logo
#

أحدث الأخبار مع #خالد_عودة_الله

فلسطين.. جدلية البناء والهدم وتمظهراتها الثقافية
فلسطين.. جدلية البناء والهدم وتمظهراتها الثقافية

العربي الجديد

time٠٦-٠٥-٢٠٢٥

  • ترفيه
  • العربي الجديد

فلسطين.. جدلية البناء والهدم وتمظهراتها الثقافية

في السنوات التي أعقبت "اتفاق أوسلو"، شهدت الثقافة الفلسطينية واحدة من أكثر التحوّلات جذرية في تاريخها الحديث. بعد أن كانت مرآة للصراع السياسي والاجتماعي، أُعيد تشكيل دورها تحت وطأة التغيّرات المتتالية التي مسّت البنية الوطنية نفسها. في محاولة لإعادة تنشيط الأسئلة الكبرى والضرورية، تطلق اليوم مؤسسة القطان مشروعها البحثي " فلسطين : هدم وبناء"، بالتعاون مع الباحث خالد عودة الله. يتضمن المشروع سبعة لقاءات تستكشف جدلية البناء والهدم كمقاربة لفهم تاريخ وواقع فلسطين، من خلال مساءلة تمظهراتها المادية، الثقافية، الاجتماعية، السياسية، بهدف خلق مغامرة فكرية جماعية تتأمل في معنى الكينونة الفلسطينية كحالة دائمة من الهدم والبناء. تسعى هذه اللقاءات إلى إنتاج ورقة مفاهيمية جماعية يحررها خالد عودة الله، وتعكس نتائج النقاشات والأفكار المطروحة. منذ توقيع الاتفاق وحتى اليوم، خضعت الثقافة الفلسطينية لعملية إعادة تعريف مؤلمة؛ فمن كونها تجسّد حلم التحرر والاستقلال، تحولت شيئاً فشيئاً إلى مساحة هلامية وغير واضحة تطرح فيها أسئلة وجودية حول الذات والعلاقة مع المشروع السياسي الثقافي. لم تعد الثقافة تسير ضمن اتجاه موحد نحو "الدولة" أو "التحرر"، بل انفلتت من عباءة القداسة السياسية، لتصبح ساحة لتفكيك الروايات المؤسسة وإعادة التفكير بما يعنيه أن تكون فلسطينياً في واقع استعماري دائم ومستمر. من التمجيد إلى التفكيك شكّلت العقود الثلاثة الأخيرة انتقالاً حاداً من ثقافة المقاومة التقليدية إلى محاولات التفكيك والتحليل. ففي الفترة التي سبقت أوسلو، كان النقد الثقافي جزءاً لا يتجزأ من خطاب المقاومة، الذي يتمحور حول تمجيد الفدائي وتثبيت الرواية الوطنية، كما تجلّى في شعر محمود درويش وروايات غسان كنفاني. لكن بعد تأسيس السلطة الوطنية عام 1994، بدأت تظهر أصوات نقدية جديدة تتحدّى هذا الخطاب من داخله، وتطرح أسئلة عن معنى الدولة، وهوية المثقف، ودور الثقافة في مرحلة ما بعد الثورة. تحوّلت الثقافة من ساحة للصراع الرمزي إلى مساحة آمنة شهدت تلك المرحلة صدور كتب ومقالات ودراسات نقدية مهمة مثل: "تأملات حول المنفى ومقالات أخرى" (2000) ومنشورات "السلطة والثقافة والسياسة" (2001) لإدوارد سعيد، وكتاب "في قضايا الثقافة الفلسطينية" (2002) لزكريا محمد، التي مثّلت نقلة نوعية في النقد الذاتي. دعا فيها إلى تفكيك أوهام الثقافة الوطنية، واعتبارها نقطة فاصلة في إعادة التفكير بالنموذج الثقافي الوطني، والدعوة لتفكيك أوهامه، إذ لم تكن هذه الكتابات معزولة عن السياق، بل مثّلت ردة فعل نقدية على انفصال المؤسسات الثقافية عن الواقع السياسي المتغير. بعد اندلاع انتفاضة الأقصى (2000-2005)، فقد الخطاب النقدي الكثير من زخمه، ولم تعد الأصوات الناقدة قادرة على التأثير كما في السابق. ظهرت أعمال فنية صادمة مثل فيلم "الجنة الآن" (2005)، الذي واجه أسئلة صعبة حول العمليات الاستشهادية، لكنه في الوقت نفسه كشف عن حدود التلقي العام للنقد داخل المجتمع الفلسطيني. اصطدم الفيلم بموجة من الاستهجان الشعبي، بينما عجز النقاش النقدي المتخصص عن تأطير الموقف بجدية متماسكة. هذا التراجع في الحضور النقدي لم يكن مجرد ضعف عابر، بل كشف عن هشاشة في آليات تفكيك المعنى لدى المؤسسة الثقافية، وغياب استراتيجيات فاعلة تواكب التحولات الاجتماعية والسياسية المتسارعة. أدى ذلك إلى اتساع الفجوة بين النقد والمجتمع، مما أعاق قدرة الخطاب الثقافي على المساهمة في بلورة مواقف جديدة، أو دعم المشروع الثقافي الوطني الذي أخذ بالتآكل تدريجياً. مثّل هذا التراجع نقطة تحول خطيرة، خاصة بعد عقود من الصمود الذي أبداه المثقفون الفلسطينيون في مواجهة سياسات الإلغاء والإبادة الثقافية التي انتهجها الاستعمار الإسرائيلي بحق الهوية الفلسطينية. في ظل غياب مشروع نقدي متماسك يعيد تعريف العلاقة بين الإبداع والمجتمع، بات المشهد الثقافي مهدداً بفقدان بوصلته التاريخية. تآكل الدور النقدي في العقدين التاليين، شهدت الساحة الثقافية حضوراً فاعلاً لمثقفين وكتّاب شكلوا ضميراً نقدياً للفلسطينيين، من بينهم إدوارد سعيد، الذي جسّد صوتاً نقدياً عالمياً للقضية، وإميل حبيبي، الذي فضح تناقضات الحياة الفلسطينية داخل حدود 1948 بنزعة سردية لاذعة. إلى جانبهم، برز كتاّب مثل سحر خليفة، ومريد البرغوثي، اللذين دمجا بين الأدب والنقد السياسي، مؤسسين لما يمكن وصفه بـ"الوعي الجمالي الملتزم"؛ وهو وعي يرى في الفن وسيلة لتفكيك السلطة لا تمجيدها. لكن هذه المرحلة الحيوية أخذت بالانحسار خلال السنوات الأخيرة، إذ تراجع حضور الأصوات النقدية الجديدة، وغابت تقريباً التيارات النقدية الفاعلة في الصحافة الثقافية أو المنتديات الفكرية. يعود هذا التراجع إلى عوامل متداخلة عدة: رحيل الجيل المؤسس، انهيار البنية التحتية للمؤسسات الثقافية، الانقسام السياسي الفلسطيني، ظهور مشاريع ثقافية "توافقية" تتجنب الأسئلة الحادة وتكتفي بالاحتفاء الشكلي. هشاشة في آليات تفكيك المعنى وغياب استراتيجيات فاعلة تحولت الثقافة من ساحة للصراع الرمزي إلى مساحة آمنة، تنتج فيها مشاريع فنية تسوق كمبادرات "مجتمعية" أو "تمكينية"، لكنها تفتقر للعمق المفاهيمي، أو الرؤية، أو التخصص، وغالباً ما تعيد إنتاج الموضوعات نفسها دون مساءلة حقيقية. هذا لا يعني غياب الإنتاج الفني أو الأدبي، بل يشير إلى غياب المساحة التي تمكن من قراءته وتقييمه ضمن سياقاته الأوسع. تلاشى الدور الوسيط للناقد بين العمل والجمهور، وهو دور كان سابقاً محورياً وجدياً في تشكيل الذائقة العامة وتعريف القيمة الفنية، وارتباطها بالسياق السياسي العام. في المقابل، ساهمت المنصات الرقمية منذ مطلع الألفية في فتح آفاق جديدة، مكّنت بعض التجارب الفردية من التحرر من المؤسسة، بحرية التعبير وتوزيع الإنتاج الثقافي. لكنها أيضاً ساهمت في تفكيك المشهد، وتجييش حالة الاستقطاب، وفرض منطق السوق، أو التسليع على الثقافة. وبالرغم من بعض المحاولات الجادة لإعادة إحياء النقد بصفته ممارسة فاعلة، فإنها غالباً ما تعاني من غياب الاستمرارية والتخطيط الاستراتيجي. قد يكون من نافلة القول إن الثقافة الفلسطينية، وبعد أكثر من ثلاثة عقود على "اتفاق أوسلو"، تقف اليوم على مفترق طرق. لم تعد تعكس بالضرورة أحلام التحرّر، أو تصوغ مشروعاً وطنياً متماسكاً، بل تحوّلت إلى ساحة للصراع حول المعنى، تتنازعها الذوات الفردية، والشروط السياسية، وتقلّص الفضاء النقدي. أي إنّها ثقافة لم تتوقف عن إنتاج الأسئلة، لكنها فقدت جزءاً من قدرتها على إنتاج الأجوبة. * فنان تشكيلي فلسطيني فنون التحديثات الحية شادي الحرّيم.. الفن الفلسطيني خلف القضبان

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store