logo
#

أحدث الأخبار مع #سباق_الفضاء

أي إنسانية؟
أي إنسانية؟

الشرق الأوسط

time٠٦-٠٥-٢٠٢٥

  • ترفيه
  • الشرق الأوسط

أي إنسانية؟

لقد تغيرت القيم الأساسية للإنسانية عبر الزمن والمكان. ففي مجتمعات ما قبل التاريخ والقبلية، كان البقاء والولاء للعشيرة هما القيمتان المهيمنتان. وفي العصور الوسطى، كانت العبادة الدينية والإذعان للسيد أو الحاكم هما المحرك الأساسي للمجتمع. أما في بدايات العصر الحديث، فقد سادت قيم مذهب الإنسانيّة والعقلانية، ثم جاءت الثورة الصناعية في القرن التاسع عشر بجنوح نحو الابتكار والقومية. لكنني أجد صعوبة أكبر في تحديد القيم الرئيسية التي تعرّف الإنسانية في يومنا هذا. يمكنني التفكير في مواضيع مثل التنوع والشمول، والتكنولوجيا والاستدامة، لكنني لست واثقاً من أننا نطبّق هذه القيم بشكل جيد فعلاً. لا يمكننا القول إننا نهتم كثيراً بكوكبنا أو ببعضنا بعضاً هذه الأيام. أردت أن أستعرض القيم التي نعبّر عنها كبشرية اليوم، سواء أعجبتنا أم لا، من خلال مثالين ظلّا يشغلان تفكيري كثيراً. أولاً، أود التطرق إلى ظاهرة حديثة وهي إنفاق المليارديرات مبالغ هائلة من المال على رحلات قصيرة إلى الفضاء. أتذكر أيام سباق الفضاء بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي، وتحديداً اللحظة التي أرسل فيها الأميركيون «شمبانزي» يُدعى «هام» إلى الفضاء عام 1961. عاد الشمبانزي بطلاً، وتصدّرت صورته أغلفة الصحف والمجلات. نشرت مجلة «تايم» كاريكاتيراً يصوّره وهو يرتدي نظارات ويعقد مؤتمراً صحافياً، ويؤشر بعصا إلى لوح وكأنه أستاذ جامعي. سأله أحد الصحافيين عن شعوره وهو يسافر في الفضاء، فكان ردّه: «أشعر وكأنني أتناول موزة». المليارديرات الذين يسافرون إلى الفضاء لمدة عشر دقائق لا يختلفون كثيراً عن ذلك الشمبانزي. أتساءل: ما الذي يحصلون عليه من إمكانية قولهم إنهم أمضوا عشر دقائق في الفضاء مقابل إنفاق عشرات الملايين من الدولارات. وعلى نطاق عالمي، أتساءل: كيف لا نزال نبرر إنفاق مئات المليارات على الفضاء بينما هناك أولويات كثيرة على الأرض لا نلبّيها. مع أن سباق الفضاء الأولي جلب الكثير من التطورات للبشرية ما زلنا نستفيد منها حتى اليوم، إلا أن تبرير هذا الإنفاق الضخم أصبح أكثر صعوبة، في وقت يمكن فيه استخدام هذه الأموال للمحافظة على كوكبنا. بدلاً من منح امتيازات ضريبية للمليارديرات الذين يحبون اللعب في الفضاء، كان بإمكاننا ضمان نظافة كوكبنا وصحته، وأن الحياة على الأرض نابضة بالحياة ومتنوعة، وأن نؤمّن مستقبلاً أفضل لأطفالنا. ثانياً، أردت التطرق إلى تحول شهدناه خلال حياتنا. نحن نطيل أعمار كبار السن عبر رعاية طبية باهظة التكلفة، ثم نقوم بإبعادهم عن عائلاتهم ووضعهم في دور رعاية المسنين، بتكلفة باهظة كذلك. النتيجة هي ليس فقط أننا لم نعد نحصل على الفوائد المتبادلة المذهلة التي يوفرها لنا عيش الأبناء والأحفاد والأجداد في المنزل نفسه -ويشمل التعلم والرعاية المتبادلة-، بل إن الأموال التي يدخرها كبار السن طوال حياتهم تُستنزف تدريجياً، ولم تعد متوافرة لمساعدة الجيل الأصغر على التقدّم خطوة للأمام في الحياة. صحيح أن هناك دولاً لا يزال يعيش فيها المسنّون مع أبنائهم وأحفادهم، لكن حتى في مجتمعات تقليدية وجماعية مثل المملكة العربية السعودية، بدأنا نرى تزايداً في عدد دور رعاية المسنين. لقد أصبح العالم الطبي والأطباء هم الكهنة الجدد، وملابسهم البيضاء تضفي عليهم هالة من الكياسة تحتم علينا أن نجلهم اليوم. ولكن من خلال إطالة الحياة بهذه الطريقة، أشعر بأننا نفقد أيضاً التعاطف الذي ينبغي أن يحدد جميع العلاقات الإنسانية، ونفقد الروابط القوية بين الأجيال والقبول بدورات الحياة الطبيعية. نحن نعاقب كلاً من كبار السن الذين يتم إلقاؤهم في دور رعاية المسنين التي لا روح فيها، وكذلك الجيل الأصغر سناً الذي لم يعد بإمكانه الاعتماد على المساعدة المالية التي اعتادوا الحصول عليها من والديهم خلال السنوات الصعبة في حضانة أبنائهم. بمعنى آخر، هو فشل في الحب؛ إذ لم تعد الأجيال تهتم ببعضها كما كانت تفعل من قبل. من خلال هذين المثالين، أردت أن أطرح سؤالاً: كيف نعرّف قيمنا كإنسانية في عصرنا الحالي؟ بدلاً من العناية بالكوكب الذي يمنحنا الحياة، نحن نقدم إعفاءات ضريبية لأغنياء يلهون في الفضاء. وبدلاً من أن تعيش العائلات معاً وتتعلم من بعضها بعضاً، نحن نُقصي كبار السن ونستهلك مدخراتهم في العلاج بدلاً من استخدامها لدعم الأجيال القادمة. أود أن نعيد التفكير في قيمنا بصفتنا بشراً، وأن نتأمل في الكيفية التي نودّ بها أن يُعرّف عصرنا، حتى ينظر إلينا أحفادنا في المستقبل بشيء من الفخر والامتنان. لنتفكّر في أي عالم، أي مجتمع، أي إنسانية نريد حقاً، فنحن نرسم ملامحها من خلال أفعالنا كل يوم.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store