أحدث الأخبار مع #سعودالسنعوسي


أخبار مصر
٠٤-٠٥-٢٠٢٥
- ترفيه
- أخبار مصر
روايات عربية ترجمت إلى لغات أجنبية ونالت شهرة عالمية
استطاعت الرواية العربية أن تحقق مكانة مرموقة في الأدب العالمي، مما جعلها أكثر جذبًا للترجمة والانتشار، حيث تساهم في تعزيز التفاهم الثقافي وتوثيق التراث الأدبي العربي على الساحة الدولية، وهناك الكثير من الروايات العربية الرائدة تمت ترجمتها إلى أكثر من لغة على مدار أكثر من عقد، حيث اهتم بعض الناشرين الغربيين بنشرالأدب العربي المعاصر، ما يجعله يسهم في إثراء الأدب العالمي، و'سيدتي' تقدم لك بعضاً من هذه الروايات.رواية ساق البامبو .. سعود السنعوسي في عمله السردي الرائع 'ساق البامبو'، يتحدث سعود السنعوسي عن الهوية وهو يفعل ذلك من خلال رصد حياة شاب وُلد لأب كويتي، ينتمي لعائلة عريقة، ومن أم فلبينية، فتوزعت الرواية بين هاتين الهويتين في علاقة ملتبسة يغلب فيها الشعور بالانتماء إلى ثقافتين مختلفتين، وعدم القدرة على التماهي مع إحداها وترك الأخرى، ولعل خير ما يتمظهر به هذا الالتباس هو الرغبة لدى بطل الرواية في التصالح مع الذات والهوية الأصلية، للوطن القديم، الكويت، الأرض 'الحلم' أو 'الجنة' كما صورتها له والدته منذ كان طفلاً، وفي الرواية، تأتي جوزافين للعمل في الكويت كخادمة تاركة دراستها وعائلتها، وهم يعقدون آمالهم على جوزافين، لتضمن لهم حياة كريمة، بعد أن ضاقت بهم السبل وهناك في منزل العائلة تتعرف جوزافين إلى 'راشد' الابن الوحيد المدلل لدى الأم 'غنيمة' والأب 'عيسى'، فيقرر الابن الزواج بجوزافين بعد قصة حب قصيرة، وتحمل جوزافين بوليدها 'Jose' والذي أصبح اسمه 'هوزيه ميندورا' فيما بعد، عندئذٍ يتخلى الأب عن الابن الذي لم يبلغ شهره الثاني من عمره، ويرسله إلى بلاد أمه، وفي الفلبين، يكابد الطفل الفقر وصعوبة الحياة، ويمني نفسه بالعودة إلى بلاد أبيه، حين يبلغ الثامنة عشرة، ومن هنا تبدأ الرواية>رواية ثلاثية غرناطة.. رضوى عاشورتعدُّ 'ثلاثية غرناطة' الرواية العربية الأشهر حول الأندلس، حيث تناولت فيها الكاتبة الراحلة رضوى عاشور سيرة الأندلسيين بحسّ ملحميّ وزعته في ثلاثة أجزاء، غرناطة ومريمة وخاتمتها الرحيل، يأتي هذا التسلسل في الفترة الزمنية منذ عام 1491 وحتى عام 1609، أي منذ لحظة تسليم آخر ممالكهم غرناطة وحتى قرار الملك فيليب الثالث والقاضي بطرد الأندلسيين المنصرين أو المورسكيين باعتبارهم جسما غريبا طارئا على تلك البلاد، ومن خلال سرد قصة عائلة غرناطية يتكون أفرادها من الجد إلى الحفيد، استطاعت رضوى عاشور توصيف حال دقيق للظروف الاجتماعية والسياسية والدينية التي عاشها الأندلسيون عقب سقوط أوطانهم، كما أبدعت في صياغة الحالة النفسية للأندلسيين المرابطين في بلادهم إثر ما عانوه من ظلم وقهر وطمس للهوية وحرمان من ممارسة أبسط حقوقهم الإنسانية.قد ترغبين كذلك في التعرف إلى: روايات خيالية رومانسيةرواية يوم غائم في البر الغربي.. محمد المنسي قنديلتقدم الرواية نظرة على جانب مهم من تاريخ مصر والنضال الوطني، كما تمتاز بسردها المشوق وتصويرها المميز للشخصيات التاريخية والخيالية،…..لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر 'إقرأ على الموقع الرسمي' أدناه


Independent عربية
٠٤-٠٤-٢٠٢٥
- ترفيه
- Independent عربية
سعود السنعوسي: الروائي عين لاقطة تحيل الهامش إلى متن
يواصل الكاتب الكويتي سعود السنعوسي استلهام التاريخ واستنطاقه روائياً في ثلاثيته "أسفار مدينة الطين" بعد حفره السابق في هذا المجال في روايته "ناقة صالحة". وهو لا يهدف إلى قنص موضوع من التاريخ، بل يتخذ التاريخ في مجمله كموضوع ليعيد تشكيله، إذ يرى أن الكويت لم تكتب روائياً بعد. ويؤمن السنعوسي بأن التمرد من صميم الفعل الإبداعي بشرط أن يكون مدروساً. وفي هذا الحوار مع "اندبندنت عربية"، يستعرض تفاصيل مغامرته الروائية الأخيرة، متطرقاً أيضاً إلى عوالم أعماله الأخرى، ومن بينها "سجين المرايا" و"ساق البامبو" و"فئران أمي حصة" و"حمام الدار". في "سِفْر العباءة" و"سِفر التَبَّة" و"سِفر العَنْفُوز" التي تشكل ثلاثيته الروائية الضخمة "أسفار مدينة الطين" (منشورات مولاف ودار كلمات ومكتبة تنمية)، تتمثل الرواية التاريخية، أو ذات المرجعية التاريخية بتعبير أدق، على نحو مغاير يخص سعود السنعوسي، من ناحية لعبة الروائي الافتراضي والمعالجة والـ"تكنيك" والتقنيات السردية، ومن قبل ذلك الموضوع والرؤية والثيمة. وإلى جانب اللعب على ثنائية الماضوي والراهن للإسقاط على اللحظة الحالية، هناك ثنائية الحقيقي والمتخيل التي يحققها أيضاً الارتداد إلى سجلات التاريخ، إذ تختلط الوقائع الفعلية الثابتة والأحداث الروائية المصنوعة والمرويات الشعبية والأساطير والفانتازيا والخرافات في قماشة مركبة بالغة التنوع والثراء. الثلاثية الروئاية الجديدة (مولاف وكلمات) بسؤاله عما إذا كانت جغرافيا تجربته الروائية الناضجة بحاجة إلى ذلك الفضاء التاريخي الرحب الممتد إلى أبعد من 100 عام، ليعيد قراءة الواقع الحالي ومساءلته من خلال الماضي وأحداثه وتشابكاته الاجتماعية والسياسية، وكيف جاءت تفاصيل تلك الانعطافة إلى التاريخ والتراث الشعبي في مسيرته الروائية، يوضح سعود السنعوسي في حواره مع "اندبندنت عربية" أن انطلاقه في هذا المسار لم يكُن انعطافة جديدة، إذ ليست حيلة الرجوع إلى التاريخ هي مرّته الأولى مع "أسفار مدينة الطين"، فسبقتها تجربة صغيرة مع "ناقة صالحة" التي عاد بزمنها للوراء، زمن معركة الصريف عام 1901، كمحاولة أولى لخوض غمار تجربة الكتابة عن الماضي بعد روايات عدة تناولت الحاضر. لكن بالتأكيد، يضيف السنعوسي، الفائز بالجائزة العالمية للرواية العربية "بوكر" عن روايته "ساق البامبو"، أن في "أسفار مدينة الطين" أخذت المواضيع المطروحة امتداداً تاريخياً أكبر وأكثر تشابكاً وتعقيداً. فما كان له أن يناقش كل تلك الثيمات التي طرحتها الرواية إلا بالعودة لجذورها، ثم إسقاطها على الحاضر. ومن هنا كانت فكرة الثلاثية ملحة، ليست مجرد حلم يحاكي أحلام غالبية الروائيين بأن تكون لهم ثلاثية يتوجون بها مسيرتهم الروائية، فالامتداد الزمني في الرواية تطلب كل هذا العدد من الصفحات والنفس الكتابي المتمهل الطويل وفق الأحداث والمتغيرات التي طرأت على الكويت خلال 70 عاماً منذ 1920 حتى 1990. أما في شأن ثنائية الحقيقي والمتخيل، فيضيف السنعوسي أنها "اللعبة أو الحيلة الوحيدة التي تمنحني فرصة مساءلة التاريخ واستنطاقه، بالتالي محاولة فهمه لفهم الحاضر، فما المتخيل في الرواية إلا إجابات محتملة في فراغات الحقيقي التي صمت عنها التاريخ". كتابة الوطن ولربما لم يواكب الروائيون الكويتيون، والخليجيون عموماً، مرحلة ما قبل النفط في حينها، وهي مرحلة بالغة الخصوبة شهدت كثيراً من التحولات والمعارك والاضطرابات، وأثيرت فيها تساؤلات وإشكالات مهمة تمس الجذور والهوية على مستوى البشر والمكان والعلاقة مع الآخر. فهل فراغ تلك المرحلة من روائيين يشرّحونها، له دور في توجه سعود السنعوسي إلى تلك المنطقة، أم أن الدافع الأكبر هو استمرار التشابه بين تلك الفترة وواقعنا الحالي غير المستقر وتشابه مصائر الشخوص، إلى جانب رغبة الكاتب في التخفي النسبي وارتداء قناع يمنحه مزيداً من التحرر في الاصطدام مع الحاضر؟ السنعوسي في أحد لقاءاته (صفحة الكاتب - فيسبوك) يجيب الكاتب الكويتي مؤكداً أنه لم يقصد التخفي وارتداء القناع سعياً إلى مزيد من التحرر في الاصطدام مع الحاضر، إذ إنه كتب الحاضر واشتبك مع قضاياه في أكثر من عمل. ويقول "أؤمن بأن الكويت لم تكتب روائياً بعد. هناك نماذج روائية مهمة وملهمة لأساتذتنا من الأجيال المؤسسة بل حتى من الزملاء المجايلين، لكن في الكويت، وفي الخليج عموماً، هناك مناطق بِكر لم يطأها الروائيون، وهو أمر مغرٍ لأي روائي. لذلك كنت دائماً أقول إننا جيل محظوظ. اغرفْ من المواضيع التاريخية أو المعاصرة، فلم يسبقك إليها أحد! ليس قصوراً فيمن سبقنا، إنما لأن الأدب الروائي بطبيعته جديد عربياً، وأكثر جدّة خليجياً". حتى لو عدنا لما اتفق على أنه العمل الروائي الكويتي الأول "آلام صديق" لفرحان راشد الفرحان، يستطرد السنعوسي، نجد أنها نشرت عام 1948، أي بعد اكتشاف النفط وتصديره، على رغم أن الفرحان عايش مرحلة كبيرة من الفترة التي تسبق النفط، لكن تلك المحاولة المبكرة نسبياً لا تعتبر محاولة ريادية أو تأسيسية لما بعدها. وهناك أعمال رائدة ومؤسسة لا شك جاءت في ما بعد، لكنها بطبيعة الحال قليلة لأسباب عدة "إذا أخذنا تجربة ليلى العثمان على سبيل المثال، فهي من الرائدات في كتابة كويت ما قبل النفط في القصة والرواية، غير أن المواضيع التي كانت تتناولها كانت في مجملها اجتماعية أو مهتمة بقضايا المرأة". وبحسب السنعوسي فإن "إسماعيل فهد إسماعيل هو المؤسس الحقيقي للرواية الكويتية منذ مطلع سبعينيات القرن الماضي، غير أن انتماءه المتشظي بين بلد والده الكويتي وبلد أمه العراقي حيث وُلد ونشأ، إضافة إلى التزامه الحزبي، كل هذا جعله يكبر على ضيق مفهوم الوطن بالنسبة إليه، فراح يكتب عن الإنسان في العراق وفلسطين ومصر ولبنان وسريلانكا. أعمال قليلة، على رغم أهميتها، كتبها عن الكويت، على رأسها العمل الروائي التسجيلي ليوميات الغزو 'إحداثيات زمن العزلة'، إذ يقول إنه لم يشعر بأنه كويتي إلا خلال أشهر الاحتلال. وربما وليد الرجيب هو الأكثر تنوعاً في المواضيع الكويتية ضمن رواياته، ولكن كل تلك التجارب على أهميتها كانت تستل مواضيع معينة من التاريخ، وحتى نقول إن الكويت كتبت روائياً فنحن بحاجة إلى تراكم التجارب الروائية". الرواية التي فازت بجائزة بوكر العربية (الدار العربية) ويستطرد: "حينما أردت أن أكتب "أسفار مدينة الطين"، كان حلمي أن أكتب ما كنت أتمنى قراءته، ألا أستل من التاريخ موضوعاً، بل أن أستل التاريخ في مجمله كموضوع أعيد قراءته وكتابته. وكان عام 1920 مثالياً، إذ يمثل بانوراما للكويت بكل تنوعها. فهو واحد من أبرز محطات التاريخ الكويتي، عام بناء السور الثالث ومعركة الجهراء، في ذروة زمن الغوص على اللؤلؤ والسفر بالسفن الشراعية التجارية إلى بلاد فارس والهند، حتى جنوب القرن الأفريقي، وزمن النشاط التبشيري لمستشفى الإرسالية الأميركية الإنجيلية في الكويت ووجود اليهود وانتشار العبودية، في ظل معاهدة الحماية البريطانية وتهديدات حركة إخوان من طاع الله. هو زمن زاخر بالتفاصيل والأحداث". وهكذا يضيف الروائي الكويتي "أردتُ منذ البدء التفكير في أن أكتب عن الإنسان في الكويت وسط كل تلك الظروف، هو عمل تأسيسي لا أدعي أني نجحت في كتابته، لكنني حاولت. ما أردت أن أكتفي بموضوع واحد كالعبودية مثلاً، أو التبشير، أو الحركات الجهادية، ولا عيب في أن يقدم الروائي على معالجة موضوع واحد، غير أني أردت كتابة كل هذا وأكثر في الكويت كما تمنيت أن أقرأها ويقرأها الآخرون". آفاق التجريب في حفره مساره الخاص كصاحب مشروع، تشير مراوغات سعود السنعوسي الروائية إلى تمرد دائم، يمتد للتمرد على ذاته أيضاً من عمل إلى آخر. وبسؤاله هل لمحطات السياحة الزمانية التي ظهرت بوادرها في "ناقة صالحة" وتجلت على نحو موسع في "أسفار مدينة الطين"، أن تمتد في محطات مقبلة، أم أنه يجد نفسه على أعتاب مراوغات جديدة في مدارات أخرى خارج سياق الارتداد إلى التاريخ؟ يجيب مؤكداً أن التمرد من صميم الكتابة الإبداعية، التمرد على السائد وعلى الذات والآخر، لكن يجب أن يكون تمرداً مدروساً لقول شيء، لا أن يكون تمرداً من أجل التمرد فحسب. أما بالنسبة إلى المقبل، فيقول السنعوسي إن "الأفكار كثيرة، خصوصاً نحو مرحلة الناقة والأسفار، فهي مرحلة مغرية لكنها مضنية في البحث، ولكني بأمانة في الفترة المقبلة أتمنى كتابة عمل بعيد، بسيط في موضوعه وفكرته، استراحة لي وللقارئ. وبدأتُ بالفعل فتح ملفات مشاريع قديمة، ولا يمكنني التنبؤ بالخطوة المقبلة. والذي أعرفه بعد كل تجربة أني أفضل مكاناً آخر جديداً من دون تفكير في ضغط المقارنة، فأنا أكتب ما أشتهي كتابته فحسب، وأكتب ما أريد بالشكل الذي أريد، لا أن أكتب عملاً أفضل مما سبقه لأن مسألة الأفضلية هذه أيضاً نسبية بحسب مزاج القارئ. وهذا السؤال يذكرني بالروائي الصديق محسن الرملي، التقيته قبل أيام في مدريد وسألني عن المفاجآت في جديدي، فقلت له إنه عمل هذه المرة بلا تجريب. ضحك وهو يقول، 'تجريبك هذه المرة في أنك لن تجرب... وهذه مفاجأة'. لا أخفيك أنه شجعني على إتمام فكرتي من دون مقارنة ما سوف أكتب بما كتبت". قنص المهمل وسط شيوع الروايات التاريخية، هناك من اقتحم هذا الفضاء معولاً في المقام الأول على الشخصيات المستدعاة، وماذا سيحدث لها في النهاية، وهل ذلك يطابق الحقيقة أو يخالفها، وكأن الفن وسيلة لخدمة التاريخ أو الجدل معه أو مشاكسته وليس غاية قرائية بحد ذاته. ولكن في أعمال سعود السنعوسي، شأن الروائيين المجيدين، يبدو قنص الهامشي والاستغراق في التقاط التفاصيل الحيوية واللحظات المضيئة واصطحاب المتلقي بتلقائية وبساطة إلى موضع الحدث وزمانه لينغمس فيه، من أسرار الإدهاش والإمتاع التي تدفع القارئ إلى مواصلة قراءة العمل الشهي الممتد على مئات الصفحات. بسؤاله عما إذا كان يرى أن رهانات الفن وتأثيراته تبقى دائماً معقودة على جمالياته المجردة في المقام الأول، وسحرية اللغة والمعالجة وآليات التعبير والتصوير، سواء كانت لهذا الفن أجنحة تاريخية إضافية أو لا، يجيب الروائي الكويتي بقوله "تماماً، ليس بالضرورة أن يخدم الفن المسلم من الموروث أو التاريخ أو إعادة إنتاجه، بل على العكس، ربما من أهم أدواره أن يسائله وأن يستنطقه ولو بالخيال، ولهذا السبب صدَّرت في أولى صفحات 'أسفار مدينة الطين' كلمة بقلم الروائي المفترض صادق بوحدب، كاتب الثلاثية، حين كتب إن 'هذا النص بأسمائه وأحداثه، وبطبيعة حاله، لا يعدو كونه رواية، نتخيل بها التاريخ ولا نكتبه'. وأنا كروائي، مثل أي روائي، لست متحمساً لكتابة التاريخ بقدر حماستي لكتابة ما أهمله التاريخ، وإن بالخيال الذي أؤمن بأنه يقارب الحقيقة لو فعّل الروائي خياله وأساليب بحثه، شرط أن يبتكر العمل أدواته، وأن تحقق تلك الأمور شرط المتعة، وهذا ليس أمراً سهلاً". وبأمانة، يستطرد السنعوسي، "توقفت كثيراً في السؤال عند عبارة "قنص الهامشي"، وهذا تماماً ما أهتم به قراءة وكتابة، أن أحيل الهامش إلى متن، وأن أخرج الشخصيات والأحداث من الظل إلى موضع الضوء. والروائي أو الفنان بصورة عامة هو عبارة عن عين لاقطة، عين حساسة تختلف عن أعين الآخرين، تميز ما يصلح للاقتناص وتستثمره كتابة". قضايا الفرد والمجتمع وتتوازى المغامرة في الـ"تكنيك" والشكل وأبجديات الطرح لدى سعود السنعوسي دائماً مع الجسارة في انتقاء الموضوع. هكذا عهده في "سجين المرايا" التي تقصت كواليس غزو الكويت، وفي "فئران أمي حصة" التي خاضت في إشكالات آفة الطائفية، وفي "ساق البامبو" التي أثارت سؤال الهوية داخل مجتمعات الخليج العربي، وفي "ناقة صالحة" التي عالجت موضوع الهوية بين البادية والحاضرة و"حمام الدار" التي أثارت أسئلة الروائي الوجودية بين الكاتب والمكتوب، وأيهما يكتب الآخر. بسؤاله عما إذا كان يرى أن "أسفار مدينة الطين" تميل إلى التخفف بعض الشيء من حدة القضايا المطروحة، متجهة أكثر إلى نزعة تصويرية بانورامية، أم أن اختلاف اللون الإبداعي وزيادة خبرات المؤلف وراء تذويب القضايا المطروحة في معالجة أكثر تأملية وهدوءاً وغوصاً في الأعماق وبواطن الأمور؟ يرى السنعوسي أنه على العكس تماماً، ففي "أسفار مدينة الطين" لم يتخفف من فكرة القضايا مثلما اعتاد طرحها في أعماله السابقة، ولربما الأسفار هي العمل الذي طرح أكبر عدد من القضايا الحساسة، ولكنها بعكس الأعمال السابقة عندما كانت القضايا المجتمعية الكبرى تلهمه للكتابة، الاحتلال أو الهوية أو الطائفية، ففي الثلاثية التفت أكثر إلى القضايا الفردية، قضية الشخص الواحد. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) ويوضح الكاتب الكويتي بقوله "حاولت أن أخلص لشخصية كل فرد كما لو أنها قضيتي الشخصية، منحت الفرد لأن يقول على عكس ما درجت عليه كتابة بأن يقول المجتمع قضاياه. فهنا إشكاليات الهوية تبدو أكثر تعقيداً مما طرحته في السابق. وهنا مأزق الهوية يأتي على مستويات عدة، هوية عرقية تتمثل في شخصية العبد، وهوية دينية تتمثل في شخصية المتشكك الحائر المسائل للدين أو شخصية اليهودي الذي يتمنى أن ينتمي إلى مكان لا ينتمي إليه، وهوية جنسية مضطربة تتمثل في شخصية الأمرد الأملس الذي ينعته المجتمع بصفات الخنوثة، وهنا قضية الفرد الأرميني الهارب من مذابح العثمانيين، وهنا قضية المرأة بين زمزم التي تقف أمام الرجل ندّاً لند، أو نصرة التي لا تستطيع المشي إلى جوار زوجها إنما تتخلف عنه بضع خطوات وفق أعراف أهلها. وهنا قضية سليمان الذي رهن حياته بصيتِه، فضحى بكل شيء خوفاً من كلام الناس وقسوة المجتمع النمام، وهنا قضية الحاكم الذي يجد نفسه على المحك بين الرضوخ لإملاءات البريطاني أو تهديدات 'إخوان من طاع الله'... فكل شخصيات العمل مأزومة بصورة أو بأخرى بقضية فردية شديدة الخصوصية. فالأسفار لم تخلُ من قضايا أبداً، لكنها في الغالب قضايا فردية لا جمعية". الرسوم والخيال البصري قد يكون من المألوف مصاحبة الرسوم البصرية الداخلية القصائد في الدواوين الشعرية، ولكن تلك "الاسكتشات" التي تصاحب نصوص السنعوسي ليست مألوفة كثيراً في الروايات. فهل يجد في هذه التجربة توسعة للخيال البصري، التشكيلي والسينمائي الذي يعد سمة مميزة في أعماله، أم ماذا تضيف الصور إلى الرسم بالكلمات؟ يشير سعود السنعوسي في حواره إلى أن مثل هذه الاسكتشات لها أسباب عدة، "أحدها أني أحاكي نمطاً من الكتب كان يصدر في الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي، وكانت تلك النصوص الشعرية والقصصية والروائية والمسرحية تلجأ إلى الرسم، والرواية تفترض نفسها مكتوبة بقلم الأديب المتخيل صادق بوحدب ونشرت عام 1990، والسبب الآخر أنني والفنانة مشاعل الفيصل صنعنا ما يشبه التوأمة نصاً ورسماً، وكلانا سعيد بهذه التجربة". أما في شأن إمكان اختلاف الكلمة عن الرسم، فيعترف السنعوسي، "لا أنكر أن هذا يحدث كثيراً، مما يقودنا إلى كثير من النقاش. أحياناً يكمل الرسم ما لم يقُله النص مباشرة، وأحياناً يقول الرسم عكس ما قاله النص. ولا أنكر أن الأمر في كل الأحوال يجيء في مصلحة العمل بجعل القارئ شريكاً فاعلاً يفكر عوض أن يؤدي دور المتلقي السلبي لكل ما يقوله المؤلف".


١٧-٠٢-٢٠٢٥
- ترفيه
رواية "اسفار مدينة الطين" لسعود السنعوسي ملحمة ابداعية تتراصّ داخلها الكلمات لنحت عالم مغر ومشوّق
سعود السنعوسي في تحرير نصه الرائي المغري "اسفار مدينة الطين" نص" اهداه على لسان شخصيته المتخيلة الصادق بوحدب الى حراس الغبار، دهاقنة المعرفة اساطير التراث الغيارى، حراس التقاليد عسس الماضي، وحملة اختام التاريخ هذا النص باحداثه واسمائه وبطبيعة حاله لا يعدو كونه رواية، نتخيل بها التاريخ ولا نكتبه". اسفار مدينة الطين ثلاثية تتكون من "سفر العباءة" و"سفر التبة" "سفر العنفوز" قرابة 1200صفحة، صدرت عن "المولاف للنشر" و"دار مسكلياني" في الطبعة التونسية، نص جريء كتبه كاتب اختار الجرأة والاختلاف سبيله لتحبير نصوصه الروائية. الاسفار الثلاث: العباءة، التبة والعنفوز: سردية ميثيولوجية بروح عربية يبدع في التلاعب بمشاعر قرائه، يتفنن في الرحيل بخيال القارئ الى ابعد عوالم اللامتوقع، يصنع عالم خاص به له سرديته الخاصة في مزج الحقيقة بالخيال وتركيب التاريخ بالاسطورة، لكاتب الاسفار اسلوبه الفريد، يشعر القارئ انه رسا في برّ الامان وفجاة يندفع صوت البحارة الستة وهم يغنون "هولو هيه هولو هيه" وتندفع موجات "التبة" السبعة" لتثير كل الحواس وتوقظها، هكذا هو كاتب الاسفار يستمتع بخوف القارئ وحبه ويتفنن في التلاعب بمشاعره. أن تجازف بقراءة نصوص سعود السنعوسي فعليك التسلح بالكثير من الصبر فمفاجآت الكاتب لا تنتهي، وثلاثية "اسفار مدينة الطين" رواية متقنة التطريز، وكأنها حبة لؤلؤ أتعبت الغواصين كثيرا قبل الحصول عليها، الرواية بأجزائها الثلاثة مغرية بالقراءة لأكثر من مرّة لمحاولة تفكيك الرموز المنفلتة داخل النص،ّ لان الرواية كذبة تقول الحقيقة حسب تعبير السنعوسي، فنصوصه متقنة الحبكة كاتب له طريقته الفريدة في نحت ابعاد شخصياته الروائية تبحر قصصه في مدارات "الف لية وليلة"، يوظف البعد الغرائبي ببراعة تماما كما روح نص "السد" لمحمود المسعدي ويتفنن في توظيف البحر لخدمة نصه وكاننا انمام "مدن الملح" لعبد الرحمن منيف ويتقن التفاصيل ويسكن المكان بهيبة وان كان "حوطة منسية" منسية تماما كنصوص ابراهيم الكوني في محاكاته للمكان " من اين للمكان ان يورث جماله لاهله فلا يصيرون هم في غيره؟". ان كنت تخاف المجازفة ايها القارئ فلا تنصت لحكايات صانع الاسفار واذا كنت لا تبحث عن اسلوب مشوق ويرهبك ويدفعك للسؤال فلا تقرئ نصوص السنعوسي فبين كلماته الغام كثيرة وتشويق مذهل فكلماته تشبه النقر على طبول الحرب او هي رقصات الحالمين في حفلات الزار هكذا تتدفق كلماته فيمعن في توصيف البشر وكائناته الورقية ويعطيها طابعا ميثيولوجا، اشخاصه لا تشبه البقية من "الصاجة ام حدب الحدباء الجرباء" الى "خليفوه وبس، الاملط دون شعر ولا حاجبين" فغايب بودرياه "بوجهه الشائه وعينيه الزجاجتين" وحيوانته كذلك فالقطة مبروكة تلد جراء دون رؤوس وحده القط الاسود يخرج من بطن امّه متبخطرا، والموج ايضا يصبح شخصية لها توصيفها "امواج البحر ساجية كسولة بلكاد تدرك رمال الساحل رتيبة بلا عزم" والصخور كذلك لها ما يجعلها مختلفة على غرار "صخرة الوَطْيِة" المُبتلاة بالنسيان بين مدٍ وجزر "الصخرة تشهد وتسمع كل ما يدور حولها اذا ما تبدت في اوقات الجزر وتنسى الصخرة كل كل ما سمعت وابصرت اذا عادت المياه المد" فلسعود السنعوسي او كاتب الاسفار عوالمه الوصفية والسردية المشوّقة. في رواية "اسفار مدينة الطين" اختار الكاتب تحميل مسؤولية الأحداث كاملة لكاتب الاسفار الروائي صادق بوحدب، شخصية ابتكرها السنعوسي ليحمّله وزر الرواية، ولانّ الكاتب جد ذكي فقد انطلق الجزء الأول بمذكرات الصادق بوحدب وحديثه عن منع الرقابة للرواية ومصادرتها لانّها تشوه جزء من التاريخ "صودرت الرواية واتلفت...هكذا ببساطة" كما تقول اول جملة في السفر الاول، فالكاتب الحقيقي المختفي في روح كاتب الاسفار بحث منذ الاول عن قارئ يدافع عن النص ليكون سنده المعنوي بعد ان منعت الرقابة الحقيقية ابنته السابقة "فئران امي حصة" عام 2015 وافرج عن النص بقرار من المحكمة عام 2018. من يكتب من؟ هو السؤال الابرز بعد اتمام الرحلة في اسفار مدينة الطين؟ هل الصادق بوحدب يكتب شخصياته ام العكس؟ هل الروائي المتخيل في الخمسينات هو من صنع شخصياته من حبر ثم نفث فيها روحا وأحياها في فترات زمنية مختلفة؟ ام العكس "انت لم تكتب الصاجة، هي كتبتك" كما تقرّ شخصية "الشايب" مزود الروائي الاساسي بالحكايات " قال اني حر في التصرف وان اشطح بخالي كيفما شئت من تغيير او زيادة وفق ما ارتئيه فيما بشريطة الا احاول فهم كل شيء في لحظة الكتابة وألا اسال لماذا، لاني سوف افهم تاليا" كما يقرّ الكاتب في "ذخيرة ايام الخرف". الرحلة رحلات والرواية بوّابة لفنون مختلفة "اسفار مدينة الطين" ملحمة ابداعية ممتعة،كتبت بشاعرية مفرطة، جولة في التاريخ والخيال، تشبه الميثيولوجيا القديمة، عمل متين الكتابة يدفع بالقارئ لطرح العديد من الاسئلة، نص محلي ببعد كوني، كتبه كاتب كويتي عن "ديرته" ثم "خليجه" وشحن النص بخيالات وشخصيات وأساطير وحكايات يتشاركها القاري في بعده الانساني، فالصادق بوحدب الروائي المتخيّل يعرف جيدا ان الكتابة لغة تحيي الموتى، فاحيى بقلمه شخصيات من العام 1920 وجعلها تندفق من "الموجة" لتحيا دائما ووحده القادرة على اخماد صوتها وتغيير مصائرها. "سفر العباءة" و"سفر التبة" و"سفر العنفوز" ثلاث اجزاء من رواية تداخلت فيها الاجناس الادبية والفنية، فحضرت السيرة والمذكرات من خلال حكي الصادق بوحدب عن نفسه "ذخيرة ايام الخرف" وحضرت القصة القصيرة فلكل شخصية سرديتها الخاصة ولكل شخصية مساحتها للبوح، كما تمازج النثر بالشعر، فما تقوله الصاجات وتنظمه يشبه كثيرا قصائد شعرية مرصوصة المعاني، في الرواية ابدع السنعوسي على لسان كاتب الاسفار في السفر بقارئه الى بوابات ابداعية مختلفة تشبه بوابات "الديرة" الخمسة قبل حرب الجهراء عام 1920، وللروائي اسلوبه الفريد في الحكي، كما حضر فن البورتريه فبل الكتابة يستحضر توصيفات دقيقة للشخصية من ملامحها الخارجية وصولا الى افكارها ومشاعرها ليكون النص سردية للجمال تشبه الدرر المنثورة التي يعرفها ابن الكويت ويقدر قيمتها. تحضر الموسيقى بقوة في متن العمل، صوت طبول الحرب يكاد ينفلت من النص، حركات راقصي العرضة عند السور، غناء النهام عند السنبوك (السفينة)، اهازيج النساء وهن واقفات على السيف منتظرات عودة البحارة بعد موسم الغوص، الحركات الدائرية والاصوات النسائية في نفانيفهنّ الملوّنة (لباس تقليدي نسائي) وقت "دق الهريس" اصوات قرع الدفوف في بيت "ام حدب" يوم "السديس" وصوت الموسيقى الكلاسيكية المنبعثة من "الغرامافون" في بيت المعتمد البيرطاني ثم موسيقى ايقاع "السنكني" جميعها تشكّل مقطوعة موسيقية صاخبة تعبّر عن ثورة الشخصبات ورغبتها في التمرد على كاتبها، وثورة الكاتب الحقيقي على السائد بتحبير نصّ اقسم فيه بجمالية الكلمة وقدرتها على التغيير" اقسم بالقلم ومن علّم بالقلم، اقسم بالخيال وبربّ الخيال، اقسم بالكلمة وبربّ الكلمة". يبدع السنعوسي من خلال كاتب اسفاره في التارجح بمشاعر القارئ، يحمله الى اقصى درجات الفرحة ويعيده الى محيط الحزن بين السطور، يلعب بالشخصيات كما يشاء، يقتلها ويحييها ويعطيها اسماء غريبة "صنقور المصوقر" او "غايب بودرياه" كما يصنع عبر كلماته مشاهد مسرحية تنعش روح القارئ وتخرجه من كومة السود في العباءات فيخرج من مدينة الطين الى جزيرة فيلكا لينقل اهازيج الحياة لدى العمة "زمزم" ويقول ""كان الناس نساء ورجالا واطفالا يقصفقون ويرددون الاغنيات مع الفرقة الغنائية التي تتكون من ثلاث مجموعات يقفن في صفوف افقية يواجهون بعضهم على شكل مثلث، تقابل صفا النساء والرجال يؤدون حركات راقصة بطيئة رصينة والجميع يلوحون بالمناديل الملونة" هذه الالوان جميعها توجد داخل متن "سفر العباءة" و"سفر التبة" و"سفر العنفوز" الوان ادبية ومسرحية وغنائية وتشكيلية ابدعت تجسيدها الرسامة مشاعل الفيصل التي رسمت لوحات الاغلفة الثلاث وكذلك الشخصيات المضمنة داخل الرواية. تتغيّر الازمان ربّما لكن رفض من يفكّر خارج الصندوق يظل ثابتا ساحرة عوالم كاتب الاسفار، نصه يرشح بالشخوص والحكايات، عوالمه مغرية، يكتب بانسيابية ولغة تثير الحواس، يستعمل بعض الكلمات الموغلة في المحلية ويغلفها بأسلوب يقنع القارئ ايا كانت ثقافته ومدى معرفته بتلك العوالم، في نصوصه يدافع كاتب الاسفار عن المعرفة والعلم رغم سيطرة الاسطورة التي يمثلها الصاجات في العهد القديم وسيطرة تجار الدين في العصر الحديث مثلهم رقابة الدولة ايضا، فرغم اختلاف المسميات تبقى محاولة السيطرة على الفكرة الحرة المنفلتة هي الميزة. يكتب "الصادق بوحدب" المتخيل بلسان سعود السنعوسي اسطورة الصاجات واكبرهنّ ام "اللوّه" التي يعطيها اسما اخر هو "ام حدب" وبنياتها الثمانية، لهنّ طريقتهنّ في التأثير في الناس والمداوات، صاحبات قرار وتأثير ولهنّ طقوسهنّ في يوم "السديس" ذاك الطقس الذي يجمع بين الشعوذة وحفلة الزار ومنه يدّعين معرفة الغيب ويسطّرن حياة الناس، هؤلاء الصاجات اللواتي يرمزن الى الشعوذة ينفرن "سعدون" بعد ان تكويه "ام حدب" على اذنه اليسرى بتعلة دخول البريغصي" الى جسده. يقابل الشعوذة سلاح اخر هو سلاح الدين والتطرّف، يمثله "كريم العين" في السفر الاول "سفر العباءة" وأحفاده في السفر الثالث "سفر العنفوز" فالملا كريم العين ينبذ سعدون الطفل لكثرة اسئلته، يتهمه بالجنون لانه يحدّث الله وينصت اليه، يكفرون الطفل حدّ ان يطرده والده من البيت يتهمه الزندقة، "سعدون" يرمز الى الاختلاف، الى طرح الاسئلة ومحاولة فهم النص الديني دون حفظه "كيف يحفظ ما لا يفهم، انا لا احبّ ما لا افهم"، ينبذ الطفل/الشاب "تيقن الملا ان سعدونا مخبول لا محالة ولما استغفلت اسئلته على اجابات الملا سلك اقصر السبل الى السماء وصار يسال الله"، فسعدون الباحث عن جدوى استعمال العقل بنبذ الى "الحوطة" وهناك يقرأ ويمارس طقوس التفكير "الشك لو احسنت معافرته كان سبيلك الى الحقيقة والقلق في ما بينهما اول قطاف الفهم"، هذه الشخصية المفكّرة تنبذ لتموت وحيدة وبعد 70عاما تعبر احدى الشخصيات الرواية لتصلّي عليه صلاة حقيقية "ان ازور قبر سعدون فاصلي عليه صلاة صحيحة بدل صلاة ثلاثة سكارى وصبيّ صاجّات، يهودي ومسيحي وعاهرة وبرثني" فالمختلف المنبوذ وحده استطاع توحيد كلّ المختلفين في رحاب عقله. يتغير الزمن من 1920 الى 1950 لكن محاربة الفكر الحرّ تبقى متواصلة، ف"الصادق بو حدب" ينبذ من مجتمعه لانّه كتب بجرأة وتحرر من تلابيب الاسطورة وعباءة الخوف من العادات وتقديس الماضي، فيتهم بالكفر ويدعوا شيوخ الدين المصلين للبصق عليه بعد نعته في خطبهم بأبشع النعوت "فصدح صوته يذم حملة الاقلام الذين ما خافوا الله فيما يكتبون المحرضين على الرجس والمجون، وأطال الخطيب خطبته حتى جاء على ذكر الكتابين سفر العباءة وسفر التبة وتوعد كاتبهما بالويل والثبور ورماني بالكفر وهو يشاهدني في الصف في المسجد" ، فأصحاب العباءات هنا ان كانوا صاجات او رجال دين، اختلفت اسمائهم وانتماءاتهم وأسلحتهم ولكنهم لم يختلفوا عن رفض كل فكرة مختلفة ورفض كل من يرغب في استعمال عقله ليفهم "ألبس الملاّ عباءة واعطه سعفة يصير صاجّة، او امنح الصاجة لحية ودشداشة قصيرة تصير ملاّ". يمزج سعود السنعوسي في اسفاره بين التاريخ الحقيقي "معركة الجهراء" والصراع بين حاكم الكويت والاخوان، ثم ملامح الازمة العراقية الكويتية عام 1990 لينتقل الى عوالم الغرابة والخيال، يتفنن في صناعة نصّ روائي مميز، نص روائي يكشف جماليات اللغة وقدرتها على الابداع، لغة مينتة وحكي يغري القارئ للبحث في بقية نصوص سعود السنعوسي واكتشاف ملامح المكان عبر اللغة. رواية "اسفار مدينة الطين" باجزائها الثلاث هي الاصدار الادبي السادس للكاتب الكويتي سعود السنعوسي بعد "سجين المرايا" و"ساق البامبو" "فئران امي حصوة" و"حمام الدار"، احجية بن ازرق" وناقة صالحة".