أحدث الأخبار مع #خطاطين


صحيفة الخليج
منذ 3 أيام
- ترفيه
- صحيفة الخليج
«خط الثلث».. العين في لحظة إشراق
الشارقة: عثمان حسن لا يزال الخط العربي، بوصفه من أبرز الفنون الإسلامية، ورغم مرور قرون على ظهوره، حاضراً بقوة عند الخطاطين المعاصرين، وها هو يستمر مع تجاربهم، محفزاً إياهم لتقديم ابتكارات غاية في الجمال والإبهار البصري الذي يبرز طاقة الحرف وقوته، متناغماً ومنسجماً مع تلك الطاقة النورانية والروحية التي هي أحد العناصر الأساسية لهذا الفن. تحضر الإبداعات الخطية عند كثير من الفنانين، ومنهم التركي داوود بكتاش الذي يوصف بأنه أحد عمالقة الخط في العصر الحديث لا سيما في خط الثلث. أمامنا واحدة من إبداعات داوود بكتاش الآسرة بتكويناتها الفنية والروحية، وهي منجزة بالخط الثلث، واستخدم فيها جزءاً من الحديث الشريف «إن اللهَ إذا أنعم على عبدٍ نعمةً أحبَّ أن يرى أثرَ نعمتِه عليه»، وهذا الحديث بحسب مناسبته، يعني وجوب لبس الثياب النظيفة التي تدل على النعم التي أنعم الله بها على عبده، وقد قال سبحانه وتعالى «يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد»، والنعمة بوصفها أحد مظاهر الجمال، في هذا الحديث الشريف لها علاقة بالجمال الظاهر على العبد، وهو الذي يحبه الله جل وعلا، ليتبع ذلك جمال باطن يتجسد بشكر العبد على هذه النعم. لقد أبدع داوود بكتاش في إظهار أسرار خط الثلث بتكويناته الفنية والتشكيلية، ومن حيث القواعد والموازين، وطواعية الحروف، وأيضاً من خلال تلك التوزيعات والتكوينات بين الحروف التي تظهر طاقة روحية، في لوحة تميزت بالانسجام والإشراق برزت ككتلة أو قطعة أدبية خطية، متناغمة التجويد والبراعة بين كافة عناصرها. تكوين حرص بكتاش على إبراز جماليات التكوين في لوحاته التي يخطها بالثلث، خاصة وأن هذا النوع من الخطوط يمتاز بتكوينات غاية في الجمال والسحر البصري نتيجة لما يمتاز به من خصائص تتيح للخطاط العديد من الابتكارات والصياغات الفنية ذات الطابع التشكيلي، وهو ما يبرز بشكل جلي في اللوحة التي أمامنا والتي راعى من خلالها بكتاش أن يخط ابتكاراته الخاصة فيها، من حيث ليونة الحرف، ليقدم تحفة فنية تحتاج إلى مزيد من القراءة والتأمل. أول ما يمكن الالتفات إليه في هذه اللوحة، هو تصدر لفظ الجلالة «الله» رأس اللوحة، تقديراً وإجلالاً للخالق عز وجل. وقد كان تناسق الحروف حاضراً في اللوحة، أولاً من خلال حرف العين في أربع مرات، وبحسب ورود هذا الحرف في حرف الجر (على) وفي الكلمات (أنعم) و(عبد) و(نعمة). هذه العين التي وردت متتابعة أو متناظرة قدمت مشهداً جمالياً لحرف العين في الثلث الأول من مساحة اللوحة. كانت ليونة حرف الثلث ظاهرة في هذا العمل المبدع، من خلال ما نشاهده في حرف (على) الذي جاء آخره ممدوداً على مساحة قدرها بكتاش لتناسب تناسق الحروف على سطح اللوحة، كما برزت هذه الليونة في امتداد (الياء المقصورة) في كلمة «يرى» وهنا، جاء الامتداد ليغطي كامل عرض اللوحة. ومن جهة ثانية، فقد برع بكتاش في استخدام سماكة قلم الثلث في كافة حروف هذا الحديث الشريف، مظهراً الكثير من علامات التشكيل بين هذه الحروف، ومستفيداً من الزخرفة الإسلامية النباتية، وإذا أضفنا لهذا كله، متانة اللون الأسود الذي خط به بكتاش حروف الحديث، الذي احتضنته خلفية صفراء مبهجة، فسوف نكون أمام لوحة مزينه بعناصر جمالية موظفة ومدروسة جيداً، بحيث ظهرت هذه اللوحة وهي تسبح في فضاء روحي وجمالي مبهر. ورغم صعوبة تشكيل حرف خط الثلث، فقد قدم بكتاش في هذه اللوحة عملاً يتيح للناظر أن يقرأ النص بكل سهولة ووضوح، وهذه ميزة خاصة بالخطاط بكتاش في معظم أعماله الفنية. نجح بكتاش في هذه اللوحة، وكما يصفه النقاد دائماً، في تحويل الحروف العربية إلى لوحات نابضة بالحياة، من خلال لوحة مزجت بين التقاليد الخطية المعروفة والتجديد الإبداعي، وهو الذي عكس أسلوبه الفني ورؤيته الخاصة والعميقة لجماليات الخط الكلاسيكي، الذي قدمه بطريقة حديثة ومتجددة للتعبير الفني. إضاءة داوود بكتاش، خطاط تركي يوصف بأنه أحد عمالقة الخط، وفي أعماله الفنية نلمس تلك القوة والمتانة والرشاقة التي تعدّ ميزة من ميزات الخطاطين الكبار. ولد بكتاش في 1963م في قرية محمد الفاتح في إسطنبول، ومن بين طلاّبه المشهورين الخَطّاطة نُورية قارسيا التي أخذت عنه الإجازة في الثلث والنسخ سنة 2007م. ومن طلاّبه أيضاً الإماراتية فاطمة سعيد البقالي، شارك بكتاش في الكثير من ملتقيات ومهرجات الخط العربية والدولية، وقد حاز العديد من الجوائز والتكريمات.


صحيفة الخليج
١٣-٠٥-٢٠٢٥
- ترفيه
- صحيفة الخليج
«خط المحقّق».. جلال الحرف العربي
الشارقة: جاكاتي الشيخ يشتهر بعض الخطاطين بتركيزهم على نوع محدّد من الخطوط العربية، ليس لأنهم لا يتقنون الأنواع الأخرى، بل لأنهم لفرط إتقانهم لها اختطّوا لأنفسهم سُبلاً جديدة، بأساليب مبتكرة، في أنواع مختارة من تلك الخطوط، يقدّمون من خلالها رؤاهم الفنية الخاصة، وذلك ما يفعله الخطاط السوري هيثم سلمو. يعد هيثم سلمو فناناً متميّزاً، بخبرته الرائدة في مجال الخط العربي التقليدي، حيث يقدم منجزاً مشهوداً، من خلال تجربته الغنية في المشهد الخطي العربي، بجماليات الأشكال المنبعثة من تنوع التراكيب، مُحدثاً بذلك مسلكاً خطياً يتجه نحو التعبير؛ في تأصيله للقوة التركيبية للحروف. ويعرف سلمو بكونه من أشهر الخطاطين الذين تخصصوا في الخطوط القديمة، وخاصة خط المحقق، الذي نفذ به العديد من لوحاته، ولكن بطريقة معاصرة، تعتمد على التركيب الفنّي، وفكرة التصميم المعماري والهندسي الذي يناسب مضمون العمل من حيث المعنى، موظفاً العامل المشترك بين الحروف واستنباطها وتولدها من بعضها البعض، من دون التأثير في التسلسل القرائي للنص، ومستخدماً الألوان وقلم الجلي المحقق لإظهار حركة سير القلم، وتدرجه على الورق، مثل ما نشاهده في هذه اللوحة. جلال إن المضمون الذي اختاره سلمو للوحته هنا هو نص الآية 25 من سورة المطفّفين، حيث يقول الله جلّ من قائل: {يُسْقَوْنَ مِن رَّحِيقٍ مَّخْتُومٍ}، وهي آية تتحدث عن بعض ما وعد به عباده المؤمنين في الجنة، من خمر طيبة خاصة بهم، خالية من كل ما يكدر العقل أو يذهبه. وقد كتب النصّ بخط المحقق، الذي يعتبر من أصعب الخطوط، وأحسنها كذلك، فهو، كما نرى في هذه اللوحة، خط بديع وضخم؛ ذو جلال في نظر المشاهد، ويُرسم بشكل واحد بوضوح تام؛ مرسل الحروف، وقليل التقويسات، ولكلّ حرف فيه شكل ثابت، وليس بين حروفه من تشابه إلا ما يوجد بين حرفي الكاف واللام، غير الموجودين في هذه اللوحة، ومن خصائصه المميّزة كذلك أن حروفه تنفَّذ بدقة، مع تحقيق أجزائها، وأنّ منتصباته أطول من مثيلاتها في سائر الخطوط الأخرى، وألِفه مستقيمة وعريضة، وحركاته وضوابطه أنيقة، حيث يتكامل فيه التجويد والتنسيق، وتصبح بعض الحروف والكلمات متراكبة ومتقاطعة، والمدّات متنامية، ويزيّن بالتنقيط والتشكيل، وأحياناً بعض العلامات الزخرفية، وكلها مميزات حرص سلمو على إبراز بعضها وزيادة في هذه اللوحة الجميلة. نفذ سلمو هذه اللوحة بأسلوبه المعتاد في معظم أعماله المكتوبة بخط المحقق، حيث جاءت مركّبة تركيباً معمارياً مُحكماً، يختلف قليلاً عن الطريقة المعهودة في هذا الخط، وهو ما يبرز بصمته المعاصرة في هذا المنحى. انطلق الخطاط من الجهة اليمنى، وبدأ بكتابة «يُسْقَوْنَ»، مانحاً إيّاها ما تستحقه من جلال الشكل وضخامته، كما سيفعل مع بقية الكلمات، وجاعلاً منها قاعدة لبقية النص للدلالة على الفعل الذي ينتظر هؤلاء المؤمنين؛ الموعودين من ربهم، ثم كتب «مِن» مشاكلاً بين نونها ونون «يسقون»، في لمسة فنية بديعة، جعلتهما في شكل قارورة مائلة، إيغالاً منه في استدعاء معنى الآية، وكتب «رَحِيقٍ» مُركّباً إياها على الحرفين السابقين، ليشكل معهما راؤها وقافها تماثلاً بصرياً مُتّسقاً، وليشير إلى أن هذا الرحيق يوجد في تلك القوارير، وأكمل بكتابة «مَخْتُومٍ»، التي وظف في كتابتها عامل المحجر المدوّر؛ المشترك بين حرفي الواو والميم، ليدمجهما معاً، مرسلاً طرفيهما في انسيابية أنيقة، من دون أن يؤثر ذلك في قدرة المشاهد على قراءتهما في تسلسلهما الطبيعي، وكأنه بذلك الدمج يشير إلى معنى الكلمة، فالقوارير محكمة الإغلاق لا يفتحها إلا من خُصّ بها. ورغم بساطة الشكل العام للوحة، إلا أن المشاهد يقف أمامها بإعجاب، مستكشفاً روعة اللمسات الفنية، من تناسق محاجر الحروف، إلى أطراف كل الحروف المرسلة، واستخدام حركات تنوين كلمتي «رحيقٍ» و«مختومٍ» في تراكب سُلّمي دقيق، إلى تناسق لون الحبر الأحمر مع اللون البرتقالي المتولّد من تقهير الورق، وكل ذلك يدل على أننا أمام عمل فني رائع لفنان مبدع. إضاءة ولد هيثم سلمو سنة 1970م، في مدينة الرقة بسوريا، تعلم الخط على يد عبدالله حسن، ثم أصبح منذ سنة 1999 مدرساً للخط العربي بمركز الفنون التطبيقية والتشكيلية في حلب، وفي سنة 2007 تمت إجازته على يد الخطاط التركي الشهير حسن جلبي، له العديد من الأعمال الخطية في أماكن مختلفة، وكتب عدة أجزاء من القرآن الكريم، كما حصل على الكثير من الجوائز والتكريمات، من بينها المكافأة الدولية لمسابقة بنك البركة لفن الخط بإسطنبول سنة 2006، وشارك في العديد من معارض الخط المحلية والدولية.