logo
موسكو تعلن على الأدب الأوكراني حرب الغاء الهوية

موسكو تعلن على الأدب الأوكراني حرب الغاء الهوية

Independent عربية٠٣-٠٣-٢٠٢٥

من المعروف أن اللغة الروسية واسعة الانتشار في أوكرانيا، وهي لغة عدد كبير من كتب الأدب والشعر والتاريخ والفلسفة فيها، إنما ليس لدرجة محو لغة البلاد الوطنية تماماً. ويكتب عدد كبير من الكتّاب الأوكرانيين باللغة الروسية كما يكتسح الكتاب الروسي المشهد بـ 70 في المئة من الكتب المتوافرة في المكتبات الأوكرانية، مع العلم أن عدداً من الكتّاب الروس المعروفين عالمياً هم في الأصل أوكرانيون، مثل الكاتب الروسي نيكولاي غوغول (1809-1852) صاحب القصة القصيرة "المعطف" وقصة "الأنف" ورواية "الأنفس الميتة".
وإضافة إلى ذلك فقليلة هي ترجمات الأدب الأوكراني إلى اللغات الأوروبية، كما أن قراءته في الداخل الأوكراني أيضاً ليست منتشرة، لتتربع الروسية مكانه في المجالين كليهما، ويقول رئيس التحرير السابق للمجلة الأسبوعية الأوكرانية The Ukrainien Week دميتري كرابيفينكو من مكانه على الجبهة شارحاً هذا الواقع، إنه "لمدة طويلة جعلونا نعتقد بأن الأدب الروسي نخبوي بينما الأدب الأوكراني بدائي، فكم من كتاب لم يقرأ ولم يترجم ولم ينل حقه من النجاح بسبب هذا الرأي السائد".
جنود أوكرانيون يحاولون إنقاذ كتب من الحريق (أ ب)
صحيح أن الأوكرانيين تأخروا ليبدأوا مطالبتهم بتحرير أدبهم المحلي من سطوة الأدب الروسي، لكن هذا لا يعني خسارتهم حقهم بهوية أدبية قومية منفصلة عن الهوية الأدبية الروسية، وتعتبر أستاذة الأدب الروسي في كلية الألسن في جامعة عين شمس الدكتورة دينا محمد عبده أن القرن الـ 19 هو عصر تكوين الهوية القومية الأوكرانية لغة وأدباً وسياسة، لكن هذه المحاولات الأولى بالتحرر من سطوة الثقافة الروسية وأدبها باءت بالفشل وعوقب أصحابها وتعرضوا للتنكيل الروسي الذي كان لا يزال قوي النفوذ آنذاك.
ومن الواضح في المشهد الأدبي اليوم أن روسيا ترغب في إعادة أوكرانيا تحت جناحها الثقافي واللغوي، ويبدو أن الإستراتيجية الروسية خطرة وحاسمة على صعيد الأدب والفكر والتاريخ، فبعد مرور ما يربو على ثلاثة قرون من استقلال أوكرانيا لا يزال الروس يرفضون منح الأوكرانيين استقلالهم الأدبي والثقافي، وباتوا يوظفون الحرب العسكرية واحتلالهم لمناطق أوكرانية ليبسطوا سلطتهم لغوياً وثقافياً وأدبياً.
مسح الذاكرة عبر محو الأدب
يدفع الأدب الأوكراني أغلى الأثمان في الحرب الروسية على أوكرانيا اليوم، فعدا عن كثير من الكتّاب الذين توقفوا عن الكتابة لينضموا إلى الجيش ويقبعوا على الجبهات دفاعاً عن وطنهم، فإن كتّاباً آخرين تعرضوا للخطف أو السجن أو التهديد بالتعذيب أو التنكيل أو القتل، ويبدو أن الكتّاب الأوكرانيين يتعرضون لحملة اضطهاد مدروسة وإستراتيجية في رغبة روسية واضحة بمحو اللغة الأوكرانية وأدبها وثقافتها، وقد عنونت صحيفة The Wall Street Journal إحدى مقالاتها بجملة "رغبة روسية في محو مستقبل أوكرانيا وماضيها"، في إشارة منها إلى القصف المتعمد التي تقوم به القوات الروسية لدور النشر والمطابع والمكتبات والمتاحف، كما تعنون "صحيفة لوموند " الفرنسية إحدى مقالاتها في الـ 21 من فبراير (شباط) الماضي بـ "ضد محو الأدب الأوكراني"، متحدثة عن قصف الروس لمطبعة Faktor-Druk الأوكرانية التي تطبع ثلث الأدب الأوكراني، وعن تعذيب واختطاف وقتل ما يربو على 250 أديباً أوكرانياً.
وتكثر في الصحافة العالمية اليوم المقالات التي تعدد المكتبات والمتاحف الأدبية التي جرى تدميرها عمداً، وقد يكون أبرزها متحف "أوديسا" الأدبي، ففي الـ 31 يناير من (كانون الثاني) الماضي تضرر جزء كبير من المتحف نتيجة ضربة صاروخية باليستية روسية على وسط المدينة، كما تسبب القصف في إتلاف 15 معلماً معمارياً، بما في ذلك "فندق بريستول" و"متحف الفن الغربي والشرقي" و"مسرح أوديسا الفيلهارموني" ومباني "اتحاد الكتّاب الأوكرانيين" ومبنى "معهد الصحافة" في جامعة تاراس شيفتشينكو الوطنية.
ومن اللافت أن "متحف أوديسا الأدبي" كان يُعرف باسم "متحف ألكسندر بوشكين" التذكاري الأدبي على اسم الشاعر الروسي الذي سكن هناك عام 1923 بعد أن نفي من روسيا، وقد جرى افتتاح المعرض في يونيو (حزيران) عام 1961 باسم بوشكين، ثم أعيد افتتاحه في ديسمبر (كانون الأول) 2023، وجرت تسميته باسم "متحف أوديسا الأدبي" في إطار ما يُعرف بحملة إزالة السمة الروسية عن أوكرانيا، وقد بدأ هدم النصب التذكارية المخصصة للشاعر والكاتب المسرحي الروسي بوشكين في أوكرانيا منذ الغزو الروسي باعتباره رمزاً للدعاية الروسية، وذلك في إطار حملة واسعة النطاق أطلق عليها الأوكرانيون اسم Pushkinopad أي "سقوط بوشكين"، وتأتي هذه الموجة من التفكيك كجزء من عملية نزع الصفة الروسية عن أوكرانيا ومحاولة الرد على حملات محو الأدب الأوكراني من قبل السياسة الروسية.
أدب مهمش لا هامشي
يذكر أن الأدب الأوكراني قبل الغزو الروسي شكل 0.5 في المئة فقط من الأعمال المترجمة إلى اللغة الفرنسية مع احتلال الأدب الروسي عرش الترجمات من أوروبا الشرقية، باعتبار اللغة الروسية الوريثة الشرعية الوحيدة للاتحاد السوفياتي وهيمنته، حتى إن المجلة الفرنسية الشهرية Études لم تتوان في طرح سؤال "هل من ثقافة أوكرانية مستقلة؟"
يتعرض الأوكرانيون اليوم لإبادة لغوية ليأتي شعار "نحن لا نتحدث لغة المحتل"، كمحاولة من المثقفين للتصدي لحملات قتل اللغة وإحلال سيطرة الروسية مكانها، باعتبار أن سلطة بوتين تتوقف حيث تتوقف اللغة الروسية، وفي مقالة صدرت في الـ 27 من أكتوبر (تشرين الأول) 2024 بعنوان "اللغة التي يقتلوننا بسببها"، يكتب ماكيسين نيستلييف أنه "في عام 2014 قيل إن عدداً من الأوكرانيين قُتل لتحدثه الأوكرانية، أما اليوم ومنذ عام 2022 فقد بات هذا الزعم واقعياً".
ويكافح الصحافيون والمؤلفون والمحررون والناشرون الأوكرانيون من أجل إبقاء الأدب الأوكراني على قيد الحياة، لكن الجيش الروسي يرفض الهزيمة الثقافية، ففي الأراضي الأوكرانية التي احتلها وجد أساتذة اللغة والأدب والتاريخ أنفسهم إزاء أوامر مباشرة بتعليم الروسية وتغيير المناهج التعليمية وجعلها مطابقة لتلك التي يجري تعليمها في روسيا، ووفق ليرا بورلاكوفا فإن الأساتذة الأوكرانيين يتعرضون للتنكيل الوحشي والضغط اليومي، عدا عن إحراق الجنود الروس خرائط أوكرانيا ومؤلفاتها وقواميسها وكتب تاريخها، في محاولة منهم لمحو الهوية الوطنية وإبدالها بالروسية.
ويتجه الأدب الأوكراني اليوم، بحسب كثر، إلى الفراغ من حيث قلة ما يُكتب وما يُنشر وما ينجو من التلف، فالنية الروسية بمحو الأدب الأوكراني واضحة وشديدة من منطلق أن أدب أوكرانيا لا يملك الحق في أن ينفصل عن الأدب الروسي، عدا عن أن عدداً كبيراً من الكتّاب لم يملك حتى الفرصة لينهي ما بدأه، لكن الكتّاب الأوكرانيين حفظوا الدرس، فالكاتب فلاديمير فاكولينكو الذي اُختطف وقتل أدرك الخطر الذي هو فيه مسبقاً وحفر أسفل شجرة كرز موجودة في حديقة منزل والديه وأخفى فيها مخطوطته الثمينة، فنجت بينما لم ينجُ صاحبها.
أما قصة المخطوطة فتكمل بعد أن عثرت عليها الكاتبة الأوكرانية ذائعة الصيت ومؤلفة كتب الأطفال، فيكتوريا أميلينا، والتي أرادت تأليف كتاب عن الذين وثقوا الحرب وجمع شهاداتهم، فقابلت والد الكاتب فلاديمير فاكولينكو وتساعد الاثنان لإيجاد المخطوطة المخبأة تحت شجرة الكرز، وخوفاً من أن يصيبها ما أصاب صاحب المخطوطة أرسلت أميلينا المخطوطة المذكورة إلى صديقة لها مع رسالة "فلتبقَ المخطوطة معكِ في حال وقوع طارئ ونزول صاروخ"، وفي يونيو 2023 قُتلت فيكتوريا أميلينا في هجوم صاروخي أدى إلى مقتل 64 آخرين، فيما صدرت المخطوطة مؤخراً بعنوان: I Am Transforming: A Diary of Occupation.
رفض الأدباء الأوكرانيين الموت مرتين
غادر كتّاب وناشرون وصحافيون أوكرانيون كثر بلادهم المتعرضة للقصف متوجهين إلى أوروبا أو أميركا ليتحدثوا عن الحرب ومآسيها وعن دأب الروس على محو كل ما يخرج عن سياق الثقافة الروسية وأدبها، فظهر موقع Chytomo مثالاً عن البنية التحتية الثقافية الأوكرانية في ظل ظروف الحرب، ويعد هذا الموقع أكبر وسيلة إعلامية مستقلة تقدم أخباراً أدبية وثقافية أوكرانية أثناء الحرب وتغطي النشر والعمليات الأدبية المعاصرة في أوكرانيا، ويوافر هذا الموقع الأخبار والملخصات والاختيارات والتحليلات حول الأحداث الرئيسة في مجال النشر والأدب الأوكرانيين، كما يمنح الصوت للأعمال الرائدة وللمؤلفين والفنانين الأوكرانيين مقدماً توصيات للترجمة إلى لغات أجنبية، ويبدو إذاً أن الكتّاب والناشرين والصحافيين الأوكرانيين ليسوا تحت قصف روسي عسكري فقط، بل هم تحت نير عملية محو منهجي للثقافة الأوكرانية، إنما كما تقول الأغنية الأوكرانية العائدة لعشرينيات القرن الـ 20: "لم يجلب البكاء الحرية لأحد، مَن يقاتل هو وحده من يتحرر"، ليبدو أن أدباء أوكرانيا لا يملكون ترف البكاء هذه الأيام، وأنه لا بد لهم من القتال لإنقاذ لغتهم وأدبهم ومنع كتّابهم الذين قُتلوا من أن يُقتلوا مرة أخرى.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

القاهرة الفاطمية تستضيف ملتقى القاهرة الأدبي
القاهرة الفاطمية تستضيف ملتقى القاهرة الأدبي

الشرق السعودية

time١٤-٠٤-٢٠٢٥

  • الشرق السعودية

القاهرة الفاطمية تستضيف ملتقى القاهرة الأدبي

تستضيف قبّة الغوري، في منطقة القاهرة الفاطمية، الدورة السابعة من "ملتقى القاهرة الأدبي" الذي تُنظمه "صفصافة للثقافة والنشر"، بعنوان "واقعية الخيال"، بمشاركة أدباء وشعراء ومترجمين من ثماني دول، يناقشون التأثير المتبادل بين الأدب والواقع المعاش، وخصوصاً في اللحظات التاريخية المعقّدة، وأهمية الذاكرة الثقافية ودور الكُتّاب في حفظها. شارك في الجلسة الافتتاحية الكاتبة الألمانية جيني إربينبيك، الحاصلة على جائزة "بوكر" العالمية عام 2024، والكاتب المصري خالد الخميسي، رئيس مجلس إدارة مكتبة القاهرة الكبرى. وأكد الناشر محمد البعلي مدير الملتقى لـ"الشرق"، "أن الفعاليات تؤكد على تفاعل الفنون والآداب مع الواقع الذي يشهد تحولات كثيرة، وتأثيرها على الإنسان، وتناقش قضايا ملحّة بمشاركة كُتّاب وشعراء ومؤثري وسائل التواصل، التي أصبحت من موجهات القارئ عربياً وعالمياً، ومن الضروري الالتفات إليها لفهم واقع الثقافة الحالي". الجلسة الافتتاحية حملت عنوان "الخيال حين يحلّق بأجنحة الواقع"، أدارها الدكتور صلاح هلال؛ أستاذ الأدب الألماني في جامعة عين شمس، وتحدث فيها الكاتب خالد الخميسي عن أهمية الملتقى، مشيراً إلى أن "مكان إقامة الفعاليات وهو قبة الغوري التاريخية مرتبط بالخيال"، لافتاً إلى أن "هذا المكان هو نتاج خيال المعماري الذي عاش منذ قرون بعيدة، وأصبح واقعاً نعيش فيه الآن، ويراه كل شخص بشكل مختلف، وفقاً لخبراته وقدرته على فهم ما يراه". وحول طبيعة الشخصيات الأدبية قال: "على الرغم من أنها شخصيات متخيّلة، لكنها تفرض استقلاليتها على الكاتب، وبعض الناس يتصوّرون أن الكاتب يحدّد مسار شخصياته، لكن في حقيقة الأمر أن الكاتب كخطوة أولى يحدّد الملامح الأساسية الاجتماعية والعمرية والنفسية، ومن خلال ذلك تفرض الشخصية نفسها ومسارها وتُملي على الكاتب ما تريده". وتحدث رئيس مجلس إدارة مكتبة القاهرة الكبرى عن الإصدارات المختلفة للكتب، التي تتنوّع في جودتها، وذكر أن الكاتب الفرنسي الشهير بلزاك، "كتب خطاباً في نهاية العشرينيات من القرن 19 إلى ناشر كُتبه، وذلك رداً على طلبه، الذي أشار فيه على بلزاك بمتابعة أحد الكُتّاب الذي تحظي أعماله بمبيعات كبيرة، لمعرفة أسلوبه ومحاولة تقليده، مشيراً إلى أنه لولا خطاب بلزاك الذي ذكر فيه اسم هذا الكاتب، لما سمع أحد عنه، لأنه اختفى ورواياته غير موجودة، لكن بلزاك بقي، وهو ما يؤكد أن الغثّ هو الغالب والسمين هو القليل، ودائماً هناك كتب لا قيمة لها تلقى رواجاً، لكن في النهاية تنتصر الأعمال ذات القيمة". وأوضحت جيني إربينبيك، وهي أول كاتبة ألمانية تفوز بـ"بوكر"، أن علاقتها بالشخصيات تبادلية، ولفتت إلى أنها تعطي إشارة البدء وتمنح الشخصية استقلاليتها، ثم تحاول أن تفكر إذا كانت مكان تلك الشخصيات كيف ستتصرف وبماذا ستشعر". وتجد الكاتبة أنها تنطلق دائما في كتاباتها من الواقع والقضايا الهامة، ولديها شغف بالبحث عن الحقيقة التي تنطلق منها إلى السرد الخيالي، مشيرة إلى روايتها "وطن محمول" التي أثارت ضجة في ألمانيا وقت صدورها، "لأنها تناولت قضية المهاجرين الأفارقة غير الشرعيين في ألمانيا، وأنها قبل كتابتها كانت منشغلة بفكرة الهوية والوطن وارتباطهما بالإحساس بالفقد الدائم". كما رأت التحولات في المجتمع الألماني مع تدفق أعداد كبيرة من المهاجرين إليها، "وعدم إدراك الشعب الألماني لطبيعة حياة ومصائر هؤلاء وأنهم ليسوا أرقاماً؛ لذلك أردت لفت الانتباه إلى قضيتهم وحقوقهم". وأكدت الكاتبة أن والدتها ترجمت من العربية مباشرة أعمال الكاتب المصري الحاصل على جائزة نوبل نجيب محفوظ، وأنها حالياً تتتبع رحلة والدتها في مصر وتعلمها للغة العربية، وتعرّفها على كوكبة من الأدباء المصريين، مشيرة إلى أنها كانت طفلة حينها، وكانت السلطات في ألمانيا الشرقية تحتفظ بها لضمان عودة الأم إلى ألمانيا مرة ثانية. وقال الكاتب المصري إبراهيم عبد المجيد، "إن ملتقى القاهرة من الفعاليات الهامة خاصة أنه مبادرة أهلية؛ وتاريخياً شاركت المبادرات الأهلية بأكبر مساهمة في تاريخ الثقافة، ولعبت دوراً كبيراً في التنمية الثقافية، وفكرة الجلسة الافتتاحية هامة لأن الناس كثيراً ما يتعاملون مع الأدب، باعتباره واقعاً، ويحاسبون الروائيين على تصرفات الشخصيات الخيالية، باعتبارها شخصيات حقيقية وليست من خيال المؤلف". يضم برنامج الملتقى مجموعة متنوّعة من الجلسات، من بينها "الأدب والسوشيال ميديا: تسويق أم توجيه ذوق القراء"، و "كيف تنظر كتب التاريخ الثقافي إلى أدوار النساء"، و"خمسون عاماً على وفاة أم كلثوم"، و"التعافي بالكتابة"، و"الأدب العربي في شمال أفريقيا.. مجالات التأثير والتأثر"، ويختتم الملتقى أعماله الخميس المقبل، بأمسية شعرية تضم عدداً من الشعراء والشاعرات من مصر ومالطا وألمانيا.

100 لوحة رسمها الفنان لابنته.. "ماتيس ومارغريت: نظرة الأب"
100 لوحة رسمها الفنان لابنته.. "ماتيس ومارغريت: نظرة الأب"

الشرق السعودية

time١٠-٠٤-٢٠٢٥

  • الشرق السعودية

100 لوحة رسمها الفنان لابنته.. "ماتيس ومارغريت: نظرة الأب"

لطالما كانت مارغريت ماتيس موضوعاً فنياً لوالدها الرسام العالمي هنري ماتيس (1869-1954)، أحد أعظم الرسامين في القرن العشرين. وهي لعبت دوراً حاسماً في حياة الفنان الأب، الذي أنجز لها مائة صورة بريشته، يعرضها متحف الفن الحديث في باريس بعنوان "ماتيس ومارغريت: نظرة الأب". من صور طفولتها وحتى نهاية الحرب العالمية الثانية، ظلت مارغريت نموذج ماتيس الأكثر ثباتاً، والوحيدة التي ظهرت في أعماله على مدى عقود. هذه المراهقة، هي شخصية متكررة في أكثر من مائة عمل، ولدت في أغسطس 1894 من علاقة عابرة بين الفنان البالغ من العمر 24 عاماً، وعارضته الجميلة كارولين جوبلو. وقالت صحيفة "لوموند" الفرنسية: "تتميز صور مارغريت بصراحة وعمق لافت، وتنقل عاطفة الفنان العميقة تجاه ابنته، إذ بدا ماتيس وكأنه يرى فيها مرآة لنفسه، وكأنه في صوره يُحقّق أخيراً التطابق شبه الكامل بين الرسام والعارضة الذي كان يطمح إليه". يشهد هذا المعرض، المُرتب زمنياً، على قوة الرابطة بين الفنان وابنته. ويضم أكثر من 110 أعمال فنية، لوحات ورسومات ومطبوعات ومنحوتات وأعمال خزفية، فضلاً عن الرسومات التي نادراً ما تعرض أمام الجمهور، بالإضافة إلى أعمال رئيسية من مجموعات أميركية وسويسرية ويابانية، تُعرض الآن في فرنسا للمرة الأولى. وتكمّل الصور الفوتوغرافية والمواد الأرشيفية واللوحات التي رسمتها مارغريت نفسها صورة هذه الشخصية التي لم تكن معروفة على نطاق واسع. كثيراً ما صادف محبو ماتيس نظرة هذه الفتاة الصغيرة ذات المظهر الجاد في "مارغريت ريدينغ" (1906)، أو"مارغريت مع القط الأسود" (1910)، ولوحة الآنسة ماتيس في معطف اسكتلندي (1918)، ولوحة مارغريت إندورمي (1920)، التي لم يتم عرضها إلا قليلاً حتى اليوم. كما تُعرض عشرات الرسومات بالحبر أو الفحم أو القلم الرصاص، وصفحات دفتر ملاحظات أو أوراق فاخرة، ومن بينها بعض من أفضل أعمال مؤلفها.

موسكو تعلن على الأدب الأوكراني حرب الغاء الهوية
موسكو تعلن على الأدب الأوكراني حرب الغاء الهوية

Independent عربية

time٠٣-٠٣-٢٠٢٥

  • Independent عربية

موسكو تعلن على الأدب الأوكراني حرب الغاء الهوية

من المعروف أن اللغة الروسية واسعة الانتشار في أوكرانيا، وهي لغة عدد كبير من كتب الأدب والشعر والتاريخ والفلسفة فيها، إنما ليس لدرجة محو لغة البلاد الوطنية تماماً. ويكتب عدد كبير من الكتّاب الأوكرانيين باللغة الروسية كما يكتسح الكتاب الروسي المشهد بـ 70 في المئة من الكتب المتوافرة في المكتبات الأوكرانية، مع العلم أن عدداً من الكتّاب الروس المعروفين عالمياً هم في الأصل أوكرانيون، مثل الكاتب الروسي نيكولاي غوغول (1809-1852) صاحب القصة القصيرة "المعطف" وقصة "الأنف" ورواية "الأنفس الميتة". وإضافة إلى ذلك فقليلة هي ترجمات الأدب الأوكراني إلى اللغات الأوروبية، كما أن قراءته في الداخل الأوكراني أيضاً ليست منتشرة، لتتربع الروسية مكانه في المجالين كليهما، ويقول رئيس التحرير السابق للمجلة الأسبوعية الأوكرانية The Ukrainien Week دميتري كرابيفينكو من مكانه على الجبهة شارحاً هذا الواقع، إنه "لمدة طويلة جعلونا نعتقد بأن الأدب الروسي نخبوي بينما الأدب الأوكراني بدائي، فكم من كتاب لم يقرأ ولم يترجم ولم ينل حقه من النجاح بسبب هذا الرأي السائد". جنود أوكرانيون يحاولون إنقاذ كتب من الحريق (أ ب) صحيح أن الأوكرانيين تأخروا ليبدأوا مطالبتهم بتحرير أدبهم المحلي من سطوة الأدب الروسي، لكن هذا لا يعني خسارتهم حقهم بهوية أدبية قومية منفصلة عن الهوية الأدبية الروسية، وتعتبر أستاذة الأدب الروسي في كلية الألسن في جامعة عين شمس الدكتورة دينا محمد عبده أن القرن الـ 19 هو عصر تكوين الهوية القومية الأوكرانية لغة وأدباً وسياسة، لكن هذه المحاولات الأولى بالتحرر من سطوة الثقافة الروسية وأدبها باءت بالفشل وعوقب أصحابها وتعرضوا للتنكيل الروسي الذي كان لا يزال قوي النفوذ آنذاك. ومن الواضح في المشهد الأدبي اليوم أن روسيا ترغب في إعادة أوكرانيا تحت جناحها الثقافي واللغوي، ويبدو أن الإستراتيجية الروسية خطرة وحاسمة على صعيد الأدب والفكر والتاريخ، فبعد مرور ما يربو على ثلاثة قرون من استقلال أوكرانيا لا يزال الروس يرفضون منح الأوكرانيين استقلالهم الأدبي والثقافي، وباتوا يوظفون الحرب العسكرية واحتلالهم لمناطق أوكرانية ليبسطوا سلطتهم لغوياً وثقافياً وأدبياً. مسح الذاكرة عبر محو الأدب يدفع الأدب الأوكراني أغلى الأثمان في الحرب الروسية على أوكرانيا اليوم، فعدا عن كثير من الكتّاب الذين توقفوا عن الكتابة لينضموا إلى الجيش ويقبعوا على الجبهات دفاعاً عن وطنهم، فإن كتّاباً آخرين تعرضوا للخطف أو السجن أو التهديد بالتعذيب أو التنكيل أو القتل، ويبدو أن الكتّاب الأوكرانيين يتعرضون لحملة اضطهاد مدروسة وإستراتيجية في رغبة روسية واضحة بمحو اللغة الأوكرانية وأدبها وثقافتها، وقد عنونت صحيفة The Wall Street Journal إحدى مقالاتها بجملة "رغبة روسية في محو مستقبل أوكرانيا وماضيها"، في إشارة منها إلى القصف المتعمد التي تقوم به القوات الروسية لدور النشر والمطابع والمكتبات والمتاحف، كما تعنون "صحيفة لوموند " الفرنسية إحدى مقالاتها في الـ 21 من فبراير (شباط) الماضي بـ "ضد محو الأدب الأوكراني"، متحدثة عن قصف الروس لمطبعة Faktor-Druk الأوكرانية التي تطبع ثلث الأدب الأوكراني، وعن تعذيب واختطاف وقتل ما يربو على 250 أديباً أوكرانياً. وتكثر في الصحافة العالمية اليوم المقالات التي تعدد المكتبات والمتاحف الأدبية التي جرى تدميرها عمداً، وقد يكون أبرزها متحف "أوديسا" الأدبي، ففي الـ 31 يناير من (كانون الثاني) الماضي تضرر جزء كبير من المتحف نتيجة ضربة صاروخية باليستية روسية على وسط المدينة، كما تسبب القصف في إتلاف 15 معلماً معمارياً، بما في ذلك "فندق بريستول" و"متحف الفن الغربي والشرقي" و"مسرح أوديسا الفيلهارموني" ومباني "اتحاد الكتّاب الأوكرانيين" ومبنى "معهد الصحافة" في جامعة تاراس شيفتشينكو الوطنية. ومن اللافت أن "متحف أوديسا الأدبي" كان يُعرف باسم "متحف ألكسندر بوشكين" التذكاري الأدبي على اسم الشاعر الروسي الذي سكن هناك عام 1923 بعد أن نفي من روسيا، وقد جرى افتتاح المعرض في يونيو (حزيران) عام 1961 باسم بوشكين، ثم أعيد افتتاحه في ديسمبر (كانون الأول) 2023، وجرت تسميته باسم "متحف أوديسا الأدبي" في إطار ما يُعرف بحملة إزالة السمة الروسية عن أوكرانيا، وقد بدأ هدم النصب التذكارية المخصصة للشاعر والكاتب المسرحي الروسي بوشكين في أوكرانيا منذ الغزو الروسي باعتباره رمزاً للدعاية الروسية، وذلك في إطار حملة واسعة النطاق أطلق عليها الأوكرانيون اسم Pushkinopad أي "سقوط بوشكين"، وتأتي هذه الموجة من التفكيك كجزء من عملية نزع الصفة الروسية عن أوكرانيا ومحاولة الرد على حملات محو الأدب الأوكراني من قبل السياسة الروسية. أدب مهمش لا هامشي يذكر أن الأدب الأوكراني قبل الغزو الروسي شكل 0.5 في المئة فقط من الأعمال المترجمة إلى اللغة الفرنسية مع احتلال الأدب الروسي عرش الترجمات من أوروبا الشرقية، باعتبار اللغة الروسية الوريثة الشرعية الوحيدة للاتحاد السوفياتي وهيمنته، حتى إن المجلة الفرنسية الشهرية Études لم تتوان في طرح سؤال "هل من ثقافة أوكرانية مستقلة؟" يتعرض الأوكرانيون اليوم لإبادة لغوية ليأتي شعار "نحن لا نتحدث لغة المحتل"، كمحاولة من المثقفين للتصدي لحملات قتل اللغة وإحلال سيطرة الروسية مكانها، باعتبار أن سلطة بوتين تتوقف حيث تتوقف اللغة الروسية، وفي مقالة صدرت في الـ 27 من أكتوبر (تشرين الأول) 2024 بعنوان "اللغة التي يقتلوننا بسببها"، يكتب ماكيسين نيستلييف أنه "في عام 2014 قيل إن عدداً من الأوكرانيين قُتل لتحدثه الأوكرانية، أما اليوم ومنذ عام 2022 فقد بات هذا الزعم واقعياً". ويكافح الصحافيون والمؤلفون والمحررون والناشرون الأوكرانيون من أجل إبقاء الأدب الأوكراني على قيد الحياة، لكن الجيش الروسي يرفض الهزيمة الثقافية، ففي الأراضي الأوكرانية التي احتلها وجد أساتذة اللغة والأدب والتاريخ أنفسهم إزاء أوامر مباشرة بتعليم الروسية وتغيير المناهج التعليمية وجعلها مطابقة لتلك التي يجري تعليمها في روسيا، ووفق ليرا بورلاكوفا فإن الأساتذة الأوكرانيين يتعرضون للتنكيل الوحشي والضغط اليومي، عدا عن إحراق الجنود الروس خرائط أوكرانيا ومؤلفاتها وقواميسها وكتب تاريخها، في محاولة منهم لمحو الهوية الوطنية وإبدالها بالروسية. ويتجه الأدب الأوكراني اليوم، بحسب كثر، إلى الفراغ من حيث قلة ما يُكتب وما يُنشر وما ينجو من التلف، فالنية الروسية بمحو الأدب الأوكراني واضحة وشديدة من منطلق أن أدب أوكرانيا لا يملك الحق في أن ينفصل عن الأدب الروسي، عدا عن أن عدداً كبيراً من الكتّاب لم يملك حتى الفرصة لينهي ما بدأه، لكن الكتّاب الأوكرانيين حفظوا الدرس، فالكاتب فلاديمير فاكولينكو الذي اُختطف وقتل أدرك الخطر الذي هو فيه مسبقاً وحفر أسفل شجرة كرز موجودة في حديقة منزل والديه وأخفى فيها مخطوطته الثمينة، فنجت بينما لم ينجُ صاحبها. أما قصة المخطوطة فتكمل بعد أن عثرت عليها الكاتبة الأوكرانية ذائعة الصيت ومؤلفة كتب الأطفال، فيكتوريا أميلينا، والتي أرادت تأليف كتاب عن الذين وثقوا الحرب وجمع شهاداتهم، فقابلت والد الكاتب فلاديمير فاكولينكو وتساعد الاثنان لإيجاد المخطوطة المخبأة تحت شجرة الكرز، وخوفاً من أن يصيبها ما أصاب صاحب المخطوطة أرسلت أميلينا المخطوطة المذكورة إلى صديقة لها مع رسالة "فلتبقَ المخطوطة معكِ في حال وقوع طارئ ونزول صاروخ"، وفي يونيو 2023 قُتلت فيكتوريا أميلينا في هجوم صاروخي أدى إلى مقتل 64 آخرين، فيما صدرت المخطوطة مؤخراً بعنوان: I Am Transforming: A Diary of Occupation. رفض الأدباء الأوكرانيين الموت مرتين غادر كتّاب وناشرون وصحافيون أوكرانيون كثر بلادهم المتعرضة للقصف متوجهين إلى أوروبا أو أميركا ليتحدثوا عن الحرب ومآسيها وعن دأب الروس على محو كل ما يخرج عن سياق الثقافة الروسية وأدبها، فظهر موقع Chytomo مثالاً عن البنية التحتية الثقافية الأوكرانية في ظل ظروف الحرب، ويعد هذا الموقع أكبر وسيلة إعلامية مستقلة تقدم أخباراً أدبية وثقافية أوكرانية أثناء الحرب وتغطي النشر والعمليات الأدبية المعاصرة في أوكرانيا، ويوافر هذا الموقع الأخبار والملخصات والاختيارات والتحليلات حول الأحداث الرئيسة في مجال النشر والأدب الأوكرانيين، كما يمنح الصوت للأعمال الرائدة وللمؤلفين والفنانين الأوكرانيين مقدماً توصيات للترجمة إلى لغات أجنبية، ويبدو إذاً أن الكتّاب والناشرين والصحافيين الأوكرانيين ليسوا تحت قصف روسي عسكري فقط، بل هم تحت نير عملية محو منهجي للثقافة الأوكرانية، إنما كما تقول الأغنية الأوكرانية العائدة لعشرينيات القرن الـ 20: "لم يجلب البكاء الحرية لأحد، مَن يقاتل هو وحده من يتحرر"، ليبدو أن أدباء أوكرانيا لا يملكون ترف البكاء هذه الأيام، وأنه لا بد لهم من القتال لإنقاذ لغتهم وأدبهم ومنع كتّابهم الذين قُتلوا من أن يُقتلوا مرة أخرى.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store