logo
شـيـخ الـنـفـط ومـثـقـف الـغـاز

شـيـخ الـنـفـط ومـثـقـف الـغـاز

جريدة الاياممنذ 3 أيام

قبل أسبوع تقريباً، قام الصديق عبد الغني سلامة، كعادته، بوضع مقاله المنشور في «الأيام»، على صفحته في فيسبوك. ومع أن المقال كان حول الإنفاق على التسلح والعسكرة في عالمنا العربي، ومعتمداً أساساً على الأرقام والمقارنات، إلا أن أحد التعليقات على المقال كان لافتاً جداً، ومحيّراً، ولا يمكن المرور عليه مرور الكرام.
لقد كتب المعلق، مخاطباً عبد الغني: «بكفيك علمانية». شيء يشبه أن تقول امرأة لزوجها: بكفيك أكل فاصوليا خليك تعرف تنام، أو أن يقول رجل لابنه: بكفيك لعب وتعال حل واجباتك المدرسية. ولم يكتف المعلق بهذه الجملة طبعاً، بل أتبعها بنصيحة ذهبية لا تُوجّه إلى كاتب مرموق في مكانة عبد الغني، إلا إذا كان صاحب النصيحة يعتقد أن ما يقترحه يشكل بديلاً أكثر جدوى مما يملك المخاطَب، حيث أردف: «أنصحك بقراءة كتاب فلان الفلاني.. ستون عاماً من الخداع». ومن لا يعرف هذا الكتاب، فيكفي القول، إنه جهد طويل من ليّ ذراع الحقيقة اعتماداً على وقائع ملفقة، ومصادر لا يؤخذ بها في أي عمل بحثي جاد، ولا هدف له إلا تشويه تاريخ الثورة الفلسطينية بشخوصها وأحداثها.
ملاحظة أخيرة تخص هذه المقدمة وهي أن صاحب التعليق، وباستكشاف سريع لصفحته، يبدو أنه يحمل شهادة الدكتوراة في حقل من حقول المعرفة، وهذا تحديداً هو ما دفعني لمحاولة الإجابة عن سؤالين يؤرقان المشتغلين الجادين في حقلي السياسة والاجتماع في بلادنا. السؤال الأول هو لماذا لا تنعكس المعرفة الأكاديمية، أو التخصص العلمي الذي يحمله شخص ما، على الفهم السياسي أو الاجتماعي لهذا الشخص، وأخص هنا قطاعاً كبيراً من الأطباء والمهندسين والمعلمين، ودون تعميم طبعاً، إلا أن الحديث عن أغلبية لافتة ويمكن التعامل معها كظاهرة.
أما السؤال الثاني وهو مشتق من، أو تحصيل حاصل للسؤال الأول، هو لماذا يستطيع المعلمون، مثالاً لا حصراً، في بلادنا إغلاق الشوارع وتعطيل الحياة في تظاهرات المطالبة برفع رواتبهم، وهذا حق غير مُدان على كل حال، ويستطيعون هم وزملاؤهم من التخصصات المذكورة أن يجبروا الحكومة على التراجع عن سن قانون للضمان الاجتماعي، لكنهم لا يستطيعون الخروج في تظاهرة من أجل وقف نزيف دم شعبهم في غزة؟
يتموضع جزء من الإجابة في العام 1973 كتاريخ مفصلي، فما الذي حصل آنذاك؟ لقد اشتعلت حرب أكتوبر بين مصر وسورية من جانب، وإسرائيل من جانب آخر، وكما هو معروف فقد قرر العرب قطع إمدادات النفط عن الدول الغربية المساندة تسليحياً لإسرائيل، وتحديداً الولايات المتحدة الأميركية، وبعض الدول الأوروبية التي تُستخدم مطاراتها لنقل هذا السلاح، بالإضافة إلى الدول المؤيدة سياسياً ودبلوماسياً.
ما يعنينا هنا هو أن أسعار النفط ارتفعت، بسبب قطع هذه الإمدادات، من أقل من دولارين ونصف الدولار للبرميل الواحد إلى أكثر من 11 دولاراً، أي ما يقارب الخمسة أضعاف. ولو أسقطنا أسعار اليوم على هذا الارتفاع فيمكننا القول، إن البرميل من خام برنت مثلاً يرتفع من 65 دولاراً إلى 350 تقريباً. لقد كُتبت الكثير من المقالات والدراسات عن تأثير هذا الارتفاع على قرارات الغرب حينها، لكن القليل كُتب عن تأثيره على دول الخليج المنتجة والمصدّرة للنفط، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية (الوهابية آنذاك)، وكيف انعكس هذا التأثير على «نُخبنا» العلمية، وبالتالي على مجتمعاتنا.
لقد تسبب هذا الارتفاع، بوفرة مالية غير مسبوقة، في دول ليس فيها بنية تحتية عصرية، ولا نظام تعليمي حديث، ولا منظومة صحية متكاملة، بالإضافة إلى الافتقار للعنصر البشري المؤهَل والمُدرب لبناء وإدارة هذه المنظومات الثلاث. أمام هذه الحالة لم يكن أمام دول النفط إلا استيراد خبرات علمية وتقنية من الخارج للقيام بمهمة ضخمة كهذه.
لقد أصبحت هذه الدول قِبلة المهندسين والمعلمين والأطباء من بلاد الشام ومصر، ومن الغرب بطبيعة الحال، لكن الكفاءات الغربية ليست موضوعنا هنا. المهم أن هذه الكفاءات العلمية تشربت الفقه والتدين الوهّابي وعلّمته لأبنائها، ثم عادت إلى مدنها وقراها الأصلية خلال وبعد حرب الخليج الثانية في بداية التسعينيات من القرن الماضي. ولأنها تملك ثروات ليست موجودة في بلادنا، فقد صارت قدوة ومحل استماع وتصديق حتى للجيران والمعارف.
يستطيع أي مراقب لفترة ما بعد التسعينيات تلك، أن يكتشف بسهولة أن النقابات المهنية، التي تضم الأطباء والمهندسين ونقابات المعلمين، سقطت بغالبيتها في يد الإسلام السياسي، بينما كانت نقابات العمال غير المتعلمين في يد اليسار والقوميين.
هذا جانب من القصة، وهي قصة لا تكتمل إلا بجانبها الآخر المتعلق بالغاز. فعلى عكس السعودية والكويت والإمارات، لم تكن قطر، قد استفادت مالياً بالقدر الكافي، بحكم موقعها المتأخر في ترتيب الدول المنتجة والمصدرة للنفط. لكنها تمتلك كميات كبيرة من الغاز الطبيعي. والطلب على الغاز ليس كبيراً، والاستثمار في نقله، سواء بحالته العادية أو المسالة، مكلف جداً في ذلك الوقت، لكن الأمر يستحق.
لست هنا بصدد الخوض في الجانب التقني أو الاقتصادي لتطور استخراج الغاز وتصديره، فهذه مهمة الاقتصاديين، لكنني سأشير إلى عدة تواريخ مهمة كنتائج لسيرورة هذا التطور، وسأترك التحليل للقارئ: في العام 1991 أي في أعقاب حرب الخليج، وقّعت قطر والولايات المتحدة اتفاقية للتعاون العسكري والدفاع المشترك، بعد أعوام قليلة أي في 1995 حصل انقلاب الابن على الأب وصرنا بصدد قيادة جديدة نشطة. في 1996 ارتفع الطلب العالمي على الغاز الطبيعي إلى مستويات قياسية، حيث ناهز التريليوني متر مكعب، في نفس العام، تم افتتاح قاعدة العُديد من قِبل وزارة الدفاع القطرية، وفي نفس العام أيضاً تم افتتاح قناة الجزيرة الفضائية.
صار لدينا قدم أميركية ثقيلة في المنطقة، وصار لدينا يد إعلامية خفيفة ذات إمكانيات مالية وسحرية هائلة، تجيد صناعة النُخب الجديدة من الخميرة أو المادة الخام الجاهزة، والتي كوّنها النفط سابقاً.
أما بخصوص العلمانية والعلمانيين، والنخب القديمة ودورها فسوف نناقشها مع استكمال الإجابة عن السؤالين السابقين، في المقال القادم.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

ترامب يرجئ فرض رسوم جمركية على الاتحاد الأوروبي إلى 9 تموز
ترامب يرجئ فرض رسوم جمركية على الاتحاد الأوروبي إلى 9 تموز

جريدة الايام

timeمنذ 12 ساعات

  • جريدة الايام

ترامب يرجئ فرض رسوم جمركية على الاتحاد الأوروبي إلى 9 تموز

بروكسل - رويترز: تراجع الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن تهديده بفرض رسوم جمركية 50% على الواردات من الاتحاد الأوروبي الشهر المقبل وعاد للموعد النهائي المحدد له التاسع من تموز، للسماح بإجراء محادثات بين واشنطن والاتحاد المكون من 27 دولة للتوصل إلى اتفاق. وارتفعت الأصول الأوروبية، أمس. وبلغ اليورو أعلى مستوى له مقابل الدولار منذ 30 نيسان، بينما تشير العقود الآجلة الأوروبية والألمانية إلى أن الأسهم ستفتح على ارتفاع بأكثر من 1.5%. كان ترامب قال، الجمعة الماضي: إنه يوصي بفرض رسوم جمركية 50% اعتباراً من الأول من حزيران، معبراً عن عدم رضاه عن بطء وتيرة المفاوضات التجارية مع الاتحاد الأوروبي. وأثر هذا التهديد سلباً على الأسواق المالية العالمية، وفاقم حرباً تجارية اتسمت بتغييرات متكررة في سياسات الرسوم الجمركية على شركاء الولايات المتحدة التجاريين وحلفائها. وأعطى تخفيف الرئيس الأميركي حدة موقفه بعد يومين متنفساً مؤقتاً جديداً في سياسته التجارية المتقلبة، لكن التذبذب الأحدث في اتخاذ القرارات يذكر صانعي السياسات والمستثمرين بالطبيعة السريعة لتغير الأوضاع. وتراجع ترامب، الذي عبر مراراً عن استيائه من الاتحاد الأوروبي ومعاملته للولايات المتحدة في مجال التجارة، بعد أن أخبرته رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، أول من أمس، بأن الاتحاد الأوروبي بحاجة إلى مزيد من الوقت للتوصل إلى اتفاق. وطلبت منه خلال مكالمة هاتفية تأجيل الرسوم الجمركية حتى تموز، وهو الموعد النهائي الذي حدده في الأصل عندما أعلن عن الرسوم الجديدة في نيسان. وأعلن ترامب للصحافيين، أمس، أنه وافق على الطلب. وقال قبل عودته إلى واشنطن بعد قضاء عطلة في نيوجيرسي: "أجرينا مكالمة لطيفة للغاية، ووافقت على التأجيل... قالت إننا سنجتمع معاً بسرعة لنرى ما إذا كان بإمكاننا التوصل إلى شيء ما". وقالت فون دير لاين في منشور على "إكس": إنها أجرت مكالمة هاتفية "جيدة" مع ترامب، وإن الاتحاد الأوروبي مستعد للتحرك بصورة سريعة. وأضافت: "أوروبا مستعدة لدفع المحادثات بشكل سريع وحاسم للتوصل إلى اتفاق جيد، نحتاج إلى مهلة حتى التاسع من حزيران". كان ترامب قد حدد في أوائل نيسان الماضي مهلة 90 يوماً للمحادثات التجارية بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، والتي كان من المقرر أن تنتهي في التاسع من تموز. لكن خالف، الجمعة الماضي، هذا الإطار الزمني، وقال: إنه غير مهتم بالتوصل إلى اتفاق من الأساس. وذكرت مصادر مطلعة أن المحادثات وصلت إلى طريق مسدود، إذ تطالب واشنطن بروكسل بتنازلات أحادية الجانب لفتح المجال أمام أنشطة الأعمال الأميركية، بينما يسعى الاتحاد الأوروبي إلى اتفاق يحقق مكاسب للطرفين. ويواجه الاتحاد الأوروبي بالفعل رسوماً جمركية أميركية تبلغ 25% على وارداته من الصلب والألمنيوم والسيارات، إلى جانب الرسوم البالغة 10% على جميع السلع الأخرى تقريباً، وهي رسوم كان من المقرر أن ترتفع إلى 20% بعد انتهاء مهلة التسعين يوماً في تموز. ويمكن أن ترتفع الرسوم الآن إلى 50% في حالة عدم التوصل إلى اتفاق، ما قد يرفع أسعار المستهلكين على كل شيء، من سيارات "بي.إم.دبليو" و"بورشه" الألمانية إلى زيت الزيتون الإيطالي، ويؤثر سلباً على الطلب على حقائب اليد الفرنسية الفاخرة. وقادت أسهم شركات صناعة السيارات وتجارة التجزئة الفاخرة وصناعة النبيذ والمشروبات الكحولية ارتفاع العقود الآجلة للأسهم الأوروبية. وانخفضت مؤشرات الأسهم الأميركية الرئيسية والأسهم الأوروبية، الجمعة الماضي، وتراجع الدولار بعد أن أعلن ترامب أن واشنطن تعتزم فرض رسوم جمركية 50% على الاتحاد الأوروبي من بداية حزيران. ويسعى ترامب إلى قلب الاقتصاد العالمي رأساً على عقب بسياساته التجارية، لكن بعد أن أثار إعلانه في نيسان فرض رسوم جمركية على عدة دول اضطراباً في الأسواق المالية، خفف من حدة تهديداته وفضل المحادثات. ومنذ ذلك الحين، وقعت واشنطن اتفاقاً مع بريطانيا وأجرت مناقشات مع الصين. لكن التقدم مع الاتحاد الأوروبي اتسم بالبطء، ما أثار غضب ترامب وفاقم التوتر الأوسع بين الحليفين بشأن أجندة ترامب "أميركا أولاً" واعتماد أوروبا طويل الأمد على واشنطن لتلبية احتياجاتها الأمنية والدفاعية.

شـيـخ الـنـفـط ومـثـقـف الـغـاز
شـيـخ الـنـفـط ومـثـقـف الـغـاز

جريدة الايام

timeمنذ 3 أيام

  • جريدة الايام

شـيـخ الـنـفـط ومـثـقـف الـغـاز

قبل أسبوع تقريباً، قام الصديق عبد الغني سلامة، كعادته، بوضع مقاله المنشور في «الأيام»، على صفحته في فيسبوك. ومع أن المقال كان حول الإنفاق على التسلح والعسكرة في عالمنا العربي، ومعتمداً أساساً على الأرقام والمقارنات، إلا أن أحد التعليقات على المقال كان لافتاً جداً، ومحيّراً، ولا يمكن المرور عليه مرور الكرام. لقد كتب المعلق، مخاطباً عبد الغني: «بكفيك علمانية». شيء يشبه أن تقول امرأة لزوجها: بكفيك أكل فاصوليا خليك تعرف تنام، أو أن يقول رجل لابنه: بكفيك لعب وتعال حل واجباتك المدرسية. ولم يكتف المعلق بهذه الجملة طبعاً، بل أتبعها بنصيحة ذهبية لا تُوجّه إلى كاتب مرموق في مكانة عبد الغني، إلا إذا كان صاحب النصيحة يعتقد أن ما يقترحه يشكل بديلاً أكثر جدوى مما يملك المخاطَب، حيث أردف: «أنصحك بقراءة كتاب فلان الفلاني.. ستون عاماً من الخداع». ومن لا يعرف هذا الكتاب، فيكفي القول، إنه جهد طويل من ليّ ذراع الحقيقة اعتماداً على وقائع ملفقة، ومصادر لا يؤخذ بها في أي عمل بحثي جاد، ولا هدف له إلا تشويه تاريخ الثورة الفلسطينية بشخوصها وأحداثها. ملاحظة أخيرة تخص هذه المقدمة وهي أن صاحب التعليق، وباستكشاف سريع لصفحته، يبدو أنه يحمل شهادة الدكتوراة في حقل من حقول المعرفة، وهذا تحديداً هو ما دفعني لمحاولة الإجابة عن سؤالين يؤرقان المشتغلين الجادين في حقلي السياسة والاجتماع في بلادنا. السؤال الأول هو لماذا لا تنعكس المعرفة الأكاديمية، أو التخصص العلمي الذي يحمله شخص ما، على الفهم السياسي أو الاجتماعي لهذا الشخص، وأخص هنا قطاعاً كبيراً من الأطباء والمهندسين والمعلمين، ودون تعميم طبعاً، إلا أن الحديث عن أغلبية لافتة ويمكن التعامل معها كظاهرة. أما السؤال الثاني وهو مشتق من، أو تحصيل حاصل للسؤال الأول، هو لماذا يستطيع المعلمون، مثالاً لا حصراً، في بلادنا إغلاق الشوارع وتعطيل الحياة في تظاهرات المطالبة برفع رواتبهم، وهذا حق غير مُدان على كل حال، ويستطيعون هم وزملاؤهم من التخصصات المذكورة أن يجبروا الحكومة على التراجع عن سن قانون للضمان الاجتماعي، لكنهم لا يستطيعون الخروج في تظاهرة من أجل وقف نزيف دم شعبهم في غزة؟ يتموضع جزء من الإجابة في العام 1973 كتاريخ مفصلي، فما الذي حصل آنذاك؟ لقد اشتعلت حرب أكتوبر بين مصر وسورية من جانب، وإسرائيل من جانب آخر، وكما هو معروف فقد قرر العرب قطع إمدادات النفط عن الدول الغربية المساندة تسليحياً لإسرائيل، وتحديداً الولايات المتحدة الأميركية، وبعض الدول الأوروبية التي تُستخدم مطاراتها لنقل هذا السلاح، بالإضافة إلى الدول المؤيدة سياسياً ودبلوماسياً. ما يعنينا هنا هو أن أسعار النفط ارتفعت، بسبب قطع هذه الإمدادات، من أقل من دولارين ونصف الدولار للبرميل الواحد إلى أكثر من 11 دولاراً، أي ما يقارب الخمسة أضعاف. ولو أسقطنا أسعار اليوم على هذا الارتفاع فيمكننا القول، إن البرميل من خام برنت مثلاً يرتفع من 65 دولاراً إلى 350 تقريباً. لقد كُتبت الكثير من المقالات والدراسات عن تأثير هذا الارتفاع على قرارات الغرب حينها، لكن القليل كُتب عن تأثيره على دول الخليج المنتجة والمصدّرة للنفط، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية (الوهابية آنذاك)، وكيف انعكس هذا التأثير على «نُخبنا» العلمية، وبالتالي على مجتمعاتنا. لقد تسبب هذا الارتفاع، بوفرة مالية غير مسبوقة، في دول ليس فيها بنية تحتية عصرية، ولا نظام تعليمي حديث، ولا منظومة صحية متكاملة، بالإضافة إلى الافتقار للعنصر البشري المؤهَل والمُدرب لبناء وإدارة هذه المنظومات الثلاث. أمام هذه الحالة لم يكن أمام دول النفط إلا استيراد خبرات علمية وتقنية من الخارج للقيام بمهمة ضخمة كهذه. لقد أصبحت هذه الدول قِبلة المهندسين والمعلمين والأطباء من بلاد الشام ومصر، ومن الغرب بطبيعة الحال، لكن الكفاءات الغربية ليست موضوعنا هنا. المهم أن هذه الكفاءات العلمية تشربت الفقه والتدين الوهّابي وعلّمته لأبنائها، ثم عادت إلى مدنها وقراها الأصلية خلال وبعد حرب الخليج الثانية في بداية التسعينيات من القرن الماضي. ولأنها تملك ثروات ليست موجودة في بلادنا، فقد صارت قدوة ومحل استماع وتصديق حتى للجيران والمعارف. يستطيع أي مراقب لفترة ما بعد التسعينيات تلك، أن يكتشف بسهولة أن النقابات المهنية، التي تضم الأطباء والمهندسين ونقابات المعلمين، سقطت بغالبيتها في يد الإسلام السياسي، بينما كانت نقابات العمال غير المتعلمين في يد اليسار والقوميين. هذا جانب من القصة، وهي قصة لا تكتمل إلا بجانبها الآخر المتعلق بالغاز. فعلى عكس السعودية والكويت والإمارات، لم تكن قطر، قد استفادت مالياً بالقدر الكافي، بحكم موقعها المتأخر في ترتيب الدول المنتجة والمصدرة للنفط. لكنها تمتلك كميات كبيرة من الغاز الطبيعي. والطلب على الغاز ليس كبيراً، والاستثمار في نقله، سواء بحالته العادية أو المسالة، مكلف جداً في ذلك الوقت، لكن الأمر يستحق. لست هنا بصدد الخوض في الجانب التقني أو الاقتصادي لتطور استخراج الغاز وتصديره، فهذه مهمة الاقتصاديين، لكنني سأشير إلى عدة تواريخ مهمة كنتائج لسيرورة هذا التطور، وسأترك التحليل للقارئ: في العام 1991 أي في أعقاب حرب الخليج، وقّعت قطر والولايات المتحدة اتفاقية للتعاون العسكري والدفاع المشترك، بعد أعوام قليلة أي في 1995 حصل انقلاب الابن على الأب وصرنا بصدد قيادة جديدة نشطة. في 1996 ارتفع الطلب العالمي على الغاز الطبيعي إلى مستويات قياسية، حيث ناهز التريليوني متر مكعب، في نفس العام، تم افتتاح قاعدة العُديد من قِبل وزارة الدفاع القطرية، وفي نفس العام أيضاً تم افتتاح قناة الجزيرة الفضائية. صار لدينا قدم أميركية ثقيلة في المنطقة، وصار لدينا يد إعلامية خفيفة ذات إمكانيات مالية وسحرية هائلة، تجيد صناعة النُخب الجديدة من الخميرة أو المادة الخام الجاهزة، والتي كوّنها النفط سابقاً. أما بخصوص العلمانية والعلمانيين، والنخب القديمة ودورها فسوف نناقشها مع استكمال الإجابة عن السؤالين السابقين، في المقال القادم.

لاغارد: ارتفاع اليورو هو نتيجة لسياسات ترامب "الغريبة"
لاغارد: ارتفاع اليورو هو نتيجة لسياسات ترامب "الغريبة"

جريدة الايام

time١٩-٠٥-٢٠٢٥

  • جريدة الايام

لاغارد: ارتفاع اليورو هو نتيجة لسياسات ترامب "الغريبة"

نيويورك - د ب أ: ذكرت رئيسة البنك المركزي الأوروبي كريستين لاغارد أن الارتفاع الأخير في قيمة اليورو مقابل الدولار هو نتيجة لسياسات الرئيس الأميركي دونالد ترامب "الغريبة"، ويعد فرصة لأوروبا. وقالت لاغارد لصحيفة لا تريبيون ديمانش: "من المثير للإعجاب أن نلاحظ أنه في فترة من عدم اليقين، عندما كان من المفترض أن نشهد ارتفاعاً كبيراً في قيمة الدولار، حدث العكس، ارتفعت قيمة اليورو مقابل الدولار"، وفق وكالة "بلومبرغ" للأنباء، أمس. وأضافت: "إنه أمر يتعارض مع البديهة، لكن مبرر بسبب عدم اليقين وفقدان الثقة في السياسات الأميركية بين قطاعات معينة في الأسواق المالية". وتابعت في مقابلة "أكثر من مجرد تهديد، بل هو فرصة، ويجب أن يسرع الزعماء من عملية تعميق الاتحاد الأوروبي"، مرددة تصريحات سابقة. وأضافت: "في وقت نشهد فيه تشكيك في سيادة القانون والنظام القضائي وقواعد التجارة في أميركا، حيث يسود عدم اليقين بشكل دائم ويتجدد يومياً، يتم النظر إلى أوروبا حقاً بوصفها منطقة اقتصادية وسياسية مستقرة بعملة سليمة وبنك مركزي يحظى بالاستقلالية". وألقت لاغارد الضوء على اليورو الرقمي وسوق رأس المال الموحد، قائلة: "هناك إقبال متزايد أقوى من أي شيء رأيته خلال ست سنوات في المنصب في كلا المجالين"، وأضافت: "نحتاج أيضاً إلى تحقيق تناغم في الرقابة، كما تمكنا في القطاع المصرفي". يشار إلى أن المستثمرين سارعوا إلى الابتعاد عن الدولار الأميركي حتى الآن هذا العام مع انخفاض قيمة الدولار مقابل كل العملات الرئيسة الأخرى. ويعكس ذلك بشكل كبير المخاوف بشأن عملية صنع السياسات في أميركا والتي تتراوح من سياسات التعريفات الجمركية المتقلبة التي قد تضر باقتصاد البلاد إلى المخاطر على استقلالية بنك الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي الأميركي).

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store