أحدث الأخبار مع #عادلالأسطة

مصرس
منذ 16 ساعات
- سياسة
- مصرس
على مدار 80 عامًا.. توثيق أدبي لجرائم الاحتلال الإسرائيلي
منذ نشأة الكيان الصهيوني كالسرطان الخطير فى قلب العالم العربى، وجرائم جيش الاحتلال تتوالي، فالمذابح للعزل وجرائم الحرب والإبادة العنصرية كلها باتت مفردات أساسية لقاموس الجيش الإسرائيلي، الأمر الذى وثقته عشرات الأعمال الروائية والشعرية العربية، وكشفت عن الوجه القبيح والحقيقي لجيش الصهيونية الذي لطخ الأرض الطيبة بالدم، ورسمت معالم وحشية بلا حد في إبادة العرب في كل مكان دخل فيه. ◄ المصريون وثّقوا الوحشية في التعامل مع الأسرى◄ الفلسطينيون سجلوا المذابح بأشعار عن الإبادةرسم الأدب والشعر العربي صورة واضحة المعالم للجيش الإسرائيلى، فهو جيش احتلال لا يتورع عن استخدام كل وسائل الوحشية واللا إنسانية، وهى صورة يصفها عادل الأسطة فى دراسته (اليهود فى الرواية العربية: جدل الذات والآخر)، بقوله إن الإسرائيلي رُسم فى هذه النصوص باعتباره فظا بلا رحمة، يقتل الفلسطينيين أفرادًا وجماعات، إذ تسجل الأعمال الأدبية العربية كيف قُتل اليهود على يد النازيين، إبان الحرب العالمية الثانية، ثم تبنوا النموذج النازي وطبقوه على الفلسطينيين الذين لا علاقة لهم بما جرى لليهود فى أوروبا، يحضر هنا شعر الشاعر الفلسطينى الكبير محمود درويش، الذى يعبر عن هذا التحول: «ضحية قتلت ضحيتها، وصارت لى هويتها»، الأمر الذى فهمته النصوص الأدبية على مستوى الرواية والشعر مبكرا وعبرت عنه بكل وضوح.وتعد رواية (الأسرى يقيمون المتاريس) للأديب المصرى فؤاد حجازى، واحدة من أهم النصوص الأدبية التى تفضح الجيش الإسرائيلى، فالرواية التى نُشرت العام 1976، توثق تجربة حجازى الذى وقع فى أسر الجيش الإسرائيلى عقب هزيمة يونيو 1967، التى كشف فيها عن جرائم جيش الاحتلال فى حق الأسرى المصريين، عبر إهانتهم وتعذيبهم، فضلا عن قتل الكثير من المجندين بأسلوب أقرب للتسلية وبعيدا عن أى حقوق دولية للأسير، لكنه كشف أيضًا عن روح المقاومة فى الأسر وكيف قاوم الأسرى العدو الغاشم رغم محاولات تجويعهم ومنع مياه الشرب عنهم، وعبرت الرواية عن روح المقاومة التى استمرت حية رغم الهزيمة وقادت بعد ذلك لنصر أكتوبر 1973 المجيد، وهى نفس الروح التى نراها فى رواية (خطوات على الأرض المحبوسة) لمحمد حسين يونس، التى وصف فيها بالتفصيل ظروف الأسر القاسية والمعاملة السيئة التى تلقاها الأسرى المصريون فى معسكر عتليت.بدوره، وثق الشعر المصرى جرائم جيش الاحتلال الإسرائيلى، وهو ما نجده بوضوح فى التعاطى مع مجزرة مدرسة بحر البقر أبريل 1970، حيث استشهد 30 طفلًا وأصيب 50 آخرون، فى هجوم وحشى يتنافى تمامًا مع كل الأعراف والقوانين الإنسانية الدولية، الأمر الذى وثّقه الشاعر المصري صلاح جاهين، فى قصيدة (الدرس انتهى لموا الكراريس)، التى لحنها سيد مكاوى وغنتها شادية.◄ اقرأ أيضًا | رواية «شرفة الرمال».. إرادة الحياة تتحدى الألمالروايات الفلسطينية واللبنانية التي ترصد جرائم الجيش الإسرائيلى كجيش متورط فى جرائم حرب وتنفيذ مذابح ضد الفلسطينيين العزل، كثيرة، ربما تكون فى مقدمتها رواية (باب الشمس) للروائى اللبناني إلياس خوري، التى تعد واحدة من أهم الأعمال الروائية المكتوبة بالعربية على الإطلاق، فقد ذكر خورى العديد من جرائم الإسرائيليين بداية من عصابات الصهيونية فى العام 1948، وهى أول محاولة لرسم معالم شخصية أفراد الجيش الإسرائيلي الوحشية، وهى صورة ثبتتها العديد من الروايات العربية، التى تحدثت بوضوح وصراحة عن جرائم الإسرائيليين ومدى وحشيتهم فى تنفيذ مذابح لا نهائية، وهو ما نراه في رواية (الطنطورية) للروائية المصرية رضوى عاشور.ونجد تلك الروح فى أعمال عدة أخرى، تظل أحدثها رواية (تفصيل ثانوى) للروائية الفلسطينية عدنية شلبي، التي صدرت عام 2017، التى تركز صراحة على تأصيل جرائم جنود الجيش الإسرائيلى بشكل واضح وصادم، وكيف عملت آلة الدعاية الإسرائيلية المدعومة غربيا على التغطية على هذه الجرائم التي لا تسقط بالتقادم، فالرواية تنطلق من حدث تاريخي يتعلق باغتصاب شابة بدوية فلسطينية ثم قتلها على يد جنود إسرائيليين فى صحراء النقب عام 1949، الجريمة القذرة التى مرت دون عقاب، حتى تمر عقود حتى عصرنا الحالى وتقع قصاصة صحفية فى يد فتاة من رام الله، تبدأ عملية البحث وتوثيق عملية الاغتصاب والقتل البشعة.والشعر الفلسطيني قام بدور هائل في توثيق جرائم الجيش الإسرائيلي، خصوصًا مع ما يتميز به الشعر من حيوية وارتباط بالحدث اليومى، كونه تجربة انفعالية بالأساس، لذا وثق الشعر الفلسطيني والعربى مذابح الجيش الإسرائيلي ورسم صورة المجند الإسرائيلي كشخص يقتل بلا ضوابط ولا رادع ولا احترام للقوانين الدولية والإنسانية، وهو ما نجده مثلا عند الشاعر الفلسطيني عبد الوهاب زاهدة، الذى رصد فى قصيدته (لوحة تشكيلية من جنين)، جريمة جيش الاحتلال الإسرائيلي الذي ارتكب مجزرة جنين أبريل 2002، التى راح ضحيتها 500 شخص من الفلسطينيين العزل فى جريمة تؤكد وحشية العدو، وهو ما عبر عنه زاهدة فى قصيدته بقوله: «أنا من جنين. اسمى أمين. فى البارحة. عبرت وحوش كالحة. ذات الشمال مع اليمين قتلت أبى فى لحظة.وسحقت زهور الياسمين. لم تبق سقفًا قائمًا. لم تبق زيتونًا وتين، فى كل زاوية دم. حتى الأنين له أنين. فحبوت أسعى جاهدًا، ما بين أشلاء وطين. كى ألقى أمى ربما. غابت تُعد لنا العجين، إنى افتقدت حليبها، وحنوها فى كل حين، وظللتُ أحبو حائرًا، حتى وصلتُ المقبرة. فإذا بأمى جثة. فوق التراب مبعثرة. الرأس كان مهشمًا. والصدر منها لم أره. حاولتُ أجمعها معًا. بعظامها المتكسرة. أقبلتُ أرضع ثديها. فأتت على مجنزرة. خلطت بعظمى عظمها. صرخت بأعلى صوتها. هى مجزرة هى مجزرة».


ساحة التحرير
منذ 6 أيام
- ترفيه
- ساحة التحرير
ين عوالم الكم وعوالم الكينونة: قراءة في مقال عادل الأسطة عن رواية 'كوانتوم' لأحمد أبو سليم!غانيةملحيس
بين عوالم الكم وعوالم الكينونة: قراءة في مقال عادل الأسطة عن رواية 'كوانتوم' لأحمد أبو سليم! غانيةملحيس في لحظة يشتد فيها الخراب في غزة، وتكسر موازين الرعب في إيران، وتوشك العيون أن تزوغ والعقول أن تتيه، وجدت نفسي أنساق مجددا إلى مقال أعاد نشره الناقد الأستاذ عادل الأسطة بعد ستة أعوام، بمناسبة رحيل الشاعر والروائي الفلسطيني أحمد أبو سليم. المقال المعنون بـ' روح المؤلف ونصه: كوانتوم لأحمد أبو سليم'، دفعني – رغم ثقلي الزمني والذهني- إلى اقتفاء أثر لم أكن أعلم بوجوده، ودخول عوالم ما حسبت يوما أني سأبلغها. لم أكن قد قرأت لأحمد أبو سليم من قبل، فاهتمامي الأدبي ظل محصورا في دائرة ضيقة، إما لأسباب وجدانية، أو لسطوة الحضور الإعلامي لأسماء بعينها. وقد استوقفني في مقال الأسطة عنوان الرواية 'كوانتوم' بمفردته الغريبة على الأدب. فانطلقت أبحث عن مدلولها، ووجدت أنها تشير إلى 'أصغر كمية يمكن تقسيم بعض الصفات الفيزيائية إليها'، وهو ما أثار فضولي أكثر، فغصت في سيرة الكاتب، وفوجئت بغزارة إنتاجه وتمرده على النمطية. ووجدت كاتبا يختار عناوينه كمن يختار معاركه. لم تكن 'كوانتوم' الاستثناء، بل كانت جزءا من مشروع لغوي ورمزي متكامل. 'أزواد' رواية تحيل إلى الطوارق وهوية منفية في صحراء مالي. و'بروميثانا' تمزج بين أسطورة بروميثيوس وأزمنة الخراب الكوني، و'يس' التي تحيي مجزرة دير ياسين، و'باباس' التي صدرت قبيل رحيله. وفي كل عنوان كان هناك تمرد على التصنيف، وانحياز إلى ما هو حدي، تخوم، وهامشي في الجغرافيا والذاكرة واللغة. مقال عادل الأسطة يركز على رواية 'كوانتوم' بوصفها نقطة تلاق بين الكاتب ومهنته الأصلية: الفيزياء. ويقرأ النص على ضوء منهج يؤمن بوحدة النص والكاتب، حيث تظهر روح المؤلف في كل سطر من سطور الرواية، حتى لو تغايرت ضمائر السرد. يلاحظ الأسطة أن 'كوانتوم' ليست مجرد استعارة علمية، بل عدسة فكرية وفلسفية تخترق الزمن والمكان، وتحول القدس إلى نقطة كثافة فيزيائية روحية، لا مجرد جغرافيا مغتصبة. وفي مقاربة الأسطة، تحضر القدس ليس فقط بوصفها ساحة مقاومة، بل أيضا بوصفها حقل تجارب لمفاهيم علمية مثل الاحتمال، التموج، العوالم الموازية، والنظائر البشرية. وهنا تبرز المفارقة: كاتب يزور القدس زيارة عابرة، يكتب عنها رواية أكثر عمقا من بعض أبنائها المقيمين. وكأن الفيزياء منحت أبو سليم قدرة على النفاذ إلى طبقات غير مرئية من المدينة، إلى ما وراء الصورة، إلى 'ما تبقى لنا' – بعبارة كنفاني – ولكن بلغة جديدة. ويعلي الناقد من حضور الفيزياء بوصفها ليس فقط خلفية علمية، بل أساسا معرفيا يقلب علاقة القارئ بالنص، ويجعل العنوان نفسه 'كوانتوم' مركز ثقل دلالي لا يكتمل إلا بقراءة السطر الأخير. ورغم إعجابي العميق بقراءة الأسطة، إلا أن ما استوقفني في مقاله هو ملاحظته حول غياب التمييز بين 'اليهودي' و' الصهيوني' في الرواية، رغم أن بعض الشخصيات تنتمي لحركة القوميين العرب. وهنا أجدني أفتح قوسا نقديا مكملا: هل يستطيع الخطاب القومي أن يواجه تعقيدات الآخر دون أن يسقطه في ثنائية الخير/الشر؟ وهل بإمكان الرواية العربية اليوم أن تعيد تمثل الإسرائيلي بوصفه مشروعا معقدا، لا مجرد تجسيد للعدو؟ هذا سؤال مؤلم، لكنه ملح، في زمن تظهر فيه الغالبية العظمى من الإسرائيليين تأييدا سافرا لمحو غزة. الحديث عن خطاب متقدم لا يعني تبرئة الآخر، بل فهمه بقوة، لمواجهته بذكاء، لا بحنق شعاراتي. ومن هنا أرى أن رواية 'كوانتوم'، بما تتيحه من تعقيد سردي وفلسفي، تمثل فرصة لإعادة صياغة العلاقة مع 'الآخر' – الإسرائيلي والذاتي معا – خارج قوالب الخطاب القومي التقليدي. يختم عادل الأسطة مقاله بمقارنة لغوية بين 'كوانتوم' و'ما تبقى لكم'، ويستحضر في ثنايا النص تكرارات درويش: 'أنا/أنت'. وهنا لم أقرأ هذه الإشارات بوصفها تقاطعات أسلوبية فقط، بل بوصفها امتدادا لمشروع أدبي فلسطيني وجودي، حيث تتحول الذات من موضوع سردي إلى ساحة صراع بين الذاكرة والاحتمال، بين الواقع والممكن، بين ما هو أنا، وما هو 'أنا الآخر'. الرواية إذا ليست فقط مرآة لواقع سياسي أو ذاكرة جماعية، بل أداة معرفية لتفكيك الذات، والمكان، والآخر. إنها كتابة تحاول أن تقول ما لا يقال، بلغات ما بعد الحداثة، دون أن تفقد بوصلتها السياسية والأخلاقية. أعاد عادل الأسطة في مقاله المعاد نشره بمناسبة رحيل الشاعر والروائي أحمد أبو سليم الاعتبار لصوت لم ينصف وطنيا وأدبيا بما يكفي. وما سعيت له أنا – بالتعدي مرة ثانية على حقل الأدب – انطلاقي من مقاله، لأعيد اكتشاف الكاتب والرواية والذات الفلسطينية في آن. لقد أدركت، متأخرة، أن هناك كتابا يعيشون بيننا دون أن نشعر بهم، لأننا ـ نحن القراء ـ نعيش أسرى الضجيج والتكرار والكسل المعرفي. أما أحمد أبو سليم، فقد كتب ما يشبه فيزياء الوعي الفلسطيني، وربما علينا الآن أن نعيد قراءته كما يستحق: لا شاعرا وروائيا فقط، ولا فيزيائيا سابقا، بل مفكرا سرديا أراد للغة أن تقاوم، لا أن تصف. 21/6/2025 The post ين عوالم الكم وعوالم الكينونة: قراءة في مقال عادل الأسطة عن رواية 'كوانتوم' لأحمد أبو سليم!غانيةملحيس first appeared on ساحة التحرير.


ساحة التحرير
١٩-٠٦-٢٠٢٥
- ترفيه
- ساحة التحرير
غياب خفة الضحية: الضحك الفلسطيني بين الأدب والنجاة!غانية ملحيس
غياب خفة الضحية: الضحك الفلسطيني بين الأدب والنجاة! غانية ملحيس في مقاله اللافت 'الشخصية الفلسطينية المرحة في الرواية'، يطرح الكاتب عادل الأسطة سؤالا نادر الحضور في النقد الأدبي الفلسطيني: أين اختفت الشخصية الشعبية المرحة من السرد؟ ولأن المقال لا يكتفي برصد الغياب، بل يتلمس له عمقا اجتماعيا وثقافيا وجماليا، وجدته فرصة تستحق مغامرة تجاوز نطاق الاختصاص الذي استحوذ على جل كتاباتي، والولوج إلى مجال – دون ادعاء الإحاطة بأدواته – بدافعين رئيسين: أولا؛ ما يحفزه مقال الأسطة من مساءلة لأثر الجغرافيا، والطبقة، والنوع الاجتماعي، في تشكيل تمثيلات الضحك الفلسطيني في النص. وثانيا: رغبتي في توسيع هذا السؤال إلى أفق أرحب، لا يقارب الضحك كعنصر غائب فحسب، بل كمنظومة سردية مضادة، قد تمتلك من القدرة على المقاومة ما لا تتيحه اللغة الجادة وحدها. الضحك المؤجل: عن اختفاء الخفة من السرد الفلسطيني منذ النكبة، هيمنت الجدية بوصفها المقام الأعلى في التمثيل الأدبي الفلسطيني. بدا كأن خفة الضحك تُخشى، خشية أن تُفهم كاستخفاف بالجرح، أو كخيانة لذاكرة الفقد. وهنا تكمن أهمية مقال عادل الأسطة، لا بوصفه رصدا لغياب الشخصية المرحة، بل كمحفز لأسئلة أعمق: هل يعود اختفاء الضحك من الرواية إلى تطور أسلوبي، أم إلى سياق طبقي–جغرافي- سياسي محدد؟ هل الجدية شرط للمقاومة، أم خيار ثقافي فرضه 'الأدب الملتزم' بوصفه النموذج الأعلى للكتابة الوطنية؟ رغم أن كاتبا مثل غسان كنفاني كتب عن 'الأدب الساخر'، فإن أعماله ظلت وفية لصوت الجرح، من دون أن تفسح مجالًا للدعابة أو الفانتازيا. بدا الضحك في ظل النكبة فعلا غير أخلاقي، أو ترفا طبقيا، أو انحيازا لطبقة بعيدة عن المعاناة الجماعية. الضحك من الداخل: مقاومة ناعمة في مواجهة الأسرلة في مفارقة لافتة، يرصد عادل الأسطة أن أبرز من جسدوا الضحك الفلسطيني في الرواية جاؤوا من الداخل الفلسطيني، لا من الشتات: إميل حبيبي، توفيق زياد، محمود شقير. لم ينكر هؤلاء الجرح، لكنهم استخدموا السخرية، التهكم، والفانتازيا، كأدوات مقاومة رمزية. ففي الداخل، حيث الفلسطيني محاصر ضمن نظام استعماري يدعي دمجه، يصبح الضحك شكلا من أشكال النجاة: مقاومة ناعمة لهوية مهددة. هنا، السخرية ليست ترفًا، بل ضرورة. ووسيلة لحماية الذات من الأسرلة، من دون الوقوع في فخ الجدية القاتلة أو الصمت القسري. الضحك تحت النار: غزة والمخيلة الساخرة الجديدة في العقد الأخير، وتحديدا منذ بدء حرب الإبادة المتواصلة على غزة (منذ 621 يوما)، برز جيل فلسطيني جديد يمارس الضحك تحت الركام. لا يكتب هؤلاء نكتا للترفيه، بل يصرخون بلغة ساخرة عبر الميمات، التدوينات، الفيديوهات، وحتى الكتابة الأدبية. رصد عادل الأسطة هذا المزاج الجديد في خربشاته اليومية. سخرية هجائية، مريرة، لا تتبع أي مدرسة أدبية، بل تولد من رماد الأمل. في الداخل، كان الضحك تكتيك نجاة من الأسرلة. أما في غزة، فهو شهقة مواجهة في وجه آلة الإبادة. إنه لا يخفف من القسوة، بل يثبّتها. لا ينكر الموت، بل يفضحه بلسان فاحش أحيانا، وعين ثاقبة دائما. مقارنات عربية: حين تختلف دوافع السخرية يستدعي مقال الأسطة تجربة عربية أوسع، حيث كانت السخرية غالبا رديفا للهزيمة أو القمع. ففي مصر ما بعد 1967، تحولت الجدية إلى سخرية في أعمال صنع الله إبراهيم، يوسف إدريس، ونجيب محفوظ ، كرد فعل على خيبة أنظمة لم تهزم العدو، بل انهزمت من الداخل. وفي سوريا، تحولت السخرية إلى مسرح تلفزيوني شعبي (دريد لحام ونهاد قلعي) يعكس الغضب الشعبي من الرداءة القومية والعنف الأمني. لكن السخرية الفلسطينية تختلف: لا تنبع من موقع مهزوم داخل وطن آمن، بل من موقع مطارد، لاجئ، أو مهدد بالفناء. سخرية تنتج من لا أمان الكينونة، لا من خيبة سياسية عابرة. ولهذا، فهي سخرية مضادة بامتياز، لا مجرد هجاء سياسي. في الدفاع عن خفة الضحية ما يفتحه مقال الأسطة هو مساءلة جوهرية للجدية ذاتها: هل كانت قدرا لا مفر منه، أم خيارا ثقافيا فرضته سرديات الالتزام الوطني وأدبيات الثورة؟ حين نعيد النظر، نكتشف أن الضحك ليس نقيض الالتزام، بل أحد أشكاله الأكثر تقدما. أن نضحك ونحن نكتب عن النكبة، لا يعني أننا نسينا، بل أننا رفضنا اختزالها في صورة واحدة. أن نضحك، لا يعني أننا أقل التزاما، بل أكثر تمرسا على الحياة. إن استعادة خفة الضحية ليست خيانة، بل تحرر من كهنوت الجدية، وفتح لفضاء تمثيلي أوسع. النوع الاجتماعي الغائب: أين المرأة من السرد الساخر؟ يلفت الأسطة إلى قلة حضور السخرية في الرواية النسوية الفلسطينية، باستثناء تجربة سعاد العامري. هل يعني هذا أن المرأة الفلسطينية حوصرت داخل خطاب 'الرسالة الجريحة'؟ هل كانت الدعابة امتيازا ذكوريا، لا لقصور ذاتي، بل بفعل الثقافة السياسية والأدبية الذكورية؟ أم أن السخرية النسوية ظهرت بأشكال أخرى: في الميمات، الفيديوهات، اليوميات، والشعر العامي؟ نحتاج لإعادة قراءة هذا الغياب لا كفقدان، بل كأثر لسياق ثقافي حدد دور المرأة كناقلة للرسالة، لا منتجة للتهكم. فتح هذا الباب لا يعني فرض واجب تمثيل، بل توسيع الإمكانات الجمالية والأخلاقية للرؤية التحررية الفلسطينية. الدعابة كأدب مضاد، والضحك كحق سياسي في لحظة كونية يعاد فيها تعريف الفعل المقاوم، لا تبدو استعادة الدعابة ترفا، بل حاجة ثقافية وإنسانية. نحن لا نطالب بضحك يعيد إنتاج السلطة أو يكيف الذات مع القمع، بل بضحك يخلخل السرديات الجامدة، ويمنح الفلسطيني حق الحياة، لا فقط الشهادة. مقال عادل الأسطة ليس حنينا تراثيا لشخصية مرحة، بل دعوة ثقافية – سياسية لإعادة التفكير في مركزية 'الضحك' داخل مشروع التحرر. أن نضحك اليوم، في حضرة الموت الجماعي، لا يعني أننا نسامح القتلة، بل أننا نملك لغة أخرى للرفض. ضحكتنا ليست إنكارا للنكبة، بل إصرار على الحياة رغمها. نحو فضاء تمثيلي أكثر رحابة ما تحتاجه الرواية الفلسطينية اليوم ليس المزيد من المراثي فقط، بل فضاء أكثر رحابة للتمثيل. ربما لا ننتصر حين نبكي وحدنا، لكننا ننجو حين نضحك معا. وهكذا، لا تصبح خفة الضحية عبئا نخجل منه، بل حقّا ننتزعه. 2025-06-19