
القوة.. «لعبة العروش»
«لعبة العروش» مسلسل تليفزيونى شهير توج كظاهرة درامية بأجزائه الثمانية.. ورغم وقوع أحداثه فى عالم منافى للواقع؛ حيث الخيال والفانتازيا إلا أنه نجح فى تجسيد نظرية القوة وشكّل مدخلا فى فهم فكر فيلسوف مثل نيتشه حينما كتب عن مفهوم إرادة القوة.
فى المسلسل استطاع المؤلفون -وعلى رأسهم المؤسس الفعلى لهذا المشروع الدرامى جورج أر مارتن- أن يصوروا منطق القوة الذى يحرك الشخصيات ومن ثم الأحداث؛ حيث كل مفردة من مفردات المسلسل تحكى بتفرد ذلك الاجتماع الدائم بهدف الوصول للأمان عبر فرض سلطة القوة، ووسط الدمار والخراب والدم والنار يبقى الصراع لفهم وإدراك آليات منطق القوة كما صاغها نيتشه تماما فى فلسفته.
فكرة القوة
بنى نيتشه فلسفته حول فكرة القوة وتجلياتها بأنها مجموعة من القيم التى يؤسسها كل فرد فى حياته ليكون لنفسه قيما جديدة مغايرة لمنظومة القيم التى تحيط به فى محيطه المجتمعى بما أسماه "إعادة تقييم القيم"، وبالطبع فى الطريق الى ذلك يتعالى الشخص على القواعد الأخلاقية والقانونية وأحيانا حتى الدينية التى كانت فى صغره تضبط سلوكه وتصرفه بما كان يقيده ليقول نيتشه على لسان زرادشت فى كتابه "هكذا تكلم زرادشت": وآسفاه فإن كل من يتكهن ما هى إرادتى يجب أن يتكهن أولا فى أى طرق ملتوية سرت.
ولا شك أن فى رحلة نيتشه لاكتشاف معنى القوى قد أدرك أنها ليست مجرد خاصية من خصائص الحياة بل هى الحياة ذاتها.. فالحياة هى إرادة تحتاج للقوة التى تتفوق دائما على نفسها.
وفى كتابه "جينالوجيا الأخلاق" يسترسل نيتشه فى الحديث عن مفهوم إرادة القوة من منظوره الخاص؛ حيث يرى أن الغريزة طالما كانت المصدر الأول للإنسان فى فعل أى شىء.. فهى تحركه بشكل أو بآخر حتى أنها تتحكم أيضا فى رد فعله، وهى بذلك العلة من وراء كل ما يدور لأى حدث.. ومن هذا المنطق إما الفوز أو الخسارة.
لعبة العروش
ولعل فى مسلسل لعبة العروش كما الحياة، هناك ما يكشف هذا الوجه المتوحش للإنسان، فحيثما يفشل الخير فى السيطرة على الأمور وحماية الأخيار فإن المثالية هنا تعجز عن المقاومة مما يجعل التخلى عن منظومة القيم العليا سهلا كحل مصيرى لمجابهة الشر على مبدأ الشر بالشر والبادى أظلم، ولعل ذلك مرة أخرى اتباعا لغريزة حب البقاء ومن ثم حب الانتصار، وفى سبيل تحقيق هذا يحتاج الإنسان إلى القوة حتى لو أدت الى استخدام استراتيجيات خبيثة وماكرة، وقد تصل المجابهة إلى فكرة التضحية بالأبرياء بعد –بالطبع- دهس أى منظومة تقف عثرة لتحقيق هذا كله.. فالحياة ليست عادلة تجبر الجميع غالبا لإخراج أسوأ ما فيهم من أجل إعادة التوازن المنشود.
البشر بلا قوة
ولعل القوة هى مقياس لقدرة الإنسان فى التحكم على ما أو من حوله، ولهذا ربما ارتبط مفهوم القوة عبر الزمن بالسلطة على الأقل فى نظر المجتمع العام.. أما وصف السلطة بالشريرة أو المستبدة الظالمة والحكم على مدى شرعية ما تقوم به فهذا منطلق آخر مختلف عليه خاصة إذا ما اتصل بالإكراه أو التهديد أو القهر، لكن ما لا يختلف عليه هو ذلك الوصف الأدق لمعنى القوة، ونعنى هنا به مدى تأثير القوة على العالم المحيط.
وفى الفلسفة يعرف مفهوم القوة على أنه القيام بالتغيير أو منعه بكافة الوسائل، وهو ما يثير التساؤل الدائم حول طبيعة القوة ومدى دورها المحتمل فى تحديد العلاقات بين الفاعلين.
وبالطبع طالما نظر للقوة على أنها أشكال متنوعة من فرض القيود على أفعال البشر بما يحدد ويحد من طريقة حياتهم وتفكيرهم وإدارة تعاملهم مع محيطهم العام، لكن مع هذا لا يمكن تصور حياة البشر بلا قوة، فالقوة مرتبطة أساسا بطبيعة الحياة، ولذا فالعلاقة تبادلية فمتى وجد الإنسان وجدت القوة والعكس صحيح، والمهم هنا أن تكون العلاقة متساوية تضمن التوازن والاستقرار.
ولهذا هناك أنواع للقوة بالضرورة؛ فبجانب القوة البدنية والعقلية للإنسان هناك قوة تعويضية باستخدام الموارد المتاحة له منها مثلا القوة المادية والتنظيمية، وفى العصر الحديث أضيفت لمجموعة القوى المعتادة قوى أخرى مثل الهيمنة الثقافية أو ما يعرف بالقوة الناعمة بجانب قوة العلم والتكنولوجيا المتطورة، وكذا قوة المعرفة واحتكارها؛ وقد كتب الفيلسوف الإنجليزى فرانسيس بيكون عن قوة المعرفة أنها القوة الحقيقية التى تبلغ منتهاها بالتحكم والتوجيه عن بعد فى العوالم الخفية وبالأيادى غير المرئية.
القوة والتغيير
كثيرون من الناس يجدون صعوبة فى إدراك فكرة التغيير واتصالها بالقوة.. لذا شغلت علة تغيير الأشياء عقول المفكرين والباحثين والفلاسفة منذ القدم، فحين اعتقد الفيلسوف الإغريقى بارميندس مثلا بأن التغيير مجرد وهم وأن جميع ما يحدث هو نفسه ولا جديد.. اعتقد هرقليطس وغيره أن الكون فى صيرورة أزلية، وضمان ذلك هو التغيير المستمر بما شبهه بالنار الأبدية.
ولعل الزمن والواقع أكدا أن سيناريو التغيير وضرورته هو الأقرب للصحة، وقد كتب سقراط عن هذا فقال: العنف والحروب هما أقوى دليل على مظاهر حب البشر للتغيير، ولذا فالبشر ببساطة تحت رحمة هذا الحب الذى يستلزم وجود القوة، ولعل هذا ما أكده بعد ذلك نيتشه بفكرة أكثر حداثة عن طريق ما أطلق عليه "إرادة القوة" وقد اعتقد أن الإرادة هنا هى قوة بدائية خلقت مع الإنسان وهى فعليا ما تقوده فى مسيرته على الأرض، ومع أوائل القرن ثمانينات القرن ١٩ بدأت هذه الفكرة تتأكد بشكل أقوى بعد اعتبار الإرادة المحرك الأساسى فى كفاح البشرية من أجل التغيير.
منطق القوة
ولا شك أن ما من هدنة متوقعة للحروب والصراعات على أرض البسيطة والتى بدأت فيما قبل التاريخ وستبقى حتى النهاية، ومما لا شك فيه أيضا أن الطرف الأصيل فيها يخضع تماما لمنطق القوة بمظهرها المتغير، لكنه دوما يفتقر المروءة حتى عند تبرير الخطايا.
وبالطبع وكما سبق القول إن هناك منطقا للقوة تحكمه الغرائز، والغرائز تتحجج دائما بالدوافع المختلفة، وهنا بالتحديد نرجع لما يقوله علماء النفس عن الفارق بين منطق القوة وقوة المنطق، ومنهم عالم النفس كلاستر فى كتابه الشهير "مجتمعات ما قبل الدولة"؛ حيث كتب باختصار: إن للقوة نفوذا مباشرا ما يوهم الأقوياء بأنهم على حق، وما أن تبدأ قوتهم فى الانحسار يفقدون على الفور التوازن و يعجزون عن المقاومة فيسقطون، وذلك لا لشىء سوى بعدهم عن قوة المنطق وتبنيهم لمنطق القوة.
ولعل المؤرخين الذين كتبوا عن أسباب تدهور الحضارات واختفائها أكدوا بأن القاسم المشترك بينها جميعا كان يكمن فيما يسمى "فائض القوة" وما يقابله بالطبع من نقصان الحكمة، وقد كتب المفكر الألمانى أزوالد شنجلر أن الحروب الكبرى كالحرب العالمية الأولى والثانية كان منطق القوة بل استعراضها هو المسيطر، وهو ما أسفر عن تدمير أسباب الحضارة الغربية القديمة ثم استطرد منصفا بأن الحضارة الشرقية كانت أطول عمرا وخاصة الحضارة الإسلامية لأنها لم تنزلق فى مستنقع منطق القوة، فمارست فى قمة عنفوانها ما يسمى "سياسة العفو عند المقدرة".
وربما عصرنا الحالى يعج بالكثير من المتناقضات وأهمها امتداح قوة المنطق وإعلاء شأن الفن والثقافة كقوى ناعمة، بينما الحقيقة أن العالم الخفى -وفى اللحظات الحاسمة من عمر الشعوب تحديدا- يتدخل فارضا منطق القوة؛ وفى هذا السياق يذكر ما ظفرت به الدول المنتصرة مثلا بعد الحرب العالمية الثانية من حق الفيتو، ومن يومها خسرت الشعوب الرهان بأن وصول البشرية لهذا المستوى المتقدم من العلم والمعرفة والتطور لن يغنى فى حل المشكلات والأزمات عن استعمال منطق القوة، وبالفعل فبنظرة واحدة على المسرح العالمى تسقط هذه الفرضية على الفور بعد أن طغى طوال الوقت هذا المنطق وتحكم فى سير الأمور حتى يبدو أن تلك الجدلية المرهقة القديمة بين أيهما يجب أن يسود منطق القوة أم قوة المنطق قد أصبحت محسومة؟!.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


بوابة ماسبيرو
١٥-٠٤-٢٠٢٥
- بوابة ماسبيرو
القوة.. «لعبة العروش»
«لعبة العروش» مسلسل تليفزيونى شهير توج كظاهرة درامية بأجزائه الثمانية.. ورغم وقوع أحداثه فى عالم منافى للواقع؛ حيث الخيال والفانتازيا إلا أنه نجح فى تجسيد نظرية القوة وشكّل مدخلا فى فهم فكر فيلسوف مثل نيتشه حينما كتب عن مفهوم إرادة القوة. فى المسلسل استطاع المؤلفون -وعلى رأسهم المؤسس الفعلى لهذا المشروع الدرامى جورج أر مارتن- أن يصوروا منطق القوة الذى يحرك الشخصيات ومن ثم الأحداث؛ حيث كل مفردة من مفردات المسلسل تحكى بتفرد ذلك الاجتماع الدائم بهدف الوصول للأمان عبر فرض سلطة القوة، ووسط الدمار والخراب والدم والنار يبقى الصراع لفهم وإدراك آليات منطق القوة كما صاغها نيتشه تماما فى فلسفته. فكرة القوة بنى نيتشه فلسفته حول فكرة القوة وتجلياتها بأنها مجموعة من القيم التى يؤسسها كل فرد فى حياته ليكون لنفسه قيما جديدة مغايرة لمنظومة القيم التى تحيط به فى محيطه المجتمعى بما أسماه "إعادة تقييم القيم"، وبالطبع فى الطريق الى ذلك يتعالى الشخص على القواعد الأخلاقية والقانونية وأحيانا حتى الدينية التى كانت فى صغره تضبط سلوكه وتصرفه بما كان يقيده ليقول نيتشه على لسان زرادشت فى كتابه "هكذا تكلم زرادشت": وآسفاه فإن كل من يتكهن ما هى إرادتى يجب أن يتكهن أولا فى أى طرق ملتوية سرت. ولا شك أن فى رحلة نيتشه لاكتشاف معنى القوى قد أدرك أنها ليست مجرد خاصية من خصائص الحياة بل هى الحياة ذاتها.. فالحياة هى إرادة تحتاج للقوة التى تتفوق دائما على نفسها. وفى كتابه "جينالوجيا الأخلاق" يسترسل نيتشه فى الحديث عن مفهوم إرادة القوة من منظوره الخاص؛ حيث يرى أن الغريزة طالما كانت المصدر الأول للإنسان فى فعل أى شىء.. فهى تحركه بشكل أو بآخر حتى أنها تتحكم أيضا فى رد فعله، وهى بذلك العلة من وراء كل ما يدور لأى حدث.. ومن هذا المنطق إما الفوز أو الخسارة. لعبة العروش ولعل فى مسلسل لعبة العروش كما الحياة، هناك ما يكشف هذا الوجه المتوحش للإنسان، فحيثما يفشل الخير فى السيطرة على الأمور وحماية الأخيار فإن المثالية هنا تعجز عن المقاومة مما يجعل التخلى عن منظومة القيم العليا سهلا كحل مصيرى لمجابهة الشر على مبدأ الشر بالشر والبادى أظلم، ولعل ذلك مرة أخرى اتباعا لغريزة حب البقاء ومن ثم حب الانتصار، وفى سبيل تحقيق هذا يحتاج الإنسان إلى القوة حتى لو أدت الى استخدام استراتيجيات خبيثة وماكرة، وقد تصل المجابهة إلى فكرة التضحية بالأبرياء بعد –بالطبع- دهس أى منظومة تقف عثرة لتحقيق هذا كله.. فالحياة ليست عادلة تجبر الجميع غالبا لإخراج أسوأ ما فيهم من أجل إعادة التوازن المنشود. البشر بلا قوة ولعل القوة هى مقياس لقدرة الإنسان فى التحكم على ما أو من حوله، ولهذا ربما ارتبط مفهوم القوة عبر الزمن بالسلطة على الأقل فى نظر المجتمع العام.. أما وصف السلطة بالشريرة أو المستبدة الظالمة والحكم على مدى شرعية ما تقوم به فهذا منطلق آخر مختلف عليه خاصة إذا ما اتصل بالإكراه أو التهديد أو القهر، لكن ما لا يختلف عليه هو ذلك الوصف الأدق لمعنى القوة، ونعنى هنا به مدى تأثير القوة على العالم المحيط. وفى الفلسفة يعرف مفهوم القوة على أنه القيام بالتغيير أو منعه بكافة الوسائل، وهو ما يثير التساؤل الدائم حول طبيعة القوة ومدى دورها المحتمل فى تحديد العلاقات بين الفاعلين. وبالطبع طالما نظر للقوة على أنها أشكال متنوعة من فرض القيود على أفعال البشر بما يحدد ويحد من طريقة حياتهم وتفكيرهم وإدارة تعاملهم مع محيطهم العام، لكن مع هذا لا يمكن تصور حياة البشر بلا قوة، فالقوة مرتبطة أساسا بطبيعة الحياة، ولذا فالعلاقة تبادلية فمتى وجد الإنسان وجدت القوة والعكس صحيح، والمهم هنا أن تكون العلاقة متساوية تضمن التوازن والاستقرار. ولهذا هناك أنواع للقوة بالضرورة؛ فبجانب القوة البدنية والعقلية للإنسان هناك قوة تعويضية باستخدام الموارد المتاحة له منها مثلا القوة المادية والتنظيمية، وفى العصر الحديث أضيفت لمجموعة القوى المعتادة قوى أخرى مثل الهيمنة الثقافية أو ما يعرف بالقوة الناعمة بجانب قوة العلم والتكنولوجيا المتطورة، وكذا قوة المعرفة واحتكارها؛ وقد كتب الفيلسوف الإنجليزى فرانسيس بيكون عن قوة المعرفة أنها القوة الحقيقية التى تبلغ منتهاها بالتحكم والتوجيه عن بعد فى العوالم الخفية وبالأيادى غير المرئية. القوة والتغيير كثيرون من الناس يجدون صعوبة فى إدراك فكرة التغيير واتصالها بالقوة.. لذا شغلت علة تغيير الأشياء عقول المفكرين والباحثين والفلاسفة منذ القدم، فحين اعتقد الفيلسوف الإغريقى بارميندس مثلا بأن التغيير مجرد وهم وأن جميع ما يحدث هو نفسه ولا جديد.. اعتقد هرقليطس وغيره أن الكون فى صيرورة أزلية، وضمان ذلك هو التغيير المستمر بما شبهه بالنار الأبدية. ولعل الزمن والواقع أكدا أن سيناريو التغيير وضرورته هو الأقرب للصحة، وقد كتب سقراط عن هذا فقال: العنف والحروب هما أقوى دليل على مظاهر حب البشر للتغيير، ولذا فالبشر ببساطة تحت رحمة هذا الحب الذى يستلزم وجود القوة، ولعل هذا ما أكده بعد ذلك نيتشه بفكرة أكثر حداثة عن طريق ما أطلق عليه "إرادة القوة" وقد اعتقد أن الإرادة هنا هى قوة بدائية خلقت مع الإنسان وهى فعليا ما تقوده فى مسيرته على الأرض، ومع أوائل القرن ثمانينات القرن ١٩ بدأت هذه الفكرة تتأكد بشكل أقوى بعد اعتبار الإرادة المحرك الأساسى فى كفاح البشرية من أجل التغيير. منطق القوة ولا شك أن ما من هدنة متوقعة للحروب والصراعات على أرض البسيطة والتى بدأت فيما قبل التاريخ وستبقى حتى النهاية، ومما لا شك فيه أيضا أن الطرف الأصيل فيها يخضع تماما لمنطق القوة بمظهرها المتغير، لكنه دوما يفتقر المروءة حتى عند تبرير الخطايا. وبالطبع وكما سبق القول إن هناك منطقا للقوة تحكمه الغرائز، والغرائز تتحجج دائما بالدوافع المختلفة، وهنا بالتحديد نرجع لما يقوله علماء النفس عن الفارق بين منطق القوة وقوة المنطق، ومنهم عالم النفس كلاستر فى كتابه الشهير "مجتمعات ما قبل الدولة"؛ حيث كتب باختصار: إن للقوة نفوذا مباشرا ما يوهم الأقوياء بأنهم على حق، وما أن تبدأ قوتهم فى الانحسار يفقدون على الفور التوازن و يعجزون عن المقاومة فيسقطون، وذلك لا لشىء سوى بعدهم عن قوة المنطق وتبنيهم لمنطق القوة. ولعل المؤرخين الذين كتبوا عن أسباب تدهور الحضارات واختفائها أكدوا بأن القاسم المشترك بينها جميعا كان يكمن فيما يسمى "فائض القوة" وما يقابله بالطبع من نقصان الحكمة، وقد كتب المفكر الألمانى أزوالد شنجلر أن الحروب الكبرى كالحرب العالمية الأولى والثانية كان منطق القوة بل استعراضها هو المسيطر، وهو ما أسفر عن تدمير أسباب الحضارة الغربية القديمة ثم استطرد منصفا بأن الحضارة الشرقية كانت أطول عمرا وخاصة الحضارة الإسلامية لأنها لم تنزلق فى مستنقع منطق القوة، فمارست فى قمة عنفوانها ما يسمى "سياسة العفو عند المقدرة". وربما عصرنا الحالى يعج بالكثير من المتناقضات وأهمها امتداح قوة المنطق وإعلاء شأن الفن والثقافة كقوى ناعمة، بينما الحقيقة أن العالم الخفى -وفى اللحظات الحاسمة من عمر الشعوب تحديدا- يتدخل فارضا منطق القوة؛ وفى هذا السياق يذكر ما ظفرت به الدول المنتصرة مثلا بعد الحرب العالمية الثانية من حق الفيتو، ومن يومها خسرت الشعوب الرهان بأن وصول البشرية لهذا المستوى المتقدم من العلم والمعرفة والتطور لن يغنى فى حل المشكلات والأزمات عن استعمال منطق القوة، وبالفعل فبنظرة واحدة على المسرح العالمى تسقط هذه الفرضية على الفور بعد أن طغى طوال الوقت هذا المنطق وتحكم فى سير الأمور حتى يبدو أن تلك الجدلية المرهقة القديمة بين أيهما يجب أن يسود منطق القوة أم قوة المنطق قد أصبحت محسومة؟!.


24 القاهرة
٠٦-٠٣-٢٠٢٥
- 24 القاهرة
علي جمعة: الأنغام مسألة فُطِر عليها الإنسان.. وهناك استجابة لها إذا كانت متناسقة
قال الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء ومفتي مصر الأسبق، إن الأنغام مسألة فُطِر عليها الإنسان، وهناك استجابة لها إذا كانت متناسقة. علي جمعة: الأنغام مسألة فُطِر عليها الإنسان وهناك استجابة لها إذا كانت متناسقة وأضاف علي جمعة، خلال برنامج نور الدين والدنيا: لا يجوز إطلاقًا أن نقوم بتمثيل الأنبياء. وتابع: التمثيل ليس مجرد أداء، بل هو رسالة، هناك فرق بين تقديم أعمال هادفة ترفع القيم، وأعمال تثير الغرائز أو تشجع على الفوضى، والسينما يمكن أن تكون وسيلة لإصلاح المجتمعات، لكنها قد تكون أيضًا أداة هدم إن لم يُحسن استخدامها. علي جمعة: الموسيقى ليست على مستوى واحد.. فهناك أعمال راقية تدعو للتأمل والسمو كالسيمفونية التاسعة لبيتهوفن وواصل: الموسيقى ليست على مستوى واحد، فهناك أعمال راقية تدعو للتأمل والسمو كالسيمفونية التاسعة لبيتهوفن، وهناك أصوات ضجيج كفرقة البيتلز التي قامت على فلسفة "اللّانظام" عند نيتشه. فليست كل الألحان سواء، والموسيقى مثلها مثل أي أداة، حسنها حسن وقبيحها قبيح. وأكمل: في عام 1960، بدأ الموسيقيون أو العاملون في مجال الموسيقى بتأليف أعمال تتماشى مع فلسفة نيتشه. علي جمعة: لا يجوز تصوير الإله في التمثيل ولا الأنبياء ولا الصحابة الكبار وأضاف: الشيخ أحمد بن الصديق الغماري ألّف كتابًا بعنوان "إقامة الدليل على حرمة التمثيل"، يؤكد فيه أن تمثيل الأنبياء لا يجوز بأي حال من الأحوال، مجمع البحوث الإسلامية أيضًا أقرّ بأنه لا يجوز إطلاقًا تمثيل الأنبياء، مضيفا: فالأنبياء ليسوا مجرد شخصيات تاريخية، بل هم موحى إليهم، والممثل يستطيع أن يُجسّد الغضب أو الفرح لأنه شعر بهما، لكن… هل جرب الوحي حتى يجسّده؟ بالطبع لا، ولهذا، لا يستطيع أي ممثل تجسيد الأنبياء أو الصحابة الكبار مثل "أبي بكر، عمر، عثمان، وعلي" رضي الله عنهم، لأن لهم خصوصية لا يمكن تقليدها أو تمثيلها بدقة، ولهذا، لا يجوز تصوير الإله في التمثيل، ولا الأنبياء، ولا الصحابة الكبار… فالمسألة ليست مجرد أداء تمثيلي، بل تتعلق بخصوصية معينه. وأشار إلى أن الموسيقى يجب أن تكون محترمة، وهذا ليس كلامًا جديدًا! فهناك كثير من العلماء أباحوا السماع بشروطه، ومنهم: ابن القيسراني الحنبلي له كتاب كامل بعنوان "السماع، عبد الغني النابلسي تحدث عن الموسيقى وأحكامها، الشيخ حسن العطار شيخ الأزهر الذي لم يُحرمها، وهذا مجرد بعض الأسماء، فهناك كثير جدًا من العلماء والمذاهب الذين أباحوا الموسيقى بضوابطها، المهم ألا تتحول الموسيقى إلى فتنة تُفسد الأخلاق، فهذا ما لا يريده أحد. وواصل: الأنغام مسألة فُطِر عليها الإنسان، فهناك استجابة لها إذا كانت متناسقة. وأضاف علي جمعة: الغناء حلاله حلال، وحرامه حرام، والغناء كلام، والكلام منه الجميل المقبول، ومنه الفاسد المرفوض! هناك فرق شاسع بين أن تقول: وُلِدَ الهدى فالكائناتُ ضياءُ، وفَمُ الزمانِ تبسُّمٌ وثناءُ، وبين أن تقول: "قدرٌ أحمقُ الخطى"، فالقدر من عند الله، فهل يُعقل أن نصفه بهذا الوصف؟! هذا لا يجوز، وهناك من قال: "ما شئتَ لا ما شاءتِ الأقدارُ، فاحكم فأنتَ الواحدُ القهارُ"، هذا كلام فاسق لا يُقبل أبدًا، إذن، عندما أسمع غناءً يحمل كلمات راقية وجميلة، أقبله، ولكن حينما أسمع كلامًا فاسدًا يُغنّى، أرفضه تمامًا، متابعا": القاعدة واضحة: 'حلاله حلال، وحرامه حرام'. علي جمعة: الموسيقى موجودة منذ القدم واختتم: الموسيقى موجودة منذ القدم، من الفراعنة إلى اليونان، فالموسيقى ليست مجرد أصوات، بل هي معادلات رياضية منضبطة اكتشفها فيثاغورس قديمًا، حيث وجد أن النغم يتبع نسبًا تأليفية تُحدث طربًا في النفس. حتى الخليل بن أحمد أسَّس الشعر الغنائي بناءً على هذه النسب، حتى الطفل الصغير يستجيب لحركة النغم دون وعي بالحلال والحرام، فهي مسألة فطرية مرتبطة بجمال التناسق، تمامًا كجمال الطبيعة والعمارة. هل القلب هو محل العقل كما ذكر القرآن؟.. الدكتور علي جمعة يجيب

مصرس
٠٧-٠٢-٢٠٢٥
- مصرس
5 كتب علامات في معرض الكتاب 2025.. أبرزها ل نيتشه والرافعي
شهدت الدورة الأخيرة من معرض القاهرة الدولي للكتاب، مشاركة مئات الآلاف من الكتب والعناوين الجديدة، حيث حرصت دور النشر المصرية والعربية على إصدارارها مع المعرض الأكبر عربيا، وخلال الدورة ال 56 التي انتهت فعالياتها خلال الأيام القليلة الماضية، جذبت بعض العناوين الأنظار، سواء بتحقيقها مبيعات كبيرة أو نفاد النسخ المتاحة منها في المعرض تمام، أو بإثارة الجدل حول عنوانها أو محتواها. وفي السطور التالية، نسلط الضوء على بعض هذه الكتب التي كانت علامة في معرض القاهرة الدولي للكتاب، ولفتت الأنظار إليها، ومنها:هكذا تكلم زرادشتشهد جناح الهيئة العامة لقصور الثقافة في معرض القاهرة الدولي للكتاب إقبالًا كثيفًا من رواد القراء على كتاب "هكذا تكلم زرادشت" للفيلسوف الألماني فريدريش نيتشه، مما أدى إلى نفاد جميع النسخ المتاحة في وقت قياسي، حيث شهدت الدورة الأخيرة من المعرض صدور طبعة جديدة من الكتاب، بسعر مخفض للغاية وهو 30 جنيها للنسخة الواحدة.يعتبر كتاب نيتشه، "هكذا تكلم زرادشت"، هو أهم أعماله. إنه عمل حول مجاهدة النفس والتغلب على الذات، وهو كتاب يجمع بين التلميحات السلبية للكتب الدينية، والأساطير اليونانية والديانة الفارسية القديمة، وكتاب "هكذا تكلم زرادشت"، هو أكثر مؤلفات نيتشه شعبية، بالرغم من أنه لم يتلق سوى إشادة خفيفة، عند نشره أول مرة. إلا أنه اكتسب شعبية كبيرة بعد وفاته، واستمر في كونه، من بين مؤلفاته، الأكثر مبيعا في العصر الحديث.تاريخ آداب العرببعد يوم واحد من عرض كتاب "تاريخ آداب العرب" للأديب الكبير مصطفى صادق الرافعي، في ثلاثة أجزاء، التي أصدرته الهيئة العامة لقصور الثقافة خلال فعاليات معرض القاهرة الدولي للكتاب في دورته ال 56، وذلك ضمن مجموعة أعلام الفكر والأدب، التي تقدمها الهيئة احتفاء بهذه المناسبة.ويعد الكتاب أحد أهم المراجع في تاريخ الأدب العربي، وقد قسمه الرافعي إلى ثلاثة أجزاء، وكل جزء ينقسم لعدة أبواب، ويتناول في الباب الأول من الجزء الأول اللغات واللغة العربية، وفي الباب الثاني الرواية والرواة، وفي الباب الثالث القرآن الكريم والبلاغة النبوية، وهذا الباب هو بداية الجزء الثاني الذي اختص فيه الإعجاز القرآني والبلاغة النبوية، أما الجزء الثالث فقد تم تقسيمه إلى عدة أبواب، منها باب يتناول تاريخ النشر العربي ومذاهبه والفنون المستحدثة منه وما يلتحق به.موسوعة فتح الفتاحبرزت "موسوعة فتح الفتاح" كأغلى كتاب معروض، حيث تُعرض داخل جناح الكتب الدينية بمعرض القاهرة الدولي للكتاب في دورته الأخيرة، وتتألف هذه الموسوعة من 71 مجلدًا، ويبلغ سعرها 30 ألف جنيه مصري، وتُعد الموسوعة مرجعًا هامًا للباحثين وطلاب العلم، مما يجعلها محط اهتمام الزوار المهتمين بالدراسات الدينية والتراثية."فتح الفتاح على مختصر الشيخ خليل" هو شرح موسوعي على "مختصر الشيخ خليل" في الفقه المالكي، ومدونة المختصر الجامع، جمع مؤلفه، القاضي الحسن بن رحال المعداني، نصوص المذهب وتحريرات أئمة المالكية في الأعصر التي بينه وبين الإمام مالك، جمعًا مستقصيًا، حتى قيل فيه: كاد لا يفوته نص من نصوص المذهب، ويُعتبر هذا الإنجاز ثمرة اجتهاد جماعي أشرف عليه العلامة ابن رحال المعداني التدلاوي المتوفى سنة 1140 هجرية، وهو تقليد علمي يقوم به الأماثل من العلماء وله نظير في تاريخ العلوم الإسلامية.أيوه أنا اتطلقتأثار كتاب "أيوه أنا اتطلقت" للكاتبة آية إيهاب ضجة واسعة بين رواد معرض القاهرة الدولى للكتاب 2025، ليس فقط بسبب عنوانه الصادم والجرىء، بل لأنه دفع الكثيرين للتساؤل عن محتواه وما يحمله من أفكار حول الطلاق والزواج والحياة بعد الانفصال.العنوان وحده كان كفيلاً بإشعال الجدل على منصات التواصل الاجتماعي، حيث انقسمت الآراء بين من اعتبره صوتًا صريحًا للمرأة المطلقة في مجتمع عربي لا يزال ينظر إلى الطلاق كوصمة عار، وبين من رأى أنه مجرد محاولة للفت الانتباه والإثارة الإعلامية، وتساءل البعض: هل هو كتاب يدعو للطلاق أم يدعو إلى التصالح مع الواقع بعده؟كاملات عقل ودينفى استجابة سريعة للجدل الذي أثاره عنوان كتاب "كاملات عقل ودين"، الذي صدر خلال فعاليات الدورة ال 56 من معرض القاهرة الدولي للكتاب، أعلنت دار السراج للنشر والتوزيع سحب الكتاب وإيقاف نشره، بعدما رأى البعض أن عنوانه يتناقض مع حديث نبوي شريف يُوصف فيه النساء بأنهن "ناقصات عقل ودين".وواجه الكتاب انتقادات لاذعة بسبب ما اعتبره البعض مساسًا ببعض الأحاديث النبوية، ودفعت هذه الانتقادات دار النشر إلى اتخاذ قرار مفاجئ بسحب الكتاب، وهو ما أثار حالة من الجدل الواسع بين المثقفين والمتابعين.