منذ 4 أيام
لماذا تغيّب شي عن قمة ‘بريكس‘ الأخيرة؟
"قوة مؤثرة للتعاون الاقتصادي والخير العالمي".
استندت الحماسة الأخيرة التي أبداها رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي تجاه مجموعة "بريكس"، ولو جزئياً، إلى غياب الرئيس الصيني شي جينبينغ عن حضور قمتها الأخيرة في البرازيل. حدث ذلك للمرة الأولى منذ توليه الرئاسة أواخر 2012. تغيب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أيضاً عن حضور القمة شخصياً، لكن بسبب مذكرة التوقيف الصادرة عن المحكمة الجنائية الدولية. لذلك، أطل في مكالمة عبر الفيديو، بينما أرسل وفداً برئاسة وزير خارجيته سيرغي لافروف لحضور القمة.
قالت مصادر ديبلوماسية "مطلعة" لصحيفة "ساوث شاينا مورنينغ بوست" إنّ سبب غياب شي هو "تضارب أجندات"، وفي جميع الأحوال، سبق أن التقى بالرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا مرتين خلال الأشهر الماضية. لكن آخرين يشيرون إلى أسباب أكثر جوهرية.
في الداخل
يرى الأستاذ المشارك في جامعة سنغافورة الوطنية شونغ جا يان أنه بوجود دونالد ترامب في البيت الأبيض وإضعافه لشبكة التحالفات الأميركية، ربما لم تعد بريكس " أعظم أولويات" شي، في الوقت الذي يركز على تعزيز الاقتصاد الصيني.
وينكبّ الحزب الشيوعي الصيني على وضع موازنة الأعوام الخمسة المقبلة مع إطلاق مناقشات عامة منذ أيار/مايو. ترأس الوفد الصيني إلى القمة رئيس الوزراء لي كيانغ.
كتلة "متصدّعة"
مع توسّع "بريكس" لتشمل عشر دول، إلى جانب "الدول الشريكة" التي تضم عشر دول أخرى، تزداد احتمالات تشتت الأهداف والوسائل لتحقيقها. من جهة، لا تزال التوترات سائدة بين الصين والهند منذ الاشتباكات الحدودية سنة 2020، ولم يساعد في حلها النزاعُ الأخير بين الهند وباكستان. من جهة ثانية، تبدو البرازيل أيضاً متحوطة من هيمنة صينية كاملة عبر تقربها من الولايات المتحدة، مما يحوّل "بريكس" إلى كتلة "متصدّعة" بحسب المستشارة في الشؤون الاستراتيجية العالمية جونفييف دونيليون-ماي.
صحيح أن "بريكس" الموسّعة أمّنت منصة لدول الجنوب العالمي كي تُسمع الغرب بقيادة أميركا صوتها. لكن الاستياء من الولايات المتحدة ومؤسساتها العالمية لم يكن قط كافياً لصوغ رؤية واحدة، وبشكل أصعب، استراتيجية واحدة لموازنة القوة الأميركية. لو كان الاستياء كافياً لتحولت العلاقة بين الصين وروسيا وكوريا الشمالية وإيران إلى تحالف، وهذا ما لم يتحقق إلى حد بعيد. الحرب الإسرائيلية على إيران أحد الأمثلة الصارخة على ذلك. حتى بالنسبة إلى سياسة "التخلص من الدولرة"، كان الإنجاز متواضعاً. ويمكن فهم ذلك بشكل عام. تظل الولايات المتحدة شريكاً تجارياً واستثمارياً أساسياً للعديد من دول بريكس، وهي تريد تفادي إغضاب الرئيس دونالد ترامب الذي هدد بفرض رسوم جمركية على "المتحالفين مع سياسات البريكس المعادية لأميركا" والساعية إلى الإطاحة بالعملة الخضراء عن عرشها.
"موت بطيء"
ويبدو أن ثمة تخوفاً لدى بعض دول الجنوب العالمي من علاقات غير متوازنة مع الصين، كما هي الحال مع الولايات المتحدة. لاحظ براين بوراك من "مؤسسة هيريتدج" أن البرازيل وإندونيسيا فرضتا رسوماً على الصين بسبب تصنيعها الفائق وإغراقها أسواقهما بالمنتجات الرخيصة، مما يقترح توسع الخلافات داخل المجموعة.
في الوقت نفسه، وعلى الصعيد من غير المستبعد أن تكون الديناميات التي أضعفت التحالف الغربي هي نفسها التي تعمل على إضعاف تلاحم "بريكس". مع تعزز الشعور القومي بالانتماء إلى الدولة وتأمين مصالحها المباشرة والضيقة، يمكن أن تكون هذه المنظمة الضحية التالية للشعور المتّقد. بحسب الباحث في جامعة الدفاع السويدية يوهان وينستروم، "إنّ الموت البطيء للمنظمات المتعددة الأطراف بلغ (منظمات) المناهضين للغرب".
مع ذلك، لا يزال مبكراً استنتاج أي موقف رسمي صيني من المجموعة بالاستناد فقط إلى غياب شي لمرة واحدة عن القمة. وفي جميع الأحوال، من غير المرجح أن يشهد العالم انحلال "بريكس" عما قريب، إذ لا تزال أجندتها طموحة خصوصاً على مستوى الحوكمة والمناخ وتطوير البنى التحتية. لكن قوة المنظمة الجيوسياسية ربما تقترب من بلوغ سقفها الأعلى.
إذا كان التحالف الغربي الذي بني بشكل بطيء، على مدى ثمانين عاماً، وبالاستناد إلى قيم مشتركة عدة، يشهد اهتزازات عميقة، فمن المنطقي أن يختبر تجمّع فتيّ نسبياً وغير متجانس في الكثير من التوجهات، اهتزازات مماثلة، إن لم تكن أكثر عمقاً. بالفعل، قد يكون غياب شي الأخير عن القمة التجلي الأول لهذه التداعيات، وبالحد الأدنى، محفزاً على طرح أسئلة مفتقرة إلى الكثير من الأجوبة.