#أحدث الأخبار مع #عبدالغنيسلامة،جريدة الاياممنذ 3 أيامسياسةجريدة الايامشـيـخ الـنـفـط ومـثـقـف الـغـازقبل أسبوع تقريباً، قام الصديق عبد الغني سلامة، كعادته، بوضع مقاله المنشور في «الأيام»، على صفحته في فيسبوك. ومع أن المقال كان حول الإنفاق على التسلح والعسكرة في عالمنا العربي، ومعتمداً أساساً على الأرقام والمقارنات، إلا أن أحد التعليقات على المقال كان لافتاً جداً، ومحيّراً، ولا يمكن المرور عليه مرور الكرام. لقد كتب المعلق، مخاطباً عبد الغني: «بكفيك علمانية». شيء يشبه أن تقول امرأة لزوجها: بكفيك أكل فاصوليا خليك تعرف تنام، أو أن يقول رجل لابنه: بكفيك لعب وتعال حل واجباتك المدرسية. ولم يكتف المعلق بهذه الجملة طبعاً، بل أتبعها بنصيحة ذهبية لا تُوجّه إلى كاتب مرموق في مكانة عبد الغني، إلا إذا كان صاحب النصيحة يعتقد أن ما يقترحه يشكل بديلاً أكثر جدوى مما يملك المخاطَب، حيث أردف: «أنصحك بقراءة كتاب فلان الفلاني.. ستون عاماً من الخداع». ومن لا يعرف هذا الكتاب، فيكفي القول، إنه جهد طويل من ليّ ذراع الحقيقة اعتماداً على وقائع ملفقة، ومصادر لا يؤخذ بها في أي عمل بحثي جاد، ولا هدف له إلا تشويه تاريخ الثورة الفلسطينية بشخوصها وأحداثها. ملاحظة أخيرة تخص هذه المقدمة وهي أن صاحب التعليق، وباستكشاف سريع لصفحته، يبدو أنه يحمل شهادة الدكتوراة في حقل من حقول المعرفة، وهذا تحديداً هو ما دفعني لمحاولة الإجابة عن سؤالين يؤرقان المشتغلين الجادين في حقلي السياسة والاجتماع في بلادنا. السؤال الأول هو لماذا لا تنعكس المعرفة الأكاديمية، أو التخصص العلمي الذي يحمله شخص ما، على الفهم السياسي أو الاجتماعي لهذا الشخص، وأخص هنا قطاعاً كبيراً من الأطباء والمهندسين والمعلمين، ودون تعميم طبعاً، إلا أن الحديث عن أغلبية لافتة ويمكن التعامل معها كظاهرة. أما السؤال الثاني وهو مشتق من، أو تحصيل حاصل للسؤال الأول، هو لماذا يستطيع المعلمون، مثالاً لا حصراً، في بلادنا إغلاق الشوارع وتعطيل الحياة في تظاهرات المطالبة برفع رواتبهم، وهذا حق غير مُدان على كل حال، ويستطيعون هم وزملاؤهم من التخصصات المذكورة أن يجبروا الحكومة على التراجع عن سن قانون للضمان الاجتماعي، لكنهم لا يستطيعون الخروج في تظاهرة من أجل وقف نزيف دم شعبهم في غزة؟ يتموضع جزء من الإجابة في العام 1973 كتاريخ مفصلي، فما الذي حصل آنذاك؟ لقد اشتعلت حرب أكتوبر بين مصر وسورية من جانب، وإسرائيل من جانب آخر، وكما هو معروف فقد قرر العرب قطع إمدادات النفط عن الدول الغربية المساندة تسليحياً لإسرائيل، وتحديداً الولايات المتحدة الأميركية، وبعض الدول الأوروبية التي تُستخدم مطاراتها لنقل هذا السلاح، بالإضافة إلى الدول المؤيدة سياسياً ودبلوماسياً. ما يعنينا هنا هو أن أسعار النفط ارتفعت، بسبب قطع هذه الإمدادات، من أقل من دولارين ونصف الدولار للبرميل الواحد إلى أكثر من 11 دولاراً، أي ما يقارب الخمسة أضعاف. ولو أسقطنا أسعار اليوم على هذا الارتفاع فيمكننا القول، إن البرميل من خام برنت مثلاً يرتفع من 65 دولاراً إلى 350 تقريباً. لقد كُتبت الكثير من المقالات والدراسات عن تأثير هذا الارتفاع على قرارات الغرب حينها، لكن القليل كُتب عن تأثيره على دول الخليج المنتجة والمصدّرة للنفط، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية (الوهابية آنذاك)، وكيف انعكس هذا التأثير على «نُخبنا» العلمية، وبالتالي على مجتمعاتنا. لقد تسبب هذا الارتفاع، بوفرة مالية غير مسبوقة، في دول ليس فيها بنية تحتية عصرية، ولا نظام تعليمي حديث، ولا منظومة صحية متكاملة، بالإضافة إلى الافتقار للعنصر البشري المؤهَل والمُدرب لبناء وإدارة هذه المنظومات الثلاث. أمام هذه الحالة لم يكن أمام دول النفط إلا استيراد خبرات علمية وتقنية من الخارج للقيام بمهمة ضخمة كهذه. لقد أصبحت هذه الدول قِبلة المهندسين والمعلمين والأطباء من بلاد الشام ومصر، ومن الغرب بطبيعة الحال، لكن الكفاءات الغربية ليست موضوعنا هنا. المهم أن هذه الكفاءات العلمية تشربت الفقه والتدين الوهّابي وعلّمته لأبنائها، ثم عادت إلى مدنها وقراها الأصلية خلال وبعد حرب الخليج الثانية في بداية التسعينيات من القرن الماضي. ولأنها تملك ثروات ليست موجودة في بلادنا، فقد صارت قدوة ومحل استماع وتصديق حتى للجيران والمعارف. يستطيع أي مراقب لفترة ما بعد التسعينيات تلك، أن يكتشف بسهولة أن النقابات المهنية، التي تضم الأطباء والمهندسين ونقابات المعلمين، سقطت بغالبيتها في يد الإسلام السياسي، بينما كانت نقابات العمال غير المتعلمين في يد اليسار والقوميين. هذا جانب من القصة، وهي قصة لا تكتمل إلا بجانبها الآخر المتعلق بالغاز. فعلى عكس السعودية والكويت والإمارات، لم تكن قطر، قد استفادت مالياً بالقدر الكافي، بحكم موقعها المتأخر في ترتيب الدول المنتجة والمصدرة للنفط. لكنها تمتلك كميات كبيرة من الغاز الطبيعي. والطلب على الغاز ليس كبيراً، والاستثمار في نقله، سواء بحالته العادية أو المسالة، مكلف جداً في ذلك الوقت، لكن الأمر يستحق. لست هنا بصدد الخوض في الجانب التقني أو الاقتصادي لتطور استخراج الغاز وتصديره، فهذه مهمة الاقتصاديين، لكنني سأشير إلى عدة تواريخ مهمة كنتائج لسيرورة هذا التطور، وسأترك التحليل للقارئ: في العام 1991 أي في أعقاب حرب الخليج، وقّعت قطر والولايات المتحدة اتفاقية للتعاون العسكري والدفاع المشترك، بعد أعوام قليلة أي في 1995 حصل انقلاب الابن على الأب وصرنا بصدد قيادة جديدة نشطة. في 1996 ارتفع الطلب العالمي على الغاز الطبيعي إلى مستويات قياسية، حيث ناهز التريليوني متر مكعب، في نفس العام، تم افتتاح قاعدة العُديد من قِبل وزارة الدفاع القطرية، وفي نفس العام أيضاً تم افتتاح قناة الجزيرة الفضائية. صار لدينا قدم أميركية ثقيلة في المنطقة، وصار لدينا يد إعلامية خفيفة ذات إمكانيات مالية وسحرية هائلة، تجيد صناعة النُخب الجديدة من الخميرة أو المادة الخام الجاهزة، والتي كوّنها النفط سابقاً. أما بخصوص العلمانية والعلمانيين، والنخب القديمة ودورها فسوف نناقشها مع استكمال الإجابة عن السؤالين السابقين، في المقال القادم.
جريدة الاياممنذ 3 أيامسياسةجريدة الايامشـيـخ الـنـفـط ومـثـقـف الـغـازقبل أسبوع تقريباً، قام الصديق عبد الغني سلامة، كعادته، بوضع مقاله المنشور في «الأيام»، على صفحته في فيسبوك. ومع أن المقال كان حول الإنفاق على التسلح والعسكرة في عالمنا العربي، ومعتمداً أساساً على الأرقام والمقارنات، إلا أن أحد التعليقات على المقال كان لافتاً جداً، ومحيّراً، ولا يمكن المرور عليه مرور الكرام. لقد كتب المعلق، مخاطباً عبد الغني: «بكفيك علمانية». شيء يشبه أن تقول امرأة لزوجها: بكفيك أكل فاصوليا خليك تعرف تنام، أو أن يقول رجل لابنه: بكفيك لعب وتعال حل واجباتك المدرسية. ولم يكتف المعلق بهذه الجملة طبعاً، بل أتبعها بنصيحة ذهبية لا تُوجّه إلى كاتب مرموق في مكانة عبد الغني، إلا إذا كان صاحب النصيحة يعتقد أن ما يقترحه يشكل بديلاً أكثر جدوى مما يملك المخاطَب، حيث أردف: «أنصحك بقراءة كتاب فلان الفلاني.. ستون عاماً من الخداع». ومن لا يعرف هذا الكتاب، فيكفي القول، إنه جهد طويل من ليّ ذراع الحقيقة اعتماداً على وقائع ملفقة، ومصادر لا يؤخذ بها في أي عمل بحثي جاد، ولا هدف له إلا تشويه تاريخ الثورة الفلسطينية بشخوصها وأحداثها. ملاحظة أخيرة تخص هذه المقدمة وهي أن صاحب التعليق، وباستكشاف سريع لصفحته، يبدو أنه يحمل شهادة الدكتوراة في حقل من حقول المعرفة، وهذا تحديداً هو ما دفعني لمحاولة الإجابة عن سؤالين يؤرقان المشتغلين الجادين في حقلي السياسة والاجتماع في بلادنا. السؤال الأول هو لماذا لا تنعكس المعرفة الأكاديمية، أو التخصص العلمي الذي يحمله شخص ما، على الفهم السياسي أو الاجتماعي لهذا الشخص، وأخص هنا قطاعاً كبيراً من الأطباء والمهندسين والمعلمين، ودون تعميم طبعاً، إلا أن الحديث عن أغلبية لافتة ويمكن التعامل معها كظاهرة. أما السؤال الثاني وهو مشتق من، أو تحصيل حاصل للسؤال الأول، هو لماذا يستطيع المعلمون، مثالاً لا حصراً، في بلادنا إغلاق الشوارع وتعطيل الحياة في تظاهرات المطالبة برفع رواتبهم، وهذا حق غير مُدان على كل حال، ويستطيعون هم وزملاؤهم من التخصصات المذكورة أن يجبروا الحكومة على التراجع عن سن قانون للضمان الاجتماعي، لكنهم لا يستطيعون الخروج في تظاهرة من أجل وقف نزيف دم شعبهم في غزة؟ يتموضع جزء من الإجابة في العام 1973 كتاريخ مفصلي، فما الذي حصل آنذاك؟ لقد اشتعلت حرب أكتوبر بين مصر وسورية من جانب، وإسرائيل من جانب آخر، وكما هو معروف فقد قرر العرب قطع إمدادات النفط عن الدول الغربية المساندة تسليحياً لإسرائيل، وتحديداً الولايات المتحدة الأميركية، وبعض الدول الأوروبية التي تُستخدم مطاراتها لنقل هذا السلاح، بالإضافة إلى الدول المؤيدة سياسياً ودبلوماسياً. ما يعنينا هنا هو أن أسعار النفط ارتفعت، بسبب قطع هذه الإمدادات، من أقل من دولارين ونصف الدولار للبرميل الواحد إلى أكثر من 11 دولاراً، أي ما يقارب الخمسة أضعاف. ولو أسقطنا أسعار اليوم على هذا الارتفاع فيمكننا القول، إن البرميل من خام برنت مثلاً يرتفع من 65 دولاراً إلى 350 تقريباً. لقد كُتبت الكثير من المقالات والدراسات عن تأثير هذا الارتفاع على قرارات الغرب حينها، لكن القليل كُتب عن تأثيره على دول الخليج المنتجة والمصدّرة للنفط، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية (الوهابية آنذاك)، وكيف انعكس هذا التأثير على «نُخبنا» العلمية، وبالتالي على مجتمعاتنا. لقد تسبب هذا الارتفاع، بوفرة مالية غير مسبوقة، في دول ليس فيها بنية تحتية عصرية، ولا نظام تعليمي حديث، ولا منظومة صحية متكاملة، بالإضافة إلى الافتقار للعنصر البشري المؤهَل والمُدرب لبناء وإدارة هذه المنظومات الثلاث. أمام هذه الحالة لم يكن أمام دول النفط إلا استيراد خبرات علمية وتقنية من الخارج للقيام بمهمة ضخمة كهذه. لقد أصبحت هذه الدول قِبلة المهندسين والمعلمين والأطباء من بلاد الشام ومصر، ومن الغرب بطبيعة الحال، لكن الكفاءات الغربية ليست موضوعنا هنا. المهم أن هذه الكفاءات العلمية تشربت الفقه والتدين الوهّابي وعلّمته لأبنائها، ثم عادت إلى مدنها وقراها الأصلية خلال وبعد حرب الخليج الثانية في بداية التسعينيات من القرن الماضي. ولأنها تملك ثروات ليست موجودة في بلادنا، فقد صارت قدوة ومحل استماع وتصديق حتى للجيران والمعارف. يستطيع أي مراقب لفترة ما بعد التسعينيات تلك، أن يكتشف بسهولة أن النقابات المهنية، التي تضم الأطباء والمهندسين ونقابات المعلمين، سقطت بغالبيتها في يد الإسلام السياسي، بينما كانت نقابات العمال غير المتعلمين في يد اليسار والقوميين. هذا جانب من القصة، وهي قصة لا تكتمل إلا بجانبها الآخر المتعلق بالغاز. فعلى عكس السعودية والكويت والإمارات، لم تكن قطر، قد استفادت مالياً بالقدر الكافي، بحكم موقعها المتأخر في ترتيب الدول المنتجة والمصدرة للنفط. لكنها تمتلك كميات كبيرة من الغاز الطبيعي. والطلب على الغاز ليس كبيراً، والاستثمار في نقله، سواء بحالته العادية أو المسالة، مكلف جداً في ذلك الوقت، لكن الأمر يستحق. لست هنا بصدد الخوض في الجانب التقني أو الاقتصادي لتطور استخراج الغاز وتصديره، فهذه مهمة الاقتصاديين، لكنني سأشير إلى عدة تواريخ مهمة كنتائج لسيرورة هذا التطور، وسأترك التحليل للقارئ: في العام 1991 أي في أعقاب حرب الخليج، وقّعت قطر والولايات المتحدة اتفاقية للتعاون العسكري والدفاع المشترك، بعد أعوام قليلة أي في 1995 حصل انقلاب الابن على الأب وصرنا بصدد قيادة جديدة نشطة. في 1996 ارتفع الطلب العالمي على الغاز الطبيعي إلى مستويات قياسية، حيث ناهز التريليوني متر مكعب، في نفس العام، تم افتتاح قاعدة العُديد من قِبل وزارة الدفاع القطرية، وفي نفس العام أيضاً تم افتتاح قناة الجزيرة الفضائية. صار لدينا قدم أميركية ثقيلة في المنطقة، وصار لدينا يد إعلامية خفيفة ذات إمكانيات مالية وسحرية هائلة، تجيد صناعة النُخب الجديدة من الخميرة أو المادة الخام الجاهزة، والتي كوّنها النفط سابقاً. أما بخصوص العلمانية والعلمانيين، والنخب القديمة ودورها فسوف نناقشها مع استكمال الإجابة عن السؤالين السابقين، في المقال القادم.