logo
رواية "آشا، الجعران والقمر" تسترجع منسيات الأساطير النوبية

رواية "آشا، الجعران والقمر" تسترجع منسيات الأساطير النوبية

Independent عربية١٦-٠٢-٢٠٢٥

منذ الصفحات الأولى، تستحضر سمر نور في رواية "آشا، الجعران والقمر" الصادرة عن دار ديوان الحكي الشفهي المتوارث في الثقافة النوبية. تبدأ الرواية بعبارة: "حكاية... حكاية... من الله"، فيأتي الرد: "خير... خير من الله"، مما يرسخ أن ما يروى ليس مجرد سرد خيالي، بل هو امتداد لتراث جمعي تتوارثه الأجيال.
يتمحور السرد حول قرية "الشباك" النوبية، التي تواجه لعنة غامضة، تكمن في موت الأولاد الذكور منذ سنوات، مما يهدد مستقبل القرية بالفناء. تتوالى الأزمات، مع فقد نوري حكيم القرية سبعة من أبنائه، فيقرر الصعود إلى الجبل برفقة زوجته فاتي وعبده إسحاق وزوجته دارية وصغيريهما سكينة وجمال، طلباً للعزلة وانتظاراً للنهاية. وهناك تحدث معجزة ولادة آشا داخل مغارة الجعارين، في لحظة حافلة بالرمزية وتتجاوز حدود التخييل، فتتلاقى الحياة والموت، الخصب والجفاف، اللعنة والخلاص. لنقرأ: "صدمة نوري بعد موت أولاده الشباب واحداً بعد الآخر بالمرض أو المجاعة أو الحرب، دفعته إلى اليأس، فقرر صعود الجبل، وانتظار الموت في المغارة. استكان نوري إلى فاتي، احتضنها كطفلة وربت على ظهرها كأنه يهننها، بكت بحرقة سنوات النضوب والحرب والموت، وكانت المغارة الصغيرة مفتوحة على السماء، ولم يعشش على مدخلها اليمام، وكان الجبل ساكناً كموت أزلي، لكن نوري قرر أن يهب الصخر حياة جديدة، بدت الفكرة كأنها إلهام أو رؤية، حين غرس بذرة طفلته في رحم فاتي، الذي لم تسر فيه الدماء منذ 11 عاماً".
التاريخ إطار للحكاية
الرواية النوبية (دار ديوان)
يحضر التاريخ في الرواية ليس كخلفية زمنية، بل هو قوة دافعة للأحداث، يعكس التحولات التي عصفت بالمنطقة عبر العصور، بدءاً من اجتياح المماليك، مروراً بالاستعمار الفرنسي، وصولاً إلى صراعات القوى المحلية.
تسجل الرواية المعاناة التي لحقت بالنوبة، نتيجة الحروب والمجاعات، كما يبرز ذلك في حديث نوري عن الفاقة التي ضربت القرية بعد تدمير المماليك لها: "مر المماليك الهاربون من مذبحة محمد علي، ودمروا كل شيء، ومن بعدهم جنود محمد علي المطاردين لهم أجهزوا علينا، واستمرت المجاعة والفاقة لأشهر طويلة".
التاريخ في النص، يعكس مصير الشخصيات، فالرجال الذين بقوا في القرية إما هلكوا بالحروب، أو غادروا، مما يجبر النساء على مواجهة مصير جديد كـ"ملكات محاربات"، يتحملن مسؤولية إعادة بناء القرية. هنا، تتجلى الرؤية النسوية في الرواية، إذ يعاد تشكيل دور المرأة بعيداً من الصورة التقليدية، وتصبح المرأة مركز الحدث، ومحور البقاء والحياة.
الأسطورة والواقع
تشكل الأسطورة رافداً أساساً في السرد وبناء الأحداث، تتداخل مع الواقع، لتفسير الماضي والحاضر، وإضفاء عمق رمزي على النبؤات. تظهر الأسطورة بوضوح في قصة الجعران والقمر، التي تحكى في ليالي القرية، لنقرأ: "كان القمر والشمس معاً في السماء، يطلان على البشر طوال اليوم، فلم يعرفوا الليل من النهار. وكانت الخنفساء مغرمة بالقمر، تحلم بالصعود إلى سمائه، لكنه ماكر، فوعدها بالزواج شرط أن تجمع كل فضلات البشر، ثم كل آثامهم، ثم أن تدفع الشمس بعيداً منه. وبعدما فعلت كل ذلك، تركها وحيدة، ليبقى هو سيد السماء".
الروائية سمر نور (صفحة الكاتبة - فيسبوك)
تحمل هذه الأسطورة دلالات عدة، تعكس الصراع الأبدي بين الطموح والقدر، بين الخداع والتضحية، وتعكس مصير آشا التي تولد في عالم تسيره التقاليد الصارمة، وتسعى إلى إيجاد مكانها فيه، يرمز الجعران إلى البقاء والتكيف، على رغم أنه يعتبر في الثقافة النوبية نذير شؤم، يتحول في الرواية إلى رمز للحياة الجديدة والأمل، إذ ترتبط ولادة آشا بوجود الجعارين في المغارة، تماماً كما تكافح آشا من أجل الدفاع عن وجودها واختياراتها، منذ لحظة ولادتها في ظروف مستحيلة، بأن تولد من امرأة عاقر وأب عجوز، وكأنها جاءت لتكسر اللعنة أو لتعيد تدويرها من جديد، ثم ارتباطها المباشر بالأسطورة، إذ يتكرر ذكر الجعران كتميمة ولادتها، وكأنها منذ البداية محكومة بقدر غامض.
هكذا تتحول الأسطورة في النص إلى مرآة عاكسة للذات الإنسانية، تعكس قلقها وصراعاتها، وتعيد تعريف الحدود بين الحلم والحقيقة، بين المادي والميتافيزيقي.
لغة الإيحاء والتأويل
اعتمدت الكاتبة صوت الراوي العليم، مما منحها مساحة واسعة لتوظيف الرموز بذكاء، لتكثيف المعاني، وتوسيع أفق التأويل. أحد أبرز الرموز هو المغارة التي تمثل مكان الميلاد والموت، فهي المساحة التي تبدأ فيها حكاية آشا، وتنتهي إليها، وهي تحمل في أحشائها حياة جديدة، تعيد إنتاج اللعنة والميلاد معاً، وكأن الرواية تؤكد أن التاريخ يعيد نفسه، وأن دوائر القدر لا تنتهي، لكنها تمنح الفرصة لحياة جديدة.
يظهر القمر كرمز للقدر الغامض، تراقبه الشخصيات لكنه يظل بعيد المنال، بينما الجعران يمثل عذابات الأرض والنجاة في آن واحد. كذلك، يأتي رمز النهر، الذي يفصل بين العوالم، كمرآة للمجهول والمصير الحتمي، تجري في عمق مياهه الحكايات والأساطير القديمة والأهوال الآنية، ويتحول إلى عنصر محوري في تحولات القصة ونهايتها.
تقدم الكاتبة شخصيات الرواية بعمق نفسي واضح، تحمل كل شخصية صراعها الداخلي الكامن بين حتمية القدر، والرغبة في التمرد. تمثل آشا، الشخصية المحورية في الرواية، تناقضات الحياة والموت، الحتمية والتغيير، التقاليد والتمرد. ميلادها ذاته يحمل طابعاً أسطورياً، منذ لحظة ولادتها، يحيط بها الغموض، لنقرأ: "حين وصل أهالي القرية إلى مدخل المغارة، كانوا ينتظرون رائحة الموت، إلا أن رائحة المسك كانت متغلغلة في مسام الهواء الحار الثقيل، وكأن حياة جديدة تبزغ في الأفق"، مما يعكس ثنائية الحياة والموت المتلازمة في مسيرتها.
تواجه آشا صراعات متعددة، فهي تحاول فهم مكانها في عالم تسيطر عليه التقاليد والأساطير والنبؤات، وبينما تعيش في بيئة ذكورية، يختفي منها الذكور لأسباب غامضة، نجدها تسعى إلى اكتشاف ذاتها بعيداً من القيود المفروضة عليها. علاقتها بوالدها نوري عاطفية للغاية، لكنها في الوقت نفسه تمثل قيداً عليها، يعاملها كـ"ملكة"، لا يمكن أن يقترب منها أحد. هذه العلاقة الأبوية المعقدة تجعلها في حالة بحث عن الاستقلال، لكنها في الوقت نفسه لا تستطيع الانفصال عن جذورها.

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
أما نوري، والدها الحكيم فإنه يقف بين إرث الماضي ومتطلبات الحاضر، يواجه تحدي الزمن وحتمية التغيير، خصوصاً بعد وصول كرم باش، وانجذاب آشا له. هذا الغريب القادم من خارج عالمها، يدخل إلى القرية، ليكسر توازنها، ويفتح الباب أمام احتمالات جديدة. يتكلم لهجة مختلفة، لديه ملامح غير مألوفة، وأحلام تبدو بعيدة من واقعها. يحمل إرثاً عثمانياً، بوسني الأصل، لكنه ينتمي أيضاً إلى الثقافة النوبية من جهة والدته، هذا الانتماء المزدوج يجعله في حالة انفصال دائم، فهو ليس من هنا ولا من هناك. منذ لحظة ظهوره، يكون محاطاً بالغموض، يصل إلى القرية فاقداً للوعي، بعد أن تجرفه مياه النيل خلال الفيضان، وكأن مجيئه كتب له منذ البداية أن يكون جزءاً من مصير آشا.
هناك شخصية مهمة أخرى، تتمثل في جمال العبد الذي أحب آشا بصمت، ويمكنه أن يفديها بأي شيء، لكنه لا يجرؤ على البوح بحبه، جمال يجسد مفارقة الحب والقيود الاجتماعية، إنه الجانب الأكثر واقعية في الرواية، فهو العبد الذي نشأ في كنف نوري، يعمل إلى جانبه، لكنه يدرك تماماً أنه لا يملك حق الحلم أو الحب أو التمرد. منذ البداية، يحب آشا، لكنه لا يستطيع الإفصاح عن ذلك، ينتمي جمال إلى فئة المقهورين الذين يعيشون في الظل، يتألمون بصمت، ويضحون من دون أن يطالبوا بأي مقابل. نرى هذا بوضوح في مشاهد كثيرة، منها عندما يساعد آشا في جمع الجعارين من دون أن يشتكي، أو عندما يراقبها بصمت وهي تنجذب إلى كرم باش، مدركاً أن مصيره الفناء في هذه الحكاية.
مثلث التناقضات
بين هذين العالمين، تجد آشا نفسها ممزقة بين الحاضر والمستقبل، بين الانتماء والحرية، بين الحلم والواقع. وإذا كان كرم باش يمثل الغريب الغامض الذي يقتحم حياة آشا، فإن جمال يمثل الثبات والاحتواء. لكنها، مثل القمر، تنجذب إلى البعيد، وتغفل عن القريب. علاقة آشا بجمال أشبه بعلاقة الجعران بالأرض، فهو في حياتها، لكنه غير مرئي بالنسبة إليها، من هنا تمثل الشخصيات الثلاث مثلثاً من التناقضات، آشا، هي الرمز الأنثوي للصراع بين التقاليد والتحرر، تحمل إرث القرية، وفي الوقت نفسه تقع في حب غريب قادم من بعيد، وتصر على الزواج منه. كرم باش، الغريب الذي يجلب الأمل والاضطراب معاً، لكنه يحمل في داخله طموحاً متأججاً بالزعامة، ويريد أن يرث مكان نوري بعد مصاهرته.
أما جمال، المحب الصامت، والشاهد على كل ما يحدث، لا يملك ترف الاختيار، لكنه يحمل في داخله صدقاً وإخلاصاً لنوري وابنته آشا.
تكشف الرواية من خلال هذه الشخصيات الثلاث عن عمق المأساة الإنسانية، إذ يظل البحث عن الحرية والحب مرهوناً بتعقيدات القدر، ويبقى السؤال: هل نحن محكومون بما كتب علينا، أم أن بإمكاننا كسر اللعنة؟

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

الإعلام والحج...
الإعلام والحج...

المدينة

timeمنذ 10 ساعات

  • المدينة

الإعلام والحج...

.. في الحجِّ تعيش كل القطاعات حالة استنفار كامل لخدمة ضيوف الرَّحمن..كل قطاع في نطاقه، وأدواره، ومسؤوليَّاته..تتضافر الجهود، تتكامل الخدمات، والهاجس المشترك هو تحقيق حجٍّ آمنٍ ميَّسر.والإعلام هو الآخر يعيش ذات الحالة في مختلف مجالاته (المقروءة والمسموعة والمرئية).. لكنَّه يحمل هاجسًا مختلفًا.. فماذا عن الإعلام في الحجِّ...؟!*****.. في أيِّ دولة في العالم غالبًا حين تُقام على أراضيها مناسبة سياسيَّة، أو اقتصاديَّة، أو حتى رياضيَّة وثقافيَّة يلتقطها الإعلام كفرصة يقوم بتوظيفها واستثمارها من أجل تقديمها كرسالة وطنيَّة تعريفيَّة موجَّهة للعالم.ونحن في المملكة، أكرمنا الله تعالى بهذه الشَّعيرة العظيمة، تتكرر في كلِّ عام، حيث يجتمع على ثرى الأرض المقدَّسة الملايين من كلِّ أصقاع الدنيا.فهل استثمرنا هذا التجمُّع الإسلامي الضخم (إعلاميًّا) لتعزيز الصورة الفارهة لهذا الوطن العظيم..؟*****.. ثم عندما نتحدَّث عن الإعلام والحجِّ، فهناك مجموعة من الحقائق يجب أنْ نقف عندها:أوَّلها: علينا أنْ نعي أنَّ المرحلة اختلفت تمامًا تمامًا في الظروف والمعطيات والأدوات.. ففي السابق كنا نواجه تلك الحملة المعتادة (تسييس الحجِّ)، لكن صوتها -رغم تكراره- ظلَّ باهتًا وممجوجًا، وليس ذا بال ولا أثر.اليوم الوضع اختلف.. أصبحنا نواجه حملات مركَّزة ومكثَّفة ضدَّ المملكة من كلِّ الاتجاهات.وثانيها: أنَّ هذه الحملات لها ميزانيات، وجهات، وأيدلوجيات، ومنصَّات، وحسابات وهميَّة، وربَّما في الغرف المظلمة ماهو أخطر وأعظم.وثالثها: يُعتبر الحجُّ أهم أحد المستهدَفات المهمَّة والثرية لهم، وإذا كنا نقوم بتوظيف الحدث إعلاميًّا لنا فإنَّ تلك الحملات توظِّف الحدث في الاتِّجاه المعاكس (تشويهًا وتحريضًا وتزويرًا)، ناهيك عمَّا لديهم من قدرات واحترافيَّة في صناعة محتويات وهميَّة...!*****.. هذا يتطلب أن يكون لدينا إعلام مواجه قوي وإستراتيجية إعلامية مختلفة بعيداً عن النمطية الإعلامية المعتادة، وأعتقد أن وزارة الإعلام محتاجة إلى بناء شراكات مع شركات إعلامية عالمية متخصصة، تقوم ببناء المحتويات ذات الجودة العالية ونشرها عالمياً.. ولا أدري حقيقة إن كان لدى الوزارة مثل هذه الشراكات أم لا..؟!*****.. أخيرًا.. مليونا حاجٍّ سيأخذون معهم تلك المشاهد الذهنيَّة عن الجهود العظيمة للدولة السعوديَّة، وعن الإنسانيَّات والحميميَّات والابتسامات والورود ليرووها في أوطانهم.. إنَّه إعلام الواقع الذي ينقل الحقيقة بعيون المنصفين..

أستاذي أسامة السباعي إلى رضوان الله
أستاذي أسامة السباعي إلى رضوان الله

المدينة

timeمنذ 10 ساعات

  • المدينة

أستاذي أسامة السباعي إلى رضوان الله

تمتدُّ علاقة آل جمال، بآل السباعي، إلى ما يقارب القرن من الزَّمان.. وهي علاقة قائمة في مجال الأدب، والثقافة، والصحافة، والطوافة، والشأن العام، علاقة بُنيت على التقدير والاحترام والمحبَّة والوفاء، علاقة لم تكن في يوم من الأيام مصلحيَّة، أو نفعيَّة إلَّا فيما ينفع النَّاس، وما هو مشترك في خدمة الدِّين، ثمَّ الوطن، والمجتمع.رحم الله مَن مضى، وبارك فيمن بقي..من المحطَّات الرئيسة في علاقة الوالد الشيخ صالح محمد جمال، والعم الشيخ أحمد السباعي -يرحمهما الله- هي محطَّة الصَّحافة.. فقد أسَّس الوالد -يرحمه الله- صحيفة حراء عام 1376هـ، ثمَّ أسَّس الشيخ أحمد السباعي صحيفة الندوة عام 1377هـ، ثمَّ تمَّ دمجهما عام 1378هـ بقرار من مديريَّة الإعلام وقتها؛ وصدرتا باسم (الندوة)؛ وعلى إثر ذلك وفي عام 1379هـ اشترى الوالد امتياز الندوة من الشيخ أحمد لتخلُّص ملكيَّة امتياز الندوة للوالد -يرحمه الله-.علاقات الوالد بالعم أحمد قديمة كما أسلفت، وأذكر في طفولتي مرور العم أحمد السباعي -يرحمه الله- بمكتبة الثقافة فرع الطَّائف خلال شهور الصَّيف، حيث كان الطَّائف مصيف المكيِّين المفضَّل؛ ولازلت أتذكَّر خطواته المُتَّئِدة، وملامح وجهه وابتسامته ووقاره -يرحمه الله-..وأمَّا علاقتي بابنه الأستاذ أسامة، فهي امتداد لعلاقة المحبَّة والاحترام والتقدير، والسير في دروب الصَّحافة، التي كتب الله لي المشي فيها مواصلةً لمسير والدي، وعمِّي أحمد جمال -يرحمهما الله-.. فقد حملت القلم من بعدهما حِمْل مسؤوليَّة شعرت بها بعد وفاتهما تباعًا في عامي 1411هـ و1413هـ -رحمهما الله-..وفي منتصف عام 1414هـ، كان أول من طرقت باب مكتبه -بعد تردد- لأستشيره حول بدء مشوار حمل القلم، وإكمال المسير الطويل، الذي قطعه الوالد والعم -يرحمهما الله- قبلي بعقود على بلاط صاحبة الجلالة؛ -كان- هو الأستاذ أسامة السباعي، وكان -وقتها- رئيس تحرير صحيفة المدينة المنورة، فرحب وشجع، وبدأ بنشر ما أكتبه في صفحة عالم المدينة.وقد حظيت منه بعناية كريمة، هي من صميم أخلاقه الكريمة، وأدبه الرفيع، ومعدنه النقي -رحمه الله-، فقد كان هو مَن اختار لي اسم الزَّاوية التي خصَّصها لي وهو (خلجات)؛ وهو كان مَن يختار لها أفضل موضع لمقالي في صفحات الصحيفة، ومنها صفحة الرَّأي. وهو بذلك صاحب فضل عليَّ، لا أنساه، وسأظلُّ وفيًّا داعيًا له بحسن الجزاء من الله -عزَّ وجلَّ-.رحمه الله رحمة الأبرار.. كان هيِّنًا ليِّنًا بشوشًا مهذَّبًا.. فقد زاملته عن قُرب في مجال الطوافة، في عضويَّة مجلس إدارة مؤسَّسة مطوِّفي حجَّاج الدول العربيَّة، فكان نعم الزميل لي، ولكل مَن عمل معه -رحمه الله-. وقد سلَّم في السنوات الأخيرة راية الطوافة من بعده لابنه م. ياسر؛ ليكمل ما بدأه أبوه وجدُّه في هذا المجال؛ مجال الشرف في خدمة وفد الرَّحمن. وصادف وقت استلام م. ياسر السباعي راية خدمة ضيوف الرَّحمن من أبيه، أنْ استلم شقيقي ماهر نفس الرَّاية، وعملا سويًّا في مؤسَّسة ثمَّ شركة مطوِّفي حجَّاج الدول العربيَّة. فالمسيرة والعلاقة بين الأسرتين -بفضل الله- تستمر على أسس المحبَّة والمعروف..وبمناسبة الحديث عن الطوافة، فهي من المجالات التي جمعت أيضًا الوالدين، والدي الشيخ صالح جمال، والشيخ أحمد السباعي -رحمهما الله- كما جمعتهما دروب الأدب والصحافة؛ حيث كتبا في الصحف والكتب، وشاركا في لجان بشكلٍ جادٍّ ومثابر على مدى عقود من أجل تطوير مهنة الطوافة وتحسين أحوال المطوِّفين من أجل تحسين ما يُقدِّم من خدمات لضيوف الرَّحمن؛ وكان ما يطرحانه موضع تقدير من المعنيِّين ولعلَّ من أبرز ما طرحوه وأخذ به انتقال مهنة الطوافة من عهد الأفراد إلى عهد المؤسَّسات.. جعل الله ذلك في موازين حسناتهم.رحم الله أستاذي الكبير أسامة بن أحمد السباعي، ورحم والده، ووالدي، وأموات المسلمين رحمة الأبرار.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store