منذ 9 ساعات
القائد عيسى بن عمر: بين الرواية التاريخية والأسطورة الشعبية
الدكتور موين – أخصائي جراحة الأعصاب، خريج دار القائد عيسى بن عمر، ومهتم بالتوثيق التاريخي المحلي
في أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، برز القائد عيسى بن عمر كأحد أبرز رجالات الدولة العلوية في منطقة عبدة ودكالة، ممثلاً قوياً للمخزن، في مرحلة اتسمت بالتوترات القبلية وتراجع هيبة السلطة المركزية.
بعيداً عن الصورة النمطية التي روّجت لها بعض الروايات الشعبية، خاصة ما ارتبط بشخصية خربوشة، فإن الوثائق والشهادات المتوارثة تُثبت أن القائد كان رجلَ مشورةٍ وحق، وأن كل قراراته كانت تُتخذ ضمن مجلس قبلي إداري، لا بشكل انفرادي. وقد رفض رفضًا قاطعًا أي تجاوز في تنفيذ الأحكام، بل إن حادثة مقتل خربوشة، التي شاع أنه أمر بها، ثبت بالأدلة المتواترة أنه لم يصدر فيها أي أمر بالقتل، بل إن القاتل أُعدم على يد رجال القائد نفسه، في مشهد نادر من إنفاذ العدالة داخل مناخ مضطرب.
القائد عيسى بن عمر تقلد كذلك منصب وزير الخارجية في عهد السلطان مولاي عبد الحفيظ، ما يعكس ثقته وكفاءته السياسية. وبعد الاحتلال الفرنسي، نُفي إلى مدينة سلا، حيث توفي هناك، ودفن بموكب مهيب في سيدي شتوكة، حيث لا يزال قبره محل احترام محلي إلى اليوم.
أما خربوشة، فكانت امرأة متدينة، حافظة لكتاب الله، شاعرة فصيحة عبّرت عن معاناتها بعد مقتل والدها في مواجهات أولاد زيد مع المخزن. وهي تستحق منا التقدير، لا بوصفها 'رمز تمرد'، بل كشاهد على ألمٍ بشري حقيقي، كان يمكن تجنّبه لولا تعنّت بعض زعماء القبائل.
إن إعادة قراءة هذه الصفحة من التاريخ المغربي تفرض علينا النزاهة والموضوعية، وتدعونا لتكريم شخصيات مثل القائد عيسى بن عمر وخربوشة على حد سواء، كلٌّ في موقعه وظرفه التاريخي.