logo
100 لوحة رسمها الفنان لابنته.. "ماتيس ومارغريت: نظرة الأب"

100 لوحة رسمها الفنان لابنته.. "ماتيس ومارغريت: نظرة الأب"

الشرق السعودية١٠-٠٤-٢٠٢٥

لطالما كانت مارغريت ماتيس موضوعاً فنياً لوالدها الرسام العالمي هنري ماتيس (1869-1954)، أحد أعظم الرسامين في القرن العشرين. وهي لعبت دوراً حاسماً في حياة الفنان الأب، الذي أنجز لها مائة صورة بريشته، يعرضها متحف الفن الحديث في باريس بعنوان "ماتيس ومارغريت: نظرة الأب".
من صور طفولتها وحتى نهاية الحرب العالمية الثانية، ظلت مارغريت نموذج ماتيس الأكثر ثباتاً، والوحيدة التي ظهرت في أعماله على مدى عقود. هذه المراهقة، هي شخصية متكررة في أكثر من مائة عمل، ولدت في أغسطس 1894 من علاقة عابرة بين الفنان البالغ من العمر 24 عاماً، وعارضته الجميلة كارولين جوبلو.
وقالت صحيفة "لوموند" الفرنسية: "تتميز صور مارغريت بصراحة وعمق لافت، وتنقل عاطفة الفنان العميقة تجاه ابنته، إذ بدا ماتيس وكأنه يرى فيها مرآة لنفسه، وكأنه في صوره يُحقّق أخيراً التطابق شبه الكامل بين الرسام والعارضة الذي كان يطمح إليه".
يشهد هذا المعرض، المُرتب زمنياً، على قوة الرابطة بين الفنان وابنته. ويضم أكثر من 110 أعمال فنية، لوحات ورسومات ومطبوعات ومنحوتات وأعمال خزفية، فضلاً عن الرسومات التي نادراً ما تعرض أمام الجمهور، بالإضافة إلى أعمال رئيسية من مجموعات أميركية وسويسرية ويابانية، تُعرض الآن في فرنسا للمرة الأولى.
وتكمّل الصور الفوتوغرافية والمواد الأرشيفية واللوحات التي رسمتها مارغريت نفسها صورة هذه الشخصية التي لم تكن معروفة على نطاق واسع.
كثيراً ما صادف محبو ماتيس نظرة هذه الفتاة الصغيرة ذات المظهر الجاد في "مارغريت ريدينغ" (1906)، أو"مارغريت مع القط الأسود" (1910)، ولوحة الآنسة ماتيس في معطف اسكتلندي (1918)، ولوحة مارغريت إندورمي (1920)، التي لم يتم عرضها إلا قليلاً حتى اليوم.
كما تُعرض عشرات الرسومات بالحبر أو الفحم أو القلم الرصاص، وصفحات دفتر ملاحظات أو أوراق فاخرة، ومن بينها بعض من أفضل أعمال مؤلفها.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

الأمومة والخيانة والوطن والمنفى "على قصاصة ورق"
الأمومة والخيانة والوطن والمنفى "على قصاصة ورق"

Independent عربية

timeمنذ 3 أيام

  • Independent عربية

الأمومة والخيانة والوطن والمنفى "على قصاصة ورق"

نحاذر الوقوع في التعميم حين نشير إلى عناوين قضايا ومسائل باتت الروايات الصادرة باللغة العربية– والأجنبية- تتناولها، والتي يمكن إدراجها في باب مشاغل الإنسان المعاصر، شأن الخيانة الزوجية، والعمل الإداري، والتنقل بين الأمكنة، والهجرة من البلاد، ثم الحنين إلى الوطن الأم، وغيرها مما يشكل موتيفات شبه جاهزة لمن يود الانخراط في الكتابة الروائية بعامة. ولكن أميَز ما في العمل الروائي هو الكيفية التي يُعالج بها ليخرج على هيئة غير معروفة سلفاً، وليطرح فيه صاحبه رؤى وأفكاراً على نحو خاص، وبأسلوب متميز، بحيث تخاطب جمهوراً بعينه، ويستجيب لكل ما يحمله ويدعو له. الرواية الصادرة حديثاً (2025) عن دار النهضة العربية، بعنوان "على قصاصة ورق" للكاتبة اللبنانية- الكندية الشابة آسين شلهوب، تدور أحداثها حول محورين هما علاقة المرأة الزوجية بين الخيانة والألفة، وعمل المرأة وسط ظروف إقامتها في الوطن وانتقالها إلى المغترب (كندا)، وذلك انسجاماً مع التوجه النسوي الذي جاهرت به الكاتبة منذ صدور كتابها الأول "كالييا… لحن الرغبة والهزيمة"، حيث عاودت التذكير بمظلومية المرأة في العالم العربي، ومواجهة المجتمع لها بكل صنوف "المحرمات والممنوعات"، كما قالت في مقابلة أجرتها معها الكاتبة السورية جاكلين سلام عام 2023. استئناف النهضة أم؟ لكن، هل يخطر ببال الكاتبة والقراء اليوم، منتصف العقد الثالث من القرن الـ21، أن للمرأة القضية نفسها التي ينبغي للكاتب/ الكاتبة، المثقف/ المثقفة، الدفاع عنها، والتصدي لمظلوميتها، والحث على تعليمها وإدخالها في سوق العمل، وتنشئتها على قدم المساواة مع الذكَر، على ما كان رواد النهضة يدعون ويلحفون على مواطنيهم، شأن بطرس البستاني وسليمان البستاني وقاسم أمين ومي زيادة، وغيرهم؟ للإجابة نقول، ولئن تنضوي كتابة آسين شلهوب النسوية في سلك النهضويين العام من حيث تسليط الضوء على مظلومية المرأة وضرورة إنصافها، فإنها تنتمي، بلا أدنى شك، إلى الجيل الرابع المعاصر، الذي يتجاوز المطالبة بحقوق المرأة الأساسية (التعليم، والعمل، والحياة الكريمة، وإبداء الرأي، الخ)، إلى فضح المظالم المعاصرة التي لا يزال يقترفها الرجل، أو المجتمع الذكوري، بحق المرأة في كل ميادين المجتمع الحديث، حيث بات لها مكانة مستحقة، ومن تلك المظالم حصر بعض الحقوق الأساسية (مثل حق التمتع بالجنس) بالرجل من دون المرأة (رواية "كالييا... لحن الرغبة والهزيمة")، والظن بأن للرجل حق تملكها، والمصادرة على تطلعاتها (رواية "على قصاصة ورق"). الحبكة بين عالمين ولما كانت الشخصية الرئيسة، والراوية العليمة (جانين)، حاصلة على الجنسية الكندية، إضافة إلى اللبنانية، فكان من المتوقع أن تتحرك على المسرحيْن تباعاً: اللبناني لمتابعة أحوال عمتها "رندة" الصحية ودفع كلف معالجتها، ولمواساة الأخيرة بعد اختفاء ابنتها "مارغريت" لأسباب غامضة، وحيناً آخر تستعيد لحظات من ماضي علاقتها الزوجية المضطربة مع زوجها "زياد" الذي هجرها مع مديرة أعماله لدواعٍ غير مقنعة. وتتواصل التحريات والاستجوابات، يجريها المحقق وجدي المشنتف، مع كلّ من عرف "مارغريت" أو كانت له صلة مصلحية بها، في مقابل شعور متنامٍ لدى والدتها بموت ابنتها وفقدان أثرها إلى الأبد. وفي الأثناء، وبينما راحت جانين تستحضر شريط علاقاتها بعد انفصال زوجها عنها، تروي كيف وقعت فريسة الفراغ العاطفي، وهي لا تزال في كندا، وانغمست في مغامرتين جنسيتين حارتين، مرة مع "دافيد" زوج "مارغريت" الذي استدرجها بحجة أنها تذكره بالحبيبة الغائبة، ومرة ثانية مع المدعو "ند" سمسار العقارات الذي زعم البحث عن شقق بديلة عن شقة "جانين" الزوجية، ومن ثم أوكل إلى أبيه مهمة متابعة البحث حتى وجدا لها شقة تناسب ذوقها. في المقابل، أخذت ترد معلومات من قبل المحقق المشنتف، تفيد بأن "مارغريت"، ابنة عمتها "رندة"، كانت قد اغتيلت على يد رجل من العصابات في خلال محاولته السرقة، وأن قريباً لها يدعى هاني كان متورطاً بأعمال العصابة نفسها. ولن نزيد على ذلك حفظاً للتشويق، سوى القول إن "جانين" هذه عادت إلى كندا، إلى كنف زوجها حبلى بعد أن وثقت من عقم زوجها "زياد". حوارات وطبائع لمن لم يطلع على باكورة الكاتبة– وأنا منهم- قد لا يجوز له التعميم في ما خص بنية الرواية ومجمل التمايزات التي اتصفت بها كتابتها. ومما يتضح لنا، من قراءتنا الأولى والثانية، أن الكاتبة سلكت سبيل كتاب الرواية الاجتماعية، مطعمة بقليل بالنظرات النفسية، ولا سيما في تكوينها سيناريوهات الشخصيات الواقعة تحت ظلم معين، ونسبي، هو ظلم بالقياس إلى سلم القيَم المعاصرة التي تدعو لها الكاتبة شلهوب، في اعتبارها المرأة صنواً للرجل، وهي ذات حقوق في العمل الإداري، والتجاري، والعلمي، والعاطفي، بالتالي ينبغي النظر اليها باعتبارها شريكاً للرجل في كل شيء، حتى في العلاقة الجنسية. ومن هذا المنطلق، يمكن القول إن الكاتبة تأنت في صوغ الحوارات بين الشخصيات، وبلغة تكاد تكون بيضاء، أي من دون تزويق ولا أسلبة، ربما حرصاً على إبلاغ خطابها، من خلال شخصياتها، بأقل قدر من الجهد. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) ولدى الحديث عن تصنيف الرواية، بناء بعض مكوناتها الغالبة، أو المهيمنة، يمكن إدراجها في السجل الاجتماعي، لأنها تعالج مساراً حدثياً يقع في باب علاقات المغتربين (في كندا) بأهلهم في لبنان، بمقدار معالجتها موضوع الخيانة الزوجية، ومعضلة العقم عند الزوج، واستغلال الأقرباء بعضهم بعضاً حتى التآمر طمعاً بملكيات أو مال أو نساء. مظهر جنسي وبوليسي لمرتين متتاليتين، تضعنا الكاتبة آسين شلهوب، إزاء مشهدين جنسيين حارين، تجد الراوية العليمة "جانين" نفسها حيالهما، مرة مع "دافيد"، زوج "مارغريت" قريبتها، والمفتقد للأنثى والحبيبة في غيابها القسري، ومرة ثانية مع سمسار الشقق "ند" الصيني الأصل، الذي كلفته البحث عن شقة لها بعيداً من منزلها الزوجي، والذي أرسلت والدته في طلبه للزواج من فتاة كان يهواها من زمن. فيما يتبين من خطاب الشخصية "جانين"، ومن سياق مناجاتها، أن هاتين العلاقتين مسوغتان لها، ما دام زوجها "زياد" كان قد خانها مع مديرة أعماله، وما دامت تتحرق للعلاقة السوية (الجنسية) مع الرجل. وهنا، تجدر الإشادة بمجهود الكاتبة في تقصي الدوافع النفسية الضاغطة والشديدة، ولا سيما تلك النابعة من الذاكرة واللاوعي ومن طبيعة الكائن، وجنسه وانتمائه الاجتماعي. أما المظهر البوليسي في الرواية، وتكليف محقق عسكري بقضية اختفاء "مارغريت"، لأحد يدعى وجدي المشنتف، فلم يكن بمستوى عناية الكاتبة بالمظهر الاجتماعي السالف. أو ربما فات القارئ تتبّع الخيوط التي استجمعها، من مباحثه، حتى وصل إلى النتيجة المؤسفة، وهي مقتل "مارغريت" على يد أحد رجال العصابات ممن كانوا ينوون سرقة المغدورة التي تصدت لهم فأرداها أحدهم. مواعظ وحنين أقل في تجوال الشخصية الرئيسة "جانين" بين لبنان، موطنها الأصلي ومصدر مشكلاتها، وبين باريس، مجال ترفيهها عن نفسها وسياحتها، وعودتها إلى تورونتو (كندا) مركز عملها وبلدها الثاني، لا يبدو أنها تحمل في خطابها حنيناً رومانسياً إلى الوطن الأم، بخلاف ما نجده لدى الروائية إميلي نصر الله، ولا تعتل هماً مؤرقاً غالبية أهل الوطن، مثل الحرب الأهلية، على ما نجده لدى الروائية حنان الشيخ، وهي المتنقلة ما بين لبنان وأفريقيا. وإنما قصدت الكاتبة الشابة آسين شلهوب أن تثبت عالمها الروائي، وتحسن تركيب أسلوبها، مع بعض من التجديد- وإن استلحاقاً- بتنويع أصوات الشخصيات، في القسم الأخير من الرواية. أياً يكن، تعد الرواية "على قصاصة ورق" عملاً روائياً جديراً بالقراءة، والتعليق عليه، وللكاتبة آسين شلهوب ما تعد بروايته لاحقاً، بناء على مكتسبها، وهو ليس بالقليل.

100 لوحة رسمها الفنان لابنته.. "ماتيس ومارغريت: نظرة الأب"
100 لوحة رسمها الفنان لابنته.. "ماتيس ومارغريت: نظرة الأب"

الشرق السعودية

time١٠-٠٤-٢٠٢٥

  • الشرق السعودية

100 لوحة رسمها الفنان لابنته.. "ماتيس ومارغريت: نظرة الأب"

لطالما كانت مارغريت ماتيس موضوعاً فنياً لوالدها الرسام العالمي هنري ماتيس (1869-1954)، أحد أعظم الرسامين في القرن العشرين. وهي لعبت دوراً حاسماً في حياة الفنان الأب، الذي أنجز لها مائة صورة بريشته، يعرضها متحف الفن الحديث في باريس بعنوان "ماتيس ومارغريت: نظرة الأب". من صور طفولتها وحتى نهاية الحرب العالمية الثانية، ظلت مارغريت نموذج ماتيس الأكثر ثباتاً، والوحيدة التي ظهرت في أعماله على مدى عقود. هذه المراهقة، هي شخصية متكررة في أكثر من مائة عمل، ولدت في أغسطس 1894 من علاقة عابرة بين الفنان البالغ من العمر 24 عاماً، وعارضته الجميلة كارولين جوبلو. وقالت صحيفة "لوموند" الفرنسية: "تتميز صور مارغريت بصراحة وعمق لافت، وتنقل عاطفة الفنان العميقة تجاه ابنته، إذ بدا ماتيس وكأنه يرى فيها مرآة لنفسه، وكأنه في صوره يُحقّق أخيراً التطابق شبه الكامل بين الرسام والعارضة الذي كان يطمح إليه". يشهد هذا المعرض، المُرتب زمنياً، على قوة الرابطة بين الفنان وابنته. ويضم أكثر من 110 أعمال فنية، لوحات ورسومات ومطبوعات ومنحوتات وأعمال خزفية، فضلاً عن الرسومات التي نادراً ما تعرض أمام الجمهور، بالإضافة إلى أعمال رئيسية من مجموعات أميركية وسويسرية ويابانية، تُعرض الآن في فرنسا للمرة الأولى. وتكمّل الصور الفوتوغرافية والمواد الأرشيفية واللوحات التي رسمتها مارغريت نفسها صورة هذه الشخصية التي لم تكن معروفة على نطاق واسع. كثيراً ما صادف محبو ماتيس نظرة هذه الفتاة الصغيرة ذات المظهر الجاد في "مارغريت ريدينغ" (1906)، أو"مارغريت مع القط الأسود" (1910)، ولوحة الآنسة ماتيس في معطف اسكتلندي (1918)، ولوحة مارغريت إندورمي (1920)، التي لم يتم عرضها إلا قليلاً حتى اليوم. كما تُعرض عشرات الرسومات بالحبر أو الفحم أو القلم الرصاص، وصفحات دفتر ملاحظات أو أوراق فاخرة، ومن بينها بعض من أفضل أعمال مؤلفها.

موسكو تعلن على الأدب الأوكراني حرب الغاء الهوية
موسكو تعلن على الأدب الأوكراني حرب الغاء الهوية

Independent عربية

time٠٣-٠٣-٢٠٢٥

  • Independent عربية

موسكو تعلن على الأدب الأوكراني حرب الغاء الهوية

من المعروف أن اللغة الروسية واسعة الانتشار في أوكرانيا، وهي لغة عدد كبير من كتب الأدب والشعر والتاريخ والفلسفة فيها، إنما ليس لدرجة محو لغة البلاد الوطنية تماماً. ويكتب عدد كبير من الكتّاب الأوكرانيين باللغة الروسية كما يكتسح الكتاب الروسي المشهد بـ 70 في المئة من الكتب المتوافرة في المكتبات الأوكرانية، مع العلم أن عدداً من الكتّاب الروس المعروفين عالمياً هم في الأصل أوكرانيون، مثل الكاتب الروسي نيكولاي غوغول (1809-1852) صاحب القصة القصيرة "المعطف" وقصة "الأنف" ورواية "الأنفس الميتة". وإضافة إلى ذلك فقليلة هي ترجمات الأدب الأوكراني إلى اللغات الأوروبية، كما أن قراءته في الداخل الأوكراني أيضاً ليست منتشرة، لتتربع الروسية مكانه في المجالين كليهما، ويقول رئيس التحرير السابق للمجلة الأسبوعية الأوكرانية The Ukrainien Week دميتري كرابيفينكو من مكانه على الجبهة شارحاً هذا الواقع، إنه "لمدة طويلة جعلونا نعتقد بأن الأدب الروسي نخبوي بينما الأدب الأوكراني بدائي، فكم من كتاب لم يقرأ ولم يترجم ولم ينل حقه من النجاح بسبب هذا الرأي السائد". جنود أوكرانيون يحاولون إنقاذ كتب من الحريق (أ ب) صحيح أن الأوكرانيين تأخروا ليبدأوا مطالبتهم بتحرير أدبهم المحلي من سطوة الأدب الروسي، لكن هذا لا يعني خسارتهم حقهم بهوية أدبية قومية منفصلة عن الهوية الأدبية الروسية، وتعتبر أستاذة الأدب الروسي في كلية الألسن في جامعة عين شمس الدكتورة دينا محمد عبده أن القرن الـ 19 هو عصر تكوين الهوية القومية الأوكرانية لغة وأدباً وسياسة، لكن هذه المحاولات الأولى بالتحرر من سطوة الثقافة الروسية وأدبها باءت بالفشل وعوقب أصحابها وتعرضوا للتنكيل الروسي الذي كان لا يزال قوي النفوذ آنذاك. ومن الواضح في المشهد الأدبي اليوم أن روسيا ترغب في إعادة أوكرانيا تحت جناحها الثقافي واللغوي، ويبدو أن الإستراتيجية الروسية خطرة وحاسمة على صعيد الأدب والفكر والتاريخ، فبعد مرور ما يربو على ثلاثة قرون من استقلال أوكرانيا لا يزال الروس يرفضون منح الأوكرانيين استقلالهم الأدبي والثقافي، وباتوا يوظفون الحرب العسكرية واحتلالهم لمناطق أوكرانية ليبسطوا سلطتهم لغوياً وثقافياً وأدبياً. مسح الذاكرة عبر محو الأدب يدفع الأدب الأوكراني أغلى الأثمان في الحرب الروسية على أوكرانيا اليوم، فعدا عن كثير من الكتّاب الذين توقفوا عن الكتابة لينضموا إلى الجيش ويقبعوا على الجبهات دفاعاً عن وطنهم، فإن كتّاباً آخرين تعرضوا للخطف أو السجن أو التهديد بالتعذيب أو التنكيل أو القتل، ويبدو أن الكتّاب الأوكرانيين يتعرضون لحملة اضطهاد مدروسة وإستراتيجية في رغبة روسية واضحة بمحو اللغة الأوكرانية وأدبها وثقافتها، وقد عنونت صحيفة The Wall Street Journal إحدى مقالاتها بجملة "رغبة روسية في محو مستقبل أوكرانيا وماضيها"، في إشارة منها إلى القصف المتعمد التي تقوم به القوات الروسية لدور النشر والمطابع والمكتبات والمتاحف، كما تعنون "صحيفة لوموند " الفرنسية إحدى مقالاتها في الـ 21 من فبراير (شباط) الماضي بـ "ضد محو الأدب الأوكراني"، متحدثة عن قصف الروس لمطبعة Faktor-Druk الأوكرانية التي تطبع ثلث الأدب الأوكراني، وعن تعذيب واختطاف وقتل ما يربو على 250 أديباً أوكرانياً. وتكثر في الصحافة العالمية اليوم المقالات التي تعدد المكتبات والمتاحف الأدبية التي جرى تدميرها عمداً، وقد يكون أبرزها متحف "أوديسا" الأدبي، ففي الـ 31 يناير من (كانون الثاني) الماضي تضرر جزء كبير من المتحف نتيجة ضربة صاروخية باليستية روسية على وسط المدينة، كما تسبب القصف في إتلاف 15 معلماً معمارياً، بما في ذلك "فندق بريستول" و"متحف الفن الغربي والشرقي" و"مسرح أوديسا الفيلهارموني" ومباني "اتحاد الكتّاب الأوكرانيين" ومبنى "معهد الصحافة" في جامعة تاراس شيفتشينكو الوطنية. ومن اللافت أن "متحف أوديسا الأدبي" كان يُعرف باسم "متحف ألكسندر بوشكين" التذكاري الأدبي على اسم الشاعر الروسي الذي سكن هناك عام 1923 بعد أن نفي من روسيا، وقد جرى افتتاح المعرض في يونيو (حزيران) عام 1961 باسم بوشكين، ثم أعيد افتتاحه في ديسمبر (كانون الأول) 2023، وجرت تسميته باسم "متحف أوديسا الأدبي" في إطار ما يُعرف بحملة إزالة السمة الروسية عن أوكرانيا، وقد بدأ هدم النصب التذكارية المخصصة للشاعر والكاتب المسرحي الروسي بوشكين في أوكرانيا منذ الغزو الروسي باعتباره رمزاً للدعاية الروسية، وذلك في إطار حملة واسعة النطاق أطلق عليها الأوكرانيون اسم Pushkinopad أي "سقوط بوشكين"، وتأتي هذه الموجة من التفكيك كجزء من عملية نزع الصفة الروسية عن أوكرانيا ومحاولة الرد على حملات محو الأدب الأوكراني من قبل السياسة الروسية. أدب مهمش لا هامشي يذكر أن الأدب الأوكراني قبل الغزو الروسي شكل 0.5 في المئة فقط من الأعمال المترجمة إلى اللغة الفرنسية مع احتلال الأدب الروسي عرش الترجمات من أوروبا الشرقية، باعتبار اللغة الروسية الوريثة الشرعية الوحيدة للاتحاد السوفياتي وهيمنته، حتى إن المجلة الفرنسية الشهرية Études لم تتوان في طرح سؤال "هل من ثقافة أوكرانية مستقلة؟" يتعرض الأوكرانيون اليوم لإبادة لغوية ليأتي شعار "نحن لا نتحدث لغة المحتل"، كمحاولة من المثقفين للتصدي لحملات قتل اللغة وإحلال سيطرة الروسية مكانها، باعتبار أن سلطة بوتين تتوقف حيث تتوقف اللغة الروسية، وفي مقالة صدرت في الـ 27 من أكتوبر (تشرين الأول) 2024 بعنوان "اللغة التي يقتلوننا بسببها"، يكتب ماكيسين نيستلييف أنه "في عام 2014 قيل إن عدداً من الأوكرانيين قُتل لتحدثه الأوكرانية، أما اليوم ومنذ عام 2022 فقد بات هذا الزعم واقعياً". ويكافح الصحافيون والمؤلفون والمحررون والناشرون الأوكرانيون من أجل إبقاء الأدب الأوكراني على قيد الحياة، لكن الجيش الروسي يرفض الهزيمة الثقافية، ففي الأراضي الأوكرانية التي احتلها وجد أساتذة اللغة والأدب والتاريخ أنفسهم إزاء أوامر مباشرة بتعليم الروسية وتغيير المناهج التعليمية وجعلها مطابقة لتلك التي يجري تعليمها في روسيا، ووفق ليرا بورلاكوفا فإن الأساتذة الأوكرانيين يتعرضون للتنكيل الوحشي والضغط اليومي، عدا عن إحراق الجنود الروس خرائط أوكرانيا ومؤلفاتها وقواميسها وكتب تاريخها، في محاولة منهم لمحو الهوية الوطنية وإبدالها بالروسية. ويتجه الأدب الأوكراني اليوم، بحسب كثر، إلى الفراغ من حيث قلة ما يُكتب وما يُنشر وما ينجو من التلف، فالنية الروسية بمحو الأدب الأوكراني واضحة وشديدة من منطلق أن أدب أوكرانيا لا يملك الحق في أن ينفصل عن الأدب الروسي، عدا عن أن عدداً كبيراً من الكتّاب لم يملك حتى الفرصة لينهي ما بدأه، لكن الكتّاب الأوكرانيين حفظوا الدرس، فالكاتب فلاديمير فاكولينكو الذي اُختطف وقتل أدرك الخطر الذي هو فيه مسبقاً وحفر أسفل شجرة كرز موجودة في حديقة منزل والديه وأخفى فيها مخطوطته الثمينة، فنجت بينما لم ينجُ صاحبها. أما قصة المخطوطة فتكمل بعد أن عثرت عليها الكاتبة الأوكرانية ذائعة الصيت ومؤلفة كتب الأطفال، فيكتوريا أميلينا، والتي أرادت تأليف كتاب عن الذين وثقوا الحرب وجمع شهاداتهم، فقابلت والد الكاتب فلاديمير فاكولينكو وتساعد الاثنان لإيجاد المخطوطة المخبأة تحت شجرة الكرز، وخوفاً من أن يصيبها ما أصاب صاحب المخطوطة أرسلت أميلينا المخطوطة المذكورة إلى صديقة لها مع رسالة "فلتبقَ المخطوطة معكِ في حال وقوع طارئ ونزول صاروخ"، وفي يونيو 2023 قُتلت فيكتوريا أميلينا في هجوم صاروخي أدى إلى مقتل 64 آخرين، فيما صدرت المخطوطة مؤخراً بعنوان: I Am Transforming: A Diary of Occupation. رفض الأدباء الأوكرانيين الموت مرتين غادر كتّاب وناشرون وصحافيون أوكرانيون كثر بلادهم المتعرضة للقصف متوجهين إلى أوروبا أو أميركا ليتحدثوا عن الحرب ومآسيها وعن دأب الروس على محو كل ما يخرج عن سياق الثقافة الروسية وأدبها، فظهر موقع Chytomo مثالاً عن البنية التحتية الثقافية الأوكرانية في ظل ظروف الحرب، ويعد هذا الموقع أكبر وسيلة إعلامية مستقلة تقدم أخباراً أدبية وثقافية أوكرانية أثناء الحرب وتغطي النشر والعمليات الأدبية المعاصرة في أوكرانيا، ويوافر هذا الموقع الأخبار والملخصات والاختيارات والتحليلات حول الأحداث الرئيسة في مجال النشر والأدب الأوكرانيين، كما يمنح الصوت للأعمال الرائدة وللمؤلفين والفنانين الأوكرانيين مقدماً توصيات للترجمة إلى لغات أجنبية، ويبدو إذاً أن الكتّاب والناشرين والصحافيين الأوكرانيين ليسوا تحت قصف روسي عسكري فقط، بل هم تحت نير عملية محو منهجي للثقافة الأوكرانية، إنما كما تقول الأغنية الأوكرانية العائدة لعشرينيات القرن الـ 20: "لم يجلب البكاء الحرية لأحد، مَن يقاتل هو وحده من يتحرر"، ليبدو أن أدباء أوكرانيا لا يملكون ترف البكاء هذه الأيام، وأنه لا بد لهم من القتال لإنقاذ لغتهم وأدبهم ومنع كتّابهم الذين قُتلوا من أن يُقتلوا مرة أخرى.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store