logo
#

أحدث الأخبار مع #داود_الشريان

الشريان والتراث العمراني
الشريان والتراث العمراني

العربية

timeمنذ 4 ساعات

  • ترفيه
  • العربية

الشريان والتراث العمراني

في منتصف الثمانينات تقريبًا ظهر صوت قوي ومؤثر ينادي بالمحافظة على التراث العمراني، وكان ذلك الصوت هو الأمير سلطان بن سلمان، فبعد عودته من رحلة الفضاء عام 1986، وربما قبل ذلك، تشكل لديه تصور مختلف نحو "المكان" بكل ما يعنيه من بشر وعمران وثقافة.. فما أسميه "ثقافة التراث" التي نعيشها حاليًا كان للأمير سلطان الدور الأبرز في خلقها.. كتب الإعلامي داود الشريان في تغريدة له قبل عدة أيام (18 من هذا الشهر) "باسم الحداثة المهندس السعودي يطمس ملامح القرى! في دول عربية كثيرة، وأخرى غربية كان المهندس حارسا للهوية المعمارية ومؤرخا للجمال المحلي، أما في السعودية، فقد أصبح كثير من المهندسين السعوديين مجرد مقاولي هدم، يباركون طمس الملامح، ويطاردون "الحداثة" بطريقة تثير الشفقة على ما آل إليه حالنا، ودورهم".. هذه التغريدة لقت رواجا بين المهتمين بالعمارة ووصلتني من أحدهم وكان ساخطا على رأي الشريان وقال "إنه ليس مطلعا على الموضوع وأدخل نفسه في موضوع شائك، حتى أنه لا يفرّق بين المهندس والمعماري، ولا يعرف التاريخ المهني الذي مر به المعماري والمهندس السعودي". قلت له إنها مجرد تغريدة ورأي حر من حق كل انسان أن يدلي بدلوه، والشريان أدلى بدلوه. قال: يفترض أنه إعلامي بارز وكثير من الناس يعتقدون أن ما قاله صحيح، والأمر غير ذلك. وأردف بقوله "الرأي مسؤولية وأمانة، وإذا كنت لا تعرف فخير لك الصمت". يبدو لي أن الشريان لم يبذل الجهد الكافي، قبل كتابة تغريدته، التي يتهم فيها بشكل مباشر وصريح المهندس السعودي (ولعله يقصد المعماري الذي هو مسؤول عن قضية التراث العمراني وليس المهندس) ووصمه بأنه تخلى عن التراث وكان مجرد مقاول لهدم ذلك التراث وتدميره، سوف أتحدث عن تجربتي الشخصية التي تمتد إلى أكثر من 40 عاما وهي مقاربة لتجارب كثير من الزملاء في هذا المجال وسوف أعرج على جيل سبقنا وكان يواجه "المعاول" التي تحدث عنها الشريان لأنها لم تكن في يوم معاول حركها المعماري السعودي بل كان دائما في مواجهتها، لكنها ربما كانت أقوى منه لأنه كان في بداية تكوينه المهني. قبل ذلك يجب أن أشير إلى أن أول برنامج للعمارة كان في عام 1967م في جامعة الملك سعود وأول كلية عمارة كانت في جامعة الملك فيصل (الإمام عبدالرحمن بن فيصل حاليا) عام 1975م، أي بعد أن قامت كثير من الأمانات والبلديات بنزع ملكية وهدم العديد من أواسط المدن والقرى التراثية قبل أن يتكوّن أي جيل معماري مهني في المملكة، في تلك الفترة كان المجتمع السعودي، بما في ذلك المؤسسات الحكومية المسؤولة عن المدن، مرحب بالحداثة صاحبه نزوح كبير إلى الأحياء الجديدة وهجر مواقع التراث. إذا لنقل إن الأساس الذي بنى الشريان تغريدته عليه لم يكن صحيحا، على أن الأمر لا يتوقف عند هذا الحد بل إن ما قام به مجموعة من المعماريين السعوديين في نهاية السبعينات كان ملفتا فرغم أنه لم يتكون جيلا معماريا ناضجا، إلا أن الأوائل تنبهوا لهذا التدمير غير المبرر للتراث العمراني وحاولوا مواجهته ودراسة ما تبقى منه في تلك الفترة، من هؤلاء الدكتور صالح الهذلول الذي قدم أطروحته للدكتوارة عام 1980م وكانت حول المدينة العربية وتناولت مدينة الرياض والمدينة المنورة، وكذلك المعماري علي الشعيبي وغيرهم كثير الذين كانوا ينتمون إلى جيل السبعينات وتطور لديهم وعي عميق بأهمية التراث العمراني وضرورة المحافظة عليه وهم يرونه يدمّر أمام أعينهم. في تلك الفترة، أقصد مطلع الثمانينات، تطور جدل عميق بين المعماريين والأكاديميين السعوديين حول الهوية وعلاقتها بالتراث العمراني وسُطّرت العديد من الدراسات وأبحاث الدكتوراة والمقالات حول التراث العمراني. لكن يجب أن نفرّق بين ما يستطيع أن يصنعه المعماري والأكاديمي وبين القرارات التي تتخذها مؤسسات الدولة من خلال خططها التنموية التي كانت ترى أن إزالة التراث جزء من تلك الخطط. كانت هناك مقاومة وكان هناك تجارب ولم يكن المعماري السعودي راضيا عن تلك الإزالات أبدا. في منتصف الثمانينات تقريبا ظهر صوت قوي ومؤثر ينادي بالمحافظة على التراث العمراني وكان ذلك الصوت هو الأمير سلطان بن سلمان، فبعد عودته من رحلة الفضاء عام 1986م، وربما قبل ذلك، تشكل لديه تصور مختلف نحو "المكان" بكل ما يعنيه من بشر وعمران وثقافة، أذكر أنه قال ذات مرة "عندما رأيت أراضي المملكة من الفضاء، تخيلت كيف أن آباءنا وأجدادنا عاشوا على هذه الأرض التي كانت تظهر أمامي كبقعة صغيرة". في نهاية الثمانينات اقتنى الأمير نخيل العذيبات في الدرعية ومنها تطورت أعظم تجربة محلية حية لمعايشة التراث العمراني والمحافظة عليه حتى اليوم، الأمير سلطان لم يكتفِ بخلق تجربة حية، بل شارك المهنيين والأكاديميين همومهم وأصبح رئيسا فخريا للجمعية السعودية لعلوم العمران في مطلع التسعينات من القرن الماضي ومن ذلك المنبر عمل على عدة مشاريع لإيقاف التخريب "البلدي" فتلك المؤسسات كانت تزدري التراث وكان يقول إنه "كنز" سوف يكتشفون قيمته في يوم ما. في تلك المرحلة نادي بدمج التراث العمراني في التعليم المعماري وعقد مع جمعية العمران عدة ورش لملتقيات شاركت فيها الجامعات. لا أستطيع أن أقول إن الوعي الإداري لدى الجامعات كان ناضجا تجاه التراث العمراني في ذلك الوقت لكن محاولات الأمير لم تتوقف حتى اليوم. في عام 1996م أسس الأمير سلطان مؤسسة التراث، وهي لا تزال تعمل حتى اليوم وأسس معها جائزة الأمير سلطان للتراث العمراني، التي شرفت بأن أكون أحد أعضاء لجنتها العليا، وجميعها محاولات فردية لخلق وعي مجتمعي حول التراث، لكن النقلة الكبرى عندما أصبح الأمير أمينا عاما لهيئة السياحة عام 2001م ثم رئيسا لها بعد ذلك، فقد أسس برنامجا للمحافظة على القرى التراثية عام 2004م، قبل أن تنظم الآثار والتراث للهيئة عام 2008م، وأضيف برنامج آخر للمحافظة على أواسط المدن التاريخية ثم أُقرّ قانون الآثار والمتاحف والتراث العمراني عام 2015م، ولأول مرة على مستوى الدول العربية يطور قانون للتراث العمراني، ثم عمل على تطوير ميثاق التراث العمراني للدول العربية، وكنت ممثلا للهيئة في جامعة الدول العربية حتى أقر عام 2017م، على ما اظن، وتم تأسيس أول مرصد للتراث العمراني العربي في أول اجتماع للمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم في تونس. ولا يمكن أن أنسى رحلات الاستطلاع التي نظمتها هيئة السياحة والتراث لمواقع التراث الحية في العالم وكان الفريق يتكون من أمنا مناطق ورؤساء بلديات ومحافظين ومهنيين، فالأمير لم ينسَ معاول الهدم للتراث وأراد أن يغير تلك الثقافة من الداخل، من قلب المؤسسات التي أمرت بإزالته. هذا فيض من غيض ولا يتسع المقال للدخول في تفاصيل كثيرة ومهمة أسهمت دون شك في خلق ما أسميه "ثقافة التراث" التي نعيشها حاليا وكان للأمير سلطان الدور الأبرز في خلقها.

الشريان والتراث العمراني
الشريان والتراث العمراني

الرياض

timeمنذ 14 ساعات

  • ترفيه
  • الرياض

الشريان والتراث العمراني

في منتصف الثمانينات تقريبًا ظهر صوت قوي ومؤثر ينادي بالمحافظة على التراث العمراني، وكان ذلك الصوت هو الأمير سلطان بن سلمان، فبعد عودته من رحلة الفضاء عام 1986، وربما قبل ذلك، تشكل لديه تصور مختلف نحو "المكان" بكل ما يعنيه من بشر وعمران وثقافة.. فما أسميه "ثقافة التراث" التي نعيشها حاليًا كان للأمير سلطان الدور الأبرز في خلقها.. كتب الإعلامي داود الشريان في تغريدة له قبل عدة أيام (18 من هذا الشهر) "باسم الحداثة المهندس السعودي يطمس ملامح القرى! في دول عربية كثيرة، وأخرى غربية كان المهندس حارسا للهوية المعمارية ومؤرخا للجمال المحلي، أما في السعودية، فقد أصبح كثير من المهندسين السعوديين مجرد مقاولي هدم، يباركون طمس الملامح، ويطاردون "الحداثة" بطريقة تثير الشفقة على ما آل إليه حالنا، ودورهم".. هذه التغريدة لقت رواجا بين المهتمين بالعمارة ووصلتني من أحدهم وكان ساخطا على رأي الشريان وقال "إنه ليس مطلعا على الموضوع وأدخل نفسه في موضوع شائك، حتى أنه لا يفرّق بين المهندس والمعماري، ولا يعرف التاريخ المهني الذي مر به المعماري والمهندس السعودي". قلت له إنها مجرد تغريدة ورأي حر من حق كل انسان أن يدلي بدلوه، والشريان أدلى بدلوه. قال: يفترض أنه إعلامي بارز وكثير من الناس يعتقدون أن ما قاله صحيح، والأمر غير ذلك. وأردف بقوله "الرأي مسؤولية وأمانة، وإذا كنت لا تعرف فخير لك الصمت". يبدو لي أن الشريان لم يبذل الجهد الكافي، قبل كتابة تغريدته، التي يتهم فيها بشكل مباشر وصريح المهندس السعودي (ولعله يقصد المعماري الذي هو مسؤول عن قضية التراث العمراني وليس المهندس) ووصمه بأنه تخلى عن التراث وكان مجرد مقاول لهدم ذلك التراث وتدميره، سوف أتحدث عن تجربتي الشخصية التي تمتد إلى أكثر من 40 عاما وهي مقاربة لتجارب كثير من الزملاء في هذا المجال وسوف أعرج على جيل سبقنا وكان يواجه "المعاول" التي تحدث عنها الشريان لأنها لم تكن في يوم معاول حركها المعماري السعودي بل كان دائما في مواجهتها، لكنها ربما كانت أقوى منه لأنه كان في بداية تكوينه المهني. قبل ذلك يجب أن أشير إلى أن أول برنامج للعمارة كان في عام 1967م في جامعة الملك سعود وأول كلية عمارة كانت في جامعة الملك فيصل (الإمام عبدالرحمن بن فيصل حاليا) عام 1975م، أي بعد أن قامت كثير من الأمانات والبلديات بنزع ملكية وهدم العديد من أواسط المدن والقرى التراثية قبل أن يتكوّن أي جيل معماري مهني في المملكة، في تلك الفترة كان المجتمع السعودي، بما في ذلك المؤسسات الحكومية المسؤولة عن المدن، مرحب بالحداثة صاحبه نزوح كبير إلى الأحياء الجديدة وهجر مواقع التراث. إذا لنقل إن الأساس الذي بنى الشريان تغريدته عليه لم يكن صحيحا، على أن الأمر لا يتوقف عند هذا الحد بل إن ما قام به مجموعة من المعماريين السعوديين في نهاية السبعينات كان ملفتا فرغم أنه لم يتكون جيلا معماريا ناضجا، إلا أن الأوائل تنبهوا لهذا التدمير غير المبرر للتراث العمراني وحاولوا مواجهته ودراسة ما تبقى منه في تلك الفترة، من هؤلاء الدكتور صالح الهذلول الذي قدم أطروحته للدكتوارة عام 1980م وكانت حول المدينة العربية وتناولت مدينة الرياض والمدينة المنورة، وكذلك المعماري علي الشعيبي وغيرهم كثير الذين كانوا ينتمون إلى جيل السبعينات وتطور لديهم وعي عميق بأهمية التراث العمراني وضرورة المحافظة عليه وهم يرونه يدمّر أمام أعينهم. في تلك الفترة، أقصد مطلع الثمانينات، تطور جدل عميق بين المعماريين والأكاديميين السعوديين حول الهوية وعلاقتها بالتراث العمراني وسُطّرت العديد من الدراسات وأبحاث الدكتوراة والمقالات حول التراث العمراني. لكن يجب أن نفرّق بين ما يستطيع أن يصنعه المعماري والأكاديمي وبين القرارات التي تتخذها مؤسسات الدولة من خلال خططها التنموية التي كانت ترى أن إزالة التراث جزء من تلك الخطط. كانت هناك مقاومة وكان هناك تجارب ولم يكن المعماري السعودي راضيا عن تلك الإزالات أبدا. في منتصف الثمانينات تقريبا ظهر صوت قوي ومؤثر ينادي بالمحافظة على التراث العمراني وكان ذلك الصوت هو الأمير سلطان بن سلمان، فبعد عودته من رحلة الفضاء عام 1986م، وربما قبل ذلك، تشكل لديه تصور مختلف نحو "المكان" بكل ما يعنيه من بشر وعمران وثقافة، أذكر أنه قال ذات مرة "عندما رأيت أراضي المملكة من الفضاء، تخيلت كيف أن آباءنا وأجدادنا عاشوا على هذه الأرض التي كانت تظهر أمامي كبقعة صغيرة". في نهاية الثمانينات اقتنى الأمير نخيل العذيبات في الدرعية ومنها تطورت أعظم تجربة محلية حية لمعايشة التراث العمراني والمحافظة عليه حتى اليوم، الأمير سلطان لم يكتفِ بخلق تجربة حية، بل شارك المهنيين والأكاديميين همومهم وأصبح رئيسا فخريا للجمعية السعودية لعلوم العمران في مطلع التسعينات من القرن الماضي ومن ذلك المنبر عمل على عدة مشاريع لإيقاف التخريب "البلدي" فتلك المؤسسات كانت تزدري التراث وكان يقول إنه "كنز" سوف يكتشفون قيمته في يوم ما. في تلك المرحلة نادي بدمج التراث العمراني في التعليم المعماري وعقد مع جمعية العمران عدة ورش لملتقيات شاركت فيها الجامعات. لا أستطيع أن أقول إن الوعي الإداري لدى الجامعات كان ناضجا تجاه التراث العمراني في ذلك الوقت لكن محاولات الأمير لم تتوقف حتى اليوم. في عام 1996م أسس الأمير سلطان مؤسسة التراث، وهي لا تزال تعمل حتى اليوم وأسس معها جائزة الأمير سلطان للتراث العمراني، التي شرفت بأن أكون أحد أعضاء لجنتها العليا، وجميعها محاولات فردية لخلق وعي مجتمعي حول التراث، لكن النقلة الكبرى عندما أصبح الأمير أمينا عاما لهيئة السياحة عام 2001م ثم رئيسا لها بعد ذلك، فقد أسس برنامجا للمحافظة على القرى التراثية عام 2004م، قبل أن تنظم الآثار والتراث للهيئة عام 2008م، وأضيف برنامج آخر للمحافظة على أواسط المدن التاريخية ثم أُقرّ قانون الآثار والمتاحف والتراث العمراني عام 2015م، ولأول مرة على مستوى الدول العربية يطور قانون للتراث العمراني، ثم عمل على تطوير ميثاق التراث العمراني للدول العربية، وكنت ممثلا للهيئة في جامعة الدول العربية حتى أقر عام 2017م، على ما اظن، وتم تأسيس أول مرصد للتراث العمراني العربي في أول اجتماع للمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم في تونس. ولا يمكن أن أنسى رحلات الاستطلاع التي نظمتها هيئة السياحة والتراث لمواقع التراث الحية في العالم وكان الفريق يتكون من أمنا مناطق ورؤساء بلديات ومحافظين ومهنيين، فالأمير لم ينسَ معاول الهدم للتراث وأراد أن يغير تلك الثقافة من الداخل، من قلب المؤسسات التي أمرت بإزالته. هذا فيض من غيض ولا يتسع المقال للدخول في تفاصيل كثيرة ومهمة أسهمت دون شك في خلق ما أسميه "ثقافة التراث" التي نعيشها حاليا وكان للأمير سلطان الدور الأبرز في خلقها.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store