logo
#

أحدث الأخبار مع #دارالنهضةالعربية،

الأمومة والخيانة والوطن والمنفى "على قصاصة ورق"
الأمومة والخيانة والوطن والمنفى "على قصاصة ورق"

Independent عربية

timeمنذ 5 أيام

  • ترفيه
  • Independent عربية

الأمومة والخيانة والوطن والمنفى "على قصاصة ورق"

نحاذر الوقوع في التعميم حين نشير إلى عناوين قضايا ومسائل باتت الروايات الصادرة باللغة العربية– والأجنبية- تتناولها، والتي يمكن إدراجها في باب مشاغل الإنسان المعاصر، شأن الخيانة الزوجية، والعمل الإداري، والتنقل بين الأمكنة، والهجرة من البلاد، ثم الحنين إلى الوطن الأم، وغيرها مما يشكل موتيفات شبه جاهزة لمن يود الانخراط في الكتابة الروائية بعامة. ولكن أميَز ما في العمل الروائي هو الكيفية التي يُعالج بها ليخرج على هيئة غير معروفة سلفاً، وليطرح فيه صاحبه رؤى وأفكاراً على نحو خاص، وبأسلوب متميز، بحيث تخاطب جمهوراً بعينه، ويستجيب لكل ما يحمله ويدعو له. الرواية الصادرة حديثاً (2025) عن دار النهضة العربية، بعنوان "على قصاصة ورق" للكاتبة اللبنانية- الكندية الشابة آسين شلهوب، تدور أحداثها حول محورين هما علاقة المرأة الزوجية بين الخيانة والألفة، وعمل المرأة وسط ظروف إقامتها في الوطن وانتقالها إلى المغترب (كندا)، وذلك انسجاماً مع التوجه النسوي الذي جاهرت به الكاتبة منذ صدور كتابها الأول "كالييا… لحن الرغبة والهزيمة"، حيث عاودت التذكير بمظلومية المرأة في العالم العربي، ومواجهة المجتمع لها بكل صنوف "المحرمات والممنوعات"، كما قالت في مقابلة أجرتها معها الكاتبة السورية جاكلين سلام عام 2023. استئناف النهضة أم؟ لكن، هل يخطر ببال الكاتبة والقراء اليوم، منتصف العقد الثالث من القرن الـ21، أن للمرأة القضية نفسها التي ينبغي للكاتب/ الكاتبة، المثقف/ المثقفة، الدفاع عنها، والتصدي لمظلوميتها، والحث على تعليمها وإدخالها في سوق العمل، وتنشئتها على قدم المساواة مع الذكَر، على ما كان رواد النهضة يدعون ويلحفون على مواطنيهم، شأن بطرس البستاني وسليمان البستاني وقاسم أمين ومي زيادة، وغيرهم؟ للإجابة نقول، ولئن تنضوي كتابة آسين شلهوب النسوية في سلك النهضويين العام من حيث تسليط الضوء على مظلومية المرأة وضرورة إنصافها، فإنها تنتمي، بلا أدنى شك، إلى الجيل الرابع المعاصر، الذي يتجاوز المطالبة بحقوق المرأة الأساسية (التعليم، والعمل، والحياة الكريمة، وإبداء الرأي، الخ)، إلى فضح المظالم المعاصرة التي لا يزال يقترفها الرجل، أو المجتمع الذكوري، بحق المرأة في كل ميادين المجتمع الحديث، حيث بات لها مكانة مستحقة، ومن تلك المظالم حصر بعض الحقوق الأساسية (مثل حق التمتع بالجنس) بالرجل من دون المرأة (رواية "كالييا... لحن الرغبة والهزيمة")، والظن بأن للرجل حق تملكها، والمصادرة على تطلعاتها (رواية "على قصاصة ورق"). الحبكة بين عالمين ولما كانت الشخصية الرئيسة، والراوية العليمة (جانين)، حاصلة على الجنسية الكندية، إضافة إلى اللبنانية، فكان من المتوقع أن تتحرك على المسرحيْن تباعاً: اللبناني لمتابعة أحوال عمتها "رندة" الصحية ودفع كلف معالجتها، ولمواساة الأخيرة بعد اختفاء ابنتها "مارغريت" لأسباب غامضة، وحيناً آخر تستعيد لحظات من ماضي علاقتها الزوجية المضطربة مع زوجها "زياد" الذي هجرها مع مديرة أعماله لدواعٍ غير مقنعة. وتتواصل التحريات والاستجوابات، يجريها المحقق وجدي المشنتف، مع كلّ من عرف "مارغريت" أو كانت له صلة مصلحية بها، في مقابل شعور متنامٍ لدى والدتها بموت ابنتها وفقدان أثرها إلى الأبد. وفي الأثناء، وبينما راحت جانين تستحضر شريط علاقاتها بعد انفصال زوجها عنها، تروي كيف وقعت فريسة الفراغ العاطفي، وهي لا تزال في كندا، وانغمست في مغامرتين جنسيتين حارتين، مرة مع "دافيد" زوج "مارغريت" الذي استدرجها بحجة أنها تذكره بالحبيبة الغائبة، ومرة ثانية مع المدعو "ند" سمسار العقارات الذي زعم البحث عن شقق بديلة عن شقة "جانين" الزوجية، ومن ثم أوكل إلى أبيه مهمة متابعة البحث حتى وجدا لها شقة تناسب ذوقها. في المقابل، أخذت ترد معلومات من قبل المحقق المشنتف، تفيد بأن "مارغريت"، ابنة عمتها "رندة"، كانت قد اغتيلت على يد رجل من العصابات في خلال محاولته السرقة، وأن قريباً لها يدعى هاني كان متورطاً بأعمال العصابة نفسها. ولن نزيد على ذلك حفظاً للتشويق، سوى القول إن "جانين" هذه عادت إلى كندا، إلى كنف زوجها حبلى بعد أن وثقت من عقم زوجها "زياد". حوارات وطبائع لمن لم يطلع على باكورة الكاتبة– وأنا منهم- قد لا يجوز له التعميم في ما خص بنية الرواية ومجمل التمايزات التي اتصفت بها كتابتها. ومما يتضح لنا، من قراءتنا الأولى والثانية، أن الكاتبة سلكت سبيل كتاب الرواية الاجتماعية، مطعمة بقليل بالنظرات النفسية، ولا سيما في تكوينها سيناريوهات الشخصيات الواقعة تحت ظلم معين، ونسبي، هو ظلم بالقياس إلى سلم القيَم المعاصرة التي تدعو لها الكاتبة شلهوب، في اعتبارها المرأة صنواً للرجل، وهي ذات حقوق في العمل الإداري، والتجاري، والعلمي، والعاطفي، بالتالي ينبغي النظر اليها باعتبارها شريكاً للرجل في كل شيء، حتى في العلاقة الجنسية. ومن هذا المنطلق، يمكن القول إن الكاتبة تأنت في صوغ الحوارات بين الشخصيات، وبلغة تكاد تكون بيضاء، أي من دون تزويق ولا أسلبة، ربما حرصاً على إبلاغ خطابها، من خلال شخصياتها، بأقل قدر من الجهد. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) ولدى الحديث عن تصنيف الرواية، بناء بعض مكوناتها الغالبة، أو المهيمنة، يمكن إدراجها في السجل الاجتماعي، لأنها تعالج مساراً حدثياً يقع في باب علاقات المغتربين (في كندا) بأهلهم في لبنان، بمقدار معالجتها موضوع الخيانة الزوجية، ومعضلة العقم عند الزوج، واستغلال الأقرباء بعضهم بعضاً حتى التآمر طمعاً بملكيات أو مال أو نساء. مظهر جنسي وبوليسي لمرتين متتاليتين، تضعنا الكاتبة آسين شلهوب، إزاء مشهدين جنسيين حارين، تجد الراوية العليمة "جانين" نفسها حيالهما، مرة مع "دافيد"، زوج "مارغريت" قريبتها، والمفتقد للأنثى والحبيبة في غيابها القسري، ومرة ثانية مع سمسار الشقق "ند" الصيني الأصل، الذي كلفته البحث عن شقة لها بعيداً من منزلها الزوجي، والذي أرسلت والدته في طلبه للزواج من فتاة كان يهواها من زمن. فيما يتبين من خطاب الشخصية "جانين"، ومن سياق مناجاتها، أن هاتين العلاقتين مسوغتان لها، ما دام زوجها "زياد" كان قد خانها مع مديرة أعماله، وما دامت تتحرق للعلاقة السوية (الجنسية) مع الرجل. وهنا، تجدر الإشادة بمجهود الكاتبة في تقصي الدوافع النفسية الضاغطة والشديدة، ولا سيما تلك النابعة من الذاكرة واللاوعي ومن طبيعة الكائن، وجنسه وانتمائه الاجتماعي. أما المظهر البوليسي في الرواية، وتكليف محقق عسكري بقضية اختفاء "مارغريت"، لأحد يدعى وجدي المشنتف، فلم يكن بمستوى عناية الكاتبة بالمظهر الاجتماعي السالف. أو ربما فات القارئ تتبّع الخيوط التي استجمعها، من مباحثه، حتى وصل إلى النتيجة المؤسفة، وهي مقتل "مارغريت" على يد أحد رجال العصابات ممن كانوا ينوون سرقة المغدورة التي تصدت لهم فأرداها أحدهم. مواعظ وحنين أقل في تجوال الشخصية الرئيسة "جانين" بين لبنان، موطنها الأصلي ومصدر مشكلاتها، وبين باريس، مجال ترفيهها عن نفسها وسياحتها، وعودتها إلى تورونتو (كندا) مركز عملها وبلدها الثاني، لا يبدو أنها تحمل في خطابها حنيناً رومانسياً إلى الوطن الأم، بخلاف ما نجده لدى الروائية إميلي نصر الله، ولا تعتل هماً مؤرقاً غالبية أهل الوطن، مثل الحرب الأهلية، على ما نجده لدى الروائية حنان الشيخ، وهي المتنقلة ما بين لبنان وأفريقيا. وإنما قصدت الكاتبة الشابة آسين شلهوب أن تثبت عالمها الروائي، وتحسن تركيب أسلوبها، مع بعض من التجديد- وإن استلحاقاً- بتنويع أصوات الشخصيات، في القسم الأخير من الرواية. أياً يكن، تعد الرواية "على قصاصة ورق" عملاً روائياً جديراً بالقراءة، والتعليق عليه، وللكاتبة آسين شلهوب ما تعد بروايته لاحقاً، بناء على مكتسبها، وهو ليس بالقليل.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store