أحدث الأخبار مع #دعبداللهسرورالزعبي

سرايا الإخبارية
٢٢-٠٤-٢٠٢٥
- أعمال
- سرايا الإخبارية
د.عبدالله سرور الزعبي يكتب: المعادن الإستراتيجية والنادرة تعيد رسم الخريطة الجيوسياسية (5-5)
بقلم : د.عبدالله سرور الزعبي استكمالاً للجزء الرابع من المقال، سنتحدث عن الولايات المتحدة (أكبر مستهلكي العناصر النادرة)، والتي تنبهت لتوسع الصين في الاستثمارات على الساحة الدولية، وسيطرتها على مدخلات الصناعات الحديثة، فسعت الى تعزيز استثماراتها العالمية، بما فيها قطاع التعدين، كجزء من إستراتيجيتها لاستعادة نفوذها الاقتصادي والجيوسياسي. تشير تقارير مكتب التحليل الاقتصادي الأميركي (BEA)، بأن الاستثمارات المباشرة لأميركا بلغت حوالي 5.4 تريليون دولار (2023) في أوروبا وكندا وآسيا وغيرها. تركزت الاستثمارات الأميركية في التركيز على المعادن الإستراتيجية والنادرة، فسارعت للمحادثات مع الكونغو الديمقراطية للحصول على حقوق الاستكشاف فيها (على حساب النفوذ الصيني هناك)، مقابل تقديم الدعم لحمايتها من الجماعات المسلحة. وتعمل جاهدة للحصول على غرينلاند بسبب وفرة احتياطاتها من المعادن النادرة ولموقعها الجيوإستراتيجي الذي يمكنها من تعزيز نفوذها في القارة القطبية الشمالية لتضمن السيطرة على موارد العالم في المستقبل (في ظل الأوضاع الدولية، من المحتمل انها ستحصل عليها او على الأقل ستزيد من نفوذها في غرينلاند بشكل كبير). تسعى أميركا لتعزيز وجودها في الحصول على معادن أوكرانيا، كجزء من إستراتيجيتها لتحقيق مصادر المعادن الضرورية لأمنها القومي (وستحصل عليها آجلاً أم عاجلاً). تعمل أميركا على تعميق علاقاتها مع الهند في القطاعات المختلفة (لمحاصرة النفوذ الصيني في شرق آسيا وتعزيز النفوذ الهندي (على الرغم من ان الصين والهند أعضاء في مجموعة البريكس)، وفجاءة تجد الهند نفسها أمام فرصة ممتازة قد لا تتكرر (مع وجود صعوبة للمحافظة على التبادلات التجارية مع الصين، تبلغ 136 مليار دولار لعام 2023، وتعتمد الكثير من الشركات الهندية على سلاسل الامداد الهندية لصناعاتها)، يضاف الى ذلك المباحثات الأميركية المكثفة مع فيتنام، الغنية في المعادن النادرة للوصول الى اتفاق. أصبحت أميركا مهتمة بالتعاون مع روسيا (بعد العرض الروسي للاستثمار في معادنها وهي الغنية فيها، وهل العرض لمعادن أراضي الدونباس الأوكرانية أم كافة الأراضي الروسية؟)، بهدف إضعاف العلاقات الروسية الصينية والتوسع في السوق الروسي كبديل عن الصيني (روسيا تسعى لإضعاف العلاقة الأميركية الأوروبية) ان إستراتيجية أميركا بالعودة الى المنافسة، جاء بقرار سياسي قوي، بسبب نقص الإمدادات للمواد الخام الضرورية لصناعاتها التكنولوجية (اكتشفت ضعفها البنيوي في سلاسل الامداد)، المتفوقة فيها، فبادرت لتقديم دعم مالي غير مسبوق (مليارات الدولارات من قانون CHIPS & Science Act) لتطوير مناجمها في كاليفورنيا، والاستثمار في نتائج ابحاث جامعة تكساس التي بينت أن رماد الفحم في أميركا يحتوي على 11 مليون طن من المعادن النادرة، وانشاء مصفاة لاستخراج وفصل المعادن النادرة (تحتاج الى بضع سنوات لإنجازها) والابتكار في إعادة تدوير النفايات الإلكترونية. أميركا، اتخذت قراراً بالمباشرة في استخراج المعادن من قاع المحيط (لتأمين مصادر موثوقة)، رغم التحديات الفنية، والقانونية والبيئية، والجيوسياسية، معتمدة على الدراسات المتوفرة من دائرة المساحة الجيولوجية والدراسات الجيولوجية والجيوفيزيائية الصادرة عن معهد ودز هول للمحيطات (Woods Hole Oceanographic Institution، تشرفت للعمل فيه كحاصل على منحة الفولبرايت 2000-2001، حيث قمت بدراسة حوض البحر الميت والقباب الملحية)، والتي تتشير الى ان ثروات المحيط تفوق بشكل كبير الثروات الموجودة في اليابسة، وسيكون التركيز على معادن النيكل والكوبالت والمنغنيز والمتواجدة على شكل عقد معدنية (Poly-metallic Nodules) في المنطقة (Clarion-Clipperton) الواقعة بين هاواي والمكسيك وكذلك في المحيط الهندي والهادي (على الرغم من عدم وجود ترخيص لديها من المنظمات الدولية (الصين سبق وان حصلت على 5 تراخيص للقيام بعمليات الاستكشاف البحري). على الرغم من كل الإجراءات الأميركية، إلا أنها تواجه مشكلة في البطء بتنفيذ المشاريع، والاعتماد على الصين في عملية تكرير المعادن النادرة حتى تاريخه، وبعض سلاسل الإمداد الحرجة، إلا أنها على المدى المتوسط والبعيد (خلال عقدين من الزمن)، لديها فرصة لاستعادة التوازن (إذا نجحت في تطوير سلسلة إمداد مستقلة من خلال بناء التحالفات) وتنويع مصادر الاستيراد من أستراليا، وماليزيا، وفيتنام وغيرها، وتسريع تطوير تكنولوجيا تعدينية توازي الصينية. كما أن أميركا باشرت في استثمار 5 مليارات دولار لبناء سلاسل إمداد مستقلة لتأمين المعادن النادرة (عن طريق المحافظة على تحالفاتها مع أستراليا، كندا، والاتحاد الأوروبي واليابان وكوريا وغيرها من الدول) وفي اعمال البحث والتطوير، بهدف تحقيق استدامة سلاسل الامداد المعدنية لصناعاتها المتفوقة بها على بقية الدول. دول الاتحاد الأوروبي، والتي تراجع دورها الإستراتيجي نسبياً، بسبب الازمات الداخلية لها والإقليمية، واعتمادها لسنوات للحصول على احتياجاتها من موارد الطاقة والمعادن، على روسيا وأميركا والصين (الدول المحورية)، وضعت إستراتيجية للحصول على المعادن بخطة استثمارية بـ 6 مليارات يورو لدعم الاستخراج المحلي والتكرير ضمن مبادرة "Raw Materials Alliance" والاستثمار في عمليات التدوير والطاقة المتجددة، ومنافسة أميركا على ثروات أوكرانيا. ان نقص الموارد اللازمة للإنتاج الصناعي في دول الاتحاد الأوروبي، جعلها تجد صعوبة بالغة في خلق حالة مقبولة من التوازن مع النفوذ الأميركي ومواجهة النفوذ الصيني والروسي المتصاعد، وأصبحت تشعر بان هناك تهديد مباشر لأمنها، الامر الذي جعل دورها أقل تأثيراً في معادلات القوة الجيوإستراتيجية العالمية في الوقت الحالي، مما يفرض عليها إعادة ترتيب بيتها الداخلي لضمان امنها والبقاء على خريطة المنافسة الجيوإستراتيجية الدولية، كما كانت قبل عقود. اليابان، تقدر احتياجاتها من المعادن النادرة بحوالي 40 ألف طن سنوياً (تستورد 90 % من الصين)، وكوريا الجنوبية، تستورد حوالي 30 ألف طن (80 % منها من الصين)، وتايوان، تحتاج حوالي 15 ألف طن سنويا (تأتي من الصين)، الا ان هذه الدول ومنذ أكثر من عقد من الزمن توجهت الى الهند وأستراليا وفيتنام، وتوسعت في اعمال إعادة تدوير النفايات الإلكترونية. كما أن اليابان وكوريا الجنوبية أعدتا إستراتيجية لاستثمار 3 مليارات دولار في دول أفريقيا وأميركا اللاتينية لمحاولة ضمان مصادر مستدامة للمعادن الإستراتيجية والنادرة بدلاً من المصادر الصينية (الا انها ستبقى تعتمد على سلاسل الامداد الخارجية). لن نتحدث عن السيلكون عالي النقاوة (يستخدم في صناعة أشباه الموصلات، والطاقة المتجددة والألياف الزجاجية وغيرها الكثير) والمستخرج من الصين وأميركا وروسيا والبرازيل، بشكل رئيسي. ان الصراع على المعادن النادرة أصبح أحد أهم محاور التنافس الجيوسياسي بين الدول، وخاصة أميركا والصين، ومع انطلاق شرارة الحرب الباردة الجديدة، التي دفعت الصين لفرض قيود على تصدير 7 من معادنها النادرة (مما سيشكل ازمة كبيرة للشركات الأميركية المصنعة للطائرات والرقائق والتوربينات والمغناطيسات والأجهزة الطبية والطاقة المتجددة وغيرها، ما لم يكن لديها مخزون يكفيها للسنوات القادمة) والتي تعد العمود الفقري لهذه الصناعات. إن الصراع على المعادن، لم يعد مجرد سباق اقتصادي، بل معركة حقيقة للفوز بالسيطرة الصناعية والتكنولوجية للعقود القادمة، وهذا يعكس تحولًا جيوإستراتيجياً يمزج ما بين الاقتصاد والتكنولوجيا والسياسة، ومن يمتلك اليد العليا في هذا السباق، سيمتلك مفاتيح القوة للعقود المقبلة، ويصبح لاعب رئيساً في التحولات الحاصلة في موازين القوى الجيوسياسية هذا العقد، والتي ستعيد هندسة الجيوإستراتيجية العالمية والنظام العالمي القادم. كنتيجة للصراع على المعادن والحرب التجارية، تبرز التساؤلات، هل من الممكن ان نرى ان بعض الدول ستخفق في المحافظة على وجودها كقوى عالمية مهيمنة أو كدول؟ أو هل من الممكن أن نرى تبدلا في مواقع بعض الدول الارتكازية في العالم؟، أم أننا سنرى نتائج ما أشار إليه دايموند من أسباب تؤدي الى إخفاق الحضارات وانهيار الأمم، ومنها وجود جيران عدائيين (احد نقاط قوة أميركا، منذ البداية، لم يكن لديها جيران أقوياء يهددون وجودها، وهل ستبقى كندا تنظر اليها كحليف موثوق) وفقدان الشركاء التجاريين (هذا ما يخيف العالم اليوم بسبب الحمائية التجارية)، والاضرار بالنظام البيئي (التعدين في قاع البحار والقارة القطبية الشمالية وغيرها) والتغيرات المناخية وانهيار المنظومة الثقافية (عدم قدرة المجتمع على التفاعل مع المشاكل المحيطة به) وفقدان القيادة. ام اننا سنرى إجابة على اسئلة غاردلز، حيث تسأل، هل من الممكن ان تحقق الدول أي طفرة قبل انهيارها؟ أو هل يتطلب الأمر وجود أزمة لكي يتحرك العقل العالمي لاحتوائها (ونضيف هل من الممكن ان تحتكم الدول للمنظمات الدولية، كمنظمة التجارة العالمية لرسم مسار جديد للعمل الدولي المستقبلي وتشكيل جبهة مشتركة للتعاون لمواجهة التحديات، التي تهدد الاقتصاد العالمي والبشرية) أو هل من الممكن أن نرى تحالفات تقنية جديدة أخرى (دول كبرى مع دول نامية) تعمل على نقل التكنولوجيا المتطورة مقابل المعادن النادرة، وانشاء صندوق عالمي لضمان سلامة سلاسل التوريد العالمية. ان التخوف الحقيقي من أن يودي الصراع على المعادن النادرة الى تقسيم العالم، الى عالم يحتاجها وعالم يسيطر عليها تقوده الصين، التي بدأت تتحرك بسرعة في دول شرق آسيا وعلى المستوى الرئاسي، وفي حال نجحت الصين في تعزيز تحالفها مع روسيا وفيتنام ودول شرق آسيا والمحافظة على نفوذها في أفريقيا ستكون أميركا في وضع صعب الى حد ما، ما لم تستخدم أميركا وحلفاؤها الضغط الكافي بعدم السماح لدول شرق آسيا أو الاتحاد الأوروبي أن تبقى محايدة، وأنه ليس أمامها إلا المتبقي من الـ 90 يوماً (التي حددها الرئيس ترامب) لتحديد موقفها، بما فيها بعض الدول العربية، وبذلك سيبقى العالم يحبس أنفاسه حتى تتضح له معالم النظام العالمي الجديد. مؤكدين، كما هي زحزحة القارات (Plate Tectonics) مستمرة في الحركة وتعيد تشكيل الأرض، فإن المواقع الجيوسياسية للدول ليست ثابتة وتتبدل، وإن الأمن الإستراتيجي للدول يعتبر اهم من كل اعتبار لمن يستطيع المحافظة عليه في هذه المرحلة الحرجة لمستقبل البشرية. *مركز عبر المتوسط للدراسات الإستراتيجية الغد


صراحة نيوز
٠٥-٠٤-٢٠٢٥
- منوعات
- صراحة نيوز
الشرق الأوسط تنافس حضاري ام سوق عقاري (1 / 2)
صراحة نيوز – كتب: د.عبدالله سرور الزعبي تذكر بعض الروايات بان سيدنا ادم نزل في أحد المناطق الجغرافية الواقعة ضمن الشرق الأوسط الحديث، وهو الذي يشكل قلب العالم، وتلتقي فيه القارات العالمية القديمة (اسيا وافريقيا وأوروبا). ان الحياة التي حظي فيها سيدنا ادم لم تنتهي بسلام، حيث قتل أحد ابناءه الاخر ونزفت اول دماء بشرية (وما زالت الدماء تنزف) في هذه المنطقة، ومنذ ذلك التاريخ وهو محط أحلام البشر والمتنافسين منهم للسيطرة عليه وعلى ثرواته. فاذا كان أبناء ادم علموا البشرية دفن الموتى، فان السومريون، الذين يشير بعض المؤرخين بان اول ظهور لهم كان قبل 14,000 سنه، وبنوا مدينه اورك قبل 5000 سنه، وعلموا البشرية الكتابة، والادب عن طريق ملحمة جلجامش واستخدام العجلة. اما الاكاديون، فكانوا متعددي الثقافات، وأول من انشاء الحكومة المركزية، والفراعنة في مصر علموا البشرية فن البناء والهندسة، والبابليون اول من سن القوانين وبنوا الحدائق المعلقة، ومنحوا للنساء حقوق مساوية للرجال، والحيثين قاموا بصهر المعادن والاشوريون اول من انشووا المكتبات، وغيرها من الحضارات كالاخمينية (الفارسية الأولى) والفينيقية والكنعانية والآرامية والميدية والكلدانية والادومية والعبرية والحميرية والنبطية (البتراء شاهدة على انجازاتهم) والفارسية الزرادشتية، والاغريقية الهلنستية والرومانية (يشير بعض المؤرخين بان حروبهم في القرون الخمسة الميلادية الاولى كانت اشبه ما تكون دينية، بين المسيحية الهيلينية والزرادشتية) والعرب في شبه الجزيرة العربية وبلاد الشام والعراق، حيث اتقنوا فن التواصل مع الاخرين للتكامل الاقتصادي، وغيرهم الكثير، وجميعهم لهم انجازات مختلفة في الزراعة والتجارية والبناء والفلسفة والعلوم الطبيعية والاجتماعية وغيرها. كما ان هذه الحضارات كانت قد تعاونت فيما بينها أحيانا واختلفت الى درجة الابادة احياناً أخرى، وكل هذا يعود الى ان الصراع بأنواعه المختلفة هو من خصائص البشر، كما ان اختفاء تلك الحضارات كان بسبب عدم قدرة شعوبها من المحافظة على التنمية التي تؤمن لها الاستقرار الداخلي والتحالفات الأمنية غير الضرورية احياناً وعدم تقبل الحضارات الدخيلة. يضاف الى ذلك بان المنطقة شهدت ظهور اول الأنبياء واخرهم، وظهور الديانات التوحيدية كاليهودية والمسيحية والإسلامية، والتي بظهورها انتهى ما تبقى من الحضارات السالفة الذكر في المنطقة. وعلى الرغم من ان عصر الخلافة الاسلامية يعتبر العصر الذهبي للمنطقة من حيث الاكتشافات العلمية والابداع الادبي والقوة السياسية والعسكرية ومع كل ذلك فهي لم تنعم بالهدوء المطلوب فانطلقت الثورات الاموية، والعباسية والهجمات المغولية والحملات الأوروبية وغيرها، وكلها جاءت طمعاً في ثروات الشرق والسيطرة على الطرق الاقتصادية او انتقاماً، الى ان ظهرت الدولة العثمانية والتي انتهت مع انطلاقة الثورة العربية الكبرى عام 1916 وانتهاء الحرب العالمية الأولى حيث ظهرت اول حلقات التغير في الجغرافيا السياسية للمنطقة. تبعها انهيار النظام الاستعماري مع انتهاء الحرب العالمية الثانية وظهور دولة إسرائيل بقرار اممي، لتشكل الحلقة الثانية من التغير العميق في الجغرافيا السياسية للمنطقة (مع الاخذ بعين الاعتبار بان تغيرات أخرى حدثت في مناطق مختلفة في العالم)، لتبدأ مرحلة الصراع العربي الإسرائيلي مدعوماً من القوى العظمى لصالح إسرائيل الوليدة. ان الجغرافيا السياسية الجديدة أدت الى ظهور العديد من الثورات والصراعات الدينية والعرقية والتطرف وصولاً الى الصراع بين الشعوب والدول (التنافس الإيراني والتركي والعربي، من منطلق التاريخ الامبراطوري لكل منهم)، مما أدى الى زيادة في النفوذ الاسرائيلي ونفوذ الدول العظمى (خاصة الدول أعضاء نادي الحضارة الغربية المهيمنة خلال العقود السبعة الماضية) السياسي والتدخلات العسكرية ان تطلب الامر، كما سهل على الدول المتنافسة للفوز بمصادر الطاقة (النفط والغاز) باعتبارهما المحرك الرئيسي للاقتصاد الصناعي لدولهم. اما مفهوم صراع (صدام) الحضارات، فالجميع يعتقد بانه ظهر عام 1990 من قبل برنارد لويس (جذور الغضب الإسلامي)، ومن ثم استخدمه هنتنغتون عام 1993 وعام 1996 في كتاب صدام الحضارات وإعادة تشكيل النظام العالمي (بعد سقوط الاتحاد السوفيتي مباشرة، والخطاء العراقي بدخول الأراضي الكويتية، وهذا الحدثان خلقا جغرافيا سياسية جديدة في العالم، وفوضى في الشرق الأوسط ستبقى اثارها طويلاً)، الا انه في الواقع كان قد اشير المصطلح من قبل يينون (الصحفي الإسرائيلي) عام 1982 كصراع إسلامي مسيحي يهودي، والذي سنعود اليها لاحقاً. وعلى الرغم من الإشارة الى ان الحضارات المتصارعة هي الغربية والصينية، واليابانية والارثوذكسية والهندية واللاتينية والافريقية والبوذية والإسلامية في العالم، الا انه ومن وجهة نظر البعض بان المتصارعين على المنطقة هم المسلمين (سنه وشيعه) والارثوذكس من اهل المنطقة والحضارة الغربية، وبالتالي يفترض البعض بان الحضارة الغربية ستنتصر وستسيطر على المنطقة بالكامل. اعتقد ان نظرية صدام الحضارات ظهرت لتخفي خلفها الخطط الاستراتيجية المرسومة للمنطقة والعمل جاري لتحقيق أهدافها مع تغير في التكتيك احياناً حسب الظروف الجيوسياسية العالمية والإقليمية. ان أصحاب فكرة انتصار الحضارة الغربية لم يأخذوا بعين الاعتبار ان الشرق الأوسط، المنطقة الوحيدة بالعالم التي غادرت كافة الحضارات الدخيلة اليه وبقي فيها العرب المتجذرين بلغتهم ودياناتهم وهم الثابت الوحيد فيها. ومع كل ذلك ستبقى المنطقة ارض الاحلام ومحط انظار البشرية كافة وحتى نهاية التاريخ. ان عاصفة التصريحات التي يشهدها العالم والصادرة عن الرئيس الأمريكي لشراء قطاع غزه كصفقة عقارية لم تأتي من فراغ. فقد سبقه الى ذلك ليفي اشكول في ستينات القرن الماضي، حيث اقترح دفع الأموال للفلسطينيين لترك أراضيهم والمغادرة، كما ان شمعون بيرس كان قد اقترح في تسعينات القرن الماضي تحويل غزه الى سنغافورة الشرق الأوسط عن طريق تطويرها كمركز تجاري وسياحي والصناعة التكنولوجية، منطلقاً من الموارد البشرية المتوفرة فيها ذات التعليم الجيد والمهارات التقنية المطلوبة لاقتصاد المعرفة آنذاك. ثم جاء لاحقاً كوشنير في عام 2019 ليعلن بان الصراع الفلسطيني الإسرائيلي هو نزاع عقاري، يمكن التعامل معه بصفقة مقبولة للجميع، يتبعها تطوير ساحل غزه بطريقة مذهلة، وتطوير قطاع النقل البحري والجوي والبري لتصبح بوابة اقتصادية عالمية، مع التأكيد على عدم التطرق للحلول السياسية، كما انه أشار في شباط 2024 الى ضرورة اخراج الفلسطينيين الى سيناء او النقب. ان تصريح ترامب بأخلاء غزة من أهلها، وهو المخالف للقوانين الدولية ادخل العالم في حالة من الارباك والفوضى، وهو الهدف الذي يسعى اليه بطريقته الخاصة بصنع الفوضى لدى الاخرين وارباكهم ومن ثم يعمل على إعادة الترتيب بطريقته التي تحقق له ما يسعى اليه. كما ان ترامب في تصريحاته عن شراء غزه والسيطرة عليها، قد يكون انطلق من التاريخ الأمريكي في التوسع الجغرافي للدولة عن طريق شراء الأراضي من الدول، فعلى سبيل المثال شراء مانهاتن عام 1626من الهنود الحمر وشراء لويزيانا عام 1803 من فرنسا، وصفقة فلوريدا وما تبقى من لويزيانا عام 1859 من اسبانيا، وشراء جنوب لويزيانا وجنوب نيومكسيكو من المكسيك عام 1854، وشراء الاسكا من روسيا عام 1867، وجزر هاواي (التي انضمت الى الولايات المتحدة عام 1959) وجزر الفلبين عام 1898 من اسبانيا (استقلت الفلبين عام 1946) وجزر العذراء من الدنمارك عام 1917، ومحاولة شراء غرينلاند عام 1946 عند طريق الغاء ديون الدنمارك، ثم تكرار المحاولة في ستينات القرن الماضي، ومحاولة السيطرة على جزيرة سانت مارتن في خليج البنغال، الامر الذي رفضته رئيسة وزراء بنغلادش الشيخة حسينة والتي تم الإطاحة بها عام 2024 باحتجاجات شعبيه (وهي التي تعزي سبب ذلك لرفضها الطلب الأمريكي). ان المدقق في تاريخ هذه الصفقات يجد ان أمريكا كانت قد انتهزت فرصة الازمات وخاصة الاقتصادية منها والتي كانت تعاني منها الدول التي وافقت على تلك الصفقات. اما من حيث الاهتمام بالسواحل الشرقية للبحر الأبيض المتوسط، فقد سعت الدول الكبرى للسيطرة عليها، وتعود الى أفكار قيصر روسيا بطرس الأعظم لإيجاد موقع على ساحله لتسهيل السيطرة على العالم، تبعها فرنسا وبريطانيا وغيرها من الدول وصولاً الى امريكا.