أحدث الأخبار مع #زرادشت


بوابة ماسبيرو
١٥-٠٤-٢٠٢٥
- ترفيه
- بوابة ماسبيرو
القوة.. «لعبة العروش»
«لعبة العروش» مسلسل تليفزيونى شهير توج كظاهرة درامية بأجزائه الثمانية.. ورغم وقوع أحداثه فى عالم منافى للواقع؛ حيث الخيال والفانتازيا إلا أنه نجح فى تجسيد نظرية القوة وشكّل مدخلا فى فهم فكر فيلسوف مثل نيتشه حينما كتب عن مفهوم إرادة القوة. فى المسلسل استطاع المؤلفون -وعلى رأسهم المؤسس الفعلى لهذا المشروع الدرامى جورج أر مارتن- أن يصوروا منطق القوة الذى يحرك الشخصيات ومن ثم الأحداث؛ حيث كل مفردة من مفردات المسلسل تحكى بتفرد ذلك الاجتماع الدائم بهدف الوصول للأمان عبر فرض سلطة القوة، ووسط الدمار والخراب والدم والنار يبقى الصراع لفهم وإدراك آليات منطق القوة كما صاغها نيتشه تماما فى فلسفته. فكرة القوة بنى نيتشه فلسفته حول فكرة القوة وتجلياتها بأنها مجموعة من القيم التى يؤسسها كل فرد فى حياته ليكون لنفسه قيما جديدة مغايرة لمنظومة القيم التى تحيط به فى محيطه المجتمعى بما أسماه "إعادة تقييم القيم"، وبالطبع فى الطريق الى ذلك يتعالى الشخص على القواعد الأخلاقية والقانونية وأحيانا حتى الدينية التى كانت فى صغره تضبط سلوكه وتصرفه بما كان يقيده ليقول نيتشه على لسان زرادشت فى كتابه "هكذا تكلم زرادشت": وآسفاه فإن كل من يتكهن ما هى إرادتى يجب أن يتكهن أولا فى أى طرق ملتوية سرت. ولا شك أن فى رحلة نيتشه لاكتشاف معنى القوى قد أدرك أنها ليست مجرد خاصية من خصائص الحياة بل هى الحياة ذاتها.. فالحياة هى إرادة تحتاج للقوة التى تتفوق دائما على نفسها. وفى كتابه "جينالوجيا الأخلاق" يسترسل نيتشه فى الحديث عن مفهوم إرادة القوة من منظوره الخاص؛ حيث يرى أن الغريزة طالما كانت المصدر الأول للإنسان فى فعل أى شىء.. فهى تحركه بشكل أو بآخر حتى أنها تتحكم أيضا فى رد فعله، وهى بذلك العلة من وراء كل ما يدور لأى حدث.. ومن هذا المنطق إما الفوز أو الخسارة. لعبة العروش ولعل فى مسلسل لعبة العروش كما الحياة، هناك ما يكشف هذا الوجه المتوحش للإنسان، فحيثما يفشل الخير فى السيطرة على الأمور وحماية الأخيار فإن المثالية هنا تعجز عن المقاومة مما يجعل التخلى عن منظومة القيم العليا سهلا كحل مصيرى لمجابهة الشر على مبدأ الشر بالشر والبادى أظلم، ولعل ذلك مرة أخرى اتباعا لغريزة حب البقاء ومن ثم حب الانتصار، وفى سبيل تحقيق هذا يحتاج الإنسان إلى القوة حتى لو أدت الى استخدام استراتيجيات خبيثة وماكرة، وقد تصل المجابهة إلى فكرة التضحية بالأبرياء بعد –بالطبع- دهس أى منظومة تقف عثرة لتحقيق هذا كله.. فالحياة ليست عادلة تجبر الجميع غالبا لإخراج أسوأ ما فيهم من أجل إعادة التوازن المنشود. البشر بلا قوة ولعل القوة هى مقياس لقدرة الإنسان فى التحكم على ما أو من حوله، ولهذا ربما ارتبط مفهوم القوة عبر الزمن بالسلطة على الأقل فى نظر المجتمع العام.. أما وصف السلطة بالشريرة أو المستبدة الظالمة والحكم على مدى شرعية ما تقوم به فهذا منطلق آخر مختلف عليه خاصة إذا ما اتصل بالإكراه أو التهديد أو القهر، لكن ما لا يختلف عليه هو ذلك الوصف الأدق لمعنى القوة، ونعنى هنا به مدى تأثير القوة على العالم المحيط. وفى الفلسفة يعرف مفهوم القوة على أنه القيام بالتغيير أو منعه بكافة الوسائل، وهو ما يثير التساؤل الدائم حول طبيعة القوة ومدى دورها المحتمل فى تحديد العلاقات بين الفاعلين. وبالطبع طالما نظر للقوة على أنها أشكال متنوعة من فرض القيود على أفعال البشر بما يحدد ويحد من طريقة حياتهم وتفكيرهم وإدارة تعاملهم مع محيطهم العام، لكن مع هذا لا يمكن تصور حياة البشر بلا قوة، فالقوة مرتبطة أساسا بطبيعة الحياة، ولذا فالعلاقة تبادلية فمتى وجد الإنسان وجدت القوة والعكس صحيح، والمهم هنا أن تكون العلاقة متساوية تضمن التوازن والاستقرار. ولهذا هناك أنواع للقوة بالضرورة؛ فبجانب القوة البدنية والعقلية للإنسان هناك قوة تعويضية باستخدام الموارد المتاحة له منها مثلا القوة المادية والتنظيمية، وفى العصر الحديث أضيفت لمجموعة القوى المعتادة قوى أخرى مثل الهيمنة الثقافية أو ما يعرف بالقوة الناعمة بجانب قوة العلم والتكنولوجيا المتطورة، وكذا قوة المعرفة واحتكارها؛ وقد كتب الفيلسوف الإنجليزى فرانسيس بيكون عن قوة المعرفة أنها القوة الحقيقية التى تبلغ منتهاها بالتحكم والتوجيه عن بعد فى العوالم الخفية وبالأيادى غير المرئية. القوة والتغيير كثيرون من الناس يجدون صعوبة فى إدراك فكرة التغيير واتصالها بالقوة.. لذا شغلت علة تغيير الأشياء عقول المفكرين والباحثين والفلاسفة منذ القدم، فحين اعتقد الفيلسوف الإغريقى بارميندس مثلا بأن التغيير مجرد وهم وأن جميع ما يحدث هو نفسه ولا جديد.. اعتقد هرقليطس وغيره أن الكون فى صيرورة أزلية، وضمان ذلك هو التغيير المستمر بما شبهه بالنار الأبدية. ولعل الزمن والواقع أكدا أن سيناريو التغيير وضرورته هو الأقرب للصحة، وقد كتب سقراط عن هذا فقال: العنف والحروب هما أقوى دليل على مظاهر حب البشر للتغيير، ولذا فالبشر ببساطة تحت رحمة هذا الحب الذى يستلزم وجود القوة، ولعل هذا ما أكده بعد ذلك نيتشه بفكرة أكثر حداثة عن طريق ما أطلق عليه "إرادة القوة" وقد اعتقد أن الإرادة هنا هى قوة بدائية خلقت مع الإنسان وهى فعليا ما تقوده فى مسيرته على الأرض، ومع أوائل القرن ثمانينات القرن ١٩ بدأت هذه الفكرة تتأكد بشكل أقوى بعد اعتبار الإرادة المحرك الأساسى فى كفاح البشرية من أجل التغيير. منطق القوة ولا شك أن ما من هدنة متوقعة للحروب والصراعات على أرض البسيطة والتى بدأت فيما قبل التاريخ وستبقى حتى النهاية، ومما لا شك فيه أيضا أن الطرف الأصيل فيها يخضع تماما لمنطق القوة بمظهرها المتغير، لكنه دوما يفتقر المروءة حتى عند تبرير الخطايا. وبالطبع وكما سبق القول إن هناك منطقا للقوة تحكمه الغرائز، والغرائز تتحجج دائما بالدوافع المختلفة، وهنا بالتحديد نرجع لما يقوله علماء النفس عن الفارق بين منطق القوة وقوة المنطق، ومنهم عالم النفس كلاستر فى كتابه الشهير "مجتمعات ما قبل الدولة"؛ حيث كتب باختصار: إن للقوة نفوذا مباشرا ما يوهم الأقوياء بأنهم على حق، وما أن تبدأ قوتهم فى الانحسار يفقدون على الفور التوازن و يعجزون عن المقاومة فيسقطون، وذلك لا لشىء سوى بعدهم عن قوة المنطق وتبنيهم لمنطق القوة. ولعل المؤرخين الذين كتبوا عن أسباب تدهور الحضارات واختفائها أكدوا بأن القاسم المشترك بينها جميعا كان يكمن فيما يسمى "فائض القوة" وما يقابله بالطبع من نقصان الحكمة، وقد كتب المفكر الألمانى أزوالد شنجلر أن الحروب الكبرى كالحرب العالمية الأولى والثانية كان منطق القوة بل استعراضها هو المسيطر، وهو ما أسفر عن تدمير أسباب الحضارة الغربية القديمة ثم استطرد منصفا بأن الحضارة الشرقية كانت أطول عمرا وخاصة الحضارة الإسلامية لأنها لم تنزلق فى مستنقع منطق القوة، فمارست فى قمة عنفوانها ما يسمى "سياسة العفو عند المقدرة". وربما عصرنا الحالى يعج بالكثير من المتناقضات وأهمها امتداح قوة المنطق وإعلاء شأن الفن والثقافة كقوى ناعمة، بينما الحقيقة أن العالم الخفى -وفى اللحظات الحاسمة من عمر الشعوب تحديدا- يتدخل فارضا منطق القوة؛ وفى هذا السياق يذكر ما ظفرت به الدول المنتصرة مثلا بعد الحرب العالمية الثانية من حق الفيتو، ومن يومها خسرت الشعوب الرهان بأن وصول البشرية لهذا المستوى المتقدم من العلم والمعرفة والتطور لن يغنى فى حل المشكلات والأزمات عن استعمال منطق القوة، وبالفعل فبنظرة واحدة على المسرح العالمى تسقط هذه الفرضية على الفور بعد أن طغى طوال الوقت هذا المنطق وتحكم فى سير الأمور حتى يبدو أن تلك الجدلية المرهقة القديمة بين أيهما يجب أن يسود منطق القوة أم قوة المنطق قد أصبحت محسومة؟!.


الجريدة 24
٢٠-٠٣-٢٠٢٥
- سياسة
- الجريدة 24
العاقل...تاريخ مختصر للجنس البشري(18)
أمينة المستاري ولادة الأديان التوحيدية بمرور الوقت، آمن أتباع الديانات المتعددة الآلهة بالإله الوحيد وبكونه القوة العليا للكون، وآمنوا بإمكانية عقد صفقات معه، وهكذا ولدت الأديان التوحيدية، يقول هراري، وظهر أول جين توحيدي يقول هراري، في مصر سنة 350ق.م بإعلان الفرعون أخناتون أن الإله آتون، القوة العليا التي تحكم الكون، واتخذه كدين للدولة وحاول القضاء على باقي الآلهة لكن بعد وفاته تم التخلي عن عبادة آتون لصالح الآلهة القديمة. ورغم استمرار عبادة الآلهة، إلا أنها بقيت هامشية لفشلها في تبني رسالتها العالمية الخاصة، لم تقدم اليهودية إلا القليل ولم تكن ديانة تبشيرية واعتبرت مرحلتها "التوحيد المحلي" وجاء الاختراق الكبير مع المسيحية، فقد بدأ بالإيمان كطائفة يهويدية باطنية سعت لإقناع اليهود أن يسوع الناصري هو المسيح الذي طال انتظاره، وأدرك أحد قادة الطائفة "بولس الطرسوسي" أنه إذا كان الرب قد تجسد ومات على الصليب من أجل خلاص البشرية فيجب أن يسمع هذا كل العالم وليس فقط اليهود لذلك يجب نشر الإنجيل في العالم. وبدأ المسيحيون تنظيم أنشطة تبشيرية استهدفت جميع البشر، واستولت هذه الطائفة على الإمبراطورية الرومانية. ثم ظهر دين توحيدي آخر في شبه الجزيرة العربية في القرن السابع الميلادي: الإسلام. بدأ بطائفة صغيرة لكن بمفاجأة تاريخية أغرب وأسرع تمكن من الخروج والسيطرة على امبراطورية هائلة تمتد من المحيط إلى الهند. حاول التوحيديون مرارا وتكرارا تقوية أنفسهم عن طريق محو أية منافسة. فحوالي سنة 500م كانت الإمبراطورية الرومانية مسيحية، وانهمك المبشرون في نشر المسيحية ببلدان أوربا وآسيا والهيمالايا... ومع القرن 16 سيطر التوحيد على معظم القارة الأفروآسيوية، باستثناء شرق آسيا والأجزاء الجنوبية من إفريقيا. فوسع مخالبه ليجتاح هذه المناطق، والآن يلتزم الناس بدين توحيدي أ آخر والنظام السياسي مبني على أسس توحيدية. يشير هراري إلى أنه كان صعبا على معظم الناس هضم فكرة التوحيد الكامل، واستمروا في تقسيم العالم إلى "نحن" و"هم"، وكانوا يرون السلطة العليا بعيدة وغريبة عن احتياجاتهم الدنيوية. وطردت الأديان التوحيدية الآلهة من الباب الأمامي لتدخلها من النافذة الجانبية، فظهر مجمع آلهة خاص بها، من القديسين، وكان لكل مملكة قديس شفيع يحميها، فقد كانوا هم الآلهة نفسها متنكرة . معركة الخير والشر تولد عن الديانات التعددية أديان توحيدية، وولدت أديانا ثنوية، هذه الأخيرة تبنت وجود قوتين اثنتين متعارضتين: الخير والشر. يضيف يوفال نوح هراري أن الأديان الثنوية تؤمن بأن الشر قوة مستقلة لا تخلقها قوة الخير وليست تابعة لها. وتعتبر أن الكون عبارة عن ساحة معركة بين القوتين. فالثنوية وجهة نظر جذابة للعالم لأنها تقدم إجابة قصيرة لمشكلة الشر التي اعتبرت من اهتمامات الفكر البشري، وتطرح أسئلة حول لماذا يحدث الشر والأمور السيئة لأناس طيبين؟؟ من التفسيرات المعروفة، يقول هراري، أنه في حالة لم يكن هناك شر فالبشر لا يستطيع الاختيار بين الشر والخير ولن تكون هناك إرادة حرة للاختيار. وتثير هذه الإجابة تساؤلات جديدة فاختيار الشر الذي يجلب عقابا إلهيا، يتساءل هراري إذا كان الرب يعلم أن شخصا سيقوم بالشر فلماذا خلقه أصلا؟ كتب اللاهوتيون كتبا يجيبون فيها عن هذا السؤال، ورغم ذلك فالأديان التوحيدية تجد صعوبة في التعامل مع مشكلة الشر. وجهة النظر الثنوية لها عيوبها الخاصة، حسب هراري، فهي تثير مشكلة النظام، أما الأديان التوحيدية فهي جيدة في شرح هذه المشكلة. لقد ازدهرت الديانات الثنوية لأزيد من 1000 سنة، وظهر نبي يدعى "زرادشت" في آسيا الوسطى، وتعتقد الديانة الزرادشتية أن هناك معركة كونية بين إله الخير مزدا وإله الشر أنجرا ماينيو، وأصبح الدين الرسمي للامبراطورية الفارسية والساسانية، وألهم ديانات كالغنوصية والمانوية في الصين ...لكن الأديان التوحيدية امتصت المعتقدات الثنوية، وإن كان عدد من المسيحيين والمسلمين واليهود يؤمنون بقدرة القوة الشريرة. لكن ذلك مستحيل يقول هراري، فإما أن تؤمن بإله واحد أو بقوتين متعارضتين...واعتبر مفهوم الثنوي أن هناك معركة بين النفس الخيرة والجسم الشرير. يخلص المؤلف إلى القول أن التوحيد هو مطياف من الإرث التوحيدي والثنوي والتعددي والأرواحي...مخلوطة تحت مظلة إلهية واحدة... فالمسيحي النموذجي مثلا يؤمن بإله واحد وأيضا بالشيطان الثنوي...ويسبغ علماء الدين على هذا اسم التوفيقية. قانون الطبيعة يعتبر هراري أن جميع الأديان تشترك في سمة واحدة تركز على الاعتقاد بآلهة وغيرها من الكيانات الخارقة للطبيعة. والتاريخ الديني للعالم لا يختزل في تاريخ الآلهة، فقد ظهرت أديان خلال الألفية الأولى قبل الميلاد، كالبوذية والكونفشيوسية والأبيقورية... أديان القانون الطبيعي القديمة والتي ترى أن النظام فوق البشري نتاج قوانين طبيعية، لكنها لم تتخلص أبدا من عبادة الآلهة، ومع تطور الطوائف البوذية بدأت في عبادة الكائنات المستنيرة وطلب المساعدة منها.. شارك المقال