أحدث الأخبار مع #سهامبنتأحمدالحارثية


جريدة الرؤية
منذ 16 ساعات
- منوعات
- جريدة الرؤية
حين يعلو صوت الحنين
سهام بنت أحمد الحارثية harthisa@ الفقد ليس لحظة، بل عمرٌ جديد يبدأ دون من نحب... هو الامتحان الأعظم الذي تواجهه الأرواح، حين تُنتزع قطعة منها لا تُعوّض، ويرحل من كان ظلًا وسندًا ودعاءً لا ينقطع، وفي هذا المقام المهيب، وقفت السيدة الجليلة عهد بنت عبدالله البوسعيدية حرم جلالة السلطان المعظم- حفظها الله ورعاها-، تكتب بالكلمات ما تعجز عنه الحواس، وتُسطّر من الحزن ما لا تبلغه الدموع، مودّعة والدتها المرحومة السيدة خالصة بنت نصر البوسعيدي، التي ارتقت روحها إلى بارئها، وخلّفت في القلب فراغًا لا يملؤه سوى الرجاء. إنه فقد الأم… ذلك النوع من الرحيل الذي لا يُعلّم، ولا يُدرّب عليه الإنسان؛ بل يسكنه بغتة، كزلزال لا ينذر، ويقلب تفاصيل الحياة رأسًا على عقب، حين تغيب الأم، يغيب الأمان، ويغيب ذاك الحضن الذي وإن طال البعد عنه، يكفي أن نعلم بوجوده.. ويغيب الدعاء الصادق الذي يسبقك في كل صباح ومساء، دون أن تدري. لكن السيدة الجليلة لم تكتب من حطام الحزن؛ بل من نور الإيمان.. كتبت من مقام الرضا، لا الانكسار، ومن قمة الصبر، لا هوة الألم، واجهت الفقد بالكلمة، وسلّحت قلبها بالدعاء، وفتحت دفاتر البرّ، وقرأتها على الله، تسأله أن يُجزل الجزاء، ويعلي المقام، ويرزقها اللقاء. لقد كتبت عن والدتها لا لتُرثيها؛ بل لتشهد لها، لتُخبر الدنيا أن هذه الروح التي مضت، لم تكن كأي روح.. كانت يدًا خفية في الخير، وصوتًا لا يُسمع لكنه يصل، ووجهًا باسمًا في زمنٍ شحيح بالطيبة… كانت من أولئك الذين يمشون على الأرض في هدوء، لكن أثرهم لا يغيب، وسيرتهم لا تُنسى. واجهت السيدة الجليلة فداحة الفقد كما لا يفعل كثيرون؛ لم تتكئ على الحزن؛ بل على الذكرى الطيبة، ولم تنهَر أمام الموت، بل رفعت بصرها نحو السماء، وقالت: " يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي ". في كلماتها عزاء لكل من فقد، ولكل قلبٍ انفطر على رحيل أم، ولكل نفسٍ تبحث عن عزاء لا يأتي من الناس، بل من الله وفي كلماتها درس أن الفقد لا يُواجه بالبكاء فقط، بل بالتسليم، وأن الوفاء لا يكون بالنداء، بل بالدعاء، وأن الكلمة إذا خُطّت بصدق، صارت دعاءً، وإذا سُكبت من الحنين، صارت صلاةً. وأقول يا سيدة القلوب الراضية.. نسأل الله أن يربط على قلبك، ويجبر كسرك، ويجعل حزن قلبك رفعةً، وصبرك نورًا، وأن يُريك في كل ذكرى من والدتك ما يُبهج، وفي كل دعاء لها ما يُطمئن، اللهم اجعل هذا الفقد شاهدًا على محبتها، وهذا الصبر دليلًا على بِرِّها، واملأ قلبها سكينةً لا تنفد، ورضًا لا ينطفئ، وأجرًا لا ينقطع.


جريدة الرؤية
٠٢-٠٣-٢٠٢٥
- أعمال
- جريدة الرؤية
الاستدامة أم سباق ناطحات السحاب؟
سهام بنت أحمد الحارثية harthisa@ في السنوات الأخيرة، أصبحت ناطحات السحاب رمزًا للتطور في العديد من دول الخليج، حيث تتسابق المدن لامتلاك أطول الأبراج وأكثرها فخامة، لكن هل يعني ذلك أن على عُمان أن تحذو حذوها؟ شخصيًا، لا أرى أن هذا هو الطريق الصحيح لعُمان، فلكل دولة هويتها الخاصة، وطبيعتها المختلفة، واستراتيجيتها التنموية التي تناسبها. وعُمان لديها طابع عمراني مختلف تمامًا، مستمد من تاريخها وطبيعتها الجغرافية. مدنها ليست صحاري مفتوحة يمكن أن تمتلئ بناطحات السحاب دون تفكير؛ بل هي أماكن ذات طابع مميز، تتماشى مع طبيعتها الجبلية والساحلية، الحفاظ على هذا الطابع لا يعني الجمود، بل يعني التنمية الذكية التي تحترم البيئة والثقافة المحلية، ولا تحاول نسخ تجارب الآخرين دون دراسة. قرار عُمان بعدم الدخول في سباق ناطحات السحاب ليس مجرد اختيار؛ بل رؤية تنموية حظيت باحترام دولي؛ فالأمم المتحدة -وعبر برنامج المستوطنات البشرية (UN-Habitat)- أشادت بالنهج العُماني المُتوازِن، مشيرةً إلى أنه يُحافظ على الهوية البيئية والثقافية بدلًا من تحويل المدن إلى غابات خرسانية، والبنك الدولي بدوره أثنى على التخطيط العمراني في عُمان، الذي يركز على بناء مدن متكاملة بدلًا من التوسع العشوائي في الأبراج الشاهقة، حتى أن بعض دول الجوار التي سبقت عُمان في بناء ناطحات السحاب بدأت تعيد النظر في استراتيجياتها. قطر، على سبيل المثال، واجهت تحديات كبيرة مع انخفاض معدلات الإشغال في بعض أبراجها بعد كأس العالم 2022، ودبي أيضًا عانت من أزمة عقارية عام 2008 بسبب تخمة السوق بالأبراج؛ ما أدى إلى انخفاض حاد في الأسعار وتباطؤ الاستثمارات. وفي السعودية، ورغم مشاريعها العمرانية الضخمة، بدأت تتحول إلى نهج أكثر استدامة، كما يظهر في مشروع "نيوم" الذي يركز على التكنولوجيا والطاقة المتجددة، بدلًا من مجرد السباق نحو الأعلى. بناء ناطحات السحاب ليس مجرد استعراض معماري، بل استثمار طويل الأمد يتطلب تكاليف هائلة في البناء والصيانة والطاقة. وفي بلد مثل عُمان؛ حيث تسعى الحكومة إلى تنويع الاقتصاد والاستثمار في قطاعات مثل السياحة والطاقة المتجددة والتكنولوجيا، فإن إنفاق الموارد على مشاريع كهذه قد لا يكون الخيار الأكثر ذكاءً. وبدلًا من ذلك، يمكن لعُمان أن تستثمر في مدن ذكية ومستدامة تستفيد من التكنولوجيا لتقليل استهلاك الطاقة، وتعزز من جودة الحياة دون المخاطرة بأزمات عقارية أو تكاليف صيانة باهظة. عُمان لا تحتاج إلى ناطحات سحاب كي تُثبت تطورها، فهي تمتلك نموذجًا تنمويًا قائمًا على الاستدامة والتميز الثقافي، وبدلًا من تقليد الجيران، يمكنها أن ترسم طريقها الخاص نحو الحداثة، بطريقة تحترم بيئتها، وتحافظ على هويتها، وتحقق لها ازدهارًا اقتصاديًا حقيقيًا ومستدامًا، والأهم من ذلك، أن هذا النهج يحظى باحترام عالمي، لأنه يمثل نموذجًا متوازنًا وذكيًا في التخطيط العمراني، وهو ما يجعل عُمان فريدة ومتميزة في مسيرتها التنموية.