logo
#

أحدث الأخبار مع #رولانبارت

هل ما زال المؤلف ميتًا؟ ألم تحن عودته إلى النص؟
هل ما زال المؤلف ميتًا؟ ألم تحن عودته إلى النص؟

وطنا نيوز

time١١-٠٥-٢٠٢٥

  • ترفيه
  • وطنا نيوز

هل ما زال المؤلف ميتًا؟ ألم تحن عودته إلى النص؟

بقلم د. محمد عبد الله القواسمة أعلن الناقد الفرنسي رولان بارت في مقالة له عام 1967 موت المؤلف، وحضور الكاتب أو الناسخ في النص بدلًا منه. وظهرت نظرية موت المؤلف التي تقوم على التعامل مع النص كأنه تراكيب لغوية، ولا نعرف شيئًا عن كاتبه. وبغياب المؤلف، يغدو العمل الأدبي لا مرجعية له سوى مرجعيته الذاتية، وساحة من العلامات التي لها معاني لا نهاية لها، وليست قراءته تكرارًا أو إعادة للقراءات السابقة، بل قراءة إبداعية مغايرة لتلك القراءات. واجهت نظرية موت المؤلف منذ ظهورها انتقادات كثيرة، منها أنها استبدلت سلطة المؤلف بسلطة النص، واهتمت اهتمامًا كبيرًا بالشكل من خلال اهتمامها بالعلامات، وتجاهلت بأن العملية الإبداعية تقوم على الحوار بين ثلاثة أطراف: المؤلف، والنص، والقارئ، فكيف يحدث حوار في حالة موت أحد هذه الأطراف؟ أدرك بارت هذا الأمر، واقترح في كتاباته الأخيرة، إزاحة المؤلف مؤقتًا، ثم إعادته ضيفًا على النص بعد إنتاجه من القارئ. يقول في مقالة بعنوان «من الأثر إلى النص»:» لا يعني هذا (موت المؤلف) أن المؤلف لا يمكن أن يعاود الظهور مجددًا في النص، في نصه، لكنه لو عاد سيكون في صورة مدعو». وهل من الضرورة تهميش المؤلف في سبيل منح القارئ الأهمية في إنتاج النص؟ أليس في ذلك إهانة للإنسان والتقليل من فعاليته، وأهمية وجوده؟ مع صحة تلك الانتقادات، جاءت التكنولوجيا الرقمية في العصر الحديث لتوجه ضربة مباشرة لنظرية موت المؤلف؛ فعززت من وجود المؤلف؛ فجعلته لصيقًا بنصه على وسائل التواصل الاجتماعي، وصار مطلوبًا منه أن يُعرّف بنفسه في تلك الوسائل، وأن يجيب عن أسئلة القراء، ويرد على تعليقاتهم، ويشارك في اللقاءات والندوات التي تقام من أجل مناقشة نصه؛ إنه لا يستطيع الاختفاء، ويعلم بأنه سيحاسب من قبل مؤسسات الدولة إذا خالف قوانين الملكية الفكرية، أو اقترف ما يسمى جرائم إلكترونية. وكذلك سيعاقب من مسؤولي المنصات الرقمية إذا خرج على بروتوكولاتهم الالكترونية. إن من طبيعة التعامل مع العمل الأدبي ان يسأل المتلقي عن مؤلفه، ويبحث عنه إذا كان مخفيًا أو مجهولًا؛ فلا يوجد نص يموت فيه المؤلف حتى في النصوص المجهولة المؤلف مثل «ألف ليلة وليلة»؛ فما زال الباحثون والقراء يقدمون تصوراتهم وتمثلاتهم لمؤلفها، ومن الأمثلة المعاصرة رواية «صديقتي المذهلة» وهي رواية من أربعة أجزاء صدر الجزء الأول منها عام 2011م، ونالت بأجزائها الأربعة إعجاب القراء، في إيطاليا وفي أنحاء العالم بعد ظهورها في مسلسل فني من أربعة أجزاء بعنوان My Brilliant Friend، وبعد ترجمتها إلى كثير من اللغات، ومنها اللغة العربية، إذ ترجمها معاوية عبد المجيد، وصدرت عن دار الآداب في بيروت عام 2018م. ونسبت الرواية إلى مؤلفتها الإيطالية إيلينا فيرانتي، التي لا يعرف أحد عنها شيئًا، ويُظن أنها اسم مستعار لامرأة أو رجل. ولم تتوقف الدراسات عن تحليل الرواية لمعرفة شخصية مؤلفها دون أن تصل إلى معلومة مؤكدة حتى الآن. وفي ذلك دلالة على أن المؤلف يظل حاضرًا في ذهن القارئ من خلال النص، وحضور القارئ يعني حضور المؤلف بل إن القارئ هو مؤلف آخر للنص. لا شك أن نظرية رولان بارت فتحت الطريق إلى تطور نظرية العلامات عند أمبرتو إيكو وتطبيقاته على فني: الأدب والتصوير، ومن بعده جاءت جماعة مدرسة كونستانس الألمانية، التي قامت على التقريب بين الفينومينولوجيا، ونظرية القراءة، ونتج عن ذلك ما أطلق عليه منظرا هذه الجماعة: هانز روبرت ياوس، وفولفغانغ آيزر جماليات التلقي. كما لابد من الإقرار بأن نظرية موت المؤلف نبهت الباحثين والنقاد إلى دراسة النص الأدبي بعيدًا عن الاهتمام المفرط بمؤلفه، وتفاصيل حياته، والظروف التاريخية والسياسية والثقافية التي أحاطت به. لكن مع ما قدمته النظرية من فائدة للنقد والبحث فإنها تظل – كما نرى- نظرية خيالية يستحيل تطبيقها على أرض الإبداع، ويبقى جسر بين المؤلف وبين النص، لا يمكن هدمه، فالذات الكاتبة تظل منصهرة بالنص، وقوة الإبداع تتجلى في قدرة الكاتب على إخفائها. من هنا فنحن نسأل من أماتوا المؤلف من النقاد والباحثين وبخاصة في عالمنا العربي: لماذا لا يزال المؤلف ميتًا في نقدهم، مع أنه في الأساس ثاو في النص؟

هل ما زال المؤلف ميتا؟ ألم تحن عودته إلى النص؟
هل ما زال المؤلف ميتا؟ ألم تحن عودته إلى النص؟

الدستور

time٠٩-٠٥-٢٠٢٥

  • ترفيه
  • الدستور

هل ما زال المؤلف ميتا؟ ألم تحن عودته إلى النص؟

د. محمد عبدالله القواسمةأعلن الناقد الفرنسي رولان بارت في مقالة له عام 1967 موت المؤلف، وحضور الكاتب أو الناسخ في النص بدلًا منه. وظهرت نظرية موت المؤلف التي تقوم على التعامل مع النص كأنه تراكيب لغوية، ولا نعرف شيئًا عن كاتبه.وبغياب المؤلف، يغدو العمل الأدبي لا مرجعية له سوى مرجعيته الذاتية، وساحة من العلامات التي لها معاني لا نهاية لها، وليست قراءته تكرارًا أو إعادة للقراءات السابقة، بل قراءة إبداعية مغايرة لتلك القراءات.واجهت نظرية موت المؤلف منذ ظهورها انتقادات كثيرة، منها أنها استبدلت سلطة المؤلف بسلطة النص، واهتمت اهتمامًا كبيرًا بالشكل من خلال اهتمامها بالعلامات، وتجاهلت بأن العملية الإبداعية تقوم على الحوار بين ثلاثة أطراف: المؤلف، والنص، والقارئ، فكيف يحدث حوار في حالة موت أحد هذه الأطراف؟ أدرك بارت هذا الأمر، واقترح في كتاباته الأخيرة، إزاحة المؤلف مؤقتًا، ثم إعادته ضيفًا على النص بعد إنتاجه من القارئ. يقول في مقالة بعنوان «من الأثر إلى النص»:» لا يعني هذا (موت المؤلف) أن المؤلف لا يمكن أن يعاود الظهور مجددًا في النص، في نصه، لكنه لو عاد سيكون في صورة مدعو».وهل من الضرورة تهميش المؤلف في سبيل منح القارئ الأهمية في إنتاج النص؟ أليس في ذلك إهانة للإنسان والتقليل من فعاليته، وأهمية وجوده؟ مع صحة تلك الانتقادات، جاءت التكنولوجيا الرقمية في العصر الحديث لتوجه ضربة مباشرة لنظرية موت المؤلف؛ فعززت من وجود المؤلف؛ فجعلته لصيقًا بنصه على وسائل التواصل الاجتماعي، وصار مطلوبًا منه أن يُعرّف بنفسه في تلك الوسائل، وأن يجيب عن أسئلة القراء، ويرد على تعليقاتهم، ويشارك في اللقاءات والندوات التي تقام من أجل مناقشة نصه؛ إنه لا يستطيع الاختفاء، ويعلم بأنه سيحاسب من قبل مؤسسات الدولة إذا خالف قوانين الملكية الفكرية، أو اقترف ما يسمى جرائم إلكترونية. وكذلك سيعاقب من مسؤولي المنصات الرقمية إذا خرج على بروتوكولاتهم الالكترونية. إن من طبيعة التعامل مع العمل الأدبي ان يسأل المتلقي عن مؤلفه، ويبحث عنه إذا كان مخفيًا أو مجهولًا؛ فلا يوجد نص يموت فيه المؤلف حتى في النصوص المجهولة المؤلف مثل «ألف ليلة وليلة»؛ فما زال الباحثون والقراء يقدمون تصوراتهم وتمثلاتهم لمؤلفها، ومن الأمثلة المعاصرة رواية «صديقتي المذهلة» وهي رواية من أربعة أجزاء صدر الجزء الأول منها عام 2011م، ونالت بأجزائها الأربعة إعجاب القراء، في إيطاليا وفي أنحاء العالم بعد ظهورها في مسلسل فني من أربعة أجزاء بعنوان My Brilliant Friend، وبعد ترجمتها إلى كثير من اللغات، ومنها اللغة العربية، إذ ترجمها معاوية عبد المجيد، وصدرت عن دار الآداب في بيروت عام 2018م. ونسبت الرواية إلى مؤلفتها الإيطالية إيلينا فيرانتي، التي لا يعرف أحد عنها شيئًا، ويُظن أنها اسم مستعار لامرأة أو رجل. ولم تتوقف الدراسات عن تحليل الرواية لمعرفة شخصية مؤلفها دون أن تصل إلى معلومة مؤكدة حتى الآن. وفي ذلك دلالة على أن المؤلف يظل حاضرًا في ذهن القارئ من خلال النص، وحضور القارئ يعني حضور المؤلف بل إن القارئ هو مؤلف آخر للنص.لا شك أن نظرية رولان بارت فتحت الطريق إلى تطور نظرية العلامات عند أمبرتو إيكو وتطبيقاته على فني: الأدب والتصوير، ومن بعده جاءت جماعة مدرسة كونستانس الألمانية، التي قامت على التقريب بين الفينومينولوجيا، ونظرية القراءة، ونتج عن ذلك ما أطلق عليه منظرا هذه الجماعة: هانز روبرت ياوس، وفولفغانغ آيزر جماليات التلقي.كما لابد من الإقرار بأن نظرية موت المؤلف نبهت الباحثين والنقاد إلى دراسة النص الأدبي بعيدًا عن الاهتمام المفرط بمؤلفه، وتفاصيل حياته، والظروف التاريخية والسياسية والثقافية التي أحاطت به.لكن مع ما قدمته النظرية من فائدة للنقد والبحث فإنها تظل - كما نرى- نظرية خيالية يستحيل تطبيقها على أرض الإبداع، ويبقى جسر بين المؤلف وبين النص، لا يمكن هدمه، فالذات الكاتبة تظل منصهرة بالنص، وقوة الإبداع تتجلى في قدرة الكاتب على إخفائها.من هنا فنحن نسأل من أماتوا المؤلف من النقاد والباحثين وبخاصة في عالمنا العربي: لماذا لا يزال المؤلف ميتًا في نقدهم، مع أنه في الأساس ثاو في النص؟!

تنميط الآخر وسطحية السرد: قراءة في الاسترجاع الدرامي لظاهرة داعش في البصريات العراقية
تنميط الآخر وسطحية السرد: قراءة في الاسترجاع الدرامي لظاهرة داعش في البصريات العراقية

موقع كتابات

time٢٣-٠٣-٢٠٢٥

  • ترفيه
  • موقع كتابات

تنميط الآخر وسطحية السرد: قراءة في الاسترجاع الدرامي لظاهرة داعش في البصريات العراقية

في كل موسم درامي عراقي عند حدود شهر رمضان تتمظهر المعالجة الدرامية للظواهر الاجتماعية-السياسية في الفضاء السردي الصوري العراقي المعاصر كإشكالية بنيوية تستدعي تحليلاً سيميولوجياً عميقاً لآليات التجسيد والاشتغال الرمزي في النص المرئي. إن ارتكاز المنجز الدرامي العراقي على استثمار حقبة تنظيم داعش كمادة خام للسرديات المتلفزة يضعنابتضاد بنيوي فكري أمام ما يسمى نقدياً بـ'العالم الممكن سردياً' ذلك العالم الذي يتشكل وفق قوانين جمالية خاصة تتجاوز التوثيق لصالح التخييل الفني. حيث تتجلى المفارقة الدرامية في الأعمال العراقية المعنية بظاهرة داعش من خلال ما يمكن تسميته بـ 'التنميط المفرط ' للشخصية الداعشية، حيث تنحصر ملامح التمثيل البصري في ثالوث شكلاني قسري: الهيئة المبتذلة قصداً، والوجه الكالح المظلم إضاءياً، واللغة العربية المنمطة استشراقياً. هذه الاختزالية السيميائيةتؤدي إلى ما يسميه 'رولان بارت' بـ'إفراغ الدال من مدلولاته المتعددة' فتتحول الشخصية من كائن درامي متعدد الأبعاد إلى أيقونة سطحية تحيل إلى مرجعية واحدة ثابتة. كما يتبدى الخلل المنهجي الأكثر تجذراً في هذه الأعمال على مستوى ما يسمى بـ'الحبكة الدرامية المؤجلة' حيث نلحظ غياباً شبه كامل للصراع الدرامي المتنامي لصالح ما أسميه 'التصفيد السردي' وهو مصطلح أستعيره من واقعية الطرح الدرامي بعد تحويله لمفهوم نقدي،حيث تتراكم المشاهد دون نسغ درامي يجري فيها، فتبدو الأعمال أقرب إلى تسجيل توثيقي ممزوج بحماسة وطنية مفتعلة منها إلى بناء درامي متكامل. إن الإشكالية الكبرى في المعالجة الدرامية العراقية لظاهرة داعش تكمن فيما يسمى ' بـ'أفق التوقع' لدى المتلقي، فالتكرار النمطي للصور والمواقف ذاتها يخلق حالة من 'التخدير الإدراكي' تؤدي إلى انحسار التأثير الوجداني والفكري للعمل الفني. فبدلاً من توظيف ما يسميه 'بريخت' بـ'تقنيات التغريب' لخلخلة وعي المتلقي وإعادة تشكيله، تعتمد هذه الأعمال على استدرار استجابة عاطفية مباشرة ومؤقتة. يمكن القول إن الدراما العراقية المعنية بظاهرة داعش تعاني من 'تشيؤ العمل الفني' حيث يتحول من نص جمالي متعدد الأبعاد إلى سلعة استهلاكية تستثمر في الراهن الزمني السياسي والاجتماعي دون تقديم خطاب فني متماسك. وهذا ما يفسر تراجعها تقنياً وجمالياً مقارنة بالإنتاج الدرامي العربي الآخر. ليس من المنطقي أن تختار صناعة الدراما العراقية التوقف عند 'الحدث الصادم' وتكراره حتى الاستهلاك، متجاهلة تماماً ما أسماه الروائي العراقي فؤاد التكرلي 'الحياة السرية للمدن العراقية' تلك الحياة النابضة بالتناقضات والجماليات والصراعات الإنسانية العميقة. في زاوية مظلمة من الذاكرة العراقية الجمعية، تقبع فترة داعش كجرح غائر لم يلتئم بعد. فترة اكتسحت فيها موجة من الظلام البشري أرض الرافدين، مخلّفة وراءها دماءً وخراباً ودماراً. ليس غريباً إذن أن يصاب المتلقي العراقي بما يُمكن تسميته 'التخمة البصرية والوجدانية' من تكرار استحضار هذه الفترة في الأعمال الدرامية المحلية. وتوافقا مع سوزان سونتاغ عند جزئيات مفهوم 'أخلاقيات المشاهدة' تبرز ثمة مسافة نفسية دقيقة بين تذكّر الألم كعملية شفاء جمعية، وبين استهلاك الألم كمادة درامية متكررة. ما تفعله الدراما العراقية اليوم هو تحويل الجرح المفتوح إلى 'موضوع' مستهلك يتكرر بذات التفاصيل المقززة: اللحى الكثة، الأزياء السوداء، المشاهد الدموية، نبرات الصوت المتطرفة. وكأن المخيلة الدرامية العراقية أصيبت بما يمكن تسميته 'عطب الذاكرة الإبداعية' فباتت عاجزة عن تجاوز هذه اللحظة الكابوسية. حين يصبح القبح عنصراً أساسياً في العمل الدرامي، يتحول المشاهد إلى ضحية مزدوجة: ضحية الحدث التاريخي نفسه، وضحية استهلاكه الدرامي المتكرر بصور باهتة فيتضاعف الألم والنفور. يتمظهر هذا القبح في المستوى البصري (الأشكال الداعشية بتفاصيلها المنفرة) والمستوى السمعي (الأصوات الحادة والخطاب المتطرف) والمستوى القيمي (منظومة عنف وكراهية). هذا الإلحاح على تقديم القبح يُمثل 'خطأً إدراكياً' في الصناعة الدرامية العراقية، إذ يفترض أن تكرار عرض القبح سيؤدي إلى إدانته، بينما الحقيقة أنه يؤدي إلى تطبيع القبح نفسه، وتحويله من استثناء صادم إلى قاعدة مألوفة. حين تُصرّ الدراما العراقية على استعادة هذه اللحظة المظلمة، فإنها تُعيد إنتاج نفس عملية التشيؤ، ولكن هذه المرة في المخيال الدرامي. فالضحية تُختزل في صورة نمطية للمعاناة، والجلاد يُختزل في صورة نمطية للوحشية، والمتفرج يُختزل في صورة نمطية للعجز. بصمت أقول أنا المتلقي العراقي: 'كفى! لقد عشنا الكابوس مرة، فلماذا تجبروننا على مشاهدته مرات ومرات؟' هذا الملل ليس مجرد استجابة جمالية، بل هو موقف نفسي عميق من استهلاك حدث صادم تحوّل إلى سلعة درامية رخيصة. لقد آن الأوان لما يمكن تسميته 'انعطافةسردية' في الدراما العراقية، تتجاوز منطق 'استثمار الكارثة' إلى منطق 'استكشاف الجوهر'. والجوهر هنا هو تلك الحكايات الإنسانية العميقة التي تشكل النسيج الحقيقي للمجتمع العراقي – حكايات الحب والفقدان، الهوية والانتماء، الموت والحياة، المقاومة والاستسلام – كلها موضوعات إنسانية كونية يمكن تقديمها من خلال التجربة العراقية الخاصة. إن أعظم ما يمكن أن تقدمه الدراما ليس استعادة لحظات الرعب والقبح، بل استكشاف جماليات الروح الإنسانية في أقسى الظروف وأكثرها تعقيداً. هذا ما فعلته التجارب الدرامية العالمية الكبرى: استخلصت الجوهر الإنساني من التجارب التاريخية المعقدة. العراق بحاجة إلى دراما تتناسب مع عمق تجربته الإنسانية المذهلة – دراما تحتفي بتعقيدات الروح العراقية وتناقضاتها وجمالياتها، لا أن تختزلها في صور نمطية تبعث على النفور والتقزز. دراما تليق بأرض الرافدين وكثافة تاريخها وغنى ثقافتها. ربما آن الأوان لأن يقول المبدعون العراقيون: 'نعم، لقد كان داعش هنا، لكن العراق كان هنا قبله، وسيبقى بعده. وإبداعنا سيكون شاهداً على هذا البقاء، لا على ذلك الخراب'. وأخيراً. فليسمع صنّاع الدراما صوت المتلقي العراقي الصامت، وليعيدوا التفكير في مقولة الفيلسوف الألماني تيودور أدورنو: 'كتابة الشعر بعد أوشفيتز

فى مقال عمره 75 عامًا ..سلامة موسى سبق المغاربة فى تدشين السيميوطيقا فى العالم العربى
فى مقال عمره 75 عامًا ..سلامة موسى سبق المغاربة فى تدشين السيميوطيقا فى العالم العربى

أخبار اليوم المصرية

time٢١-٠٢-٢٠٢٥

  • علوم
  • أخبار اليوم المصرية

فى مقال عمره 75 عامًا ..سلامة موسى سبق المغاربة فى تدشين السيميوطيقا فى العالم العربى

من المعلوم لدى قارئ النظرية الأدبيّة أن أُسس علم السيميوطقيا وضعها فى أوائل القرن الماضى عالمان أحدهما أمريكى والآخر سويسري؛ الأول هو تشارلس سوندرز بيرس (1839 - 1914)، فيلسوف ومنطقي، وأما الثانى فهو فرينادند دى سوسير (1857 - 1913)، مؤسس علم اللغة الحديث، على الرغم من اختلاف مفهوم الرجلين للعلامة التى أقاما عليها السيميوطقيا اختلافًا غير هينٍ كما يقول شكرى عيّاد، حيث يركّز سوسير على الوظيفة الاجتماعيّة للعلامة، فى حين يركز بيرس على الوظيفة المنطقية لها. وبصفة عامة يقصد بعلم السيميوطقيا «العلم الذى يَدْرُس حياة العلامات فى قلب الحياة الاجتماعية». أوّل تردد لمصطلح السيميوطقيا كان مع دى سوسير فى مخطوطة كتبها عام 1894 بعنوان «مقرر فى الألسنية العامة» وقد نُشرت بعد وفاته عام 1916، وجاء فيها: « من الممكن ... ابتكار علم يدرس دور الإشارات كجزء من الحياة الاجتماعية، ويكون جزءًا من علم النفس الاجتماعي، وبذلك من علم النفس العام، ونرى تسميته السيميولوجيا (من الكلمة اليونانية Sémeîon، أى إشارة)، وهو يدرس طبيعة الإشارات والقوانين التى تحكمها، وبما أن هذا العلم لا يوجد بعد، لا يمكن الجزم بأنه سيوجد. لكن يجوز له أن يوجد. يوجد له سلفًا مكان. وما الألسنية إلا فرع من فروع هذا العلم العام، وتكون القوانين التى تكتشفها السيميولوجيا قوانين تطبّق فى الألسنية، فيكون بذلك للألسنية مكانها المحدّد، والواضح فى حقل المعرفة البشرية». وقد عرَف التلقى العربى هذا العلم مع ترجمة كتاب رولان بارت «مبادئ فى علم الأدلة» (1964)، الذى ترجمه محمد البكرى وصدر عام 1986 عن دار قرطبة للنشر بالمغرب، ثم توالت الترجمات التى قدمت كتابات أعلامه إلى القرّاء فى العالم العربيّ، وإن تقاطعت مع هذه الترجمات محاولات لردّ مدلولات هذا العلم إلى السياق العربي، على نحو ما سعت الدكتورة فريال جبورى غزول بتأكيدها أن العلامة وجانبيها الدال والدلول مبنية على ما قاله الرواقيون (ترجع بداياتهم إلى القرن الثالث قبل الميلاد)، وتارة ثانية حينما أشارت إلى أن ثمة تعريفات بالعلامة لدى المفكر الجزائرى (أوغسطين) ضمن أبحاثه فى التأويل. وبالمثل محاولة الدكتور نصر حامد أبو زيد إلى تلمّس مفهوم العلامة فى التراث العربي. حضور هذا العلم فى مدونة النقد العربى بالمفهوم الغربي، يعود إلى الترجمات العربية لأعلام هذا العلم عن الفرنسيّة والإنجليزيّة، وهذه الترجمات تعود - فى أقرب تقدير - إلى الربع الأخير من القرن الماضي، وهى بجهود كُتّاب مغاربة على نحو محمد البكرى الذى ترجم «مبادئ علم الأدلة» لرولان بارت عام 1986، وعبد السلام بنعبد العالى الذى ترجم لرولان بارت «درس السيميولوجيا» عام 1986 وآخرين استكملوا ترجمة كتابات الكثير من أعلام هذا العلم. لكن الحقيقة أن حضور هذا العلم فى مدونة الثقافة العربيّة أقدم بكثير من ترجمات المغاربة، وأيضًا أقدم من كتابات رولان بارت (مبادئ علم الأدلة) الذى صدر عام 1964، و(درس السيميولوجيا) الذى صدر عام 1978، فإرهاصات التلقيّ العربيّ لهذا العلم تعود إلى تاريخ سابق لهذه التواريخ بكثير، حيث نشرت مجلة الكاتب المصرى التى كان يرأس تحريرها الدكتور طه حسين، فى عددها الصّادر فى مايو 1948 مقالاً لسلامة موسى بعنوان «السيمائيّة: المنطق اللغوى الجديد»، شغلت المقالة ثمانى صفحات من المجلة. بالتأكيد لم يُقدّم سلامة موسى مبادئ العلم كما حضرت لاحقًا فى مقدمات الكتب المترجمة، أو فى السفر الذى أشرفت عليه سيزا قاسم بالاشتراك مع نصر حامد أبو زيد بعنوان «مدخل إلى السيميوطقيا: أنظمة العلامات فى اللغة والأدب والثقافة»(1986) والذى كان بمثابة دليلاً شاملاً للفمهوم ومظاهر السيميوطقيا فى مختلف آفاق التراث البشري، وإنما اكتفى بالإشارة إلى رائده، حيث ينسبه إلى اللغوى الفرنسى «ميشيل بريال» (183 - 1915) الذى يرى أنه أوّل مَن تنبّه للعلم، فى إشارة إلى بحثه «مقالة فى السيمانتيك» عام 1897، ومن ثمّ يكون أسبق من دى سوسير الذى نُشرت مقالته بعد وفاته عام 1916. يبدأ سلامة موسى مقالته بالإشارة إلى عملية التداخل بين اللغات، ويضرب مثالاً بوجود مئات الكلمات الإغريقية التى وجدت طريقها إلى اللغة العربيّة، لدرجة عدم تبيّن أصلها الإنجليزي، ويرجع السبب فى هذا إلى الزباء ملكة تدمر باعتبارها الأصل «لهذا التغلغل الإغريقى فى لغتنا؛ لأنها كانت دولة عربيّة إغريقية». وبهذا المدخل الذى يُبرّر فيه تواجد بعض الكلمات الأجنبيّة فى اللغة العربيّة، يدلف إلى كلمتى سيما / أو سيماء، والسيمافور، ويقول إنهما «كلمتان إحداهما تلبس اللباس العربى الصميم، حتى لنقول عليه سيما الوقار وكأننا ننطق كلامًا عربيًا فصيحًا»، أما الثانية فهى «تلبس اللباس الأجنبى الصريح فنقول السيمافور للنصب العالى الذى ينتهى بعلامة للقطرات (كذا) على السكك الحديدية، والمعنى هو حامل العلامة». وبعد هذا يعرض لهذا العلم بقوله «لقد ظهر علم جديد فى أوروبا يسمى السيمائية أى علم العلامات» ويعرفه بأنه: «علم الكلمات للمعانى من حيث دقة مدلولها المنطقى أو الاجتماعي، أو من حيث تطوّر المعنى، وما يعتور كل هذا من اضطراب المعنى أو سداده». وينسب الفضل فى هذا العلم إلى العالم اللغوى الفرنسى ميشيل بريال الذى يعده «أول مَن تنبه إلى هذا الموضوع وألف فيه قبل نهاية القرن التاسع عشر، وهو الذى اشتق الاسم». ويرى سلامة بعد ضرب أمثلة مهمة على أهمية الأخذ فى الاعتبار إلى السّياق الاجتماعيّ الذى نشأت فيه اللغات، حيث تفقد بعض الكلمات دلالتها مع اختلاف السّياق الاجتماعيّ والزمنيّ الذى نشأت فيه، أن هدف هذا العلم الجديد هو «أن نقف على أخطاء التفكير التى تبعثها أخطاء التعبير باستعمال كلمات فقدت مناخها الاجتماعيّ الذى نشأت فيه، أو باستعمال كلمات سيئة تبعث على الجريمة، أو باستعمال كلمات ذاتيّة تضطرب بها المعاني». ومن ثمّ، يكون «السيماء هو العلامات، والسيمافور هو حامل العلامة الذى يوجه القطرات (كذا) بالإشارات والإيماءات». أهمية السياق / أو المناخ الذى ولدت فيه الكلمة، كى نتجنّب حدوث التباسات واضطرابات لُغوية لا تؤدّى إلى الفهم الصحيح، ويضرب أمثلة كثيرة لتأكيد هذا، فيقول هذا ما يحدث عند قراءة كتاب قديم فى اللغة العربية مضى على تأليفه ألف سنة، فالمؤلف قد يستحسن نكتة أدبيّة، فى حين نحن لا نرى مغزاها لأننا بعد ألف سنة قد فقدنا الجو الأدبى الذى كان يحيط بهذه النكتة. والأمر نفسه نجده عند قراءة كلمات فلسفية أو غيبية يشق فهمها، لذا - كما يرى - كانت الصعوبة فى قراءة ابن رشد أو الفارابي، لأن كليهما «يعالج مشكلات كانت تتصل بمجتمعيهما، وقد زال هذا المجتمع فى أغلبه، ففقدنا نحن أواصر الصلة بيننا وبين معانيه. ويستكمل أن كثيرًا من صعوبات الفهم والتفاهم ليس ذهنيًّا، وإنما هو لغوي، فكل كلمة تحمل معنى، وهذا المعنى هو بمثابة العادة الذهنيّة التى تلابسنا طوال حياتنا ما دام هذا المعنى قائمًا، وإن زال المجتمع الذى أحدث هذا المعنى، واستعمل كلمته، لكن العادة الذهنيّة تبقى وكأنها عاطفة لها قوة لتحريك الفرد أو المجتمع إما للخير وإما للشر، بل تبقى الكلمة وتحيا حياة ضعيفة برواسب قديمة من معناها السابق. ويعوّل كثيرًا على أهمية الكلمة فيقول: «إن الكلمات قد تزيد الذكاء أو تنقصه، أو بتعبير أصحّ نقول إنها قد تحدّ الذكاء أو تبلّده، وهي، أى الكلمات، قد تكون سببًا للجريمة أو سببًا للمرض». ومثلما هناك كلمات تثير العقل الراكد وتنبّه الذكاء الخامد، مثل كلمات المروءة، والشرف، والمجد، والاستقامة، والحق، والعدل، هناك أيضًا كلمات تبعث على الجريمة، كما نجد فى كلمات: عرض ودم وثأر عند القرويين والبدو فى جرجا وقنا، فإن هذه الكلمات على حد قوله «تثير فى الصبيان قبل الشبان خيال الجريمة، ثم عاطفة الجريمة». وينتهى إلى القول إن «اللغات تتفاضل بمقدار اعتمادها على كلمات موضوعية دقيقة أو كلمات ذاتية مضطربة»، ويستدل بواطسون داعية السيكولوجية السلوكية بأن يقاطع هذه الكلمات: «عقل، نفس، غزيرة، وجدان، كامنة « لأنه يجد أنها كلمات ذاتية، وهو يحاول أن ينتقل منها إلى كلمات موضوعية تؤدى بالأرقام على قدر الإمكان. فالأرقام هى التى تنقلنا من الذاتية إلى الموضوعية، ومن ثمّ هى لغة العلم، أى اللغة الدقيقة التى يحتاج إليها العلم. وعنده السيمائية التطبيقية هى التى تدلنا على اختيار العلامات، الكلمات التى نرشد بها ونوجه، بحيث نزيد الذكاء حدة، ونرفع العاطفة، ونعين الأهداف. وهو الأمر الذى يساعد على الانتقال من «البلاغة القروية التى تعلمناها، إلى البلاغة السيمائية التى يجب أن ندرسها ونمارسها فى مجتمع القرن العشرين». لا يقتصر سلامة موسى فى عرضه لعلم السيماء كما يسميه على التعريف به وبيان أهدافه، وإنما يستحضر كل ما هو متعلّق به من أبحاث ودراسات أقامها لغويون كماكس مولر الذى أخرج كتابًا صغيرًا يقول فيه كما ذكر فى المقالة «إننا لا نستطيع أن نفكر بلا كلمات أو على الأقل إيماءات كما يفعل الأخرس» فالكلمة عنده إيماءة أو علامة. أو ما يتصل بالمذهب السلوكى فى السيكولوجية، ورائده واطسون، وهو مذهب ينتهى إلى «أن التفكير إنما هو كلمات غير منطوقة أو حديث صامت» بمعنى أن «التفكير لا يجرى إلا مع حركات صائتة أو صامتة فى الحنجرة، وإننا بدون هذه الحركات لا نستطيع أن نفكر». ويستنتج من هذه الفكرة أن جميع عواطفنا تحتاج إلى حركات فى أعضاء الجسم الداخليّة أو الخارجيّة، وبما أن كل تفكير مهما برئ فى ظاهره يحتاج إلى عاطفة تبعث عليه وتحرك له بعض الأعضاء، فإننا لا نستطيع التفكير بدون الكلمات... وإذن يجب أن نستنتج أن ما نحسبه تفكيرًا صامتًا، إنما هو فى صميمه كلمات مهموسة لا نسمعها» والدليل عنده على هذا الاستنتاج أننا عندما نفكر فى موضوع يثير العاطفة نجد أننا نتكلم وقد يرتفع صوتنا حتى نسمعه» على حد قوله. فالتفكير السّديد يحتاج إلى كلمات سَديدة تحبك المعنى كما يحبك القفاز اليد لا تضيق ولا تتسع، ولا تطول ولا تقصر، وكل تجديد فى التفكير يحتاج إلى تجديد فى الكلمات، وأيضًا كل تجميد فى اللغة هو تجميد للتفكير. وينتهى إلى أن حركة السيمائية هى ثمرة الرُّوح العلميّ، حيث البيئة الصّناعيّة الجديدة احتاجت العلوم التى استغلتها كى تزيد إنتاجها، وأخذ الروح العلمى يطغى على التفكير البشرى فى مراتبه العالية ويعين قواعد ويرتب أصولاً للدقة فى البحث. ونتيجة لما وجده العلميون من كلمات رجراجة سائبة، اهتدوا إلى اللغتين الإغريقية واللاتينية لسك كلمات جديدة تؤدّى المعانى العلميّة الدقيقة. وهنا يُصادر على القارئ الذى يتساءل هكذا: «إذن المعنى سابق الفكر على نحو ما استدلّ العلميون الذين فكروا واختاروا الكلمات التى تؤدّى إلى المعاني، ألا يثبت هذا الاستدلال أن المعنى قد سبق القول؟». فيقول إن الإجابة على هذا السؤال هى سؤال آخر: «ما الذى أرشدهم إلى المعنى الجديد سوى الكلمات القديمة التى فكروا فيها، ثم وجدوها غير وافية بتفكيرهم؟». وعنده أن الروح العلمى هو الذى يبعث المفكرين على بحث الكلمات من حيث قيمتها وأوزانها المنطقية والاجتماعية والسيكولوجية حتى نستطيع استخدامها فى التفكير السليم وفى التوجيه الاجتماعيّ والمعالجة السيكولوجية». وعبارة التوجيه الاجتماعيّ بما تحيل إليه من مكانة وشأن عظيم الذى كان لها فى جميع الأمم المتحاربة، فإن الدعاية هى فى النهاية استخدام القوة الإغرائيّة التى للكلمات، وهنا حسب قوله «مكان جديد للبلاغة السيمائية، وإن لم يكن أسمى أمكنتها، ستعنى به الحكومات». ويعترف فى النهاية للقارئ أن ما ذكره عن السيمائيّة ما هو إلا خدش بسيط دون أن يتعمّق فى الموضوع، كما إن الموضوع فى صميمه سيكولوجى غايته الفهم السّليم، الفهم الموضوعي. والشيء الثانى الذى يجب على القارئ أن يعرفه أن لكل لغة نحوها الذى يتميّز عن النحو فى أيّة لُغة أخرى. ذلك لأن كل لغة قد نشأت وشبت وترعرعت وأحيانًا شاخت فى مناخ معين لم تعش فيه أيّة لُغة أخرى. وهذا المناخ طبيعى واجتماعي. وهو بهذا قد أحدث كلمات وَعيت أسلوبًا للكلام هو فى النهاية أسلوب للتفكير. ثمّ هذا الأسلوب فى التفكير قد عين طرازًا للأخلاق والعيش إما للخير وإما للشر. نستدلُّ مما سبق أن الفضل لظهور علم السيميوطقيا عربيًّا كان بقلم مصرى أصيل، سبق به التعريفات التى قام بها المغاربة، دون تقليل من جهودهم فى ترجمات الأصول عن الفرنسيّة إلى اللغة العربية، لكن الفضل يعود إلى سلامة موسى (1887 - 1958)، وجهوده فى التعريف بالعلوم الجديدة التى يؤصل لها الغرب، وهو جهد لم ينفصل عن جهوده فى التعريف بنيتشه عام 1909، وفلسفة شوبنهاور، ونظرية داروين فى النشوء والارتقاء، وبرنارد شو،... وغيرهم من علماء أفادوا البشرية بعلومهم وأطروحاتهم الفلسفية.

فى مقال عمره 75 عامًا ..سلامة موسى سبق المغاربة فى تدشين السيميوطيقا فى العالم العربى
فى مقال عمره 75 عامًا ..سلامة موسى سبق المغاربة فى تدشين السيميوطيقا فى العالم العربى

مصرس

time٢١-٠٢-٢٠٢٥

  • علوم
  • مصرس

فى مقال عمره 75 عامًا ..سلامة موسى سبق المغاربة فى تدشين السيميوطيقا فى العالم العربى

ممدوح فرّاج النابىمن المعلوم لدى قارئ النظرية الأدبيّة أن أُسس علم السيميوطقيا وضعها فى أوائل القرن الماضى عالمان أحدهما أمريكى والآخر سويسري؛ الأول هو تشارلس سوندرز بيرس (1839 - 1914)، فيلسوف ومنطقي، وأما الثانى فهو فرينادند دى سوسير (1857 - 1913)، مؤسس علم اللغة الحديث، على الرغم من اختلاف مفهوم الرجلين للعلامة التى أقاما عليها السيميوطقيا اختلافًا غير هينٍ كما يقول شكرى عيّاد، حيث يركّز سوسير على الوظيفة الاجتماعيّة للعلامة، فى حين يركز بيرس على الوظيفة المنطقية لها. وبصفة عامة يقصد بعلم السيميوطقيا «العلم الذى يَدْرُس حياة العلامات فى قلب الحياة الاجتماعية».أوّل تردد لمصطلح السيميوطقيا كان مع دى سوسير فى مخطوطة كتبها عام 1894 بعنوان «مقرر فى الألسنية العامة» وقد نُشرت بعد وفاته عام 1916، وجاء فيها: « من الممكن ... ابتكار علم يدرس دور الإشارات كجزء من الحياة الاجتماعية، ويكون جزءًا من علم النفس الاجتماعي، وبذلك من علم النفس العام، ونرى تسميته السيميولوجيا (من الكلمة اليونانية Sémeîon، أى إشارة)، وهو يدرس طبيعة الإشارات والقوانين التى تحكمها، وبما أن هذا العلم لا يوجد بعد، لا يمكن الجزم بأنه سيوجد. لكن يجوز له أن يوجد. يوجد له سلفًا مكان. وما الألسنية إلا فرع من فروع هذا العلم العام، وتكون القوانين التى تكتشفها السيميولوجيا قوانين تطبّق فى الألسنية، فيكون بذلك للألسنية مكانها المحدّد، والواضح فى حقل المعرفة البشرية».وقد عرَف التلقى العربى هذا العلم مع ترجمة كتاب رولان بارت «مبادئ فى علم الأدلة» (1964)، الذى ترجمه محمد البكرى وصدر عام 1986 عن دار قرطبة للنشر بالمغرب، ثم توالت الترجمات التى قدمت كتابات أعلامه إلى القرّاء فى العالم العربيّ، وإن تقاطعت مع هذه الترجمات محاولات لردّ مدلولات هذا العلم إلى السياق العربي، على نحو ما سعت الدكتورة فريال جبورى غزول بتأكيدها أن العلامة وجانبيها الدال والدلول مبنية على ما قاله الرواقيون (ترجع بداياتهم إلى القرن الثالث قبل الميلاد)، وتارة ثانية حينما أشارت إلى أن ثمة تعريفات بالعلامة لدى المفكر الجزائرى (أوغسطين) ضمن أبحاثه فى التأويل. وبالمثل محاولة الدكتور نصر حامد أبو زيد إلى تلمّس مفهوم العلامة فى التراث العربي.حضور هذا العلم فى مدونة النقد العربى بالمفهوم الغربي، يعود إلى الترجمات العربية لأعلام هذا العلم عن الفرنسيّة والإنجليزيّة، وهذه الترجمات تعود - فى أقرب تقدير - إلى الربع الأخير من القرن الماضي، وهى بجهود كُتّاب مغاربة على نحو محمد البكرى الذى ترجم «مبادئ علم الأدلة» لرولان بارت عام 1986، وعبد السلام بنعبد العالى الذى ترجم لرولان بارت «درس السيميولوجيا» عام 1986 وآخرين استكملوا ترجمة كتابات الكثير من أعلام هذا العلم.لكن الحقيقة أن حضور هذا العلم فى مدونة الثقافة العربيّة أقدم بكثير من ترجمات المغاربة، وأيضًا أقدم من كتابات رولان بارت (مبادئ علم الأدلة) الذى صدر عام 1964، و(درس السيميولوجيا) الذى صدر عام 1978، فإرهاصات التلقيّ العربيّ لهذا العلم تعود إلى تاريخ سابق لهذه التواريخ بكثير، حيث نشرت مجلة الكاتب المصرى التى كان يرأس تحريرها الدكتور طه حسين، فى عددها الصّادر فى مايو 1948 مقالاً لسلامة موسى بعنوان «السيمائيّة: المنطق اللغوى الجديد»، شغلت المقالة ثمانى صفحات من المجلة. بالتأكيد لم يُقدّم سلامة موسى مبادئ العلم كما حضرت لاحقًا فى مقدمات الكتب المترجمة، أو فى السفر الذى أشرفت عليه سيزا قاسم بالاشتراك مع نصر حامد أبو زيد بعنوان «مدخل إلى السيميوطقيا: أنظمة العلامات فى اللغة والأدب والثقافة»(1986) والذى كان بمثابة دليلاً شاملاً للفمهوم ومظاهر السيميوطقيا فى مختلف آفاق التراث البشري، وإنما اكتفى بالإشارة إلى رائده، حيث ينسبه إلى اللغوى الفرنسى «ميشيل بريال» (183 - 1915) الذى يرى أنه أوّل مَن تنبّه للعلم، فى إشارة إلى بحثه «مقالة فى السيمانتيك» عام 1897، ومن ثمّ يكون أسبق من دى سوسير الذى نُشرت مقالته بعد وفاته عام 1916.يبدأ سلامة موسى مقالته بالإشارة إلى عملية التداخل بين اللغات، ويضرب مثالاً بوجود مئات الكلمات الإغريقية التى وجدت طريقها إلى اللغة العربيّة، لدرجة عدم تبيّن أصلها الإنجليزي، ويرجع السبب فى هذا إلى الزباء ملكة تدمر باعتبارها الأصل «لهذا التغلغل الإغريقى فى لغتنا؛ لأنها كانت دولة عربيّة إغريقية».وبهذا المدخل الذى يُبرّر فيه تواجد بعض الكلمات الأجنبيّة فى اللغة العربيّة، يدلف إلى كلمتى سيما / أو سيماء، والسيمافور، ويقول إنهما «كلمتان إحداهما تلبس اللباس العربى الصميم، حتى لنقول عليه سيما الوقار وكأننا ننطق كلامًا عربيًا فصيحًا»، أما الثانية فهى «تلبس اللباس الأجنبى الصريح فنقول السيمافور للنصب العالى الذى ينتهى بعلامة للقطرات (كذا) على السكك الحديدية، والمعنى هو حامل العلامة».وبعد هذا يعرض لهذا العلم بقوله «لقد ظهر علم جديد فى أوروبا يسمى السيمائية أى علم العلامات» ويعرفه بأنه: «علم الكلمات للمعانى من حيث دقة مدلولها المنطقى أو الاجتماعي، أو من حيث تطوّر المعنى، وما يعتور كل هذا من اضطراب المعنى أو سداده».وينسب الفضل فى هذا العلم إلى العالم اللغوى الفرنسى ميشيل بريال الذى يعده «أول مَن تنبه إلى هذا الموضوع وألف فيه قبل نهاية القرن التاسع عشر، وهو الذى اشتق الاسم».ويرى سلامة بعد ضرب أمثلة مهمة على أهمية الأخذ فى الاعتبار إلى السّياق الاجتماعيّ الذى نشأت فيه اللغات، حيث تفقد بعض الكلمات دلالتها مع اختلاف السّياق الاجتماعيّ والزمنيّ الذى نشأت فيه، أن هدف هذا العلم الجديد هو «أن نقف على أخطاء التفكير التى تبعثها أخطاء التعبير باستعمال كلمات فقدت مناخها الاجتماعيّ الذى نشأت فيه، أو باستعمال كلمات سيئة تبعث على الجريمة، أو باستعمال كلمات ذاتيّة تضطرب بها المعاني». ومن ثمّ، يكون «السيماء هو العلامات، والسيمافور هو حامل العلامة الذى يوجه القطرات (كذا) بالإشارات والإيماءات».أهمية السياق / أو المناخ الذى ولدت فيه الكلمة، كى نتجنّب حدوث التباسات واضطرابات لُغوية لا تؤدّى إلى الفهم الصحيح، ويضرب أمثلة كثيرة لتأكيد هذا، فيقول هذا ما يحدث عند قراءة كتاب قديم فى اللغة العربية مضى على تأليفه ألف سنة، فالمؤلف قد يستحسن نكتة أدبيّة، فى حين نحن لا نرى مغزاها لأننا بعد ألف سنة قد فقدنا الجو الأدبى الذى كان يحيط بهذه النكتة.والأمر نفسه نجده عند قراءة كلمات فلسفية أو غيبية يشق فهمها، لذا - كما يرى - كانت الصعوبة فى قراءة ابن رشد أو الفارابي، لأن كليهما «يعالج مشكلات كانت تتصل بمجتمعيهما، وقد زال هذا المجتمع فى أغلبه، ففقدنا نحن أواصر الصلة بيننا وبين معانيه.ويستكمل أن كثيرًا من صعوبات الفهم والتفاهم ليس ذهنيًّا، وإنما هو لغوي، فكل كلمة تحمل معنى، وهذا المعنى هو بمثابة العادة الذهنيّة التى تلابسنا طوال حياتنا ما دام هذا المعنى قائمًا، وإن زال المجتمع الذى أحدث هذا المعنى، واستعمل كلمته، لكن العادة الذهنيّة تبقى وكأنها عاطفة لها قوة لتحريك الفرد أو المجتمع إما للخير وإما للشر، بل تبقى الكلمة وتحيا حياة ضعيفة برواسب قديمة من معناها السابق.ويعوّل كثيرًا على أهمية الكلمة فيقول: «إن الكلمات قد تزيد الذكاء أو تنقصه، أو بتعبير أصحّ نقول إنها قد تحدّ الذكاء أو تبلّده، وهي، أى الكلمات، قد تكون سببًا للجريمة أو سببًا للمرض». ومثلما هناك كلمات تثير العقل الراكد وتنبّه الذكاء الخامد، مثل كلمات المروءة، والشرف، والمجد، والاستقامة، والحق، والعدل، هناك أيضًا كلمات تبعث على الجريمة، كما نجد فى كلمات: عرض ودم وثأر عند القرويين والبدو فى جرجا وقنا، فإن هذه الكلمات على حد قوله «تثير فى الصبيان قبل الشبان خيال الجريمة، ثم عاطفة الجريمة».وينتهى إلى القول إن «اللغات تتفاضل بمقدار اعتمادها على كلمات موضوعية دقيقة أو كلمات ذاتية مضطربة»، ويستدل بواطسون داعية السيكولوجية السلوكية بأن يقاطع هذه الكلمات: «عقل، نفس، غزيرة، وجدان، كامنة « لأنه يجد أنها كلمات ذاتية، وهو يحاول أن ينتقل منها إلى كلمات موضوعية تؤدى بالأرقام على قدر الإمكان. فالأرقام هى التى تنقلنا من الذاتية إلى الموضوعية، ومن ثمّ هى لغة العلم، أى اللغة الدقيقة التى يحتاج إليها العلم.وعنده السيمائية التطبيقية هى التى تدلنا على اختيار العلامات، الكلمات التى نرشد بها ونوجه، بحيث نزيد الذكاء حدة، ونرفع العاطفة، ونعين الأهداف. وهو الأمر الذى يساعد على الانتقال من «البلاغة القروية التى تعلمناها، إلى البلاغة السيمائية التى يجب أن ندرسها ونمارسها فى مجتمع القرن العشرين».لا يقتصر سلامة موسى فى عرضه لعلم السيماء كما يسميه على التعريف به وبيان أهدافه، وإنما يستحضر كل ما هو متعلّق به من أبحاث ودراسات أقامها لغويون كماكس مولر الذى أخرج كتابًا صغيرًا يقول فيه كما ذكر فى المقالة «إننا لا نستطيع أن نفكر بلا كلمات أو على الأقل إيماءات كما يفعل الأخرس» فالكلمة عنده إيماءة أو علامة. أو ما يتصل بالمذهب السلوكى فى السيكولوجية، ورائده واطسون، وهو مذهب ينتهى إلى «أن التفكير إنما هو كلمات غير منطوقة أو حديث صامت» بمعنى أن «التفكير لا يجرى إلا مع حركات صائتة أو صامتة فى الحنجرة، وإننا بدون هذه الحركات لا نستطيع أن نفكر».ويستنتج من هذه الفكرة أن جميع عواطفنا تحتاج إلى حركات فى أعضاء الجسم الداخليّة أو الخارجيّة، وبما أن كل تفكير مهما برئ فى ظاهره يحتاج إلى عاطفة تبعث عليه وتحرك له بعض الأعضاء، فإننا لا نستطيع التفكير بدون الكلمات... وإذن يجب أن نستنتج أن ما نحسبه تفكيرًا صامتًا، إنما هو فى صميمه كلمات مهموسة لا نسمعها» والدليل عنده على هذا الاستنتاج أننا عندما نفكر فى موضوع يثير العاطفة نجد أننا نتكلم وقد يرتفع صوتنا حتى نسمعه» على حد قوله.فالتفكير السّديد يحتاج إلى كلمات سَديدة تحبك المعنى كما يحبك القفاز اليد لا تضيق ولا تتسع، ولا تطول ولا تقصر، وكل تجديد فى التفكير يحتاج إلى تجديد فى الكلمات، وأيضًا كل تجميد فى اللغة هو تجميد للتفكير. وينتهى إلى أن حركة السيمائية هى ثمرة الرُّوح العلميّ، حيث البيئة الصّناعيّة الجديدة احتاجت العلوم التى استغلتها كى تزيد إنتاجها، وأخذ الروح العلمى يطغى على التفكير البشرى فى مراتبه العالية ويعين قواعد ويرتب أصولاً للدقة فى البحث.ونتيجة لما وجده العلميون من كلمات رجراجة سائبة، اهتدوا إلى اللغتين الإغريقية واللاتينية لسك كلمات جديدة تؤدّى المعانى العلميّة الدقيقة.وهنا يُصادر على القارئ الذى يتساءل هكذا: «إذن المعنى سابق الفكر على نحو ما استدلّ العلميون الذين فكروا واختاروا الكلمات التى تؤدّى إلى المعاني، ألا يثبت هذا الاستدلال أن المعنى قد سبق القول؟». فيقول إن الإجابة على هذا السؤال هى سؤال آخر: «ما الذى أرشدهم إلى المعنى الجديد سوى الكلمات القديمة التى فكروا فيها، ثم وجدوها غير وافية بتفكيرهم؟».وعنده أن الروح العلمى هو الذى يبعث المفكرين على بحث الكلمات من حيث قيمتها وأوزانها المنطقية والاجتماعية والسيكولوجية حتى نستطيع استخدامها فى التفكير السليم وفى التوجيه الاجتماعيّ والمعالجة السيكولوجية».وعبارة التوجيه الاجتماعيّ بما تحيل إليه من مكانة وشأن عظيم الذى كان لها فى جميع الأمم المتحاربة، فإن الدعاية هى فى النهاية استخدام القوة الإغرائيّة التى للكلمات، وهنا حسب قوله «مكان جديد للبلاغة السيمائية، وإن لم يكن أسمى أمكنتها، ستعنى به الحكومات».ويعترف فى النهاية للقارئ أن ما ذكره عن السيمائيّة ما هو إلا خدش بسيط دون أن يتعمّق فى الموضوع، كما إن الموضوع فى صميمه سيكولوجى غايته الفهم السّليم، الفهم الموضوعي. والشيء الثانى الذى يجب على القارئ أن يعرفه أن لكل لغة نحوها الذى يتميّز عن النحو فى أيّة لُغة أخرى.ذلك لأن كل لغة قد نشأت وشبت وترعرعت وأحيانًا شاخت فى مناخ معين لم تعش فيه أيّة لُغة أخرى. وهذا المناخ طبيعى واجتماعي. وهو بهذا قد أحدث كلمات وَعيت أسلوبًا للكلام هو فى النهاية أسلوب للتفكير. ثمّ هذا الأسلوب فى التفكير قد عين طرازًا للأخلاق والعيش إما للخير وإما للشر.نستدلُّ مما سبق أن الفضل لظهور علم السيميوطقيا عربيًّا كان بقلم مصرى أصيل، سبق به التعريفات التى قام بها المغاربة، دون تقليل من جهودهم فى ترجمات الأصول عن الفرنسيّة إلى اللغة العربية، لكن الفضل يعود إلى سلامة موسى (1887 - 1958)، وجهوده فى التعريف بالعلوم الجديدة التى يؤصل لها الغرب، وهو جهد لم ينفصل عن جهوده فى التعريف بنيتشه عام 1909، وفلسفة شوبنهاور، ونظرية داروين فى النشوء والارتقاء، وبرنارد شو،... وغيرهم من علماء أفادوا البشرية بعلومهم وأطروحاتهم الفلسفية.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store