logo
#

أحدث الأخبار مع #سمرنور

سمر نور: أبنى عالمى الروائى من الخيال وليس الواقع
سمر نور: أبنى عالمى الروائى من الخيال وليس الواقع

بوابة ماسبيرو

time٢٦-٠٤-٢٠٢٥

  • ترفيه
  • بوابة ماسبيرو

سمر نور: أبنى عالمى الروائى من الخيال وليس الواقع

الأساطير والحكايات الشعبية لها مساحة كبيرة فى رواية «آشا» التاريخ الشخصى وحده ليس صالحا لبناء عالم روائى لا أحمل نفس هواجس رموز الأدب النوبى وارتباطهم بالأرض الغارقة فى بلاد النوبة القديمة، فى النصف الأول من القرن التاسع عشر، ولدت «آشا» فى كهف «الجعارين» أعلى جبل بقرية «الشباك»، بعد أن تخطت النوبة عقودًا من المجاعة والصراع بين القوى المتعارضة، أصابت القريةَ لعنةٌ فلم يعُد يولَد على أرضها الذكور، فيما عاشت «آشا» محاطةً بالحكايات والأساطير النوبية، متأثرةً بوالدتها راوية القرية «فاتي»، ووالدها صانع السواقى وحكيم القرية «نوري»، محاطةً بالطبيعة والخيال، ما بين النهر والجبل، حتى ألقى النهر على ضفة قريتها بشاب غريب يدعى «كرم باش»، فكان ما كان، هكذا تعود الروائية سمر نور بأحدث أعمالها "أشا: الجعران والقمر". ما سر اختيار العنوان "أشا: الجعران والقمر"؟ أستغرق مع أفكار أعمالى سنوات، وأحيانا تولد الفكرة وتتخذ عنوانا معينا، ربما يتغير هذا العنوان مع تشكل العالم قبل الكتابة، أو يتغير خلال مراحل الكتابة، وربما يحتفظ بنفس العنوان الأول، كل تجربة ولها تفاصيلها، فى روايتى الأخيرة كانت الفكرة فى بدايتها تحمل اسم قريتى النوبية "الجنينة والشباك" وأثناء بحثى تأكدت أن اسم القرية القديم، قبل بناء خزان أسوان، كان "الشباك" فقط، حيث كانت "الجنينة" قرية منفصلة، فأصبح عنوان الرواية "آشا نورى وكرم باش"، حتى بدأت الكتابة وكان للأساطير والحكايات مساحة كبيرة، خاصة حكاية "الجعران والقمر"، والتى كانت ملحقة بمثل شعبى نوبى ثم تحولت أثناء الكتابة إلى أسطورة من أساطير الخلق، وألقت الأسطورة بظلها على الرواية كلها، وحملت مدلولات لها أثرها على الشخصيات والعالم، فقررت أن يكون العنوان "الجعران والقمر"، لكن بعد انتهائى من العمل اقترح صديق أن يكون العنوان "آشا" اسم بطلة الرواية باعتباره الأكثر جاذبية، ورغم أن أغلب من اطلع على العنوانين اختاروا اسم آشا، ظل هناك ارتباط نفسى بينى وبين عنوانى الأصلى فقررت أن أتركهما معا على الغلاف، خاصة أن آشا ما زال لديها ما تحكيه فى جزء ثان للرواية، تحت عنوان فرعى جديد. لماذا جاءت الكتابة عن النوبة بشكل متأخر رغم إنك من أصول نوبية؟ ولدت وعشت فى القاهرة، وعائلتى منذ أجيال متتالية مقيمين فى القاهرة، وكنت كأى كاتب ينتمى إلى هذه المدينة، مسكونة بهواجسها ومشاكلها وتفاصيلها، وهذا ما عبرت عنه فى أعمالى السابقة، هذه العلاقة المعقدة مع المدينة، وحالة الاغتراب عنها، مثل أغلب كتاب جيلى. سُئلت كثيرا لماذا لا أكتب عن النوبة؟ وكنت أراه سؤالا غريبا، فلماذا أكتب عن مكان لم أرتبط به، ولم أعش فيه، كنت فى حالة انفصال عن أصولى البعيدة، حتى سكنتنى جدتى التاسعة آشا، وجعلتنى ألمس بداخلى إرثا كبيرا، لم أكن أعرف أننى أملكه، كان تتبعى لحكاية جدى التاسع "كرم باش" صاحب الأصول البوسنية، تلك الحكاية التى حكاها لنا الكبار فى طفولتنا، سببا فى هذا الاكتشاف. هل البحث عن التاريخ الشخصى كان دافعًا للكتابة عن تاريخ النوبة؟ التاريخ الشخصى وحده ليس صالحا لبناء عالم روائى، فى البداية كان التاريخ الشخصى أو بالأحرى الأساطير الشخصية دافعا للبحث فى تاريخ النوبة، بدأ الأمر ببساطة استدعاء حكاية قديمة سمعتها فى طفولتى من أجداد بالعائلة، ولا أتذكر تفاصيلها، لكنى أتذكر ما قيل عن جد يدعى كرم باش، ذو أصل بوسنى تزوج جدتى النوبية وأتى منه نسلنا، وقفز فى ذهنى سؤال لماذا لا تحمل عائلتى الاسم الغريب لهذا الرجل، ففى النوبة هناك عائلات تحمل أسماء أجداد ذوى أصول أجنبية، مثل المجراب، ولهم أجداد من أصول مجرية على سبيل المثال، من أجل معرفة معلومات عن هذا الجد وشحن ذاكرتى سافرت إلى قرية "الجنينة والشباك" فى النوبة الجديدة عام 2012، ولم أجد هناك من يعرف تلك الحكاية! وقبل مغادرة القرية وجدتنى أحمل سؤالا آخر؛ لماذا روى لنا عن هذا الجد ولم يرو أحد لنا عن الجدة النوبية التى جاء منها نسلنا! وقررت أنه لو كان هناك عالما روائيا يتكون، فسوف تكون بطلته تلك الجدة التى لا أعرف اسمها، وليس كرم باش. ومن هنا سافرت إلى الإسكندرية فى نفس العام، وسجلت مع رجل كبير السن من أقربائى، فى محاولة لاستنتاج التاريخ الذى تزوج فيه كرم باش جدتى، وظروف مجيئه النوبة، كان كل شىء يعتمد على الاستنتاج، ليست هناك حكاية متماسكة.. احتفظت بما جمعته من شهادات وشجرة العائلة، وانشغلت بمشاريع كتابة أخرى، مجموعة قصصية وروايتين، حتى عام 2022، حين تفرغت للقراءة عن تراث وتاريخ وجغرافيا النوبة القديمة، وكذلك تاريخ تلك المنطقة منذ أواخر القرن الثامن عشر وحتى منتصف القرن التاسع عشر، وكونت مكتبتى الخاصة. كيف كانت رحلتك لاختيار العناوين والبحث؟ وما أهم المراجع التى اعتمدت عليها فى الرواية؟ أدين بجزء كبير من مكتبتى عن النوبة للأديب الكبير يحيى مختار، فقد أهدانى ما يزيد عن خمسين كتابا، لكن الفترة التاريخية التى اخترتها كانت تحتاج إلى جهد بحثى أكبر، لتخيل المكان الذى تعيش فيه الشخصيات، وطبيعة المجتمع، والأطر التى تحكمه، والأساطير والحكايات التى تخرج من قلب كل ذلك، فاستعنت بعدد كبير من الأصدقاء والأساتذة الذين قدمت لهم الشكر فى آخر الرواية، وذكرت نماذج من المراجع التى اطلعت عليها. بالتأكيد لا، فكما أشرت كان البحث محاولة لتخيل طبيعة المجتمع فى هذا المكان والزمان، والاحساس بالشخصيات، والخروج بخيال مختلف، لا يلتزم بالتاريخ، كما لم يكن هدفى إعادة تخيل أحداث تاريخية بعينها، أو شخصيات تاريخية مهمة، كان التاريخ مجرد خلفية للأحداث، إطار عام لملء الفراغات وطرح المزيد من الأسئلة، فكما قلت التاريخ الشخصى لا يبنى عالما روائيا بدون وعى بتاريخ المجتمع الذى ينتمى إليه الأفراد ومسائله، والخيال ليس مجرد شطحات بدون معرفة، بل لا بد أن أكون ملمة بأدواتى وعلى دراية بكل ما أستطيع معرفته عن عالمى، ثم أنطلق بخيالى كما أشاء، ليس عن جهل بل عن رغبة فى البحث عن أبعاد جديدة، والإجابة على أسئلة قد لا توجد لها إجابات واضحة فى الواقع، والتعبير عن شخصيات لم تترك خلفها أثرا. مرحلة البحث فى الكتب أضافت أسئلة جديدة عن التراكمات التاريخية للثقافة النوبية، فالتراث النوبى يحمل أبعادا تاريخيا موغلة فى القدم، لكنه يحمل أيضًا أبعادًا حضارية متعددة، فستجد تأثير الحضارة المصرية القديمة والحضارة الكوشية، والثقافة القبطية، والثقافة الإسلامية، كل ذلك امتزج فى وعاء واحد، وتجلى فى التراث والعمارة والفنون المختلفة، وأسئلة عن التحول فى طبيعة المجتمع النوبى، من مجتمع محارب إلى مجتمع مسالم. كيف تـغـيرت مـلامـح الشخصيـــة النوبية؟ من ينظر لتاريخ النوبة يجد أن جيوش عتيدة حكمت مصر ولم تستطع دخول النوبة، بل إن الديانات التوحيدية وقفت على عتباتها، ولم تدخل إلا بعد زمن بعيد من دخولها مصر، وبالسلم والمعاهدات وليس بالحرب، لكن تلك القوة أكاد لا ألحظ حضورها منذ نهاية القرن الثامن عشر، لست مؤرخة ولا متخصصة فى علم الاجتماع مثلا، لكن ما حدث مع دخول الحملة الفرنسية مصر ووصولها إلى جزيرة فيلة استرعى انتباهى، كانت الحملة تطارد المماليك، ولم يكن النوبيون طرفا فى هذا الصراع، لكن كعادة المستعمر، قديما وحديثا، كان النوبيون يحمون جزيرتهم التى دمرها الفرنسيون بأسلحتهم الحديثة. الحملة جلبت باحثين فى كل المجالات وثقوا جزءا من الثقافة النوبية، كمستشرقين، لكنها أيضًا واجهت النوبيين بأسلحة لم يكن لديهم قدرة على مجابهتها، مثلما فعلت فى القاهرة، فكان وجودهم مؤثرا على تلك الجماعة فى هذا الزمن، ثم كان هروب المماليك من محمد على فى مرحلة لاحقة، ودمروا النوبة أيضا، وكذلك جيش محمد على فى مطاردته لهم، مع المجاعات التى حدثت فى أوائل القرن التاسع عشر، فنحن نتحدث عن تصفية الروح المحاربة لدى النوبيين. كل هذا التاريخ كيف استطعت جعله مجرد خلفية، ولم تقعى فى شرك حضوره الطاغى؟ كنت أعى تماما أن معرفته مجرد أداة مثل كل أدوات الكتابة، وليست هدفا فى حد ذاتها، فمن يريد أن يعرف تاريخ وتراث النوبة عليه قراءة كتب التاريخ والتراث، وليس قراءة عمل روائى، فأنا أبنى عالمى من الخيال وليس من الواقع، أبنيه مما يغفل عنه التاريخ، أو يعجز عن فهمه المؤرخون، أو ما لا يعطونه أهمية، مثل حياة الأفراد وليس الجماعات، لا يعنينى ما يذكره المؤرخون بثقة العارف. الرواية مبنية من خلال الكثير من الحكايات والأساطير النوبية، ما علاقة الزمن بالأسطورة النوبية؟ تدور الرواية فى النصف الأول من القرن التاسع عشر، تحديدا مع ميلاد آشا عام 1813، مع العودة أحيانا إلى تفاصيل سبقت ميلادها، وكان من المستحيل الحصول على حكايات شعبية تخص هذا الزمن تحديدا، فاللغة النوبية شفاهية، ومحاولات تدوينها حديثة، ولم يبدأ جمع الحكايات الشعبية سوى مع التهجير بعد بناء السد العالى، وكان الاهتمام بنقل الآثار أكبر من جمع الحكايات وما شابه، كل الكتب التى وجدتها تنقل حكايات متأثرة بأزمنة كتابتها أو نقلها، وكذلك أصحابها كتبوها معتمدين على ذاكرة الطفولة، فكان واضحا أنهم أضافوا من قناعاتهم وثقافاتهم المرتبطة بزمن الكتابة، واستعنت أيضًا بعدد من التسجيلات الصوتية لكنها أيضًا من مراحل قريبة نسبيا، ونحن نعلم أن الحكاية عندما تنتقل من زمن لآخر يتأثر قائلها بزمن روايتها، فالحكايات الشعبية ليست أثرا جامدا لا يتغير، بل كل قائل قد يضيف من ثقافته الآنية على ما يحكيه، فلجأت إلى إعادة كتابة الحكايات عبر تخيلى لطبيعة الزمن وطبيعة الشخصيات، وكذلك أنتقيت ما يتماس مع الأحداث ويلقى بظلاله على العالم الذى بنيته. اللغة هم يشغلك فى كل أعمالك الأدبية السابقة، هل زمن الرواية خلق لغة خاصة؟ طبيعة الحكايات الشعبية هى التى ألقت بظلالها أكثر على اللغة، وليس الزمن، فالرواية تبدأ بالاستهلال الخاص بالحكايات الشعبية النوبية، وتنتهى بالنهاية الخاصة بتلك الحكايات، وهى عبارات مختلفة عن المعتاد عند إلقاء الحكايات فى الريف المصرى مثلا، فشعرت أننى أمام "حكاية شعبية" لها خصوصية، لا بد من نقلها إلى القارئ بكل الأدوات المتاحة، وأهمها اللغة، مما دفعنى للاستعانة بروح الشفاهية، واستخدام كلمات نوبية أحيانا، لكنها تفهم من السياق العام، ولا تحتاج هوامش تفسيرية، ليدخل القارئ إلى سياق الحكاية وتفاصيلها، كأنه يعيش بين شخصياتها، ولكنى لم أتخل عن الفصحى وجمالياتها فى نفس الوقت. هل يمكن التعامل مع الرواية تحت إطار مسمى "الأدب النوبي"؟ لا أعتقد، ما يسمى الأدب النوبى مرتبط بأسماء محددة من أهمها يحيى مختار وحجاج أدول وإدريس على وحسن نور، وقبلهم أديب الأطفال والباحث إبراهيم شعراوى، ويقصد به الأدب المرتبط بالقضية النوبية، والتعلق بالنوبة القديمة، وتحولات التهجير والحفاظ على التراث وما إلى ذلك، وهذا ما لم أقصده بما قدمته فى روايتى، فأنا لا أحمل نفس هواجسهم وارتباطهم بالأرض الغارقة. وكما أوضحت تكون عالم روايتى، مثل كل رواياتى السابقة، عبر أسئلة لها خصوصيتها لى، لا تتقاطع مع أسئلة هذا الجيل، لكنى لا أنكر أن فكرة انتقال هذا الإرث عبر الحكاية استحوذت عليّ أثناء بحثى لكنها لم تتحكم فيما كتبته. ولعل حتى هؤلاء الكتاب الذين أطلق على أدبهم "الأدب النوبي" تمردوا فى بعض أعمالهم على هذا المسمى. هل أعمالك القادمة ستنشغل بنفس المنطقة سواء النوبة القديمة أو الجديدة؟ أفضل أن يخرج من قلب القرى النوبية فى النوبة الجديدة أدباء يتحدثون عن واقعهم الذين يعيشونه، أو يثيرون خيال مرتبط بهذا الواقع، أما أنا فلدى جزء ثان من آشا، ثم سأعود إلى الكتابة عن الخيال الذى يثيره واقعى فى المدينة، وربما عدت إلى تاريخ النوبة من وقت لآخر، حين يثير خيالى ويخلق عالما جديدا.

الأسطورة والتاريخ بين نهر وجبل
الأسطورة والتاريخ بين نهر وجبل

الشرق الأوسط

time٢٣-٠٢-٢٠٢٥

  • ترفيه
  • الشرق الأوسط

الأسطورة والتاريخ بين نهر وجبل

ينهض العالم الروائي في رواية «آشا الجعران والقمر» للكاتبة والروائية المصرية سمر نور على أكثر من ركيزة، تفرض كل منها سُلطتها على شخصية بطلة الرواية «آشا»، فهي ابنة قرية نوبية مُهمشة تواجه لعنة الحرمان، وتعيش وسط سياق تاريخي مُرتبك، وأسطورة تفرض حضورها المركزي رغم كل شيء. صدرت الرواية، أخيراً عن دار «ديوان» للنشر بالقاهرة، وفيها تعيد «اللعنة» تشكيل عالم أهل قرية «الشباك» النوبية، تقذف بهم إلى جبل ليحتموا فيه من تهديدها، فيقودهم حكيم القرية «نوري» وزوجته «فاتي» العجوزان، إذ ربما يتجاوزون بهذا الفرار «مصيبة القرية» التي تسببت في حرمان نسلها لسنوات من البنين، وتُهيئ الرواية بهذا المجال «الملعون» لميلاد الطفلة «آشا»، ابنة نوري وفاتي، التي يكون ميلادها في مغارة الجبل مصحوباً بأمارات «المعجرة». يستدعي مشهد هروب أهل القرية النوبية صعوداً إلى الجبل مشاهد متفرقة من التراث الديني، فيبدو أقرب لـ«هجرة جماعية» من أرض مُهددة تُطل على النهر إلى جبل مفتوح على كل الاحتمالات: «بدأوا صعود الجبل في جماعة صغيرة وكأنهم مهاجرون أوائل»، ورغم انتظارهم لرائحة الموت فوقه، فإن ثمة حياة تتفتح من مغارة الجبل بميلاد طفلة للعجوزين؛ حكيم القرية وزوجته حكاءة القرية، لتصبح آشا نوري: «ابنة الحكايات» ووريثتها. فتيات الأمانجي تُحيط سمر نور عالم الرواية بأنفاس الحكاية الشعبية، فهي تبدأ الرواية وتنهيها بصوت استهلال راويِة نوبية: «حكاية... حكاية من الله»، ويُمهد هذا المدخل الشفاهي إلى العالم السِحري الخيالي لحكاية أهل قرية «الشباك»، وتكوين بطلتها «آشا» التي خرجت من ظلام مغارة جبلية، ونشأت مُشبعة بالحكايات، وبقدرة مدهشة على التخييل الذي طال كل شيء من حولها، فتمنحها تلك المَلكة تكويناً غرائبياً يظهر في العديد من مشاهد الرواية، فهي تحكي الحكايات للماعز والخِراف والطيور، وتتقاسم الحياة مع فتيات النهر الخياليين التي تُطلق عليهم «فتيات الأمانجي»، التي تتحوّل لواحدة منهن وهي تغوص في طبقات النهر السُفلي، فيما تستدعيهن من النهر إلى واقعها في قرية «الشباك» لتشاورهن في أمورها، حتى يكاد يذوب في حضورها الخيط بين الواقعي والسحري. ورثت «آشا» القدرة الفائقة على التخييل من أمها «فاتي»، التي تبدو في الرواية تمثيلاً أدبياً للقوة المركزية للمرأة داخل مجتمع نوبي، وهو ملمح راسخ في هذا العمل الروائي يُنافي الكثير من أوجه التصوير النمطي لعالم النوبة وتهميشه لأدوار السيدات، أو الاكتفاء بالإشارة لقهرهن، فيما تبدو في هذه الرواية أن «فاتي» التي يتحلّق حولها أبناء القرية لسماع حكاياتها عن «الجعران والقمر»، وغيرها من الحكايات الأسطورية، صاحبة دور بالغ الأهمية في التأثير على أهالي قرية «الشباك»، وتكون فيما بعد صاحبة دور محوري في مواجهة لعنة القرية، تكشف عنه أحداث الرواية. شريط تاريخي ورغم سطوة العالم الأسطوري للرواية فإن الكاتبة تؤطِر روايتها بشريط تاريخي يعود للنصف الأول من القرن التاسع عشر، متتبعاً تحوّل قرية «الشباك» النوبية إلى مسرح مفتوح من الدمار بفعل المماليك الهاربين من مذبحة محمد علي، ومن بعدها نهباً لجنود محمد علي المُطارِدين لهم، في إيقاع دموي عبثي يفرضه «هاربون من هاربين» مُخلفين القرية بين جوع وفاقة ونقصان، ويظهر في العمل ملامح ما خلفّته تلك المطاردات من إعادة ترسيم معالم القرى النوبية في هذا الزمن التاريخي. ووسط التغييرات التي راحت تفرضها سلطة محمد علي، تُختبر تقاليد «قرية الشباك» كما يجسدها الصراع الروائي بين أبطال العمل، الذي وصل ذروته عند وقوع «آشا» في حب «كرم باش» صاحب الهُوية المزدوجة، فيكون عِرقه البوسني سبباً في أن يُطلق عليه «الغريب»، ويُربِك هذا الحب النواميس والتقاليد التي تحكم قرية «الشباك»، وتتصاعد حدة تلك التوترات مع تصاعد طموحات «كرم باش» للاستفادة من التغيرات الاجتماعية الجديدة التي أدخلها حكم محمد علي، بما فيها تجارة العبيد، فيما يتمسك حكيم القرية «نوري» برفضها: «نحن مزارعون وصناع ولسنا تجاراً، ولن نكون تجار عبيد». فرضت حالة التراوح بين انتماء البطلة لعالم والدها حكيم القرية صانع السواقي «نوري»، وتورطها في حب «كرم باش» بصمتها على إيقاع السرد، الذي يشهد تحوّلاً واسعاً في شخصية «آشا» حتى يصل بها إلى ذروة التمرد الذي يصعد بها إلى الجبل من جديد، الذي وُلدت في مغارته أو ما يدعى بـ«كهف الجعارين»، في مفارقة تجعل الزمن والمكان وكأنهما يعودان أدراجهما إلى حيث المهد الأول للحكاية. تنحاز الكاتبة سمر نور في لغة العمل إلى توظيف كلمات من اللهجة النوبية في متن فصحى العمل، دون استعانة بهوامش في اعتماد ضمني على فهم تلك الكلمات والتعبيرات من السياق الروائي، علاوة على تطعيم العمل بملامح من الخريطة الاجتماعية للحياة في النوبة في زمن الرواية، بما في ذلك تفاصيل العُرس وأغنياته، والظواهر الطبيعية مثل الإشارة لفيضان «الآركي»، وألعاب الأطفال الشعبية مثل لعبة «الهندكية»، ورسم مشاهد صاخبة لموسم بيع البلح، و«التورة» عملة النوبيين، وغيرها من ملامح العمل التي تعزز آصرته بالبيئة النوبية القديمة وتحوّلاتها المشهدية.

رواية "آشا، الجعران والقمر" تسترجع منسيات الأساطير النوبية
رواية "آشا، الجعران والقمر" تسترجع منسيات الأساطير النوبية

Independent عربية

time١٦-٠٢-٢٠٢٥

  • ترفيه
  • Independent عربية

رواية "آشا، الجعران والقمر" تسترجع منسيات الأساطير النوبية

منذ الصفحات الأولى، تستحضر سمر نور في رواية "آشا، الجعران والقمر" الصادرة عن دار ديوان الحكي الشفهي المتوارث في الثقافة النوبية. تبدأ الرواية بعبارة: "حكاية... حكاية... من الله"، فيأتي الرد: "خير... خير من الله"، مما يرسخ أن ما يروى ليس مجرد سرد خيالي، بل هو امتداد لتراث جمعي تتوارثه الأجيال. يتمحور السرد حول قرية "الشباك" النوبية، التي تواجه لعنة غامضة، تكمن في موت الأولاد الذكور منذ سنوات، مما يهدد مستقبل القرية بالفناء. تتوالى الأزمات، مع فقد نوري حكيم القرية سبعة من أبنائه، فيقرر الصعود إلى الجبل برفقة زوجته فاتي وعبده إسحاق وزوجته دارية وصغيريهما سكينة وجمال، طلباً للعزلة وانتظاراً للنهاية. وهناك تحدث معجزة ولادة آشا داخل مغارة الجعارين، في لحظة حافلة بالرمزية وتتجاوز حدود التخييل، فتتلاقى الحياة والموت، الخصب والجفاف، اللعنة والخلاص. لنقرأ: "صدمة نوري بعد موت أولاده الشباب واحداً بعد الآخر بالمرض أو المجاعة أو الحرب، دفعته إلى اليأس، فقرر صعود الجبل، وانتظار الموت في المغارة. استكان نوري إلى فاتي، احتضنها كطفلة وربت على ظهرها كأنه يهننها، بكت بحرقة سنوات النضوب والحرب والموت، وكانت المغارة الصغيرة مفتوحة على السماء، ولم يعشش على مدخلها اليمام، وكان الجبل ساكناً كموت أزلي، لكن نوري قرر أن يهب الصخر حياة جديدة، بدت الفكرة كأنها إلهام أو رؤية، حين غرس بذرة طفلته في رحم فاتي، الذي لم تسر فيه الدماء منذ 11 عاماً". التاريخ إطار للحكاية الرواية النوبية (دار ديوان) يحضر التاريخ في الرواية ليس كخلفية زمنية، بل هو قوة دافعة للأحداث، يعكس التحولات التي عصفت بالمنطقة عبر العصور، بدءاً من اجتياح المماليك، مروراً بالاستعمار الفرنسي، وصولاً إلى صراعات القوى المحلية. تسجل الرواية المعاناة التي لحقت بالنوبة، نتيجة الحروب والمجاعات، كما يبرز ذلك في حديث نوري عن الفاقة التي ضربت القرية بعد تدمير المماليك لها: "مر المماليك الهاربون من مذبحة محمد علي، ودمروا كل شيء، ومن بعدهم جنود محمد علي المطاردين لهم أجهزوا علينا، واستمرت المجاعة والفاقة لأشهر طويلة". التاريخ في النص، يعكس مصير الشخصيات، فالرجال الذين بقوا في القرية إما هلكوا بالحروب، أو غادروا، مما يجبر النساء على مواجهة مصير جديد كـ"ملكات محاربات"، يتحملن مسؤولية إعادة بناء القرية. هنا، تتجلى الرؤية النسوية في الرواية، إذ يعاد تشكيل دور المرأة بعيداً من الصورة التقليدية، وتصبح المرأة مركز الحدث، ومحور البقاء والحياة. الأسطورة والواقع تشكل الأسطورة رافداً أساساً في السرد وبناء الأحداث، تتداخل مع الواقع، لتفسير الماضي والحاضر، وإضفاء عمق رمزي على النبؤات. تظهر الأسطورة بوضوح في قصة الجعران والقمر، التي تحكى في ليالي القرية، لنقرأ: "كان القمر والشمس معاً في السماء، يطلان على البشر طوال اليوم، فلم يعرفوا الليل من النهار. وكانت الخنفساء مغرمة بالقمر، تحلم بالصعود إلى سمائه، لكنه ماكر، فوعدها بالزواج شرط أن تجمع كل فضلات البشر، ثم كل آثامهم، ثم أن تدفع الشمس بعيداً منه. وبعدما فعلت كل ذلك، تركها وحيدة، ليبقى هو سيد السماء". الروائية سمر نور (صفحة الكاتبة - فيسبوك) تحمل هذه الأسطورة دلالات عدة، تعكس الصراع الأبدي بين الطموح والقدر، بين الخداع والتضحية، وتعكس مصير آشا التي تولد في عالم تسيره التقاليد الصارمة، وتسعى إلى إيجاد مكانها فيه، يرمز الجعران إلى البقاء والتكيف، على رغم أنه يعتبر في الثقافة النوبية نذير شؤم، يتحول في الرواية إلى رمز للحياة الجديدة والأمل، إذ ترتبط ولادة آشا بوجود الجعارين في المغارة، تماماً كما تكافح آشا من أجل الدفاع عن وجودها واختياراتها، منذ لحظة ولادتها في ظروف مستحيلة، بأن تولد من امرأة عاقر وأب عجوز، وكأنها جاءت لتكسر اللعنة أو لتعيد تدويرها من جديد، ثم ارتباطها المباشر بالأسطورة، إذ يتكرر ذكر الجعران كتميمة ولادتها، وكأنها منذ البداية محكومة بقدر غامض. هكذا تتحول الأسطورة في النص إلى مرآة عاكسة للذات الإنسانية، تعكس قلقها وصراعاتها، وتعيد تعريف الحدود بين الحلم والحقيقة، بين المادي والميتافيزيقي. لغة الإيحاء والتأويل اعتمدت الكاتبة صوت الراوي العليم، مما منحها مساحة واسعة لتوظيف الرموز بذكاء، لتكثيف المعاني، وتوسيع أفق التأويل. أحد أبرز الرموز هو المغارة التي تمثل مكان الميلاد والموت، فهي المساحة التي تبدأ فيها حكاية آشا، وتنتهي إليها، وهي تحمل في أحشائها حياة جديدة، تعيد إنتاج اللعنة والميلاد معاً، وكأن الرواية تؤكد أن التاريخ يعيد نفسه، وأن دوائر القدر لا تنتهي، لكنها تمنح الفرصة لحياة جديدة. يظهر القمر كرمز للقدر الغامض، تراقبه الشخصيات لكنه يظل بعيد المنال، بينما الجعران يمثل عذابات الأرض والنجاة في آن واحد. كذلك، يأتي رمز النهر، الذي يفصل بين العوالم، كمرآة للمجهول والمصير الحتمي، تجري في عمق مياهه الحكايات والأساطير القديمة والأهوال الآنية، ويتحول إلى عنصر محوري في تحولات القصة ونهايتها. تقدم الكاتبة شخصيات الرواية بعمق نفسي واضح، تحمل كل شخصية صراعها الداخلي الكامن بين حتمية القدر، والرغبة في التمرد. تمثل آشا، الشخصية المحورية في الرواية، تناقضات الحياة والموت، الحتمية والتغيير، التقاليد والتمرد. ميلادها ذاته يحمل طابعاً أسطورياً، منذ لحظة ولادتها، يحيط بها الغموض، لنقرأ: "حين وصل أهالي القرية إلى مدخل المغارة، كانوا ينتظرون رائحة الموت، إلا أن رائحة المسك كانت متغلغلة في مسام الهواء الحار الثقيل، وكأن حياة جديدة تبزغ في الأفق"، مما يعكس ثنائية الحياة والموت المتلازمة في مسيرتها. تواجه آشا صراعات متعددة، فهي تحاول فهم مكانها في عالم تسيطر عليه التقاليد والأساطير والنبؤات، وبينما تعيش في بيئة ذكورية، يختفي منها الذكور لأسباب غامضة، نجدها تسعى إلى اكتشاف ذاتها بعيداً من القيود المفروضة عليها. علاقتها بوالدها نوري عاطفية للغاية، لكنها في الوقت نفسه تمثل قيداً عليها، يعاملها كـ"ملكة"، لا يمكن أن يقترب منها أحد. هذه العلاقة الأبوية المعقدة تجعلها في حالة بحث عن الاستقلال، لكنها في الوقت نفسه لا تستطيع الانفصال عن جذورها. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) أما نوري، والدها الحكيم فإنه يقف بين إرث الماضي ومتطلبات الحاضر، يواجه تحدي الزمن وحتمية التغيير، خصوصاً بعد وصول كرم باش، وانجذاب آشا له. هذا الغريب القادم من خارج عالمها، يدخل إلى القرية، ليكسر توازنها، ويفتح الباب أمام احتمالات جديدة. يتكلم لهجة مختلفة، لديه ملامح غير مألوفة، وأحلام تبدو بعيدة من واقعها. يحمل إرثاً عثمانياً، بوسني الأصل، لكنه ينتمي أيضاً إلى الثقافة النوبية من جهة والدته، هذا الانتماء المزدوج يجعله في حالة انفصال دائم، فهو ليس من هنا ولا من هناك. منذ لحظة ظهوره، يكون محاطاً بالغموض، يصل إلى القرية فاقداً للوعي، بعد أن تجرفه مياه النيل خلال الفيضان، وكأن مجيئه كتب له منذ البداية أن يكون جزءاً من مصير آشا. هناك شخصية مهمة أخرى، تتمثل في جمال العبد الذي أحب آشا بصمت، ويمكنه أن يفديها بأي شيء، لكنه لا يجرؤ على البوح بحبه، جمال يجسد مفارقة الحب والقيود الاجتماعية، إنه الجانب الأكثر واقعية في الرواية، فهو العبد الذي نشأ في كنف نوري، يعمل إلى جانبه، لكنه يدرك تماماً أنه لا يملك حق الحلم أو الحب أو التمرد. منذ البداية، يحب آشا، لكنه لا يستطيع الإفصاح عن ذلك، ينتمي جمال إلى فئة المقهورين الذين يعيشون في الظل، يتألمون بصمت، ويضحون من دون أن يطالبوا بأي مقابل. نرى هذا بوضوح في مشاهد كثيرة، منها عندما يساعد آشا في جمع الجعارين من دون أن يشتكي، أو عندما يراقبها بصمت وهي تنجذب إلى كرم باش، مدركاً أن مصيره الفناء في هذه الحكاية. مثلث التناقضات بين هذين العالمين، تجد آشا نفسها ممزقة بين الحاضر والمستقبل، بين الانتماء والحرية، بين الحلم والواقع. وإذا كان كرم باش يمثل الغريب الغامض الذي يقتحم حياة آشا، فإن جمال يمثل الثبات والاحتواء. لكنها، مثل القمر، تنجذب إلى البعيد، وتغفل عن القريب. علاقة آشا بجمال أشبه بعلاقة الجعران بالأرض، فهو في حياتها، لكنه غير مرئي بالنسبة إليها، من هنا تمثل الشخصيات الثلاث مثلثاً من التناقضات، آشا، هي الرمز الأنثوي للصراع بين التقاليد والتحرر، تحمل إرث القرية، وفي الوقت نفسه تقع في حب غريب قادم من بعيد، وتصر على الزواج منه. كرم باش، الغريب الذي يجلب الأمل والاضطراب معاً، لكنه يحمل في داخله طموحاً متأججاً بالزعامة، ويريد أن يرث مكان نوري بعد مصاهرته. أما جمال، المحب الصامت، والشاهد على كل ما يحدث، لا يملك ترف الاختيار، لكنه يحمل في داخله صدقاً وإخلاصاً لنوري وابنته آشا. تكشف الرواية من خلال هذه الشخصيات الثلاث عن عمق المأساة الإنسانية، إذ يظل البحث عن الحرية والحب مرهوناً بتعقيدات القدر، ويبقى السؤال: هل نحن محكومون بما كتب علينا، أم أن بإمكاننا كسر اللعنة؟

احتفاء خاص برواية "آشا.. الجعران والقمر" في ختام معرض القاهرة للكتاب
احتفاء خاص برواية "آشا.. الجعران والقمر" في ختام معرض القاهرة للكتاب

موقع 24

time٠٦-٠٢-٢٠٢٥

  • ترفيه
  • موقع 24

احتفاء خاص برواية "آشا.. الجعران والقمر" في ختام معرض القاهرة للكتاب

في ختام فعاليات معرض القاهرة الدولي للكتاب، التقى عدد من النقاد والأدباء والصحفيين في أمسية أدبية، لمناقشة رواية "آشا.. الجعران والقمر" للكاتبة المصرية سمر نور، وذلك في قاعة فكر وإبداع بلازا 1. أحداث الرواية وأساطير النوبة بدأت الندوة بقراءة سمر نور جزءاً من الرواية، وهو الاستهلال الخاص بالأسطورة النوبية التي تعد جزءاً أساسياً من نسيج الرواية. ثم تناول الناقدان الأبعاد السردية التي ربطت بين التاريخ والخيال، وما تنطوي عليه الرواية من رموز وأساطير نوبية قديمة. مداخلات الناقدين حول الرواية أبدت الناقدة لنا عبد الرحمن إعجابها بالتوجه السردي المختلف الذي اتبعته سمر في رواية "آشا.. الجعران والقمر"، وقالت: "سمر مشغولة وقلِقة بفعل الكتابة، وآشا مختلفة تماماً في السرد عن باقي أعمالها، حيث كان الواقع يتداخل مع الفانتازيا، بينما نجد في آشا عودة سمر إلى الجذور النوبية، حيث جمعت بين الرمز والأسطورة والتاريخ بشكل مميز". وأضافت أن الرواية تتبع الأسطورة بدءًا من صفحاتها الأولى، وتمثل صراعاً بين الماضي والمستقبل. "هل نحن محكومون بما كُتب علينا أم أن بإمكاننا كسر اللعنة؟" كان هذا أحد الأسئلة التي طرحتها في الرواية، والتي تعكس الصراع الإنساني والبحث عن الخلاص. الخيال والنوبة: من أين أتى الدافع؟ أما سمر نور، فقد تحدثت عن الدافع وراء كتابة الرواية، قائلة: "عوامل عدة دفعتني للكتابة عن هذه الرواية. أولها كان عاملاً شخصياً، حيث كنت أسمع حكايات من جدتي عندما كنت صغيرة، وحين سافرت إلى القرية النوبية بحثت عن قصة عائلتي، لكنني لم أجد الكثير عن جدتي. الجدّة عائشة كانت قد تركت لنا إرثاً من الحكايات. واضطررت للسفر إلى الإسكندرية لمقابلة أحد الجدود ليطلعني على الحكاية." وأضافت نور: "رغم أنني لا أجيد اللغة النوبية، إلا أنني كنت حريصة على نقل الروح النوبية والموروث الشفاهي في الرواية من خلال السياق، بحيث يستطيع القارئ فهم الكلمات النوبية التي استخدمتها من خلال السياق". نقد الرواية: العودة إلى الجذور وكسر الأبوية أما سيد ضيف الله، فقد سلط الضوء على الطابع النسوي للرواية، مؤكداً أن سمر نور قد وجدت نفسها في هذا النوع من السرد. وقال: "إذا كان هناك دماء جديدة يمكن أن تضخ في الرواية العربية، فإن سمر قامت بذلك من خلال تقديم رواية نسوية بوجهة نظر إنسانية، حيث تظهر العدالة الجندرية بين الرجل والمرأة." وأضاف: "رواية "آشا.. الجعران والقمر تمثل خروجاً عن المألوف، فهي تتيح للقارئ إعادة قراءة التاريخ النوبي من خلال المرأة. سمر تعيد تفسير التاريخ باستخدام الأساطير لتنتقد الذكورية الأبوية". وأشاد ضيف الله بتقديم سمر لنمط السرد النسوي النوبي، مؤكداً أن الرواية تحتوي على أول صوت نسائي نوبي حقيقي. "المتعة في الرواية تكمن في القابلية للتأويل، حيث تندمج الأسطورة مع الواقع بطريقة تنفتح على معاني متعددة". الأساطير والواقع النوبي تحدث الحضور عن ارتباط الواقع النوبي بالأسطورة، مشيرين إلى أن الناس في تلك المنطقة مصدقون للأساطير وكائناتها الخيالية. وعلقت سيدة من الحضور قائلة "سمر تنسج من حكاية عائلتها، وقد بذلت مجهوداً كبيراً في القراءة والبحث لتستطيع تقديم صورة واقعية للأسطورة النوبية التي لا تزال حية في ذاكرة الناس. وسوف أهدي الرواية لبنات عائلتي حتى يتعلمن عن جذورهن كما قرأت أنا لحجاج أدول وأنا صغيرة." وأضافت سمر نور في حديثها عن اختيارها لزمن الرواية: "القرن التاسع عشر كان لحظة مفصلية في تاريخ النوبة، مع دخول الأسلحة الحديثة وهزيمة القوى التقليدية، ما جعل الناس يتمسكون أكثر بجذورهم. ربط الأحداث الخيالية بالأحداث التاريخية كان ضرورياً لخلق توازن بين الخيال والتاريخ في الرواية". ختام الندوة وآفاق المستقبل في ختام الندوة، أكدت سمر نور أنها تعمل حالياً على الجزء الثاني من الرواية، الذي سيأخذنا إلى النصف الثاني من القرن التاسع عشر، حيث تتكشف حكايات أخرى عن الشخصيات النوبية وعلاقتها بالعالم من حولها. كما أشارت إلى أنها تفكر في كيفية تطوير الرواية لتشمل جوانب جديدة من الأسطورة والخيال، مع إبقاء روح النوبة في كل تفاصيل العمل.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store