logo
#

أحدث الأخبار مع #دارديوان

«فوات الأوان»... ديوان يمزج السخرية بالتجريب
«فوات الأوان»... ديوان يمزج السخرية بالتجريب

الشرق الأوسط

timeمنذ 4 أيام

  • ترفيه
  • الشرق الأوسط

«فوات الأوان»... ديوان يمزج السخرية بالتجريب

تشكل السخرية ملمحاً بارزاً من ملامح ديوان «فوات الأوان» للشاعر محمد أبو زيد، الصادر حديثاً في القاهرة عن «دار ديوان»، حيث تتسع لتشمل رؤيته للعالم والبشر والأشياء من حوله، كما يصل فيها الشاعر إلى حد انتقاد نفسه كشاعر وانتقاد زملائه الشعراء، بل السخرية من فكرة الشعر نفسها. في قصيدة «جد عجوز فاض به الكيل لا يحتمل أحداً» تمتزج السخرية بمحاولة التجريب في الشكل من خلال بداية تبدو هجومية النبرة، قصصية الطابع، تجمع بين الفصحى والعامية الدارجة ينادي فيها «الشاعر - الراوي» على عدد من الشخصيات مستنكراً مواقفهم الحياتية، كما تعيد قراءة التراث العالمي المتمثل في قصتي «السندريلا» و«الشاطر حسن» من منظور مختلف. يقول الشاعر: «هاهاها. والله أنت طفل مسخرة. هل صدقت حكاية الشاطر حسن الذي سيتزوج الأميرة في نهاية القصة؟ وأنت؟ هل فعلاً تعتقدين أن سندريلا لم تتناس الحذاء؟ الأحمق الذي يفكر في المستقبل هناك أخبرني أولاً لماذا ننزلق إلى قاع البالوعة؟ أين عقولكم؟ ماذا تتعلمون في المدرسة؟ أنتِ؟ أليس من الأولى أن تفكري في غسل الصحون المتراكمة في المطبخ؟ وأنتَ لماذا تأخر راتبك حتى الآن؟ هل سيستغنون عنك؟». ويسخر الشاعر من فكرة التجديد في شكل كتابة القصيدة حيث يبدي نوعاً من الحنين للشكل الكلاسيكي العمودي قائلاً: «لا أفهم لماذا يكتب الشعراء قصائدهم بهذه الطريقة! كان السطران مريحين أكثر، أضع رأسي في واحد وأمدد قدمي في الآخر. أتغزل في فتاة لا أعرفها أول القصيدة وأمدح رجلاً لا أعرفه في منتصفها وأملأ جيبي بصرة دنانير وأنا أغلق درفتي دولابها خلفي». وتمتزج السخرية بالمأساة في قصيدة «كم أنت جميل أيها الموت»، فرغم رهبة المقابر، فإنها تتحول هنا إلى مباراة عبثية بين اثنين من «الحانوتية» يتنافسان على أيهما قام بدفن جثة أجمل من الأخرى: «أمام مقبرتين متجاورتين، قال الحانوتي لزميله: جثتي أجمل من جثتك رد الزميل: تؤتؤ جثتي أجمل - لكن جثتي عيناها خضراوان كطحالب بركة آسنة - لجثتي عينان سوداوان كحقل قمح محروق - جثتي شعرها أطول من لسانك.. انظر»، ويستشهد الشاعر في مقدمة ديوانه بكلمة كان قد قالها في ديوانه «سوداء وجميلة»، الصادر 2015، تتعلق بعنوان ديوانه الحالي وحيثيات اختياره له جاء فيها: «أفكر أن أسمي كتابي القادم (فوات الأوان) لكنني لم أحدد هل أضيف في البداية (قبل) أم (بعد)، لكن أياً ما يكون الأمر سأكون قد أطلقت صرختي الأخيرة وأنا راض تماماً. يتحدث ميلان كونديرا على أن الحياة لا تتكرر ويسخر من فكرة نيتشه عن العود الأبدي، لكنني لست بحاجة إليه لأدرك أنني عرفت هذا بعد فوات الأوان، فكل شيء أدركه بعد أن تكون قدمي وصلت إلى الحافة وتأرجح جسدي في الهواء». يشار إلى أن محمد أبو زيد شاعر وصحافي مصري، وهو مؤسِّس ورئيس تحرير «موقع الكتابة الثقافي». ولد بمحافظة سوهاج بصعيد مصر عام 1980، وتخرَّجَ في كلية التجارة بجامعة الأزهر، وعمل بالصحافة أثناء دراسته الجامعية بمكتب صحيفة «الشرق الأوسط» بالقاهرة، ثم بجريدة «التحرير» المصرية. أصدر عدداً من الدواوين الشعرية، منها «قوم جلوس حولهم ماء»، «مديح الغابة»، «طاعون يضع ساقاً فوق الأخرى وينظر للسماء». وصدرت له أعمالٌ سردية، منها رواية «أثر النبي»، «عنكبوت في القلب» و«ملحمة رأس الكلب». فازت روايته «ممر طويل يصلح لثلاث جنازات متجاورة» بجائزة يحيى حقي بالمجلس الأعلى للثقافة في مصر 2003، وفي عام 2005 حصل على جائزة سعاد الصباح في الشعر عن ديوانه «أمطار مرت من هنا».

شعراء وروائيون يحتفون بتجربة محمد أبوزيد في "ديوان" (صور)
شعراء وروائيون يحتفون بتجربة محمد أبوزيد في "ديوان" (صور)

الدستور

time٢٤-٠٣-٢٠٢٥

  • ترفيه
  • الدستور

شعراء وروائيون يحتفون بتجربة محمد أبوزيد في "ديوان" (صور)

أقامت دار "ديوان" للنشر، حفل إطلاق لديوان الشاعر محمد أبوزيد "فوات الأوان" في مقر مكتبتها بوسط البلد، قدمه الكاتب أحمد القرملاوي مدير النشر بالدار، مؤكدا أن هذا الديوان يعبِّر عن قصيدة النثر أفضل تعبير، ويؤكد قدرتها على التقاط صور رائعة من الحياة العادية حولنا إذا كتبها شاعر متميز مثل أبوزيد. إطلاق ديوان محمد أبوزيد "فوات الأوان" وقدم الشاعر جرجس شكري دراسة وافية حول الديوان أكد فيها أن القارئ لا بد أن يتوقف أمام ثلاث نقاط أو ملاحظات قبل أن يتمادى في القراءة: العنوان، الغلاف، التمهيد أو التصدير، ولاحقًا الغلاف الأخير، فالعنوان وإن كان فصيحًا إلا أنه يحمل دلالات شعبية وفي سياق الحياة اليومية أقرب إلى العامية. "فوات الأوان" معناه مضي الوقت، أو ضياع الفرصة، بعد أن تعذَّرت معالجة الأمور، وعلى القارئ أن يهيئ نفسه للقاء شاعر يبكي على أطلال الأشياء بل على أطلال هذه الحياة، ولكن ليس كما يفعل أسلافه القدامى الذين يبكون على أطلال المنازل وذكريات الحبيب. وقال جرجس شكري إن الغلاف الذي يجمع بين الإنسان والروبوت يشير بقوة إلى محتويات الديوان، حيث يؤكد للقارئ أنه أمام بكائية معاصرة، قوامها التهكم واللعب، اللعب الذي هو أقرب إلى الطفولة فراح مصمم الغلاف أحمد اللباد أيضًا يلهو ويمزج بين الإنسان والروبوت في لوحة تقرأ وتعبِّر عن الديوان، أما التمهيد فقد جاء من ديوان سابق للشاعر وهو أيضًا لا يخلو من السخرية ويؤكد العنوان. وتابع جرجس أن الخيال في هذا الديوان يلعب دور البطولة فهو بمثابة البنية العميقة لكل النصوص، وليس اللغة، أو المجاز أو الموسيقى أو الرؤية الفلسفية العميقة، حيث يتجاهل الديوان كل هذا بنسب متفاونة عن عمد ويعتمد على الخيال واللعب، متسلحًا بأسلوب البارودي أو المحاكاة الساخرة للعالم ومفرداته. ومن جهته؛ قال الروائي محمد الفخراني: "في ديوانه ينشغل محمد أبو زيد بأسئلة عن الشِّعر وماهيته، شكلًا وموضوعًا، وتكنيكًا ولغة، يبحث عن هذا في تفاعل قصيدته مع قصائد الشعر القديم، وحالة الشِّعر في الوقت الحاضر، وما يمكن أن يكون عليه في المستقبل، في الأيدولوﭽي، والأسطورة، وحتى نظريات ومبادئ الفيزياء، وهي حاضرة هنا في ديوانه "فوات الأوان"، وبطبيعة الحال يبحث عن سؤاله في دواوينه كلها، وكل واحد منها يمثِّل تجربة جديدة، ورحلة خلال الرحلة المُطَوّلَة للسؤال، لكنه، الشاعر، يعرف أنه لا إجابة، وأنّ الشّعر يحمل في طبيعته اللايقين، والاحتمالية، وهما فكرتان رئيسيتان يطرحهما في هذا الديوان الذي يُمثّل انتقالة وإضافة نوعيّة مهمّة في تجربته". أما الشاعرة نجاة علي قالت: "الديوان فيه قدر كبير من التجريب في قصيدة النثر ورغبتها في مساءلة الأشكال الأدبية السابقة عليها، لأن كاتبها يكون عنده وعي ضدي، ودائمًا يسائل كتابته، ويراجع مفهوم الشعر"، وأضافت: "أن يقرأ أحد الديوان ويقول إنه خالٍ من المجاز فهذه فكرة خاطئة تمامًا، لأن المجاز له أشكال أخرى بخلاف الشكل التقليدي، وهو لدى محمد أبوزيد مجاز المشهد الكلي، والصور قادرة على أن تصنع الدهشة وتفتح الطريق لأفق التأويل، وكل قارئ يخرج بمعنى يخصه. كما أن السخرية حاضرة بشكل جميل في القصائد، ولم تأتِ بشكل اعتباطي وإنما شكَّلت جزءًا من رؤيته، وهذه السخرية مكَّنته من أن يضع مسافة بينها وبين الأشياء ليراها جيدًا". حفل إطلاق ديوان الشاعر محمد أبوزيد فوات الأوان حفل إطلاق ديوان الشاعر محمد أبوزيد فوات الأوان حفل إطلاق ديوان الشاعر محمد أبوزيد فوات الأوان حفل إطلاق ديوان الشاعر محمد أبوزيد فوات الأوان حفل إطلاق ديوان الشاعر محمد أبوزيد فوات الأوان حفل إطلاق ديوان الشاعر محمد أبوزيد فوات الأوان حفل إطلاق ديوان الشاعر محمد أبوزيد فوات الأوان

"ليالي" نجيب محفوظ ارتبطت بالوجدان الرمضاني المصري
"ليالي" نجيب محفوظ ارتبطت بالوجدان الرمضاني المصري

Independent عربية

time٠٥-٠٣-٢٠٢٥

  • ترفيه
  • Independent عربية

"ليالي" نجيب محفوظ ارتبطت بالوجدان الرمضاني المصري

هذا الأثر لم تستحوذ عليه الدراما المستوحاة من السردية العربية الكبرى وحسب، بل إنها في هيئتها الورقية ظلت مقصداً للقراء من كل حدب وصوب، كذلك حاول بعض الكتاب العرب استلهام عوالمها السحرية في أعمالهم، على رأسهم نجيب محفوظ في روايته "ليالي ألف ليلة". تتجلى صلة نص أديب نوبل بالنص التراثي عبر عنوان الرواية، ومع تدفق السرد تتوثق هذه الصلة، ولا سيما مع بروز تيمات السحر والجن والترحال والمغامرة، ومع استدعاء شخصيات السندباد والإسكافي ونور الدين ودنيا زاد، وغيرهم، ويوظف الكاتب هذه العوالم والتيمات والشخصيات لتمرير العديد من الرؤى الفلسفية والإسقاطات الرمزية، وكحال الليالي الأصلية شرع محفوظ سرده من حكاية إطارية وانتقل منها إلى تفريعات حكائية. تبدأ أحداث الحكاية الأم في ليالي محفوظ من حيث انتهت أحداث الحكاية التراثية، لتنبئ عن تحول شهريار الذي رضي أخيراً عن زوجته شهرزاد، ولم يعد متعطشاً للدماء، وإن لم يتخلَّ عن قسوته وغروره. رواية نجيب محفوظ (مكتبة ديوان) أما المدينة البائسة فكما امتلأت بالفرح لتوقف شلال الدم، امتلأت أيضاً بالمنافقين، بعدما قُتل الأبرياء والصادقون (في السردية التراثية)، وهؤلاء المنافقون كانوا رافد الشر في الحكايات المتناسلة من الحكاية الأم، وكانت أحداث هذه الحكايات باعث تحولات عاد صداها مرة أخرى إلى شهريار نفسه. وعلى رغم هذا الاستلهام لعوالم ألف ليلة على مستوى الموضوع والتقنية، فإن نجيب محفوظ عمد إلى بنية مغايرة، إذ حرم شهرزاد من دور الراوي، وحولها إلى إحدى شخصيات الحكاية، ووضعها في بعض مواضع السرد في موقع المحكي له، في حين لجأ إلى تقنية الراوي العليم، ومنحه عبء قيادة الرحلة. وتشارك أبطال الحكايات الفرعية مع أبطال الحكاية الإطارية الفضاءين المكاني والزماني أنفسهما، وجمعتهم روابط وعلاقات وثيقة، ولم يكونوا كما في حكايات ألف ليلة وليلة أبناءً لخيال شهرزاد وحكاياتها. تقلب الدهر ينطلق السرد من رؤية فلسفية تعي تقلب الدهر وتحولاته، التي تنسحب على كل الموجودات، ومرر نجيب محفوظ هذه الرؤية عبر مساحات الحوار، وعبر أجناس أدبية أخرى استدعاها إلى نسيجه الروائي، مثل الشعر "من عادة الدهر إدبار وإقبال/ فما يدوم له بين الورى حال"، (ص 203 طبعة دار ديوان). ومثلما عمد إلى التصريح بهذه الرؤية في بعض مواضع السرد، مررها ضمناً في مواضع أخرى، كما في دلالات تكراره عبارة "لا تأمن هذه الدنيا يا إبراهيم" على لسان "صنعان الجمالي"، وهيأ مناخاً ملائماً ومحفزاً لهذه التحولات، فأبرز الثنائيات المتقابلة في النفس والعالم، التي عادة ما تتحول الشخوص من أحد قطبيها إلى الآخر، فيؤول العزيز إلى ذليل، ويتبدل الفقر بالغنى، والغنى بالفقر، ويتحول البؤس إلى بهجة، والسعادة تصبح حزناً مقيماً، وبذا منح التحول دور البطولة في كل الحكايا. دراما مصرية مستوحاة من رواية محفوظ (ملف الدراما) وبينما تشاركت أغلب الشخوص الطبيعة البشرية ذاتها، التي تراوح ما بين الخير والشر، كان تحول بعضها نتيجة مباشرة لما يعتمل في دواخلها من صراع بين نوازع طيبة وأخرى رديئة، في حين كان تحول شخوص أخرى ناتجاً عن قوى خارجية، حفزت ظلام النفس، وأذكت صراعاتها، فكان العفريت "قمقام" مسؤولاً عن تحول "صنعان الجمالي" من الصفاء إلى الكدر، ومن السكينة إلى القلق، الذي حفّز بدوره ظلام نفسه، فتحول التاجر الخيّر الوقور إلى مغتصب قاتل، وتلوثت يده الممدوة للفقراء بالدماء، وكان تحوله سبباً في عسر أسرته بعد يسر، وهوانها بعد طيب المقام، كذلك كان العفريت "سنجام" محفزاً لتحولات "جمصة البلطي"، الشرطي الذي كان ينصاع إلى أوامر الفاسدين، بحجة الواجب وقلة الحيلة، مما جعل منه يدَهم التي تبطش بالأبرياء. وعزَّز الشيخ "عبدالله البلخي" بذرة هذا التحول، التي ألقاها العفريت في قلب "جمصة"، ليتغلب خيره على شره، وتتحول استكانته إلى تمرد وينقلب انحيازه للسلطة إلى ثورة عليها، ويسلك بذلك طريقاً معاكساً لطريق سلكه "صنعان الجمالي". وبينما كانت العفاريت التي بدا بعضها وكأنه معادل للقدر في فرض الاختبارات والفتن (قمقام وسنجام)، وبدا بعضها الآخر معادلاً للشيطان الذي يوسوس بالشر ويقود إليه (سخربوط وزرومباحة)، مثيرات خارجية قوية باعثة على التحول، كان التناقض الداخلي الصارخ والصراع العنيف بين الخير والشر في دواخل النفس الإنسانية، مسؤولاً على نحو أكبر عن تحول بعض الشخوص، بعدما تأججت هذه الصراعات الداخلية بفعل إغراءات السلطة والحكم والشهوة والمال والجمال والمغامرة: "قال سخربوط بفتور: عباس الخليجي حاكم الحي، سامي شكري كاتم السر، خليل فارس كبير الشرطة، لا يتوقع منهم انحراف قريب، فتساءلت زرمباحة بسخرية: لماذا؟ - جاؤوا في إثر تجربة مريرة أطاحت بالمنحرفين. - دعنا من الحكام، وانظر إلى ذلك الفتى الهمام فاضل صنعان"، ص235. تجليات التحول كان لأغلب الشخوص في كل الحكايات نصيب من التحولات، وإن اختلفت هذه التحولات في مستوياتها، وتجلياتها، فبدت على مستوى المظهر، وهيئة الشخوص الخارجية، كما في شخصية "جمصة البلطي"، الذي تحول إلى صور وهيئات بشرية عدة، فتبدلت صورته قبل إعدامه إلى هيئة عبد حبشي "عبدالله الحمال"، ثم تحول إلى هيئة جديدة، بعدما نزل إلى الماء استجابة لنداء عبدالله البحري، وكذلك تحولت العفريتة "زورمباحة" إلى امرأة طاغية الجمال "أنيس الجليس"، ثم تحولت مرة أخرى من الهيئة الإنسانية إلى دخان ورماد، وتحول شهريار إلى فتى أمرد، بعد نزوله للماء المسحور، ثم تحول إلى شيخ طاعن في العمر، بعدما دفعه الفضول إلى اقتراف الممنوع، وفتح الباب المغلق في المدينة المسحورة، على رغم التحذير المكتوب عليه. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) وخلاف المظهر والهيئة الخارجية، طاولت التحولات مشاعر الشخوص وسلوكها ومصائرها، فتشارك كل الحكام وأعوانهم من الشرطة وكاتمي السر، في كل الحكايات مصير الضعف بعد القوة، وصعد "نور الدين" من مراتب العامة إلى مراتب النبلاء، وتحول "السندباد" بعد معايشة البحر وأهواله، من الفقر ومحدودية التجربة إلى الثراء والحكمة، وطاول التحول العفريتين أيضاً، فتخلص "قمقام" من السحر الأسود، وتحول من العبودية إلى الحرية، وخرج "سنجام" من القمقم فتحول من الحبس إلى الحرية، كذلك تحول "عجر" من الفقر إلى الغنى، ثم تحول عائداً إلى الفقر مرة أخرى، وتحول "معروف" من إسكافي فقير إلى حاكم وصاحب نفوذ، وتحول "حسام الفقي" إلى قاتل تحت سطوة الجمال والشهوة، وتحول "فاضل" من عزيز ثري إلى فقير رقيق الحال، ومرة أخرى من مناضل في سبيل الحق والعدل إلى لص وقاتل ومعتدٍ، كذلك بدا التحول في مشاعر أهل المدينة الذين عاشوا الخوف لجنون شهريار في قتل النساء، ثم تحولوا إلى الابتهاج والطمأنينة بعد إعلانه الرضا بزوجته شهرزاد، وتوقفه عن القتل، كما تبدل حال المدينة مرات بين الاستقرار والاضطراب "مات كثيرون وشبعوا موتاً، وولد كثيرون لا يشبعون من الحياة، هبط من الأعالي قوم، وارتفع من القعر قوم، أثرى أناس بعد جوع، وتسول آخرون بعد عز"، ص 273. ولعبت كل تلك التحولات دوراً رئيساً في تطور البنية الدرامية، وكانت كذلك دافع التحول التدريجي في شخصية شهريار، إذ تهذبت نفسه عقب كل حكاية، ليجد في النهاية طريقه نحو الخلاص، "على مدى 10 سنوات عشتُ ممزقاً بين الإغراء والواجب، أتذكر وأتناسى، أتأدب وأفجر، أمضي وأندم، أتقدم وأتأخر، أتعذب في جميع الأحوال، آن لي أن أصغي إلى نداء الخلاص... نداء الحكمة"، ص 285. التناص وتيار الوعي وظَّف محفوظ، إضافة للغة الحية، العديد من التقنيات السردية في خدمة التحولات، ولا سيما تيار الوعي، فكان حلم نور الدين و"دنيا زاد" سبيلاً لتحولهما، إلى حال العشق، كما كان جسراً عبره "نور الدين" من الفقر وضيق الحال إلى الثراء والجاه والسلطان، وكان أيضاً وسيلة لفكاك "دنيا زاد"، وتحولها من زوجة لكرم الأصيل القزم القبيح صاحب الملايين إلى زوجة للشاب الوسيم "نور الدين"، الذي التقته في أحلامها، كذلك كان المونولوغ الداخلي وسيلة لاستجلاء الصراعات الداخلية لدى النفس المأزومة بالتأرجح بين الخير والشر"، التي تنتهي بها متحولة من الخير إلى الشر، أو العكس "جعل يسائل نفسه أهو العفريت، أهو المنزول؟ أهو صنعان الجمالي"، ص29، وحتى النزوع الصوفي الذي بدا في غير موضع من النسيج، وبرز على نحو خاص في شخصية "عبدالله البلخي"، وظفه الكاتب لإبراز تيمة التحول، إذ إن جوهر الصوفية قائم على "تحويل القلب عن الأشياء إلى رب الأشياء"، ص221، كذلك وظف التناص لخدمة الفكرة ذاتها، فاستدعى في خروج شهريار من النعيم، نتيجة الفضول والرغبة في المعرفة، قصة خروج آدم من الجنة. وهكذا كان استلهام "محفوظ" عوالم ألف ليلة وليلة وسيلة لتمرير رؤاه حول وجود الإنسان وحاله المتراوحة والمتحولة بين المعصية والتوبة، وطبيعته المجبولة على النقص والخطأ.

مثقفون فى مناقشة كتاب حسن عبد الموجود عن أم كلثوم: حياتها مجسدة فى 50 قصة
مثقفون فى مناقشة كتاب حسن عبد الموجود عن أم كلثوم: حياتها مجسدة فى 50 قصة

مصرس

time٢٥-٠٢-٢٠٢٥

  • ترفيه
  • مصرس

مثقفون فى مناقشة كتاب حسن عبد الموجود عن أم كلثوم: حياتها مجسدة فى 50 قصة

أقامت ديوان، اليوم الثلاثاء 25 فبراير، حفل إطلاق كتاب أم كلثوم.. من الميلاد إلى الأسطورة للكاتب حسن عبد الموجود، بحضور عدد كبير من الصحفيين والكتّاب والفنانين، وأدارت النقاش المخرجة هالة خليل. في بداية اللقاء، قال أحمد القرملاوي، مدير النشر في ديوان: "كنت سعيد الحظ بمتابعة الكتاب حكاية بحكاية، وشهدت بنفسي على المجهود الكبير الذي بذله حسن عبد الموجود في البحث والكتابة".من جانبه، قال حسن عبد الموجود: "دهشت من طلب القرملاوي، لأنني لست من خبراء الست، وليست لدي دراية بالملحنين والمقامات والكواليس وراء الأغاني، لكنني بدأت أفكر، ثم خطرت لي فكرة تقديم خمسين حكاية في النسخة التذكارية للذكرى الخمسين، واتفقنا على ذلك. بدأنا نناقش أفكارًا كثيرة، وكتبت قصة أولى، وعندما أرسلتها وحازت إعجابه، بدأت العمل الجاد. على مدار ثمانية شهور، لم أفعل شيئًا سوى متابعة فيديوهات وقراءة كتب عن أم كلثوم".دار النقاش حول رحلة صناعة الكتاب، من الفكرة إلى البحث في المراجع، وصولًا إلى إيجاد صوت وإيقاع مناسب للنص. عن هذه الرحلة، قال عبد الموجود: "كانت ورشة حقيقية يشارك فيها كاتبان، أنا والقرملاوي، دون أن يتعالى أحدنا على إعادة الكتابة. بالتوازي، واجهتنا صعوبة في الوصول إلى أصول الصور، فبعضها جاءنا من كريم، نجل فاروق إبراهيم، مصور أم كلثوم، وبعضها من مؤسسات مختلفة، مثل أخبار اليوم والأهرام والهلال. كان لكل قصة من القصص الخمسين صور تناسبها، وصناعة الكتاب كانت تجربة في منتهى الأهمية والمتعة".وقالت المخرجة هالة خليل في بداية حديثها: "هذه أول مرة أدير فيها حوارًا مع كاتب وليس مع مخرج، لكنني سعدت بالدعوة، لأن علاقتي بمكتبة ديوان شخصية. فهي أول مكتبة في مصر أدخلت مفهوم أن المكتبة ليست فقط مكانًا لشراء الكتب، بل أيضًا للفسحة والقهوة والدردشة وتبادل آخر أخبار الكتب". وقالت: "قرأت الكتاب على جلستين فقط باستمتاع بالغ، وأدهشتني التفاصيل، وقدرة الكاتب على تضفيرها. هذا الكتاب هو أفضل بروفايل لأم كلثوم، وهو مفيد لأي مخرج يتصدى لعمل سينمائي عنها".ووجهت سؤالًا إلى عبد الموجود: "عندما قرأتُ الكتاب، دهشتُ من دقة الوصف وتفاصيل الحكايات، فهل هناك جزء من الخيال في الكتابة؟".أجاب عبد الموجود: "كان الاتفاق أن تكون المعلومات حقيقية، لكن الحكايات يمكن أن تكون خيالية. كنت أبدأ بالبحث، وواجهتني صعوبات في الأرشيف، حيث توجد فترات انقطاع. على سبيل المثال، أم كلثوم كانت على خلاف مادي مع الشيخ زكريا أحمد، وصل إلى المحاكم. هذا هو فحوى القصة لكن تفاصيلها تخصني. القصص الأخرى، مثل لقائها مع كوكو شانيل في باريس، هي قصص خيالية".تحدث عبد الموجود أيضًا عن أسلوب الكتابة، وكيف حرص على التنوع بين أسلوب المخاطب، والراوي العليم، وأسلوب الحوار وغيرها. أما عن القصص التي لم يتضمنها الكتاب، فقد أوردها في حوار متخيل بين أم كلثوم ونعمات أحمد فؤاد، جمع فيه حكايات متفرقة بأسلوب يشبه لوحة الكولاج، مثل حكاية عض كلبها لعسكري في الشارع واضطرراها إلى تسريحه، أو أنها تقدمت بشكوى من الزمالك إلى إمبابة بسبب إزعاج الميكروفونات أثناء إجرائها للبروفات.الكتاب، الصادر عن دار ديوان للنشر، يقدم خمسين حكاية مدهشة من حياة أم كلثوم، من طفولتها وحتى صارت الأيقونة العالمية التي نعرفها اليوم، مصحوبةً بصور نادرة تُنشر لأول مرة. ويُعد كتابًا تذكاريًّا لكوكب الشرق في الذكرى الخمسين لرحيلها.ترسم الحكايات ملامح أم كلثوم منذ كانت طفلة تغني للأوز في بيت أسرتها بقرية طماي الزهايرة، ثم صبية تُطرب البسطاء في قرى الدلتا، ثم فتاة قدِمت إلى القاهرة تحت حماية المشايخ، حتى أصبحت امرأةً يحاول الكثيرون الفوز بقلبها؛ الغرباء وأقرب المقربين، الألمان والحلفاء، الملك والضباط الأحرار.يتقصَّى الكتاب رحلة "السِّت"، ويكشف مشاعرها كما يصوّر كيف أدارت معاركها مع مطربات الزمن القديم، وعلاقاتها بالملكية والثورة والصحافة والنميمة!حسن عبد الموجود، روائي وصحفي مصري، صدرت له روايتان، وخمس مجموعات قصصية، وثلاثة كتب في الصحافة الأدبية. حصل على جائزة دبي للصحافة الثقافية، وجائزة يوسف إدريس للقصة، وجائزة ساويرس للرواية، وجائزة معرض القاهرة الدولي للكتاب لأفضل مجموعة قصصية. تُرجمت أعماله إلى الإنجليزية والإسبانية والفرنسية والألمانية.

رواية "آشا، الجعران والقمر" تسترجع منسيات الأساطير النوبية
رواية "آشا، الجعران والقمر" تسترجع منسيات الأساطير النوبية

Independent عربية

time١٦-٠٢-٢٠٢٥

  • ترفيه
  • Independent عربية

رواية "آشا، الجعران والقمر" تسترجع منسيات الأساطير النوبية

منذ الصفحات الأولى، تستحضر سمر نور في رواية "آشا، الجعران والقمر" الصادرة عن دار ديوان الحكي الشفهي المتوارث في الثقافة النوبية. تبدأ الرواية بعبارة: "حكاية... حكاية... من الله"، فيأتي الرد: "خير... خير من الله"، مما يرسخ أن ما يروى ليس مجرد سرد خيالي، بل هو امتداد لتراث جمعي تتوارثه الأجيال. يتمحور السرد حول قرية "الشباك" النوبية، التي تواجه لعنة غامضة، تكمن في موت الأولاد الذكور منذ سنوات، مما يهدد مستقبل القرية بالفناء. تتوالى الأزمات، مع فقد نوري حكيم القرية سبعة من أبنائه، فيقرر الصعود إلى الجبل برفقة زوجته فاتي وعبده إسحاق وزوجته دارية وصغيريهما سكينة وجمال، طلباً للعزلة وانتظاراً للنهاية. وهناك تحدث معجزة ولادة آشا داخل مغارة الجعارين، في لحظة حافلة بالرمزية وتتجاوز حدود التخييل، فتتلاقى الحياة والموت، الخصب والجفاف، اللعنة والخلاص. لنقرأ: "صدمة نوري بعد موت أولاده الشباب واحداً بعد الآخر بالمرض أو المجاعة أو الحرب، دفعته إلى اليأس، فقرر صعود الجبل، وانتظار الموت في المغارة. استكان نوري إلى فاتي، احتضنها كطفلة وربت على ظهرها كأنه يهننها، بكت بحرقة سنوات النضوب والحرب والموت، وكانت المغارة الصغيرة مفتوحة على السماء، ولم يعشش على مدخلها اليمام، وكان الجبل ساكناً كموت أزلي، لكن نوري قرر أن يهب الصخر حياة جديدة، بدت الفكرة كأنها إلهام أو رؤية، حين غرس بذرة طفلته في رحم فاتي، الذي لم تسر فيه الدماء منذ 11 عاماً". التاريخ إطار للحكاية الرواية النوبية (دار ديوان) يحضر التاريخ في الرواية ليس كخلفية زمنية، بل هو قوة دافعة للأحداث، يعكس التحولات التي عصفت بالمنطقة عبر العصور، بدءاً من اجتياح المماليك، مروراً بالاستعمار الفرنسي، وصولاً إلى صراعات القوى المحلية. تسجل الرواية المعاناة التي لحقت بالنوبة، نتيجة الحروب والمجاعات، كما يبرز ذلك في حديث نوري عن الفاقة التي ضربت القرية بعد تدمير المماليك لها: "مر المماليك الهاربون من مذبحة محمد علي، ودمروا كل شيء، ومن بعدهم جنود محمد علي المطاردين لهم أجهزوا علينا، واستمرت المجاعة والفاقة لأشهر طويلة". التاريخ في النص، يعكس مصير الشخصيات، فالرجال الذين بقوا في القرية إما هلكوا بالحروب، أو غادروا، مما يجبر النساء على مواجهة مصير جديد كـ"ملكات محاربات"، يتحملن مسؤولية إعادة بناء القرية. هنا، تتجلى الرؤية النسوية في الرواية، إذ يعاد تشكيل دور المرأة بعيداً من الصورة التقليدية، وتصبح المرأة مركز الحدث، ومحور البقاء والحياة. الأسطورة والواقع تشكل الأسطورة رافداً أساساً في السرد وبناء الأحداث، تتداخل مع الواقع، لتفسير الماضي والحاضر، وإضفاء عمق رمزي على النبؤات. تظهر الأسطورة بوضوح في قصة الجعران والقمر، التي تحكى في ليالي القرية، لنقرأ: "كان القمر والشمس معاً في السماء، يطلان على البشر طوال اليوم، فلم يعرفوا الليل من النهار. وكانت الخنفساء مغرمة بالقمر، تحلم بالصعود إلى سمائه، لكنه ماكر، فوعدها بالزواج شرط أن تجمع كل فضلات البشر، ثم كل آثامهم، ثم أن تدفع الشمس بعيداً منه. وبعدما فعلت كل ذلك، تركها وحيدة، ليبقى هو سيد السماء". الروائية سمر نور (صفحة الكاتبة - فيسبوك) تحمل هذه الأسطورة دلالات عدة، تعكس الصراع الأبدي بين الطموح والقدر، بين الخداع والتضحية، وتعكس مصير آشا التي تولد في عالم تسيره التقاليد الصارمة، وتسعى إلى إيجاد مكانها فيه، يرمز الجعران إلى البقاء والتكيف، على رغم أنه يعتبر في الثقافة النوبية نذير شؤم، يتحول في الرواية إلى رمز للحياة الجديدة والأمل، إذ ترتبط ولادة آشا بوجود الجعارين في المغارة، تماماً كما تكافح آشا من أجل الدفاع عن وجودها واختياراتها، منذ لحظة ولادتها في ظروف مستحيلة، بأن تولد من امرأة عاقر وأب عجوز، وكأنها جاءت لتكسر اللعنة أو لتعيد تدويرها من جديد، ثم ارتباطها المباشر بالأسطورة، إذ يتكرر ذكر الجعران كتميمة ولادتها، وكأنها منذ البداية محكومة بقدر غامض. هكذا تتحول الأسطورة في النص إلى مرآة عاكسة للذات الإنسانية، تعكس قلقها وصراعاتها، وتعيد تعريف الحدود بين الحلم والحقيقة، بين المادي والميتافيزيقي. لغة الإيحاء والتأويل اعتمدت الكاتبة صوت الراوي العليم، مما منحها مساحة واسعة لتوظيف الرموز بذكاء، لتكثيف المعاني، وتوسيع أفق التأويل. أحد أبرز الرموز هو المغارة التي تمثل مكان الميلاد والموت، فهي المساحة التي تبدأ فيها حكاية آشا، وتنتهي إليها، وهي تحمل في أحشائها حياة جديدة، تعيد إنتاج اللعنة والميلاد معاً، وكأن الرواية تؤكد أن التاريخ يعيد نفسه، وأن دوائر القدر لا تنتهي، لكنها تمنح الفرصة لحياة جديدة. يظهر القمر كرمز للقدر الغامض، تراقبه الشخصيات لكنه يظل بعيد المنال، بينما الجعران يمثل عذابات الأرض والنجاة في آن واحد. كذلك، يأتي رمز النهر، الذي يفصل بين العوالم، كمرآة للمجهول والمصير الحتمي، تجري في عمق مياهه الحكايات والأساطير القديمة والأهوال الآنية، ويتحول إلى عنصر محوري في تحولات القصة ونهايتها. تقدم الكاتبة شخصيات الرواية بعمق نفسي واضح، تحمل كل شخصية صراعها الداخلي الكامن بين حتمية القدر، والرغبة في التمرد. تمثل آشا، الشخصية المحورية في الرواية، تناقضات الحياة والموت، الحتمية والتغيير، التقاليد والتمرد. ميلادها ذاته يحمل طابعاً أسطورياً، منذ لحظة ولادتها، يحيط بها الغموض، لنقرأ: "حين وصل أهالي القرية إلى مدخل المغارة، كانوا ينتظرون رائحة الموت، إلا أن رائحة المسك كانت متغلغلة في مسام الهواء الحار الثقيل، وكأن حياة جديدة تبزغ في الأفق"، مما يعكس ثنائية الحياة والموت المتلازمة في مسيرتها. تواجه آشا صراعات متعددة، فهي تحاول فهم مكانها في عالم تسيطر عليه التقاليد والأساطير والنبؤات، وبينما تعيش في بيئة ذكورية، يختفي منها الذكور لأسباب غامضة، نجدها تسعى إلى اكتشاف ذاتها بعيداً من القيود المفروضة عليها. علاقتها بوالدها نوري عاطفية للغاية، لكنها في الوقت نفسه تمثل قيداً عليها، يعاملها كـ"ملكة"، لا يمكن أن يقترب منها أحد. هذه العلاقة الأبوية المعقدة تجعلها في حالة بحث عن الاستقلال، لكنها في الوقت نفسه لا تستطيع الانفصال عن جذورها. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) أما نوري، والدها الحكيم فإنه يقف بين إرث الماضي ومتطلبات الحاضر، يواجه تحدي الزمن وحتمية التغيير، خصوصاً بعد وصول كرم باش، وانجذاب آشا له. هذا الغريب القادم من خارج عالمها، يدخل إلى القرية، ليكسر توازنها، ويفتح الباب أمام احتمالات جديدة. يتكلم لهجة مختلفة، لديه ملامح غير مألوفة، وأحلام تبدو بعيدة من واقعها. يحمل إرثاً عثمانياً، بوسني الأصل، لكنه ينتمي أيضاً إلى الثقافة النوبية من جهة والدته، هذا الانتماء المزدوج يجعله في حالة انفصال دائم، فهو ليس من هنا ولا من هناك. منذ لحظة ظهوره، يكون محاطاً بالغموض، يصل إلى القرية فاقداً للوعي، بعد أن تجرفه مياه النيل خلال الفيضان، وكأن مجيئه كتب له منذ البداية أن يكون جزءاً من مصير آشا. هناك شخصية مهمة أخرى، تتمثل في جمال العبد الذي أحب آشا بصمت، ويمكنه أن يفديها بأي شيء، لكنه لا يجرؤ على البوح بحبه، جمال يجسد مفارقة الحب والقيود الاجتماعية، إنه الجانب الأكثر واقعية في الرواية، فهو العبد الذي نشأ في كنف نوري، يعمل إلى جانبه، لكنه يدرك تماماً أنه لا يملك حق الحلم أو الحب أو التمرد. منذ البداية، يحب آشا، لكنه لا يستطيع الإفصاح عن ذلك، ينتمي جمال إلى فئة المقهورين الذين يعيشون في الظل، يتألمون بصمت، ويضحون من دون أن يطالبوا بأي مقابل. نرى هذا بوضوح في مشاهد كثيرة، منها عندما يساعد آشا في جمع الجعارين من دون أن يشتكي، أو عندما يراقبها بصمت وهي تنجذب إلى كرم باش، مدركاً أن مصيره الفناء في هذه الحكاية. مثلث التناقضات بين هذين العالمين، تجد آشا نفسها ممزقة بين الحاضر والمستقبل، بين الانتماء والحرية، بين الحلم والواقع. وإذا كان كرم باش يمثل الغريب الغامض الذي يقتحم حياة آشا، فإن جمال يمثل الثبات والاحتواء. لكنها، مثل القمر، تنجذب إلى البعيد، وتغفل عن القريب. علاقة آشا بجمال أشبه بعلاقة الجعران بالأرض، فهو في حياتها، لكنه غير مرئي بالنسبة إليها، من هنا تمثل الشخصيات الثلاث مثلثاً من التناقضات، آشا، هي الرمز الأنثوي للصراع بين التقاليد والتحرر، تحمل إرث القرية، وفي الوقت نفسه تقع في حب غريب قادم من بعيد، وتصر على الزواج منه. كرم باش، الغريب الذي يجلب الأمل والاضطراب معاً، لكنه يحمل في داخله طموحاً متأججاً بالزعامة، ويريد أن يرث مكان نوري بعد مصاهرته. أما جمال، المحب الصامت، والشاهد على كل ما يحدث، لا يملك ترف الاختيار، لكنه يحمل في داخله صدقاً وإخلاصاً لنوري وابنته آشا. تكشف الرواية من خلال هذه الشخصيات الثلاث عن عمق المأساة الإنسانية، إذ يظل البحث عن الحرية والحب مرهوناً بتعقيدات القدر، ويبقى السؤال: هل نحن محكومون بما كتب علينا، أم أن بإمكاننا كسر اللعنة؟

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store