logo
#

أحدث الأخبار مع #سوانح

مى زيادة.. العيش فى المستقبل
مى زيادة.. العيش فى المستقبل

اليوم السابع

time٢٩-٠٣-٢٠٢٥

  • ترفيه
  • اليوم السابع

مى زيادة.. العيش فى المستقبل

فيما قدمت من كتابات إبداعية وفكرية متنوعة، وفيما قامت به من أدوار ثقافية وصحفية متعددة، بلورت مي زيادة (1886 ـ 1941) مشروعا استثنائيا في الأدب العربي والثقافة العربية خلال العقود الأولى من القرن الماضي، تمثّل هذا المشروع في إبداعات مغامرة انطلقت من نزوع للتجديد والتجدد، كما تمثّل في إنجازات سارت في وجهات عدة، منها ما اتصل بصياغة صورة جديدة للمرأة العربية المبدعة والمثقفة، وعلاقتها بذاتها وبمن حولها وبما حولها، واهتمامها بمجتمعها وبالعالم من حولها.. واقترن هذا كله بعمل دائب، متنوع ومتصل، من أجل بث الوعي للوصول إلى عالم أفضل، فيه لن تقتصر هذه الصورة الجديدة للمرأة على شخصية أو على شخصيات نسائية استثنائية محدودة، بل تسود فيه علاقات جديدة تغدو معه هذه الصورة تعبيرا جماعيا عن وضع عام جديد... وبوجه عام، شيّد مشروع مي زيادة، في مجمله، مثالا مشهودا، كبير القيمة، على ما يمكن تسميته "العيش في المستقبل". كتبت مي زيادة، بالعربية والفرنسية والإنجليزية، كتابات كثيرة في مجالات بعضها ينتمي إلى الأنواع الأدبية المعروفة، ومنها الشعر (مثل ديوانها: "أزاهير حلم")، والمذكرات (مثل كتابها: "سوانح فتاة")، والمقالات التي تطرقت إلى شتى ألوان المعرفة؛ الحضارة والاجتماع والعمران والتاريخ والفن والسياسة، وقد تم جمع بعض هذه المقالات في كتب (مثل: "الصحائف").. كما أسهمت مي زيادة بعدد كبير من المحاضرات والكلمات، هي بحد ذاتها نصوص جميلة، ألقتها في أماكن عديدة، وتم تجميعها في كتب أيضا (مثل "رسالة الأديب" و"غاية الحق" و"كلمات وإشارات").. إلخ. وفي هذه الإسهامات تأسست كتابات مي زيادة الأدبية، من ناحية، على مغامرة إبداعية تجترح الحدود والتصنيفات التي كانت سائدة، في زمنها، حول الأنواع الأدبية، وتستكشف مساحات جديدة للتعبير الأدبي، والكتابة في أشكال أدبية سوف تتنامى فيما بعد تحت مسميات جديدة، من مثل "النصوص الدرامية" و"قصيدة النثر"، وغيرها، كما انطلقت هذه الكتابات من احتفاء واضح بالنزوع الحواري، والاهتمام بطرح التساؤلات والأسئلة.. وفي ناحية أخرى، طرحت كتابات مي زيادة ومقالاتها أفكارا أساسية تناقش وتعيد النظر في كثير من التصورات الشائعة المجحفة حول بعض المواضعات والتقاليد الاجتماعية وغير الاجتماعية المكبّلة للمرأة، وتوقفت عند الوضع الراهن الذي تحياه المرأة في زمن ميّ وفي مجتمعها العربي، وعند الأوضاع الممكنة والمأمولة التي يمكن أن تحياها في أزمنة أخرى.. ..بهذا المعنى، كان قطاع كبير من كتابات مي زيادة، ومن أفكارها، يمضي في اتجاهات سوف تتنامى مع حركة التاريخ، في فترة أو في فترات لاحقة لزمن كتابتها، ومن هنا كانت سلسلة الاكتشاف، وإعادة الاكتشاف، للقيم التي حفلت بها تجربة مي زيادة، فيما بعد رحيلها، خلال فترات متعددة، وهي سلسلة لا تزال حلقاتها ممتدة حتى الآن، في زمننا هذا، الذي هو زمن المستقبل بالنسبة مي. ومع تجربة "العيش في المستقبل" التي انتمت إليها مي زيادة على مستوى الكتابة التي كتبتها، وعلى مستوى الأفكار التي طرحتها والقضايا التي دافعت عنها، كانت الأدوار العملية التي قامت بها موصولة بالتوجه ذاته.. فمثلا لم يقف إسهام مي زيادة عند حدود الدعوة إلى تحرر أو تحرير المرأة، والإعلاء من شأن مشاركاتها الثقافية والمجتمعية، وإنما كانت تجربتها كلها مثالا كبيرا على السعي المغامر، في السياق الذي عاشت فيه، إلى تحقيق هذه الدعوة؛ إذ شاركت مشاركات فعالة خلال أدوار عدة قامت بها في العمل الصحفي، وخلال الانتقالات إلى منتديات ومحافل مختلفة لإلقاء محاضرات وكلمات كثيرة في مناسبات عديدة، وخلال الصالون الأدبي الشهير الذي نظمته وشاركت فيه مشاركة الأكفاء مع قامات ثقافية كبيرة من الأدباء والمثقفين الرجال..وكانت في هذا كله تقدم مثالا عمليا، وتجسيدا متحققا، لما كانت تدعو إليه في الكتابة.. كما كانت في هذا كله تقطع خطوات إلى الأمام باتجاه ما كانت تصبو إليه نساء كثيرات، أو ما كان يجب أن تصبو إليه نساء كثيرات. في كلمة ألقتها أمام جمع حاشد، بحفل كبير أقامه "النادي الشرقي" بالقاهرة، في أبريل من عام 1914 (ولنلاحظ التاريخ المبكر)، وتم نشرها كاملة في الجزء الثاني من كتابها (كلمات وإشارات) [نشر ضمن مؤلفاتها الكاملة التي جمعتها وحققتها سلمى الحفّار الكزبري]، دافعت ميّ زيادة عن "النهضة النسائية" التي "تمتد يوميا في أقاصي المسكونة"، بتعبيرها، وأكدت أن "مدنيّة الغد" ليست "مدنيّة الرجل وحده، بل هي مدنيّة الإنسانية؛ لأن المرأة آخذة بالصعود إلى مركزها الحقيقي بقرب الرجل"، وأن "موجة من النور، نور الارتقاء النسائي، تزداد ارتفاعا واتساعا مع الأيام"، وهكذا يمكن لهذا الوضع المأمول أن يتبلورمعنى "المرأة الجديدة" التي هي، بتعبيرها أيضا، "مستودع آمال المستقبل".

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store