
الأمومة والخيانة والوطن والمنفى "على قصاصة ورق"
نحاذر الوقوع في التعميم حين نشير إلى عناوين قضايا ومسائل باتت الروايات الصادرة باللغة العربية– والأجنبية- تتناولها، والتي يمكن إدراجها في باب مشاغل الإنسان المعاصر، شأن الخيانة الزوجية، والعمل الإداري، والتنقل بين الأمكنة، والهجرة من البلاد، ثم الحنين إلى الوطن الأم، وغيرها مما يشكل موتيفات شبه جاهزة لمن يود الانخراط في الكتابة الروائية بعامة. ولكن أميَز ما في العمل الروائي هو الكيفية التي يُعالج بها ليخرج على هيئة غير معروفة سلفاً، وليطرح فيه صاحبه رؤى وأفكاراً على نحو خاص، وبأسلوب متميز، بحيث تخاطب جمهوراً بعينه، ويستجيب لكل ما يحمله ويدعو له.
الرواية الصادرة حديثاً (2025) عن دار النهضة العربية، بعنوان "على قصاصة ورق" للكاتبة اللبنانية- الكندية الشابة آسين شلهوب، تدور أحداثها حول محورين هما علاقة المرأة الزوجية بين الخيانة والألفة، وعمل المرأة وسط ظروف إقامتها في الوطن وانتقالها إلى المغترب (كندا)، وذلك انسجاماً مع التوجه النسوي الذي جاهرت به الكاتبة منذ صدور كتابها الأول "كالييا… لحن الرغبة والهزيمة"، حيث عاودت التذكير بمظلومية المرأة في العالم العربي، ومواجهة المجتمع لها بكل صنوف "المحرمات والممنوعات"، كما قالت في مقابلة أجرتها معها الكاتبة السورية جاكلين سلام عام 2023.
استئناف النهضة أم؟
لكن، هل يخطر ببال الكاتبة والقراء اليوم، منتصف العقد الثالث من القرن الـ21، أن للمرأة القضية نفسها التي ينبغي للكاتب/ الكاتبة، المثقف/ المثقفة، الدفاع عنها، والتصدي لمظلوميتها، والحث على تعليمها وإدخالها في سوق العمل، وتنشئتها على قدم المساواة مع الذكَر، على ما كان رواد النهضة يدعون ويلحفون على مواطنيهم، شأن بطرس البستاني وسليمان البستاني وقاسم أمين ومي زيادة، وغيرهم؟ للإجابة نقول، ولئن تنضوي كتابة آسين شلهوب النسوية في سلك النهضويين العام من حيث تسليط الضوء على مظلومية المرأة وضرورة إنصافها، فإنها تنتمي، بلا أدنى شك، إلى الجيل الرابع المعاصر، الذي يتجاوز المطالبة بحقوق المرأة الأساسية (التعليم، والعمل، والحياة الكريمة، وإبداء الرأي، الخ)، إلى فضح المظالم المعاصرة التي لا يزال يقترفها الرجل، أو المجتمع الذكوري، بحق المرأة في كل ميادين المجتمع الحديث، حيث بات لها مكانة مستحقة، ومن تلك المظالم حصر بعض الحقوق الأساسية (مثل حق التمتع بالجنس) بالرجل من دون المرأة (رواية "كالييا... لحن الرغبة والهزيمة")، والظن بأن للرجل حق تملكها، والمصادرة على تطلعاتها (رواية "على قصاصة ورق").
الحبكة بين عالمين
ولما كانت الشخصية الرئيسة، والراوية العليمة (جانين)، حاصلة على الجنسية الكندية، إضافة إلى اللبنانية، فكان من المتوقع أن تتحرك على المسرحيْن تباعاً: اللبناني لمتابعة أحوال عمتها "رندة" الصحية ودفع كلف معالجتها، ولمواساة الأخيرة بعد اختفاء ابنتها "مارغريت" لأسباب غامضة، وحيناً آخر تستعيد لحظات من ماضي علاقتها الزوجية المضطربة مع زوجها "زياد" الذي هجرها مع مديرة أعماله لدواعٍ غير مقنعة. وتتواصل التحريات والاستجوابات، يجريها المحقق وجدي المشنتف، مع كلّ من عرف "مارغريت" أو كانت له صلة مصلحية بها، في مقابل شعور متنامٍ لدى والدتها بموت ابنتها وفقدان أثرها إلى الأبد. وفي الأثناء، وبينما راحت جانين تستحضر شريط علاقاتها بعد انفصال زوجها عنها، تروي كيف وقعت فريسة الفراغ العاطفي، وهي لا تزال في كندا، وانغمست في مغامرتين جنسيتين حارتين، مرة مع "دافيد" زوج "مارغريت" الذي استدرجها بحجة أنها تذكره بالحبيبة الغائبة، ومرة ثانية مع المدعو "ند" سمسار العقارات الذي زعم البحث عن شقق بديلة عن شقة "جانين" الزوجية، ومن ثم أوكل إلى أبيه مهمة متابعة البحث حتى وجدا لها شقة تناسب ذوقها.
في المقابل، أخذت ترد معلومات من قبل المحقق المشنتف، تفيد بأن "مارغريت"، ابنة عمتها "رندة"، كانت قد اغتيلت على يد رجل من العصابات في خلال محاولته السرقة، وأن قريباً لها يدعى هاني كان متورطاً بأعمال العصابة نفسها. ولن نزيد على ذلك حفظاً للتشويق، سوى القول إن "جانين" هذه عادت إلى كندا، إلى كنف زوجها حبلى بعد أن وثقت من عقم زوجها "زياد".
حوارات وطبائع
لمن لم يطلع على باكورة الكاتبة– وأنا منهم- قد لا يجوز له التعميم في ما خص بنية الرواية ومجمل التمايزات التي اتصفت بها كتابتها. ومما يتضح لنا، من قراءتنا الأولى والثانية، أن الكاتبة سلكت سبيل كتاب الرواية الاجتماعية، مطعمة بقليل بالنظرات النفسية، ولا سيما في تكوينها سيناريوهات الشخصيات الواقعة تحت ظلم معين، ونسبي، هو ظلم بالقياس إلى سلم القيَم المعاصرة التي تدعو لها الكاتبة شلهوب، في اعتبارها المرأة صنواً للرجل، وهي ذات حقوق في العمل الإداري، والتجاري، والعلمي، والعاطفي، بالتالي ينبغي النظر اليها باعتبارها شريكاً للرجل في كل شيء، حتى في العلاقة الجنسية. ومن هذا المنطلق، يمكن القول إن الكاتبة تأنت في صوغ الحوارات بين الشخصيات، وبلغة تكاد تكون بيضاء، أي من دون تزويق ولا أسلبة، ربما حرصاً على إبلاغ خطابها، من خلال شخصياتها، بأقل قدر من الجهد.
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ولدى الحديث عن تصنيف الرواية، بناء بعض مكوناتها الغالبة، أو المهيمنة، يمكن إدراجها في السجل الاجتماعي، لأنها تعالج مساراً حدثياً يقع في باب علاقات المغتربين (في كندا) بأهلهم في لبنان، بمقدار معالجتها موضوع الخيانة الزوجية، ومعضلة العقم عند الزوج، واستغلال الأقرباء بعضهم بعضاً حتى التآمر طمعاً بملكيات أو مال أو نساء.
مظهر جنسي وبوليسي
لمرتين متتاليتين، تضعنا الكاتبة آسين شلهوب، إزاء مشهدين جنسيين حارين، تجد الراوية العليمة "جانين" نفسها حيالهما، مرة مع "دافيد"، زوج "مارغريت" قريبتها، والمفتقد للأنثى والحبيبة في غيابها القسري، ومرة ثانية مع سمسار الشقق "ند" الصيني الأصل، الذي كلفته البحث عن شقة لها بعيداً من منزلها الزوجي، والذي أرسلت والدته في طلبه للزواج من فتاة كان يهواها من زمن. فيما يتبين من خطاب الشخصية "جانين"، ومن سياق مناجاتها، أن هاتين العلاقتين مسوغتان لها، ما دام زوجها "زياد" كان قد خانها مع مديرة أعماله، وما دامت تتحرق للعلاقة السوية (الجنسية) مع الرجل. وهنا، تجدر الإشادة بمجهود الكاتبة في تقصي الدوافع النفسية الضاغطة والشديدة، ولا سيما تلك النابعة من الذاكرة واللاوعي ومن طبيعة الكائن، وجنسه وانتمائه الاجتماعي.
أما المظهر البوليسي في الرواية، وتكليف محقق عسكري بقضية اختفاء "مارغريت"، لأحد يدعى وجدي المشنتف، فلم يكن بمستوى عناية الكاتبة بالمظهر الاجتماعي السالف. أو ربما فات القارئ تتبّع الخيوط التي استجمعها، من مباحثه، حتى وصل إلى النتيجة المؤسفة، وهي مقتل "مارغريت" على يد أحد رجال العصابات ممن كانوا ينوون سرقة المغدورة التي تصدت لهم فأرداها أحدهم.
مواعظ وحنين أقل
في تجوال الشخصية الرئيسة "جانين" بين لبنان، موطنها الأصلي ومصدر مشكلاتها، وبين باريس، مجال ترفيهها عن نفسها وسياحتها، وعودتها إلى تورونتو (كندا) مركز عملها وبلدها الثاني، لا يبدو أنها تحمل في خطابها حنيناً رومانسياً إلى الوطن الأم، بخلاف ما نجده لدى الروائية إميلي نصر الله، ولا تعتل هماً مؤرقاً غالبية أهل الوطن، مثل الحرب الأهلية، على ما نجده لدى الروائية حنان الشيخ، وهي المتنقلة ما بين لبنان وأفريقيا. وإنما قصدت الكاتبة الشابة آسين شلهوب أن تثبت عالمها الروائي، وتحسن تركيب أسلوبها، مع بعض من التجديد- وإن استلحاقاً- بتنويع أصوات الشخصيات، في القسم الأخير من الرواية.
أياً يكن، تعد الرواية "على قصاصة ورق" عملاً روائياً جديراً بالقراءة، والتعليق عليه، وللكاتبة آسين شلهوب ما تعد بروايته لاحقاً، بناء على مكتسبها، وهو ليس بالقليل.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


Independent عربية
منذ 4 أيام
- Independent عربية
الأمومة والخيانة والوطن والمنفى "على قصاصة ورق"
نحاذر الوقوع في التعميم حين نشير إلى عناوين قضايا ومسائل باتت الروايات الصادرة باللغة العربية– والأجنبية- تتناولها، والتي يمكن إدراجها في باب مشاغل الإنسان المعاصر، شأن الخيانة الزوجية، والعمل الإداري، والتنقل بين الأمكنة، والهجرة من البلاد، ثم الحنين إلى الوطن الأم، وغيرها مما يشكل موتيفات شبه جاهزة لمن يود الانخراط في الكتابة الروائية بعامة. ولكن أميَز ما في العمل الروائي هو الكيفية التي يُعالج بها ليخرج على هيئة غير معروفة سلفاً، وليطرح فيه صاحبه رؤى وأفكاراً على نحو خاص، وبأسلوب متميز، بحيث تخاطب جمهوراً بعينه، ويستجيب لكل ما يحمله ويدعو له. الرواية الصادرة حديثاً (2025) عن دار النهضة العربية، بعنوان "على قصاصة ورق" للكاتبة اللبنانية- الكندية الشابة آسين شلهوب، تدور أحداثها حول محورين هما علاقة المرأة الزوجية بين الخيانة والألفة، وعمل المرأة وسط ظروف إقامتها في الوطن وانتقالها إلى المغترب (كندا)، وذلك انسجاماً مع التوجه النسوي الذي جاهرت به الكاتبة منذ صدور كتابها الأول "كالييا… لحن الرغبة والهزيمة"، حيث عاودت التذكير بمظلومية المرأة في العالم العربي، ومواجهة المجتمع لها بكل صنوف "المحرمات والممنوعات"، كما قالت في مقابلة أجرتها معها الكاتبة السورية جاكلين سلام عام 2023. استئناف النهضة أم؟ لكن، هل يخطر ببال الكاتبة والقراء اليوم، منتصف العقد الثالث من القرن الـ21، أن للمرأة القضية نفسها التي ينبغي للكاتب/ الكاتبة، المثقف/ المثقفة، الدفاع عنها، والتصدي لمظلوميتها، والحث على تعليمها وإدخالها في سوق العمل، وتنشئتها على قدم المساواة مع الذكَر، على ما كان رواد النهضة يدعون ويلحفون على مواطنيهم، شأن بطرس البستاني وسليمان البستاني وقاسم أمين ومي زيادة، وغيرهم؟ للإجابة نقول، ولئن تنضوي كتابة آسين شلهوب النسوية في سلك النهضويين العام من حيث تسليط الضوء على مظلومية المرأة وضرورة إنصافها، فإنها تنتمي، بلا أدنى شك، إلى الجيل الرابع المعاصر، الذي يتجاوز المطالبة بحقوق المرأة الأساسية (التعليم، والعمل، والحياة الكريمة، وإبداء الرأي، الخ)، إلى فضح المظالم المعاصرة التي لا يزال يقترفها الرجل، أو المجتمع الذكوري، بحق المرأة في كل ميادين المجتمع الحديث، حيث بات لها مكانة مستحقة، ومن تلك المظالم حصر بعض الحقوق الأساسية (مثل حق التمتع بالجنس) بالرجل من دون المرأة (رواية "كالييا... لحن الرغبة والهزيمة")، والظن بأن للرجل حق تملكها، والمصادرة على تطلعاتها (رواية "على قصاصة ورق"). الحبكة بين عالمين ولما كانت الشخصية الرئيسة، والراوية العليمة (جانين)، حاصلة على الجنسية الكندية، إضافة إلى اللبنانية، فكان من المتوقع أن تتحرك على المسرحيْن تباعاً: اللبناني لمتابعة أحوال عمتها "رندة" الصحية ودفع كلف معالجتها، ولمواساة الأخيرة بعد اختفاء ابنتها "مارغريت" لأسباب غامضة، وحيناً آخر تستعيد لحظات من ماضي علاقتها الزوجية المضطربة مع زوجها "زياد" الذي هجرها مع مديرة أعماله لدواعٍ غير مقنعة. وتتواصل التحريات والاستجوابات، يجريها المحقق وجدي المشنتف، مع كلّ من عرف "مارغريت" أو كانت له صلة مصلحية بها، في مقابل شعور متنامٍ لدى والدتها بموت ابنتها وفقدان أثرها إلى الأبد. وفي الأثناء، وبينما راحت جانين تستحضر شريط علاقاتها بعد انفصال زوجها عنها، تروي كيف وقعت فريسة الفراغ العاطفي، وهي لا تزال في كندا، وانغمست في مغامرتين جنسيتين حارتين، مرة مع "دافيد" زوج "مارغريت" الذي استدرجها بحجة أنها تذكره بالحبيبة الغائبة، ومرة ثانية مع المدعو "ند" سمسار العقارات الذي زعم البحث عن شقق بديلة عن شقة "جانين" الزوجية، ومن ثم أوكل إلى أبيه مهمة متابعة البحث حتى وجدا لها شقة تناسب ذوقها. في المقابل، أخذت ترد معلومات من قبل المحقق المشنتف، تفيد بأن "مارغريت"، ابنة عمتها "رندة"، كانت قد اغتيلت على يد رجل من العصابات في خلال محاولته السرقة، وأن قريباً لها يدعى هاني كان متورطاً بأعمال العصابة نفسها. ولن نزيد على ذلك حفظاً للتشويق، سوى القول إن "جانين" هذه عادت إلى كندا، إلى كنف زوجها حبلى بعد أن وثقت من عقم زوجها "زياد". حوارات وطبائع لمن لم يطلع على باكورة الكاتبة– وأنا منهم- قد لا يجوز له التعميم في ما خص بنية الرواية ومجمل التمايزات التي اتصفت بها كتابتها. ومما يتضح لنا، من قراءتنا الأولى والثانية، أن الكاتبة سلكت سبيل كتاب الرواية الاجتماعية، مطعمة بقليل بالنظرات النفسية، ولا سيما في تكوينها سيناريوهات الشخصيات الواقعة تحت ظلم معين، ونسبي، هو ظلم بالقياس إلى سلم القيَم المعاصرة التي تدعو لها الكاتبة شلهوب، في اعتبارها المرأة صنواً للرجل، وهي ذات حقوق في العمل الإداري، والتجاري، والعلمي، والعاطفي، بالتالي ينبغي النظر اليها باعتبارها شريكاً للرجل في كل شيء، حتى في العلاقة الجنسية. ومن هذا المنطلق، يمكن القول إن الكاتبة تأنت في صوغ الحوارات بين الشخصيات، وبلغة تكاد تكون بيضاء، أي من دون تزويق ولا أسلبة، ربما حرصاً على إبلاغ خطابها، من خلال شخصياتها، بأقل قدر من الجهد. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) ولدى الحديث عن تصنيف الرواية، بناء بعض مكوناتها الغالبة، أو المهيمنة، يمكن إدراجها في السجل الاجتماعي، لأنها تعالج مساراً حدثياً يقع في باب علاقات المغتربين (في كندا) بأهلهم في لبنان، بمقدار معالجتها موضوع الخيانة الزوجية، ومعضلة العقم عند الزوج، واستغلال الأقرباء بعضهم بعضاً حتى التآمر طمعاً بملكيات أو مال أو نساء. مظهر جنسي وبوليسي لمرتين متتاليتين، تضعنا الكاتبة آسين شلهوب، إزاء مشهدين جنسيين حارين، تجد الراوية العليمة "جانين" نفسها حيالهما، مرة مع "دافيد"، زوج "مارغريت" قريبتها، والمفتقد للأنثى والحبيبة في غيابها القسري، ومرة ثانية مع سمسار الشقق "ند" الصيني الأصل، الذي كلفته البحث عن شقة لها بعيداً من منزلها الزوجي، والذي أرسلت والدته في طلبه للزواج من فتاة كان يهواها من زمن. فيما يتبين من خطاب الشخصية "جانين"، ومن سياق مناجاتها، أن هاتين العلاقتين مسوغتان لها، ما دام زوجها "زياد" كان قد خانها مع مديرة أعماله، وما دامت تتحرق للعلاقة السوية (الجنسية) مع الرجل. وهنا، تجدر الإشادة بمجهود الكاتبة في تقصي الدوافع النفسية الضاغطة والشديدة، ولا سيما تلك النابعة من الذاكرة واللاوعي ومن طبيعة الكائن، وجنسه وانتمائه الاجتماعي. أما المظهر البوليسي في الرواية، وتكليف محقق عسكري بقضية اختفاء "مارغريت"، لأحد يدعى وجدي المشنتف، فلم يكن بمستوى عناية الكاتبة بالمظهر الاجتماعي السالف. أو ربما فات القارئ تتبّع الخيوط التي استجمعها، من مباحثه، حتى وصل إلى النتيجة المؤسفة، وهي مقتل "مارغريت" على يد أحد رجال العصابات ممن كانوا ينوون سرقة المغدورة التي تصدت لهم فأرداها أحدهم. مواعظ وحنين أقل في تجوال الشخصية الرئيسة "جانين" بين لبنان، موطنها الأصلي ومصدر مشكلاتها، وبين باريس، مجال ترفيهها عن نفسها وسياحتها، وعودتها إلى تورونتو (كندا) مركز عملها وبلدها الثاني، لا يبدو أنها تحمل في خطابها حنيناً رومانسياً إلى الوطن الأم، بخلاف ما نجده لدى الروائية إميلي نصر الله، ولا تعتل هماً مؤرقاً غالبية أهل الوطن، مثل الحرب الأهلية، على ما نجده لدى الروائية حنان الشيخ، وهي المتنقلة ما بين لبنان وأفريقيا. وإنما قصدت الكاتبة الشابة آسين شلهوب أن تثبت عالمها الروائي، وتحسن تركيب أسلوبها، مع بعض من التجديد- وإن استلحاقاً- بتنويع أصوات الشخصيات، في القسم الأخير من الرواية. أياً يكن، تعد الرواية "على قصاصة ورق" عملاً روائياً جديراً بالقراءة، والتعليق عليه، وللكاتبة آسين شلهوب ما تعد بروايته لاحقاً، بناء على مكتسبها، وهو ليس بالقليل.


الشرق السعودية
١٠-٠٤-٢٠٢٥
- الشرق السعودية
100 لوحة رسمها الفنان لابنته.. "ماتيس ومارغريت: نظرة الأب"
لطالما كانت مارغريت ماتيس موضوعاً فنياً لوالدها الرسام العالمي هنري ماتيس (1869-1954)، أحد أعظم الرسامين في القرن العشرين. وهي لعبت دوراً حاسماً في حياة الفنان الأب، الذي أنجز لها مائة صورة بريشته، يعرضها متحف الفن الحديث في باريس بعنوان "ماتيس ومارغريت: نظرة الأب". من صور طفولتها وحتى نهاية الحرب العالمية الثانية، ظلت مارغريت نموذج ماتيس الأكثر ثباتاً، والوحيدة التي ظهرت في أعماله على مدى عقود. هذه المراهقة، هي شخصية متكررة في أكثر من مائة عمل، ولدت في أغسطس 1894 من علاقة عابرة بين الفنان البالغ من العمر 24 عاماً، وعارضته الجميلة كارولين جوبلو. وقالت صحيفة "لوموند" الفرنسية: "تتميز صور مارغريت بصراحة وعمق لافت، وتنقل عاطفة الفنان العميقة تجاه ابنته، إذ بدا ماتيس وكأنه يرى فيها مرآة لنفسه، وكأنه في صوره يُحقّق أخيراً التطابق شبه الكامل بين الرسام والعارضة الذي كان يطمح إليه". يشهد هذا المعرض، المُرتب زمنياً، على قوة الرابطة بين الفنان وابنته. ويضم أكثر من 110 أعمال فنية، لوحات ورسومات ومطبوعات ومنحوتات وأعمال خزفية، فضلاً عن الرسومات التي نادراً ما تعرض أمام الجمهور، بالإضافة إلى أعمال رئيسية من مجموعات أميركية وسويسرية ويابانية، تُعرض الآن في فرنسا للمرة الأولى. وتكمّل الصور الفوتوغرافية والمواد الأرشيفية واللوحات التي رسمتها مارغريت نفسها صورة هذه الشخصية التي لم تكن معروفة على نطاق واسع. كثيراً ما صادف محبو ماتيس نظرة هذه الفتاة الصغيرة ذات المظهر الجاد في "مارغريت ريدينغ" (1906)، أو"مارغريت مع القط الأسود" (1910)، ولوحة الآنسة ماتيس في معطف اسكتلندي (1918)، ولوحة مارغريت إندورمي (1920)، التي لم يتم عرضها إلا قليلاً حتى اليوم. كما تُعرض عشرات الرسومات بالحبر أو الفحم أو القلم الرصاص، وصفحات دفتر ملاحظات أو أوراق فاخرة، ومن بينها بعض من أفضل أعمال مؤلفها.


مجلة سيدتي
٠١-٠١-٢٠٢٥
- مجلة سيدتي
في ذكرى ميلادها ..تعرفوا إلى إبداعات أسطورة الأزياء جين لانفين ومصدر إلهامها
لم تكن علاقة أسطورة الأزياء جين لانفين بابنتها علاقة عادية لأم بابنتها بل كانت علاقة غير تقليدية مدهشة في جميع أبعادها مميزة في تفاصيلها، صممت من خلالها بأنامل ذهبية مبدعة أزياء وملابس أذهلت العالم، وكان لهذه الرابطة غير العادية من الحب الأمومي الفضل في ولادة أحد أقدم وأشهر دور الأزياء الفرنسية العريقة منذ ما يزيد على القرن ونصف القرن، فمن هي جين لانفين والتي نحتفي بذكرى ميلادها اليوم 1يناير. البداية من تصميم القبعات بحسب الموقع الرسمي لدار أزياء جين لانفين فقد ولدت جين لانفين، الابنة الكبرى لعائلة متواضعة مكونة من أحد عشر طفلاً، في باريس في الأول من يناير عام 1867. ومنذ سن مبكرة، تنبأت استقلاليتها وقوة شخصيتها بمصير جين الاستثنائي، والذي تمخض عنه ميلاد أحد مبدعي القرن في مجال الأزياء، ففي سن الثالثة عشرة، عملت جين لدى صانع قبعات في شارع فوبورج سانت أونوريه. وبصفتها مسؤولة عن توصيل القبعات في جميع أنحاء باريس بالحافلة، وجدت طريقة ذكية لتوفير تكلفة تذكرة الحافلة، حيث كانت تتبع السيارة سيراً على الأقدام. ومن ثمّ لُقبت بـ"الحافلة الصغيرة"، حيث نجحت جين بصبرها ودأبها وجدها في جذب الانتباه وشقت طريقها في صناعة القبعات ، وقد لاقت القبعات التي ابتكرتها "الآنسة جين" نجاحاً كبيراً، ومنذ ذلك الوقت وبفضل تضحياتها العديدة ومثابرتها، تمكنت من جعل إبداعاتها في القبعات، التي تحمل علامة "Lanvin (Mademoiselle Jeanne) Modes"، ترتديها أكثر نساء باريس أناقةً. ولادة الإلهام الأكبر تزوجت أسطورة الأزياء لتُرزق في عام 1896بابنتها الوحيدة، هدية السماء، نور حياتها، سر وجودها، سعادة روحها، ونبض وجدانها، مارغريت، التي كانت مصدر إلهام تصميماتها بلا منازع، فعندما بدأت الصغيرة تنمو وتكبر بدأت جين لانفين في تصميم الفساتين بدافع من حبها لمارغريت، وقد حققت نجاحاً كبيراً في المدرسة لدرجة أن الأمهات طلبن منها نسخاً طبق الأصل لبناتهن ولأنفسهن، كما أطلقت جان عطر Arpège الأسطوري لابنتها، التي أصبحت بحلول ذلك الوقت الكونتيسة ماري بلانش دي بوليجناك كهدية يوم ميلاد. ومن خلال هذه الرابطة غير العادية من الحب الأمومي، وُلد شعار العلامة التجارية الأيقوني: رسم لامرأة وطفلها على استعداد للرقص، حيث أمسكت جين ومارغريت أيديهما، واحدة أمام الأخرى، (الشعار عبارة عن إعادة إنشاء لصورة قديمة يظهر فيها الاثنان في نفس الوضع وقد صممه رسام الآرت ديكو بول إيريبي). لا شك أن مارغريت الصغيرة كانت بالفعل أول مصدر إلهام لجين لانفين، فقد صممت لها خزانة ملابس متطورة بشكل لا يُصدق، ومنذ سن مبكرة جداً. لم تبتعد الأم وابنتها أبداً عن بعضهما البعض، كان من المألوف أن نرى مارغريت تتجول فقط بين أرفف القبعات في المتجر، حيث كانت تتلقى غالباً الثناء على ملابسها الأنيقة، بمرور الوقت تبلور أسلوب جين الخاص وزادت شهرتها ونجاحها بفضل إلهام صغيرتها وزادت شهرة تصميماتها والتي دخلت كل البيوت الراقية في هذه الحقبة، فبحلول عام 1909، انضمت دار أزياء جين إلى نادي باريس للأزياء الراقية، Chambre Syndicale de Haute Couture . قد ترغبين في التعرف إلى سبب لماذا تظل باريس عاصمة الموضة والجمال الأبدية؟ مصممة رائدة صاحبة رؤية حقيقية كانت جين لانفين صاحبة رؤية حقيقية، حيث نجحت في التقاط روح العصر طوال مسيرتها المهنية من أجل رفع مستوى دار الأزياء الخاصة بها إلى مستويات عالية من الأناقة والحداثة، وكانت مصممة رائدة في العديد من المجالات. وباعتبارها سيدة كل المهن، طورت جان لانفين أعمال علامتها التجارية من خلال فتح أقسام جديدة بانتظام من أجل تلبية احتياجات المجتمع المتطور، فقد افتتحت قسم القبعات، وملابس الأطفال، ومجموعات الشابات والسيدات، والفراء، و الملابس الداخلية ، وفساتين الزفاف، والملابس الرياضية، والأقمشة المزخرفة، ومجموعات الرجال، والعطور، وحتى بالتصميم الداخلي، مما جعلها مصممةً مبتكرةً للغاية في ذلك الوقت. تجرؤ على تصميم كل شيء. فمن خلال جرأتها، بنت جان لانفين تدريجياً إمبراطورية وأعلنت ثورة في أسلوب الحياة، وقد كان لدى لانفين ما يقرب من 1200 موظف، والعديد من المتاجر، والعديد من الفروع في جميع أنحاء العالم، وكل ذلك بفضل رؤية امرأة استثنائية. ابتكارات جين في عالم الأزياء تذهل الجميع عاشت جين لانفين في فترة مزدحمة من عشرينيات القرن الماضي، وقد نجحت في إيجاد مكانة لنفسها في صناعة الأزياء، مراهنة على التصميمات الهندسية وتأثير آرت ديكو. تلاعبت المصممة بأحجام ملابسها وتبايناتها، مما قادها إلى فهم الموضة بأكثر الطرق الرومانسية الممكنة وإنشاء ملابس من منظور مبتكر، وهو أمر كان جديداً في تلك الأوقات. ابتكرت أسطورة الأزياء فساتين من أقمشة خفيفة ذات ألوان زاهية، مصحوبة بشرائط أو تطريز أو حتى لآلئ، وكانت تتميز بدرجات ألوانها المشرقة لدرجة أنه يوجد اليوم لون "Lanvin Blue" تكريماً لها. كان استخدام جين للأسود والأبيض مذهلاً، فغالباً ما يتم دمجه مع الألوان الأيقونية ل لعلامة التجارية ، مثل الأزرق حيث يمثل هذا المزيج، الذي يتخلله أحياناً لمسات من الفضة، ذروة الأناقة في منتصف عشرينيات القرن العشرين. كان ذلك نتيجة لبحث هندسي استوحته من حركة آرت ديكو، التي كانت في ذلك الوقت في ذروة تأثيرها. ابتكرت جين "روب دي ستايل"، وهو نوع من التنورة من القرن الثامن عشر تم تصميمه ليناسب جميع النساء اللواتي لا يرغبن في ارتداء ملابس مجسمة ويردن ارتداء تنورة تساعد على إخفاء قوامهن الممتلئ. كانت جين لانفين أول مصممة تطلق خط أزياء للأطفال في عام 1908. كانت جين أول من قدم مجموعة مخصصة للرجال في عام 1926. كانت جين أول من ابتكر ماء تواليت مختلط في عام 1933. تُوفيت في سلام حصلت جين لانفين على نيشان جوقه الشرف من رتبه ضابط، ووسام جوقة الشرف من رتبه فارس، وهي أول مصممة أزياء على الإطلاق تحصل على هذه الرتبة. في 6 يوليو 1946، تُوفيت بسلام عن عمر يناهز 79 عاماً، وقد تركت "السيدة" جان صانعة القبعات ومصممة الأزياء ومبتكرة الديكورات ومبدعة العطور الثمينة وراءها إمبراطورية، في رعاية ابنتها وحب حياتها مارغريت، ما زال العالم يتحدث عنها حتى اليوم ويُشيد بما حققته من إنجازات مذهلة في العديد من المجالات، حيث تُعد لانفين اليوم أقدم علامة تجارية نشطة في فرنسا. والسياق التالي يعرفك إلى أيقونة أخرى من أيقونات الموضة .