#أحدث الأخبار مع #دفاترالسينماالنهار١٣-٠٢-٢٠٢٥ترفيهالنهاريوم كاد "المواطن كين" أحد أعظم الأفلام في التاريخ أن يُنسىعندما عُرض فيلم "المواطن كين" (Citizen Kane) لأول مرة في الأول من أيار/مايو عام 1941، لم يكن ذلك في أحد المسارح التاريخية في هوليوود، ولا حتى في إحدى دور السينما الفاخرة في نيويورك. بل افتُتح الفيلم، الذي كان مقدّراً له أن يصبح الأكثر تقديراً على الإطلاق، في قاعة عروض فودفيل سابقة على مسرح برودواي، بعد أن أُلغيت جميع الخطط الأخرى بسبب معارضة إمبراطور الصحافة ويليام راندولف هيرست. فقد أدرك هيرست، عن حق، أنّ الفيلم كان إدانة مستترة له، فحظر على جميع صحفه التطرّق إلى الفيلم أو إلى مخرجه أورسون ويلز، وفي بعض الروايات، يُقال إنه عرض مكافأة مجزية، تفوق ميزانية الفيلم، لشراء النسخ الأصلية فقط من أجل تدميرها، وفق ما أورد تقرير لمجلة " سميثسونيان". لاحقاً، صرّح ويلز أنّ أحد رجال هيرست حاول الإيقاع به عبر إرسال فتاة في الرابعة عشرة من عمرها إلى غرفته في الفندق، في محاولة بائسة لتشويه سمعته. كانت حملة ممنهجة للقضاء على مسيرة المخرج الشاب قبل أن تبدأ. بسبب مقاطعة هيرست، كان "المواطن كين" فشلاً في شباك التذاكر، إذ خسر استوديو "RKO" ما لا يقلّ عن 150 ألف دولار، أي ما يعادل أكثر من 3 ملايين دولار اليوم، رغم أن العديد من النقاد الأوائل كانوا مبهورين. كتب الناقد بوسلي كروذر في "نيويورك تايمز" مادحاً طموح كاتب الفيلم ومخرجه ومنتجه وبطله، أورسون ويلز، مشيراً إلى أنّ أسلوبه الجريء أظهر "حيوية وابتكاراً ملهماً أكثر مما قدّمه أي من الحرفيين المخضرمين خلال سنوات". يجمع الفيلم بين حكاية نجاح ذاتي على طريقة هوراشيو ألجر وبين مأساة على نمط دكتور فاوست، حيث يروي قصة حياة تشارلز فوستر كين، الذي يرتقي من منزل متواضع في كولورادو إلى قمة النفوذ في الولايات المتحدة كإمبراطور إعلامي مغرور يستطيع بأصابعه الثقيلة أن يغيّر موازين القوى العالمية. ومع ذلك، فإن كلمته الأخيرة الغامضة قبل وفاته، "روزبد"، هي التي تخلق اللغز الذي يدفع حبكة الفيلم. لكن ما ميّز "المواطن كين" عن غيره هو النهج البصري الثوري الذي اعتمده ويلز، والذي حوّل القصة التقليدية من فقر إلى ثراء إلى مأساة كبرى وسخرية لاذعة. خرج ويلز عن كلّ القواعد، متجاوزاً التسلسل الزمني بحرية، مستخدماً تقنيات مبتكرة في التلاشي والمونتاج لنقل المشاهد بين الأزمنة. حتى التفاصيل الصغيرة كانت سابقة لعصرها: أحد المشاهد الشهيرة في الدقائق الأولى من الفيلم، الذي يظهر انعكاسات في كرة ثلجية محطمة، يلمّح إلى مواضيع الفيلم الكبرى مثل الطموح والإرث، وصورة الذاكرة المشوهة. أرجع ويلز هذه الابتكارات إلى جهله بصناعة السينما، حيث قال في أحد لقاءاته: "فقط عندما تعرف شيئاً عن المهنة تصبح متردداً أو حذراً". يروي تقرير "سميثسونيان" أنّه بعد عرضه المخيب للآمال في الولايات المتحدة، اختفى الفيلم تقريباً، إلى أن كتب الناقد الفرنسي أندريه بازان، الذي شارك لاحقاً في تأسيس مجلة "دفاتر السينما" الرائدة، مقالة تحليلية عام 1947 وصف فيها "المواطن كين" بأنه "ثورة في لغة السينما". احتفى به النقاد والمخرجون الفرنسيون، ممّا دفع الجمهور الأميركي لإعادة اكتشافه. وأُعيد إصداره في الولايات المتحدة عام 1956، حيث لقي استقبالاً أوسع وأكثر تقديراً. وبحلول عام 1962، اختاره نحو 70 ناقداً سينمائياً بارزاً كأعظم فيلم أُنتج على الإطلاق. كما أصبح من أكثر الأفلام تأثيراً في تاريخ السينما، خاصة بفضل نزعة ويلز الدائمة للتجريب وشخصيته العنيدة، مما جعله مصدر إلهام رئيسي لمخرجي هوليوود الجدد في السبعينيات. قال المخرج مارتن سكورسيزي ذات مرة: "العنصر الأساسي الذي تعلمناه من ويلز هو قوة الطموح. لقد ألهم عدداً من الناس ليصبحوا مخرجين أكثر من أي شخص آخر في تاريخ السينما". لكن كراهية هيرست لويلز تسبّبت في ضرر دائم لمسيرته: فبعد نجاحه المبكر، وجد المخرج العبقري نفسه في صراع دائم مع استوديوهات الإنتاج من أجل السيطرة الإبداعية، وكافح مراراً لتأمين التمويل لأعماله، ولم يحقق أي من أفلامه أرباحاً خلال حياته. حتى أنه قال ساخراً عن مسيرته: "بدأت من القمة، وما زلت أشق طريقي نحو الأسفل". هذه اللعنة التي ألقاها هيرست على ويلز زادت فقط من الهالة الغامضة المحيطة بأشهر أفلامه وأكثرها تعقيداً. يمكن القول إنّ ويلز انتصر على هيرست في معركة الإرث، وهو ما اعترفت به مؤسسة هيرست نفسها عام 2015، عندما عرضت "المواطن كين" في قصر سان سيميون الشهير، الذي كان مقرّ هيرست الفخم في كاليفورنيا. ومع ذلك، تبقى القصة المثيرة للجدل وراء الفيلم عنصراً أساسياً في عظمته الأميركية الفريدة. في مقالها الشهير عام 1971 عن إنتاج الفيلم، رأت الناقدة بولين كايل أنّ هيرست كان في النهاية "ضحية لأسلوبه الصحفي نفسه". بعبارة أخرى، واجهه ويلز بسلاحه ذاته، حيث صنع فيلماً مذهلاً شكّل نوعاً من الصحافة الصفراء بأسلوب فني راقٍ. وبهذا المعنى، لم يكن المواطن كين مجرد علامة فارقة في السينما الأميركية لعام 1941، بل كان أيضاً نذيراً بظهور تلفزيون الواقع وثقافة الفضائح التي تمثلها اليوم مواقع مثل "TMZ"، إلى جانب اتجاهات أخرى أقل شأناً في المشهد الترفيهي والحياة العامة الأميركية. إنه إنجاز فني ساحق، مشبع بروح الإثارة التي لطالما غذّت الصحافة الشعبية.
النهار١٣-٠٢-٢٠٢٥ترفيهالنهاريوم كاد "المواطن كين" أحد أعظم الأفلام في التاريخ أن يُنسىعندما عُرض فيلم "المواطن كين" (Citizen Kane) لأول مرة في الأول من أيار/مايو عام 1941، لم يكن ذلك في أحد المسارح التاريخية في هوليوود، ولا حتى في إحدى دور السينما الفاخرة في نيويورك. بل افتُتح الفيلم، الذي كان مقدّراً له أن يصبح الأكثر تقديراً على الإطلاق، في قاعة عروض فودفيل سابقة على مسرح برودواي، بعد أن أُلغيت جميع الخطط الأخرى بسبب معارضة إمبراطور الصحافة ويليام راندولف هيرست. فقد أدرك هيرست، عن حق، أنّ الفيلم كان إدانة مستترة له، فحظر على جميع صحفه التطرّق إلى الفيلم أو إلى مخرجه أورسون ويلز، وفي بعض الروايات، يُقال إنه عرض مكافأة مجزية، تفوق ميزانية الفيلم، لشراء النسخ الأصلية فقط من أجل تدميرها، وفق ما أورد تقرير لمجلة " سميثسونيان". لاحقاً، صرّح ويلز أنّ أحد رجال هيرست حاول الإيقاع به عبر إرسال فتاة في الرابعة عشرة من عمرها إلى غرفته في الفندق، في محاولة بائسة لتشويه سمعته. كانت حملة ممنهجة للقضاء على مسيرة المخرج الشاب قبل أن تبدأ. بسبب مقاطعة هيرست، كان "المواطن كين" فشلاً في شباك التذاكر، إذ خسر استوديو "RKO" ما لا يقلّ عن 150 ألف دولار، أي ما يعادل أكثر من 3 ملايين دولار اليوم، رغم أن العديد من النقاد الأوائل كانوا مبهورين. كتب الناقد بوسلي كروذر في "نيويورك تايمز" مادحاً طموح كاتب الفيلم ومخرجه ومنتجه وبطله، أورسون ويلز، مشيراً إلى أنّ أسلوبه الجريء أظهر "حيوية وابتكاراً ملهماً أكثر مما قدّمه أي من الحرفيين المخضرمين خلال سنوات". يجمع الفيلم بين حكاية نجاح ذاتي على طريقة هوراشيو ألجر وبين مأساة على نمط دكتور فاوست، حيث يروي قصة حياة تشارلز فوستر كين، الذي يرتقي من منزل متواضع في كولورادو إلى قمة النفوذ في الولايات المتحدة كإمبراطور إعلامي مغرور يستطيع بأصابعه الثقيلة أن يغيّر موازين القوى العالمية. ومع ذلك، فإن كلمته الأخيرة الغامضة قبل وفاته، "روزبد"، هي التي تخلق اللغز الذي يدفع حبكة الفيلم. لكن ما ميّز "المواطن كين" عن غيره هو النهج البصري الثوري الذي اعتمده ويلز، والذي حوّل القصة التقليدية من فقر إلى ثراء إلى مأساة كبرى وسخرية لاذعة. خرج ويلز عن كلّ القواعد، متجاوزاً التسلسل الزمني بحرية، مستخدماً تقنيات مبتكرة في التلاشي والمونتاج لنقل المشاهد بين الأزمنة. حتى التفاصيل الصغيرة كانت سابقة لعصرها: أحد المشاهد الشهيرة في الدقائق الأولى من الفيلم، الذي يظهر انعكاسات في كرة ثلجية محطمة، يلمّح إلى مواضيع الفيلم الكبرى مثل الطموح والإرث، وصورة الذاكرة المشوهة. أرجع ويلز هذه الابتكارات إلى جهله بصناعة السينما، حيث قال في أحد لقاءاته: "فقط عندما تعرف شيئاً عن المهنة تصبح متردداً أو حذراً". يروي تقرير "سميثسونيان" أنّه بعد عرضه المخيب للآمال في الولايات المتحدة، اختفى الفيلم تقريباً، إلى أن كتب الناقد الفرنسي أندريه بازان، الذي شارك لاحقاً في تأسيس مجلة "دفاتر السينما" الرائدة، مقالة تحليلية عام 1947 وصف فيها "المواطن كين" بأنه "ثورة في لغة السينما". احتفى به النقاد والمخرجون الفرنسيون، ممّا دفع الجمهور الأميركي لإعادة اكتشافه. وأُعيد إصداره في الولايات المتحدة عام 1956، حيث لقي استقبالاً أوسع وأكثر تقديراً. وبحلول عام 1962، اختاره نحو 70 ناقداً سينمائياً بارزاً كأعظم فيلم أُنتج على الإطلاق. كما أصبح من أكثر الأفلام تأثيراً في تاريخ السينما، خاصة بفضل نزعة ويلز الدائمة للتجريب وشخصيته العنيدة، مما جعله مصدر إلهام رئيسي لمخرجي هوليوود الجدد في السبعينيات. قال المخرج مارتن سكورسيزي ذات مرة: "العنصر الأساسي الذي تعلمناه من ويلز هو قوة الطموح. لقد ألهم عدداً من الناس ليصبحوا مخرجين أكثر من أي شخص آخر في تاريخ السينما". لكن كراهية هيرست لويلز تسبّبت في ضرر دائم لمسيرته: فبعد نجاحه المبكر، وجد المخرج العبقري نفسه في صراع دائم مع استوديوهات الإنتاج من أجل السيطرة الإبداعية، وكافح مراراً لتأمين التمويل لأعماله، ولم يحقق أي من أفلامه أرباحاً خلال حياته. حتى أنه قال ساخراً عن مسيرته: "بدأت من القمة، وما زلت أشق طريقي نحو الأسفل". هذه اللعنة التي ألقاها هيرست على ويلز زادت فقط من الهالة الغامضة المحيطة بأشهر أفلامه وأكثرها تعقيداً. يمكن القول إنّ ويلز انتصر على هيرست في معركة الإرث، وهو ما اعترفت به مؤسسة هيرست نفسها عام 2015، عندما عرضت "المواطن كين" في قصر سان سيميون الشهير، الذي كان مقرّ هيرست الفخم في كاليفورنيا. ومع ذلك، تبقى القصة المثيرة للجدل وراء الفيلم عنصراً أساسياً في عظمته الأميركية الفريدة. في مقالها الشهير عام 1971 عن إنتاج الفيلم، رأت الناقدة بولين كايل أنّ هيرست كان في النهاية "ضحية لأسلوبه الصحفي نفسه". بعبارة أخرى، واجهه ويلز بسلاحه ذاته، حيث صنع فيلماً مذهلاً شكّل نوعاً من الصحافة الصفراء بأسلوب فني راقٍ. وبهذا المعنى، لم يكن المواطن كين مجرد علامة فارقة في السينما الأميركية لعام 1941، بل كان أيضاً نذيراً بظهور تلفزيون الواقع وثقافة الفضائح التي تمثلها اليوم مواقع مثل "TMZ"، إلى جانب اتجاهات أخرى أقل شأناً في المشهد الترفيهي والحياة العامة الأميركية. إنه إنجاز فني ساحق، مشبع بروح الإثارة التي لطالما غذّت الصحافة الشعبية.