logo
#

أحدث الأخبار مع #سلطانالمعاني

رواية «يوميات مريم» لصفاء الحطاب/ قراءة سردية-تأويلية
رواية «يوميات مريم» لصفاء الحطاب/ قراءة سردية-تأويلية

رصين

time٠٩-٠٥-٢٠٢٥

  • ترفيه
  • رصين

رواية «يوميات مريم» لصفاء الحطاب/ قراءة سردية-تأويلية

الدستور-أ. د. سلطان المعاني ينفتح العنوان يوميات مريم: ذاكرة فتاة ريفية على أفق دلالي مزدوج، يجمع بين التوثيق الذاتي والتخييل التأويلي، ويُمهّد منذ اللحظة الأولى لمسار سردي يمثل الحياة اليومية، ويعيد صياغتها من خلال ذاكرة ذاتية مشبعة بالحنين والتساؤل. فلفظة «يوميات» توحي بفعل التسجيل، بينما تأتي عبارة «ذاكرة فتاة ريفية» لتمنح البُعد الزمني والطبقي والمكاني ثقله الرمزي، حيث تقاطعات الذات مع الجماعة، والخاص مع الاجتماعي، والذاكرة مع الكتابة بوصفها فعل مقاومة للاندثار. أما الغلاف، فيؤسس منذ النظرة الأولى لعالم داخلي تتداخل فيه عناصر الطبيعة والكتابة والطفولة؛ الطفلة الجالسة في حضن الريف، الشجرة التي تُحيل إلى الجذور، وملامح السكون التي تقابلها يقظة داخلية، تشكّل جميعها عتبة نصية تشي بأن ما سيُروى سرد عن ماضٍ غابر، وعن لحظة وجودية تعاش داخل النص عبر الحنين واللغة. تنتمي الرواية إلى أدب اليافعين، ولعلها تخاطب فني مساحة أوسع فئة عمرية تقع بين اليافعين المتقدمين والراشدين، أولئك الذين يملكون حساسية وجدانية ومعرفية تتيح لهم الدخول في النص بوصفه تجربة. تبتعد الرواية عن السرد المباشر أو عن الحبكات الدرامية التقليدية، لتستثمر في التفاصيل، الإيقاع الداخلي، وارتجافات الشعور، ما يجعلها أقرب إلى القارئ الذي يرى في الطفولة مشروع وعي متجدد. تتبنى الرواية أسلوب سرد يمزج بين الصوت الداخلي للطفلة وبين التكوين الناضج للساردة، فتُروى الأحداث من زاوية التبئير الداخلي، غير أن هذا التبئير يخضع لتحولات ناعمة تكشف عن وعي لاحق يعيد ترتيب التجربة ويُضيء ما لم يكن ممكنًا التعبير عنه آنذاك. لم يأت الصوت بريئًا ولا مطلق الوعي، فقد جاء متوتراً بين لحظتين زمنيتين: لحظة العيش ولحظة الكتابة، فاللغة في هذا السياق تأتي مصفّاة، مشبعة بالإيحاء، تتجنّب المباشرة أو البلاغة المنمقة، وتغدو وسيلة تَلَمُّسٍ لما هو غير قابل للقول، حيث تسير بمحاذاة الصمت، وتحاول أن تصوغ بالأثر ما عجزت اللحظة عن قوله. أما المنهج النقدي الأنسب لتحليل هذه الرواية فهو المنهج السردي التأويلي، الذي يدمج بين أدوات التحليل البنيوي كما صاغها جيرار جنيت، ومفاهيم الهوية والزمن كما طوّرها بول ريكور، ويتقاطع مع البعد الحواري الباختيني في تعدد الأصوات. هذا المنهج يقوم على تفكيك البنية الظاهرة، ثم يغور في الطبقات العميقة للنص، فيصغي إلى تشظّي الزمن، وتداخل الأصوات، وارتباك الهوية، بوصفها مكوّنات سردية تشكّل مسار التكوين الداخلي لشخصية مريم. ومن المتوقع، في هذه الرواية، أن يُقرأ النص كخط زمني ممتد، وكبنية وعي يُعاد كتابتها من موقع وجودي لاحق، يعيد عبر الحكي فهم ما كان، ويحوّل الذاكرة إلى فضاء تأويلي يعبر الجغرافيا والطبقة والسن ليغدو كتابة للنجاة. وتتقدّم الرواية ضمن نسق سردي متداخل، لا يُفسَّر بمنهج بنيوي صرف، ولا يُحتوى بالكامل ضمن مقولات الهوية والزمن الوجودي، ولكن قراءتها تستدعي منهجًا تركيبيًا يتخذ من السرد بنية تحليل، ومن الهوية مجالًا تأويليًا، ومن الزمن مادة لتفكيك الشعور والموقف. إن المنهج السردي التأويلي هنا، بوصفه مقاربة هجينة تنطلق من تصورات جيرار جنيت حول التبئير، والمفارقات الزمنية، والمدة السردية، وتندمج بمفاهيم بول ريكور حول الهوية السردية والذاكرة، يتيح فهمًا متعدد الطبقات للنص، يرصد البنية ويسبر أغوار الذات وهي تعيد ترتيب نفسها عبر الحكي. ففي مستوى الزمن، تتكشّف بنية الرواية بوصفها نظامًا يقوم على الانقطاع والتداعي، لا على الاتصال والتسلسل؛ فالطفولة تُسرد كما طُبعت في الوجدان، فلا يُعاد بناؤها وفق نظام كرونولوجي، وإنما وفق منطق داخلي يحكمه الأثر لا الحدث. وتتكرّس المفارقة الزمنية عبر استخدام الاسترجاع الزمني، الذي يعود إلى الوراء ليكشف كيف تنشأ الذات عبر نقاط انكسارها، حين يُعاد استحضار لحظة صامتة في فناء المدرسة، أو لحظة انقطاع بين الطفلة وأمها، أو حتى تأمل داخلي في عبور الطريق نحو البيت. هنا، يتفكك الزمن الواقعي لصالح زمن النفس، حيث تتقلّص أو تتمدد اللحظات وفق كثافتها الوجدانية، ما يجعل الرواية تعتد بقياس عدد السنين، ولكن بعدد التصدّعات الشعورية التي خلخلت إحساس الطفلة بالانتماء واليقين. أما على مستوى الهوية، فإن السرد لا يقدم صورة مكتملة أو مستقرة لمريم، فهو يكشف عن هوية سردية غير متطابقة، تتكوّن من شظايا صوت وصورة وغياب. مريم تُعرّف ذاتها من خلال التوتر بين ما ترويه الآن، وما لم تستطع قوله حينها. وهذا هو جوهر ما يسميه ريكور بـ»الهوية السردية»، حيث لا تكون الذات معطى ثابتًا، وإنما نتاجٌ دائمُ التكوّن عبر الحكي، يتبدّل ويتجدد مع كل استدعاء للذاكرة، فهوية مريم تتأرجح بين الطفلة التي شعرت أنها غريبة في المدرسة، والراشدة التي تفكك تلك الغرابة بالكلمات. هذه الهوية تتجذر في لحظات الشك، وفي قلق الانتماء، وفي تعرّف الذات إلى ذاتها بوصفها سؤالًا مستمرًا. ولا ينفصل هذا التشكل الهوياتي عن الهيئة البنيوية للرواية، حيث الصوت السردي يخضع لتموّجات بين التبئير الداخلي والتبئير الأعلى، فيتماهى مع وعي الطفلة في أغلب النص، لكنه لا يمنع الراوية من التدخل في لحظات تأملية تكشف عن بعد زمني ثالث: هو زمن الكتابة، زمن إدراك لاحق لما لم يُفهم في حينه. هذا التداخل بين التبئيرات، كما يحلّله جنيت، يُعمِّقُ وحدة السرد، لأن ما يُروى من داخل الطفلة يُؤطَّر ضمن رؤية أكثر وعيًا تسمح بقراءة التجربة من موقع مركّب يتسع للسؤال والتفسير، ولا يكتفي بالوصف أو التسجيل. تأتي اللغة في هذا السياق، بوصفها الوعاء المشترك بين البنية والزمن والهوية، متقشفة لكنها مشحونة بالإيحاء، فهي لا تصف العالم ولعلها توشوشه، فهي لا تشرح ولا توضح، وتكتفي بالتلميح؛ وهي بذلك تُمارس وظيفة مزدوجة: تُعيد تمثيل العالم الريفي بما فيه من بساطة وخشونة وعاطفة، وتُضفي على ذلك العالم بعدًا داخليًا يجعل كل مشهد – مهما كان هامشيًا – لحظة وعي. وهنا يتجلّى دور السرد بوصفه أداة إدراك لا مجرد حكاية، وهو ما يؤكده ريكور حين يعتبر السرد نمطًا لفهم الذات أكثر من كونه إعادة سرد لتجربة خارجية. إن يوميات مريم هي رواية عن طفلة في قرية، وسردية متشظّية لهوية تتكوّن عبر تشظي المكان والزمان والصوت، وتعيد تشكيل نفسها في مواجهة الفقد، والغياب، فتقف الرواية عند تقاطع دقيق بين الحميمي والرمزي، بين البنية الدقيقة للزمن السردي والانفعال الوجودي للذات، وبين التشخيص الخارجي لمظاهر الحياة القروية، والغوص الداخلي في معاني التكوين الأنثوي. بهذا المعنى، تتجاوز الرواية حدود الأجناس الأدبية لتكتب نفسها كوثيقة سردية للذات، ومختبرًا لتجربة الحكي بوصفه مشروعًا وجوديًا تأويليًا.

مجلة الجياد.. فضاء أدبي جامع وهمّ ثقافي عربي/ قراءة في العدد السابع
مجلة الجياد.. فضاء أدبي جامع وهمّ ثقافي عربي/ قراءة في العدد السابع

الدستور

time٢٨-٠٤-٢٠٢٥

  • ترفيه
  • الدستور

مجلة الجياد.. فضاء أدبي جامع وهمّ ثقافي عربي/ قراءة في العدد السابع

أ. د. سلطان المعاني في مشهدٍ ثقافي تتشابك فيه الأصوات وتتعدد الأنساق، تطلّ علينا مجلة «الجياد» في عددها السابع (نيسان 2025) كجسدٍ أدبي زاخر بالحياة، يحمل في صفحاته تنوعًا جماليًا وعمقًا رمزيًا يليق بمنبر يُراد له أن يكون مَجازًا لهُوية الإنسان العربي، ومُتنفّسًا للوجدان الجمعي المتناثر بين المنافي والمرافئ، وبين الحنين والمقاومة. إنّ المتأمّل في صفحات هذا العدد يلحظ بلا عناء ذلك الانسجام الرؤيوي بين النصوص، رغم تنوّع أساليبها ومصادرها، حيث تنتظم في نسيجٍ واحدٍ تتقاطع خيوطه عند سؤال المعنى، وتفاصيل الذاكرة، وجراح الأمكنة، وتنهيدة الإنسان في وجه الطمس والتشيؤ. من أولى سطور «على ضفة القدر»، يفتح العدد بابًا واسعًا للتأمل، حيث يتقاطع القدر مع الحلم، والانتظار مع الرجاء، وتتهيأ اللغة لأن تُصبح مأوى للهاربين من انكسارات الواقع إلى ضوء الكلمة. وفي بُعد سيميائي يشي بالحس الفلسفي للنصوص، نجد الرموز تنبعث ككائنات حية: النعامة التي تُقلب الصورة النمطية إلى درس في الكرامة، والخيول التي تحوّلت في «ميدان السباق» إلى أشباح معدنية، والجمهور الذي صار دمى، كلها إشارات إلى زيف المعاصرة حين تنسلخ من روحها، وتغدو صورة بلا معنى، وصوتًا بلا صدى. يتنوع المحتوى النصي بين شعر عمودي وتفعيلة، وسرد قصصي وتأملي، ونقد ثقافي، ليشكّل فسيفساء أدبية تعكس تعددية الاتجاهات والتيارات، لكن دون أن تفقد تماسكها أو تغريب قارئها. تلتقي القصائد النضالية في «غزة تُباد» و»الطفل ينادي» مع قصائد الحنين والانكسار العاطفي، كما في «انتهاء الصلاحية» و»حكاية لا تنتهي»، في خطاب سردي متكامل تتكافأ فيه العاطفة مع الفكرة، ويُعاد تشكيل الواقع بأسلوب شعريّ يعانق القارئ لا يُقصيه. وفي النصوص القصصية، يتقدّم النص الرمزي بثقة، ويمارس لعبة الغموض والتجريد دون أن يفرّط بجماليات الوضوح التأويلي. أما في دراسة رواية «طوارق»، فنحن أمام نص نقدي يتّكئ على مرجعيات فكرية عميقة، ويقارب الرواية بمنظار ثقافي وفلسفي، مستندًا إلى فوكو، وسعيد، ودولوز، في استدعاء يشي بثقافة نقدية واعية، قادرة على فتح أبواب الحوار بين الأدب والفكر، وبين الهوية وسؤال الحداثة. وإن بدا واضحًا أن المجلة ما زالت تأخذ الشكل التقليدي من حيث الإخراج الفني والبصري، إلا أن حضورها النصي يُعوّض هذا الجانب جزئيًا، ويجعل منها منبرًا أدبيًا مستقلًا يمارس مقاومة ثقافية من نوع آخر، لا تخضع لسطوة السوق أو نزق التريند. فهي تقدم محتوى يتسم بالنخبوية الواعية دون انغلاق، وبالتجريب دون تفريط، وبتبنّي أصوات متنوعة من مختلف الأقطار العربية. ويجدر التنويه – بكل تقدير – إلى أن هذا المنجز لم يكن ليرى النور لولا جهود هيئة تحرير فاحصة، تعرف كيف تنتقي النصوص، وتبني خطابًا متكاملًا من بين شتات الأجناس والأنماط. كما أنّ تعدد الأقلام التي تنتمي إلى فلسطين، سوريا، مصر، اليمن، لبنان وغيرها، يُعزّز من انتشار المجلة واتساع رقعة أثرها الثقافي، ويمنحها شرعية عربية شاملة لا تُختزل في منطقة أو نخبة. وفي الوقت الذي نُشيد فيه بهذا العمل الثقافي الجاد، نأمل أن يُواكب الشكل الإخراجي للمجلة روحها النصية العالية، من خلال إدماج الصور الرمزية، والتصاميم البصرية، وتنسيقات أكثر تفاعلية، حتى تكتمل التجربة في بعدها البصري والذهني معًا. ومع كل سطر في هذا العدد، ومع كل نفسٍ شعري أو تأملي، يتأكد لنا أن منتدى الجياد الذي يصدر المجلة، يُطلق نداءً وجوديًا للإنسان العربي: ليكتب، وليحلم، وليتألم، وليقاوم... بالكلمة. ولا يكتمل هذا المشهد الثقافي النبيل دون أن نُشير إلى الجهة الراعية لهذا المنبر الأدبي الرصين: منتدى الجياد للثقافة والتنمية الأردني، الذي يقف خلف هذه المجلة، ممثلًا في مديره العام ورئيس تحرير المجلة، ذلك المثقف الواعي، الذي يقود سفينة الكلمة بمعية فريق مبدع من الهيئة التحريرية والاستشارية، بما يحمله من رؤية ثقافية عميقة، وحسّ مسؤول تجاه المشهد الثقافي الأردني والعربي على حدّ سواء. لقد أثبت المنتدى، عبر هذا الإصدار وسابقاته، أنه يؤسس لحركة ثقافية حقيقية، تنهض بالهوية، وتعانق هموم الإنسان العربي أينما كان، وتعيد للكلمة مركزيتها في زمن يُراد فيه للثقافة أن تُختزل في هامش، أو أن تُفرغ من جوهرها.

مجلة الجياد: فضاء أدبي جامع وهمّ ثقافي عربي قراءة في العدد السابع
مجلة الجياد: فضاء أدبي جامع وهمّ ثقافي عربي قراءة في العدد السابع

جهينة نيوز

time٢٧-٠٤-٢٠٢٥

  • ترفيه
  • جهينة نيوز

مجلة الجياد: فضاء أدبي جامع وهمّ ثقافي عربي قراءة في العدد السابع

تاريخ النشر : 2025-04-27 - 09:45 am أ.د سلطان المعاني في مشهدٍ ثقافي تتشابك فيه الأصوات وتتعدد الأنساق، تطلّ علينا مجلة "الجياد" في عددها السابع (نيسان 2025) كجسدٍ أدبي زاخر بالحياة، يحمل في صفحاته تنوعًا جماليًا وعمقًا رمزيًا يليق بمنبر يُراد له أن يكون مَجازًا لهُوية الإنسان العربي، ومُتنفّسًا للوجدان الجمعي المتناثر بين المنافي والمرافئ، وبين الحنين والمقاومة. إنّ المتأمّل في صفحات هذا العدد يلحظ بلا عناء ذلك الانسجام الرؤيوي بين النصوص، رغم تنوّع أساليبها ومصادرها، حيث تنتظم في نسيجٍ واحدٍ تتقاطع خيوطه عند سؤال المعنى، وتفاصيل الذاكرة، وجراح الأمكنة، وتنهيدة الإنسان في وجه الطمس والتشيؤ. من أولى سطور "على ضفة القدر"، يفتح العدد بابًا واسعًا للتأمل، حيث يتقاطع القدر مع الحلم، والانتظار مع الرجاء، وتتهيأ اللغة لأن تُصبح مأوى للهاربين من انكسارات الواقع إلى ضوء الكلمة. وفي بُعد سيميائي يشي بالحس الفلسفي للنصوص، نجد الرموز تنبعث ككائنات حية: النعامة التي تُقلب الصورة النمطية إلى درس في الكرامة، والخيول التي تحوّلت في "ميدان السباق" إلى أشباح معدنية، والجمهور الذي صار دمى، كلها إشارات إلى زيف المعاصرة حين تنسلخ من روحها، وتغدو صورة بلا معنى، وصوتًا بلا صدى. يتنوع المحتوى النصي بين شعر عمودي وتفعيلة، وسرد قصصي وتأملي، ونقد ثقافي، ليشكّل فسيفساء أدبية تعكس تعددية الاتجاهات والتيارات، لكن دون أن تفقد تماسكها أو تغريب قارئها. تلتقي القصائد النضالية في "غزة تُباد" و"الطفل ينادي" مع قصائد الحنين والانكسار العاطفي، كما في "انتهاء الصلاحية" و"حكاية لا تنتهي"، في خطاب سردي متكامل تتكافأ فيه العاطفة مع الفكرة، ويُعاد تشكيل الواقع بأسلوب شعريّ يعانق القارئ لا يُقصيه. وفي النصوص القصصية، يتقدّم النص الرمزي بثقة، ويمارس لعبة الغموض والتجريد دون أن يفرّط بجماليات الوضوح التأويلي. أما في دراسة رواية "طوارق"، فنحن أمام نص نقدي يتّكئ على مرجعيات فكرية عميقة، ويقارب الرواية بمنظار ثقافي وفلسفي، مستندًا إلى فوكو، وسعيد، ودولوز، في استدعاء يشي بثقافة نقدية واعية، قادرة على فتح أبواب الحوار بين الأدب والفكر، وبين الهوية وسؤال الحداثة. وإن بدا واضحًا أن المجلة ما زالت تأخذ الشكل التقليدي من حيث الإخراج الفني والبصري، إلا أن حضورها النصي يُعوّض هذا الجانب جزئيًا، ويجعل منها منبرًا أدبيًا مستقلًا يمارس مقاومة ثقافية من نوع آخر، لا تخضع لسطوة السوق أو نزق التريند. فهي تقدم محتوى يتسم بالنخبوية الواعية دون انغلاق، وبالتجريب دون تفريط، وبتبنّي أصوات متنوعة من مختلف الأقطار العربية. ويجدر التنويه – بكل تقدير – إلى أن هذا المنجز لم يكن ليرى النور لولا جهود هيئة تحرير فاحصة، تعرف كيف تنتقي النصوص، وتبني خطابًا متكاملًا من بين شتات الأجناس والأنماط. كما أنّ تعدد الأقلام التي تنتمي إلى فلسطين، سوريا، مصر، اليمن، لبنان وغيرها، يُعزّز من انتشار المجلة واتساع رقعة أثرها الثقافي، ويمنحها شرعية عربية شاملة لا تُختزل في منطقة أو نخبة. وفي الوقت الذي نُشيد فيه بهذا العمل الثقافي الجاد، نأمل أن يُواكب الشكل الإخراجي للمجلة روحها النصية العالية، من خلال إدماج الصور الرمزية، والتصاميم البصرية، وتنسيقات أكثر تفاعلية، حتى تكتمل التجربة في بعدها البصري والذهني معًا. ومع كل سطر في هذا العدد، ومع كل نفسٍ شعري أو تأملي، يتأكد لنا أن منتدى الجياد الذي يصدر المجلة، يُطلق نداءً وجوديًا للإنسان العربي: ليكتب، وليحلم، وليتألم، وليقاوم... بالكلمة. ولا يكتمل هذا المشهد الثقافي النبيل دون أن نُشير إلى الجهة الراعية لهذا المنبر الأدبي الرصين: منتدى الجياد للثقافة والتنمية الأردني، الذي يقف خلف هذه المجلة، ممثلًا في مديره العام ورئيس تحرير المجلة، ذلك المثقف الواعي، الذي يقود سفينة الكلمة بمعية فريق مبدع من الهيئة التحريرية والاستشارية، بما يحمله من رؤية ثقافية عميقة، وحسّ مسؤول تجاه المشهد الثقافي الأردني والعربي على حدّ سواء. لقد أثبت المنتدى، عبر هذا الإصدار وسابقاته، أنه يؤسس لحركة ثقافية حقيقية، تنهض بالهوية، وتعانق هموم الإنسان العربي أينما كان، وتعيد للكلمة مركزيتها في زمن يُراد فيه للثقافة أن تُختزل في هامش، أو أن تُفرغ من جوهرها. تابعو جهينة نيوز على

مجلة الجياد: فضاء أدبي جامع وهمّ ثقافي عربي قراءة في العدد السابع
مجلة الجياد: فضاء أدبي جامع وهمّ ثقافي عربي قراءة في العدد السابع

الانباط اليومية

time٢٧-٠٤-٢٠٢٥

  • ترفيه
  • الانباط اليومية

مجلة الجياد: فضاء أدبي جامع وهمّ ثقافي عربي قراءة في العدد السابع

الأنباط - أ.د سلطان المعاني في مشهدٍ ثقافي تتشابك فيه الأصوات وتتعدد الأنساق، تطلّ علينا مجلة "الجياد" في عددها السابع (نيسان 2025) كجسدٍ أدبي زاخر بالحياة، يحمل في صفحاته تنوعًا جماليًا وعمقًا رمزيًا يليق بمنبر يُراد له أن يكون مَجازًا لهُوية الإنسان العربي، ومُتنفّسًا للوجدان الجمعي المتناثر بين المنافي والمرافئ، وبين الحنين والمقاومة. إنّ المتأمّل في صفحات هذا العدد يلحظ بلا عناء ذلك الانسجام الرؤيوي بين النصوص، رغم تنوّع أساليبها ومصادرها، حيث تنتظم في نسيجٍ واحدٍ تتقاطع خيوطه عند سؤال المعنى، وتفاصيل الذاكرة، وجراح الأمكنة، وتنهيدة الإنسان في وجه الطمس والتشيؤ. من أولى سطور "على ضفة القدر"، يفتح العدد بابًا واسعًا للتأمل، حيث يتقاطع القدر مع الحلم، والانتظار مع الرجاء، وتتهيأ اللغة لأن تُصبح مأوى للهاربين من انكسارات الواقع إلى ضوء الكلمة. وفي بُعد سيميائي يشي بالحس الفلسفي للنصوص، نجد الرموز تنبعث ككائنات حية: النعامة التي تُقلب الصورة النمطية إلى درس في الكرامة، والخيول التي تحوّلت في "ميدان السباق" إلى أشباح معدنية، والجمهور الذي صار دمى، كلها إشارات إلى زيف المعاصرة حين تنسلخ من روحها، وتغدو صورة بلا معنى، وصوتًا بلا صدى. يتنوع المحتوى النصي بين شعر عمودي وتفعيلة، وسرد قصصي وتأملي، ونقد ثقافي، ليشكّل فسيفساء أدبية تعكس تعددية الاتجاهات والتيارات، لكن دون أن تفقد تماسكها أو تغريب قارئها. تلتقي القصائد النضالية في "غزة تُباد" و"الطفل ينادي" مع قصائد الحنين والانكسار العاطفي، كما في "انتهاء الصلاحية" و"حكاية لا تنتهي"، في خطاب سردي متكامل تتكافأ فيه العاطفة مع الفكرة، ويُعاد تشكيل الواقع بأسلوب شعريّ يعانق القارئ لا يُقصيه. وفي النصوص القصصية، يتقدّم النص الرمزي بثقة، ويمارس لعبة الغموض والتجريد دون أن يفرّط بجماليات الوضوح التأويلي. أما في دراسة رواية "طوارق"، فنحن أمام نص نقدي يتّكئ على مرجعيات فكرية عميقة، ويقارب الرواية بمنظار ثقافي وفلسفي، مستندًا إلى فوكو، وسعيد، ودولوز، في استدعاء يشي بثقافة نقدية واعية، قادرة على فتح أبواب الحوار بين الأدب والفكر، وبين الهوية وسؤال الحداثة. وإن بدا واضحًا أن المجلة ما زالت تأخذ الشكل التقليدي من حيث الإخراج الفني والبصري، إلا أن حضورها النصي يُعوّض هذا الجانب جزئيًا، ويجعل منها منبرًا أدبيًا مستقلًا يمارس مقاومة ثقافية من نوع آخر، لا تخضع لسطوة السوق أو نزق التريند. فهي تقدم محتوى يتسم بالنخبوية الواعية دون انغلاق، وبالتجريب دون تفريط، وبتبنّي أصوات متنوعة من مختلف الأقطار العربية. ويجدر التنويه – بكل تقدير – إلى أن هذا المنجز لم يكن ليرى النور لولا جهود هيئة تحرير فاحصة، تعرف كيف تنتقي النصوص، وتبني خطابًا متكاملًا من بين شتات الأجناس والأنماط. كما أنّ تعدد الأقلام التي تنتمي إلى فلسطين، سوريا، مصر، اليمن، لبنان وغيرها، يُعزّز من انتشار المجلة واتساع رقعة أثرها الثقافي، ويمنحها شرعية عربية شاملة لا تُختزل في منطقة أو نخبة. وفي الوقت الذي نُشيد فيه بهذا العمل الثقافي الجاد، نأمل أن يُواكب الشكل الإخراجي للمجلة روحها النصية العالية، من خلال إدماج الصور الرمزية، والتصاميم البصرية، وتنسيقات أكثر تفاعلية، حتى تكتمل التجربة في بعدها البصري والذهني معًا. ومع كل سطر في هذا العدد، ومع كل نفسٍ شعري أو تأملي، يتأكد لنا أن منتدى الجياد الذي يصدر المجلة، يُطلق نداءً وجوديًا للإنسان العربي: ليكتب، وليحلم، وليتألم، وليقاوم... بالكلمة. ولا يكتمل هذا المشهد الثقافي النبيل دون أن نُشير إلى الجهة الراعية لهذا المنبر الأدبي الرصين: منتدى الجياد للثقافة والتنمية الأردني، الذي يقف خلف هذه المجلة، ممثلًا في مديره العام ورئيس تحرير المجلة، ذلك المثقف الواعي، الذي يقود سفينة الكلمة بمعية فريق مبدع من الهيئة التحريرية والاستشارية، بما يحمله من رؤية ثقافية عميقة، وحسّ مسؤول تجاه المشهد الثقافي الأردني والعربي على حدّ سواء. لقد أثبت المنتدى، عبر هذا الإصدار وسابقاته، أنه يؤسس لحركة ثقافية حقيقية، تنهض بالهوية، وتعانق هموم الإنسان العربي أينما كان، وتعيد للكلمة مركزيتها في زمن يُراد فيه للثقافة أن تُختزل في هامش، أو أن تُفرغ من جوهرها.

زهير توفيق في "محجر الدموع جف": الحزن لا يُبكى، بل يُروى
زهير توفيق في "محجر الدموع جف": الحزن لا يُبكى، بل يُروى

عمون

time٢٤-٠٤-٢٠٢٥

  • ترفيه
  • عمون

زهير توفيق في "محجر الدموع جف": الحزن لا يُبكى، بل يُروى

عمون - نظّم منتدى الرواد الكبار، بالتعاون مع جمعية النقاد الأردنيين، ندوة حول ديوان "محجر الدموع جف". للشاعر والدكتور زهير توفيق تحدث فيها الدكتور سلطان المعاني وقدم قراءة معمقة للديوان، وأداره الروائي أسيد الحوتري. رحّبت مديرة المنتدى، هيفاء البشير، بالحضور في الندوة التي تناولت ديوان الدكتور زهير توفيق "محجر الدموع جف"، والذي يتزامن صدوره مع ما نشهده من قتل وتدمير تمارسه إسرائيل بحق أهلنا في غزة والضفة الغربية وسائر أنحاء فلسطين. وأشارت البشير إلى أن الشعر الحقيقي هو ذلك الذي يُعبّر عن الواقع، وينقل صور المواجهة مع الحياة بجوانبها المختلفة، ليضع القارئ في قلب الحدث، ويدفعه إلى البحث عن إجابات للأسئلة الصعبة التي تفرضها هذه المرحلة العصيبة. كما أكدت على أهمية الوقوف والمواجهة في وجه هذا الغاصب الشرس، والعمل على التأثير في الرأي العام، وقدرة الشعر على إقناع الشعوب، مستذكرة كم من قصائد كان لها أثر بالغ في مجريات التاريخ. قال الدكتور سلطان المعاني إننا أمام تجربة شعرية مغايرة، تتقاطع فيها الذاكرة بالتاريخ، وتتداخل المقاومة بالوجود، في نسيج لغوي ينبض بالألم والتحرّق. وأضاف أن ديوان "محجر الدموع جف" يحمل عنوانًا موحيًا مشحونًا بالدلالة، إذ تنبني عبارته على مفارقة مضمرة بين امتلاء العين بالألم وجفاف الدمع في آنٍ واحد، وكأن الشاعر يعلن منذ العتبة الأولى أن الحزن في هذا الديوان لم يُكتب ليُبكى، بل ليُروى؛ ليتحوّل الشعر إلى محجر آخر، لا يسكنه سوى صدأ البكاء المنكفئ. يمضي الديوان في تشكيل بنيته عبر حركية شعورية تتنامى بنسق متدرج، ينتقل من النداء الرؤيوي في قصيدة الأندلس، إلى الخطاب الاحتجاجي الثائر في قصيدة غزة، وصولًا إلى التأمل العبثي في صورة الجندي الذي فقد القدرة على الحلم. تتبدّى هذه البنية من خلال تشظّي الزمن داخل القصائد، فلا يتقدّم النص بخط كرونولوجي خطّي، بل بتوالد دلالي داخلي يعيد إنتاج الزمن عبر رموز ومجازات متراكبة، تُحوّل القصيدة إلى بنية مفتوحة على التأويل. يبدأ النص وفق المعاني بتفعيل وظيفة الذاكرة، عبر الاستدعاء التاريخي في قصيدة "فلتغسلوا قلبي برؤيا يا أهالي الأندلس"، حيث يُبنى الخطاب على استحضار يتجاوز التوثيق إلى المساءلة. يتشكّل الصوت الشعري هنا كصوت للضمير الجمعي العربي، يتكئ على الإيقاع البطيء، ويستمد رمزيته من المكان المفقود — الأندلس — لا بوصفه جغرافيا، بل أفقًا حضاريًا منهارًا، مما يجعل القصيدة قائمة على استراتيجية التفكيك، وإعادة التخييل، واستدعاء الخسارة. ورأى المعاني أن الديوان لا يُقرأ كمجموعة نصوص مجمعة، بل كمنظومة بنيوية متكاملة، تنسج خيطًا سرديًا شعريًا يعيد طرح سؤال الهوية، ويفكك نسق التاريخ، ويوجّه النظر إلى المصير العربي من ثلاث زوايا: زاوية الاستدعاء الاستعادي، زاوية الفعل المقاوم، وزاوية المواجهة الذاتية. لا يقوم هذا الفعل على خطاب مباشر، بل على تركيب لغوي معقد يستند إلى مفارقة الصورة، وتعدد الأصوات، وتداخل الأزمنة. وتتوسّل القصائد جماليات الصورة المشهدية، بحسب المعاني، حيث تتجلّى الحرب، والموت، والمنفى، والانهيار، بوصفها كيانات مرئية تتحرّك داخل النص، وكأن اللغة تتحوّل إلى كاميرا ترصد التفاصيل بحساسية تصويرية دقيقة. الرمزية لا تغيب بل تتكاثف، فتتحوّل الزنابق البيضاء إلى رمزٍ للحلم المؤجّل، وتغدو غرناطة استعارة كبرى للهزيمة، وتصبح غزة مرآةً قاسيةً للمآل. تتعمّق هذه الأسئلة في البنية العامة للديوان، حيث تنتقل القصائد من سردية الفقد الحضاري، إلى مأساة الحاضر المسكوت عنه، إلى الانسحاق النفسي للذات في أتون المعارك. إنه انتقال من التاريخ، إلى الجغرافيا، إلى المصير الفردي، عبر لغة لا تخضع للمهادنة، ولا تنزلق إلى البكائية، بل تنحت بكلماتها مقاومة وجودية متمردة على السقوط المكرور. وخلص الدكتور المعاني إلى أن ما بين الأندلس وغزة، وما بين المقاتل الذي لا يحلم، والقصيدة التي لا تنام، يمضي الشاعر في بناء قصيدة تنتمي إلى التاريخ، لا لتستعيده، بل لتعيد مساءلته، وتصوغ من نثاره موقفًا شعريًا لا ينكسر. وهكذا، لا يكون "محجر الدموع جف" عنوانًا لحالة بكائية، بل توقيعًا جماليًا على التحدي، وعلى ديمومة القول الشعري في وجه الغياب، والخذلان، والموت المستمر.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store