يرى أن "أسفار مدينة الطين" تميل إلى التخفف بعض الشيء من حدة القضايا المطروحة، متجهة أكثر إلى نزعة تصويرية بانورامية، أم أن اختلاف اللون الإبداعي وزيادة خبرات المؤلف وراء تذويب القضايا المطروحة في معالجة أكثر تأملية وهدوءاً وغوصاً في الأعماق وبواطن الأمور؟ يرى السنعوسي أنه على العكس تماماً، ففي "أسفار مدينة الطين" لم يتخفف من فكرة القضايا مثلما اعتاد طرحها في أعماله السابقة، ولربما الأسفار هي العمل الذي طرح أكبر عدد من القضايا الحساسة، ولكنها بعكس الأعمال السابقة عندما كانت القضايا المجتمعية الكبرى تلهمه للكتابة، الاحتلال أو الهوية أو الطائفية، ففي الثلاثية التفت أكثر إلى القضايا الفردية، قضية الشخص الواحد. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) ويوضح الكاتب الكويتي بقوله "حاولت أن أخلص لشخصية كل فرد كما لو أنها قضيتي الشخصية، منحت الفرد لأن يقول على عكس ما درجت عليه كتابة بأن يقول المجتمع قضاياه. فهنا إشكاليات الهوية تبدو أكثر تعقيداً مما طرحته في السابق. وهنا مأزق الهوية يأتي على مستويات عدة، هوية عرقية تتمثل في شخصية العبد، وهوية دينية تتمثل في شخصية المتشكك الحائر المسائل للدين أو شخصية اليهودي الذي يتمنى أن ينتمي إلى مكان لا ينتمي إليه، وهوية جنسية مضطربة تتمثل في شخصية الأمرد الأملس الذي ينعته المجتمع بصفات الخنوثة، وهنا قضية الفرد الأرميني الهارب من مذابح العثمانيين، وهنا قضية المرأة بين زمزم التي تقف أمام الرجل ندّاً لند، أو نصرة التي لا تستطيع المشي إلى جوار زوجها إنما تتخلف عنه بضع خطوات وفق أعراف أهلها. وهنا قضية سليمان الذي رهن حياته بصيتِه، فضحى بكل شيء خوفاً من كلام الناس وقسوة المجتمع النمام، وهنا قضية الحاكم الذي يجد نفسه على المحك بين الرضوخ لإملاءات البريطاني أو تهديدات 'إخوان من طاع الله'... فكل شخصيات العمل مأزومة بصورة أو بأخرى بقضية فردية شديدة الخصوصية. فالأسفار لم تخلُ من قضايا أبداً، لكنها في الغالب قضايا فردية لا جمعية". الرسوم والخيال البصري قد يكون من المألوف مصاحبة الرسوم البصرية الداخلية القصائد في الدواوين الشعرية، ولكن تلك "الاسكتشات" التي تصاحب نصوص السنعوسي ليست مألوفة كثيراً في الروايات. فهل يجد في هذه التجربة توسعة للخيال البصري، التشكيلي والسينمائي الذي يعد سمة مميزة في أعماله، أم ماذا تضيف الصور إلى الرسم بالكلمات؟ يشير سعود السنعوسي في حواره إلى أن مثل هذه الاسكتشات لها أسباب عدة، "أحدها أني أحاكي نمطاً من الكتب كان يصدر في الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي، وكانت تلك النصوص الشعرية والقصصية والروائية والمسرحية تلجأ إلى الرسم، والرواية تفترض نفسها مكتوبة بقلم الأديب المتخيل صادق بوحدب ونشرت عام 1990، والسبب الآخر أنني والفنانة مشاعل الفيصل صنعنا ما يشبه التوأمة نصاً ورسماً، وكلانا سعيد بهذه التجربة". أما في شأن إمكان اختلاف الكلمة عن الرسم، فيعترف السنعوسي، "لا أنكر أن هذا يحدث كثيراً، مما يقودنا إلى كثير من النقاش. أحياناً يكمل الرسم ما لم يقُله النص مباشرة، وأحياناً يقول الرسم عكس ما قاله النص. ولا أنكر أن الأمر في كل الأحوال يجيء في مصلحة العمل بجعل القارئ شريكاً فاعلاً يفكر عوض أن يؤدي دور المتلقي السلبي لكل ما يقوله المؤلف".