أحدث الأخبار مع #صالحسليمالحموري

عمون
منذ 4 أيام
- أعمال
- عمون
من براميل النفط إلى الذكاء الاصطناعي
في مشهدٍ يجسّد التحول العميق الذي تشهده دولة الإمارات، لم تعد الصورة النمطية للخليج العربي تقتصر على براميل النفط وآبار الطاقة، بل أصبحت اليوم مرتبطة بمراكز الحوسبة العملاقة، والرقائق الذكية، وشبكات الابتكار العالمية. ويأتي الإعلان عن إنشاء "حرم الذكاء الاصطناعي" بقدرة 5 جيجاواط في أبوظبي ليجسد هذا التحول النوعي، ويشكل نقطة انعطاف استراتيجية في مسيرة الدولة نحو الريادة التكنولوجية العالمية. هذا المشروع الطموح، الذي تم الإعلان عنه خلال زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى دولة الإمارات، يُعد الأكبر من نوعه خارج الولايات المتحدة في مجال البنية التحتية المخصصة لتقنيات الذكاء الاصطناعي. ويمتد الحرم الجديد على مساحة 10 أميال مربعة، ويعتمد مزيجًا ذكيًا من الطاقة النووية، والشمسية، والغازية لتشغيل عمليات حوسبة فائقة، في توازن يجمع بين الابتكار الرقمي والاستدامة البيئية. وتقود هذه المبادرة شركة G42 الإماراتية، بالشراكة مع عدد من كبرى الشركات الأمريكية، بهدف توفير خدمات حوسبة بزمن انتقال منخفض (Low Latency) لما يقارب نصف سكان العالم، ضمن دائرة نصف قطرها 3,200 كيلومتر من أبوظبي. والأهم من ذلك، أن هذا الحرم لن يكون مجرد مركز بيانات، بل منظومة معرفية متكاملة، تضم مركزًا علميًا مخصصًا لتطوير تطبيقات الذكاء الاصطناعي، ليكون بذلك منصة لإنتاج المعرفة لا مجرد مستهلك لها. وفي السياق ذاته، أعلنت شركتا G42 الإماراتية و iGenius الإيطالية عن اتفاق للتعاون في تطوير كمبيوتر فائق (Supercomputer) يعمل بتقنيات الذكاء الاصطناعي في إيطاليا، ما يعكس اتساع نطاق الشراكات التقنية العابرة للحدود. ويأتي هذا التعاون ضمن إطار عمل أوسع تم الإعلان عنه خلال القمة الثنائية بين الإمارات وإيطاليا، والتي شهدت التزامًا إماراتيًا باستثمار 40 مليار دولار في الاقتصاد الإيطالي. تندرج هذه المبادرات ضمن شراكة استراتيجية حديثة بين الإمارات والولايات المتحدة وعدد من الدول الأوروبية، تهدف إلى تسريع نمو تقنيات الذكاء الاصطناعي في إطار يعكس التزامًا سياسيًا واقتصاديًا مشتركًا بدعم الابتكار وتوجيهه. وتشمل هذه الشراكة اتفاقًا على استيراد أكثر من 500,000 شريحة ذكاء اصطناعي متقدمة سنويًا من شركة نفيديا (NVIDIA) ابتداءً من عام 2025، ما يؤكد أن الإمارات لم تعد مجرد سوق للتقنية، بل أصبحت شريكًا فاعلًا في صناعتها، ومساهمًا رئيسيًا في رسم ملامح مستقبلها. إن الانتقال من اقتصاد قائم على "الموارد الطبيعية" إلى "اقتصاد مبني على البيانات والخوارزميات" لم يعد شعارًا نظريًا في دولة الإمارات، بل تحول إلى واقع استراتيجي مدعوم ببنية تحتية متقدمة، وتشريعات محفزة، وتحالفات دولية قوية. ويجسّد "حرم الذكاء الاصطناعي" هذا التحول بوضوح، إذ يمثل انتقالًا من الاعتماد على النفط إلى الاستثمار في العقول والبرمجيات الذكية. لقد أثبتت الإمارات أنها لا تنتظر الفرص، بل تصنعها، ولا تكتفي بمتابعة الاتجاهات العالمية، بل تسعى إلى تشكيلها. ومع كل مشروع تكنولوجي جديد، تؤكد أنها تؤمن بأن المستقبل لا يُتنبأ به... بل يُبنى. * صالح سليم الحموري مستشار التدريب والتطوير كلية محمد بن راشد للإدارة الحكومية


جهينة نيوز
١٠-٠٢-٢٠٢٥
- أعمال
- جهينة نيوز
هل يمكن أن تكون الحكومة رشيقة؟
تاريخ النشر : 2025-02-10 - 10:51 am صالح سليم الحموري خبير التدريب والتطوير كلية محمد بن راشد للإدارة الحكومية في عالم متسارع الإيقاع تتزايد فيه التغيرات بشكل غير مسبوق، لم يعد مفهوم الرشاقة التنظيمية مجرد خيار إضافي، بل أصبح ضرورة حتمية تفرضها التحديات والفرص التي تلوح في الأفق. نشأ هذا المفهوم في بيئات قطاع التكنولوجيا والشركات الناشئة، حيث السرعة والمرونة شرط أساسي للبقاء. ومع ذلك، بدأ هذا المفهوم يشق طريقه نحو القطاع الحكومي، حيث تتطلب تعقيدات العمل وحجم المسؤوليات إعادة النظر في أساليب الإدارة التقليدية. لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو: هل يمكن للحكومات، بتشابك هياكلها وتعقيداتها البيروقراطية، أن تتبنى مبادئ الرشاقة التنظيمية وتحقق نتائج ملموسة؟ نعني بالحكومة الرشيقة هي تلك التي تتمتع بالقدرة على "التكيف السريع مع المتغيرات"، والاستجابة بكفاءة للتحديات، وتقديم خدمات مبتكرة للمواطنين بأسلوب سلس وسريع. لتحقيق ذلك، تحتاج الحكومات إلى التخلص من التعقيدات الإدارية التي تثقل كاهلها، والانتقال إلى "نموذج أكثر مرونة وفاعلية" يركز على تقديم قيمة مضافة للمواطنين. الرشاقة الحكومية لا تعني فقط إعادة تنظيم الإجراءات، بل تشمل "إعادة تصميم العمليات بالكامل" لتصبح أكثر كفاءة وسرعة، مع تبني تقنيات حديثة وآليات عمل مبتكرة تُسرّع من اتخاذ القرارات وتحسين جودة الخدمات المقدمة. وأن التحول نحو الرشاقة في العمل الحكومي يحمل في طياته العديد من الفوائد الحيوية. أولاً، يمكن للحكومات الرشيقة أن تتعامل بكفاءة مع الأزمات المفاجئة، سواء كانت أزمات صحية مثل الجائحة أو أزمات اقتصادية، من خلال اتخاذ قرارات مدروسة وسريعة. ثانيًا، تسهم الرشاقة في تحسين جودة الخدمات الحكومية، مما يعزز ثقة المواطنين في حكوماتهم. كما أن تقليل البيروقراطية وتبني أساليب مرنة في العمل يعزز الكفاءة ويوفر الوقت والموارد. وأخيرًا، تفتح البيئة الرشيقة المجال أمام الابتكار، حيث يتمكن الموظفون من طرح أفكار جديدة وتطبيق حلول غير تقليدية للتحديات القائمة. الحكومات التي نجحت في تبني الرشاقة التنظيمية تقدم دروسًا عملية يمكن الاستفادة منها، وتالياً أمثلة على ذلك، "الإمارات العربية المتحدة" تعد مثالًا رائدًا في هذا المجال. من خلال مبادرات مثل "دبي الذكية"، تمكنت الحكومة من تقديم خدمات رقمية متكاملة تتيح للمواطنين والمقيمين الحصول على خدماتهم بسهولة وسرعة، دون الحاجة إلى معاملات ورقية. كما أظهرت مرونة كبيرة أثناء جائحة كوفيد-19 من خلال تبني نظام العمل عن بُعد. أما إستونيا، فهي نموذج للحكومة الرقمية المتكاملة، حيث يمكن للمواطنين التصويت إلكترونيًا، تقديم الضرائب، والوصول إلى الخدمات الطبية بسهولة وأمان. في سنغافورة، يتم استخدام البيانات الضخمة والذكاء الاصطناعي لتحليل احتياجات المواطنين واتخاذ قرارات مستنيرة وسريعة، مما يجعل الحكومة أكثر استجابة للتحديات الطارئة. في المملكة المتحدة، أطلقت مبادرة "الحكومة الرشيقة" التي تعتمد على فرق عمل متعددة التخصصات تطور الخدمات الحكومية بالتعاون مع المستخدمين النهائيين، مما يضمن تلبية الاحتياجات الفعلية للمواطنين. وفي أستراليا، يركز مفهوم "حكومة 2.0" على تعزيز الشفافية ومشاركة المواطنين في صنع القرار. رغم النجاحات التي حققتها بعض الدول، إلا أن تطبيق الرشاقة في الحكومات يواجه عدة تحديات. منها "المقاومة للتغيير"، حيث قد يفضل الموظفون والإدارات الأساليب التقليدية خوفًا من التغيير. كذلك، فإن "التعقيدات البيروقراطية" تُعد عقبة كبيرة أمام المرونة. كما أن "نقص المهارات والكفاءات" اللازمة لتطبيق منهجيات العمل الرشيقة يشكل تحديًا إضافيًا. وأخيرًا، هناك "قيود تشريعية" قد تعيق الابتكار وتتطلب مراجعة مستمرة لتلائم التحولات الحديثة. التحول نحو حكومة رشيقة يتطلب تبني "ثقافة تنظيمية داعمة" تشجع الابتكار والتجريب والتعلم المستمر. كما يجب إعادة تصميم العمليات لتصبح أكثر بساطة وفعالية، والاستثمار في التكنولوجيا لتحسين تقديم الخدمات. بالإضافة إلى ذلك، ينبغي تدريب الموظفين على مهارات العمل الرشيق وبناء شراكات مع القطاع الخاص لتبادل الخبرات وتطوير الحلول المشتركة. رغم التعقيدات التي قد تواجهها الحكومات، إلا أن التحول نحو الرشاقة ليس فقط ممكنًا، بل أصبح ضرورة ملحة لمواكبة تحديات العصر. الأمثلة العالمية من الإمارات وإستونيا وسنغافورة وغيرها تثبت أن تبني مبادئ الرشاقة يمكن أن يحدث فرقًا جوهريًا في طريقة عمل الحكومات. في نهاية المطاف، تمثل "الحكومة الرشيقة" مستقبل الإدارة العامة، حيث تتماشى مع تطلعات المواطنين وتلبي احتياجاتهم بكفاءة وابتكار. الرشاقة ليست مجرد اختيار، بل هي الطريق الوحيد لضمان استعداد الحكومات لمواجهة تحديات المستقبل واستثمار الفرص في عالم دائم التغير. تابعو جهينة نيوز على