أحدث الأخبار مع #عبدالوهابالدكالي


أخبارنا
منذ 5 أيام
- ترفيه
- أخبارنا
نصف قرن في محبة الموسيقار عبد الوهاب الدكالي
منذ طفولتي الأولى في ستينيات القرن الماضي، وأنا مشدود بأوتار الشذو إلى صوتٍ يشبه الضوء حين ينساب من شقوق الليل فوق أسطح مدينة فاس العتيقة… لقد كان اسمه يتردد همسًا على شفاه الجيران، وتراتيله العذبة تشعل فيّ رغبة غامضة في البكاء الممزوج بالفرح. الموسيقار عبدالوهاب الدكالي لم يكن مجرد صوت يحلق من المذياع، بل كان رفيق مراهقتي، ظلًّا يطول كلما اشتد الحنين، وصوتًا يلملم شتات قلبي حين يعصف به التيه. كنت في الثامنة أو التاسعة من عمري حين سمعت لأول مرة أغنيته "مول الخال"، منبعثة من مذياع جدي الخشبي، وقد التفّت حوله الأسرة في ظهيرة شتوية رومانسية. لم أفهم كل الكلمات، لكن شيئًا ما في المقام، في الالتفاتة الصوتية، في التنهيدة الخفيفة، جعلني أصمت... كأن الزمن توقف ليركع أمام هذا الفن الرفيع الذي انبثق من حدائق فاس، المدينة التي تحفظ في أزقتها الضيقة مقامات الملحون والموسيقى الأندلسية التي لا تشيخ. كبرتُ، وكبر معي طيف الموسيقار عبدالوهاب الدكالي. أو لنقل، كبرت في حضرة موسيقاه. هو ابن مدينة فاس العريقة ، من تلك الغرف العتيقة ، من عائلة كانت تؤمن بالعلم والتقاليد، لكنه خرج عن المألوف وسار في دروب الفن بشجاعة المطرب المحارب. تلقى تعليمه في الموسيقى، التمثيل، وحتى الرسم، وكأن الفن كان يسكن مساماته. في الخمسينيات من القرن الماضي ، حين كانت البلاد تحت الحماية الفرنسية، كان هو يخط أولى نغماته، يعدو لاهثا وراء حلمه على خشبات المسرح مع فرقة المعمورة، تحت أعين أساتذة فرنسيين، لكن روحه كانت مغربية خالصة، معجونة بالزجل والفصحى ونكهات أزقة المدينة القديمة. حين انتقل منها إلى الرباط، ثم إلى الدار البيضاء، بدا لي وكأنه هاجر في دواخلي أيضًا. بدأت ألاحق أخباره، أحفظ كلماته، وأقلّد صوته أمام المرآة المهشمة في بيتنا، خجلاً من أبي، مشدودًا إلى موسيقاه كما يُشدّ التلميذ إلى أول حب. أذكر جيدًا حين أذاع الراديو أغنيته الثانية "يا الغادي في الطوموبيل"، كنت في الشارع آنذاك، لكنها بقيت تدندن في أذني حتى الليل، فكتبتها على دفاتري كما تُكتب صلاة سرية. ثم جاءت "مرسول الحب" سنة 1972، وأحسست أنها كُتبت لي، وحدي. كيف يمكن لأغنية أن تصف اشتياقًا لم يُكتب بعد؟ كيف استطاع هذا العملاق الشامخ أن يحوّل القلب إلى قارب، والحنين إلى مجداف؟ تلك الأغنية كانت، ولا تزال، صلاة عشاق، وطنًا صغيرًا يجمع المتباعدين في زوايا الحنين. في القاهرة، حيث أقام لسنين طويلًة، لم ينسَ وطنه الحبيب المغرب، بل حمَله معه، زجلًا ومقامات، ولهجة تفيض دفئًا ودهشة. لم يكن فنانًا يطارد الأضواء، بل كان هو الضوء نفسه. موسيقاه لا تُشبه أحدًا، ومواضيعه تتراقص بين الحب والوجدان ووطنه الأم . في رائعته "أنا والغربة"، بكيت منفاي الداخلي. وفي "أجي نتسالمو"، صفحت عن الذين طعنوني ذات حنين. وفي "حكاية هوى"، رأيت وجهي التائه بين قطارات العمر. لم يكتفِ المطرب بالغناء، بل شارك في السينما، شارك بروحه التي لا تعرف المساومة. "أين تخبئون الشمس؟" كان سؤالًا، لكنني كنت أعرف الجواب: يخبئونها في صوته، في ملامحه، في صمته. وحين بدأ التكريم يطرق بابه، فرحت له كما يفرح الابن بنجاح أبيه. الجائزة الكبرى في مدينة المحمدية، ثم درع شخصية العام العربي في لندن، فجوائز من الفاتيكان وباريس، ودكتوراه فخرية، وأوسمة وطنية عديدة … كلها بدت لي اعترافًا متأخرًا لما عرفته أنا طفلًا، حين همست لأمي أن هذا الرجل ليس مثل بقية الرجال. واليوم، وبعد مرور أكثر من نصف قرن، ما زالت معزوفات الموسيقار عبدالوهاب الدكالي تسكنني. كلما سمعت "النظرة "، شعرت أنني أنظر لأول مرة. وكلما بثت أغنية "بيا ولا بيك" إلى الإذاعة، عادت سنواتي الطفولية تركض نحوي. حتى "العهد"، أغنيته الوطنية الرائعة ، كانت لي بمثابة وعد لا يخون. في كل مرة أسمع مقطع "لم تبق إلا شمعة تبكي على ما ضاع مني... وتذوب في دمعي أنا..." من أغنيته العذبة "لا تتركيني"، أشعر كما لو أن الموسيقار الدكالي لا يغني فقط، بل يسرد حكاية وجدانية مشتركة بينه وبين جمهوره. هناك في صوته نغمة بكاء خفي، ووميض شمعة تتآكل ببطء على وقع الذكريات، كأنها تضيء ليل القلب وحدها. ثم تأتي الجملة المعجونة بالشغف: "كي أغني .. كي أغني"، فتفتح النافذة على إصرار الفنان على الحياة رغم كل الفقد، لأنه يغني للحب، ومن أجل الحب. في هذه اللحظة، لا يعود الدكالي مجرد فنان، بل يتحول إلى رسول للعاطفة، يؤمن بأن الغناء ليس تسلية، بل مقاومة للغياب، وانتقام جميل من الزمن. إن هذا المقطع وحده يكفي ليؤكد أن عبد الوهاب الدكالي لم يكن فقط صوت جيل، بل بوصلة عاطفية لمن أضاعوا الطريق، ثم وجدوها في أغانيه العذبة. ولذا، وأنا أكتب هذه السطور، تختلط الذكرى بالنشيد، والدمعة بالمقام، فأدرك من جديد أنني لا أزال أحيى بحبه… كي أكتب، وكي أغني.


لكم
١٣-٠٥-٢٠٢٥
- ترفيه
- لكم
نصف قرن في محبة الموسيقار عبد الوهاب الدكالي
منذ طفولتي الأولى في ستينيات القرن الماضي، وأنا مشدود بأوتار الشذو إلى صوتٍ يشبه الضوء حين ينساب من شقوق الليل فوق أسطح مدينة فاس العتيقة… لقد كان اسمه يتردد همسًا على شفاه الجيران، وتراتيله العذبة تشعل فيّ رغبة غامضة في البكاء الممزوج بالفرح. الموسيقار عبدالوهاب الدكالي لم يكن مجرد صوت يحلق من المذياع، بل كان رفيق مراهقتي، ظلًّا يطول كلما اشتد الحنين، وصوتًا يلملم شتات قلبي حين يعصف به التيه. كنت في الثامنة أو التاسعة من عمري حين سمعت لأول مرة أغنيته 'مول الخال'، منبعثة من مذياع جدي الخشبي، وقد التفّت حوله الأسرة في ظهيرة شتوية رومانسية. لم أفهم كل الكلمات، لكن شيئًا ما في المقام، في الالتفاتة الصوتية، في التنهيدة الخفيفة، جعلني أصمت… كأن الزمن توقف ليركع أمام هذا الفن الرفيع الذي انبثق من حدائق فاس، المدينة التي تحفظ في أزقتها الضيقة مقامات الملحون والموسيقى الأندلسية التي لا تشيخ. كبرتُ، وكبر معي طيف الموسيقار عبدالوهاب الدكالي. أو لنقل، كبرت في حضرة موسيقاه. هو ابن مدينة فاس العريقة ، من تلك الغرف العتيقة ، من عائلة كانت تؤمن بالعلم والتقاليد، لكنه خرج عن المألوف وسار في دروب الفن بشجاعة المطرب المحارب. تلقى تعليمه في الموسيقى، التمثيل، وحتى الرسم، وكأن الفن كان يسكن مساماته. في الخمسينيات من القرن الماضي ، حين كانت البلاد تحت الحماية الفرنسية، كان هو يخط أولى نغماته، يعدو لاهثا وراء حلمه على خشبات المسرح مع فرقة المعمورة، تحت أعين أساتذة فرنسيين، لكن روحه كانت مغربية خالصة، معجونة بالزجل والفصحى ونكهات أزقة المدينة القديمة. حين انتقل منها إلى الرباط، ثم إلى الدار البيضاء، بدا لي وكأنه هاجر في دواخلي أيضًا. بدأت ألاحق أخباره، أحفظ كلماته، وأقلّد صوته أمام المرآة المهشمة في بيتنا، خجلاً من أبي، مشدودًا إلى موسيقاه كما يُشدّ التلميذ إلى أول حب. أذكر جيدًا حين أذاع الراديو أغنيته الثانية 'يا الغادي في الطوموبيل'، كنت في الشارع آنذاك، لكنها بقيت تدندن في أذني حتى الليل، فكتبتها على دفاتري كما تُكتب صلاة سرية. ثم جاءت 'مرسول الحب' سنة 1972، وأحسست أنها كُتبت لي، وحدي. كيف يمكن لأغنية أن تصف اشتياقًا لم يُكتب بعد؟ كيف استطاع هذا العملاق الشامخ أن يحوّل القلب إلى قارب، والحنين إلى مجداف؟ تلك الأغنية كانت، ولا تزال، صلاة عشاق، وطنًا صغيرًا يجمع المتباعدين في زوايا الحنين. في القاهرة، حيث أقام لسنين طويلًة، لم ينسَ وطنه الحبيب المغرب، بل حمَله معه، زجلًا ومقامات، ولهجة تفيض دفئًا ودهشة. لم يكن فنانًا يطارد الأضواء، بل كان هو الضوء نفسه. موسيقاه لا تُشبه أحدًا، ومواضيعه تتراقص بين الحب والوجدان ووطنه الأم . في رائعته 'أنا والغربة'، بكيت منفاي الداخلي. وفي 'أجي نتسالمو'، صفحت عن الذين طعنوني ذات حنين. وفي 'حكاية هوى'، رأيت وجهي التائه بين قطارات العمر. لم يكتفِ المطرب بالغناء، بل شارك في السينما، شارك بروحه التي لا تعرف المساومة. 'أين تخبئون الشمس؟' كان سؤالًا، لكنني كنت أعرف الجواب: يخبئونها في صوته، في ملامحه، في صمته. وحين بدأ التكريم يطرق بابه، فرحت له كما يفرح الابن بنجاح أبيه. الجائزة الكبرى في مدينة المحمدية، ثم درع شخصية العام العربي في لندن، فجوائز من الفاتيكان وباريس، ودكتوراه فخرية، وأوسمة وطنية عديدة … كلها بدت لي اعترافًا متأخرًا لما عرفته أنا طفلًا، حين همست لأمي أن هذا الرجل ليس مثل بقية الرجال. واليوم، وبعد مرور أكثر من نصف قرن، ما زالت معزوفات الموسيقار عبدالوهاب الدكالي تسكنني. كلما سمعت 'النظرة '، شعرت أنني أنظر لأول مرة. وكلما بثت أغنية 'بيا ولا بيك' إلى الإذاعة، عادت سنواتي الطفولية تركض نحوي. حتى 'العهد'، أغنيته الوطنية الرائعة ، كانت لي بمثابة وعد لا يخون. في كل مرة أسمع مقطع 'لم تبق إلا شمعة تبكي على ما ضاع مني… وتذوب في دمعي أنا…' من أغنيته العذبة 'لا تتركيني'، أشعر كما لو أن الموسيقار الدكالي لا يغني فقط، بل يسرد حكاية وجدانية مشتركة بينه وبين جمهوره. هناك في صوته نغمة بكاء خفي، ووميض شمعة تتآكل ببطء على وقع الذكريات، كأنها تضيء ليل القلب وحدها. ثم تأتي الجملة المعجونة بالشغف: 'كي أغني .. كي أغني'، فتفتح النافذة على إصرار الفنان على الحياة رغم كل الفقد، لأنه يغني للحب، ومن أجل الحب. في هذه اللحظة، لا يعود الدكالي مجرد فنان، بل يتحول إلى رسول للعاطفة، يؤمن بأن الغناء ليس تسلية، بل مقاومة للغياب، وانتقام جميل من الزمن. إن هذا المقطع وحده يكفي ليؤكد أن عبد الوهاب الدكالي لم يكن فقط صوت جيل، بل بوصلة عاطفية لمن أضاعوا الطريق، ثم وجدوها في أغانيه العذبة. ولذا، وأنا أكتب هذه السطور، تختلط الذكرى بالنشيد، والدمعة بالمقام، فأدرك من جديد أنني لا أزال أحيى بحبه… كي أكتب، وكي أغني.


كواليس اليوم
٠٩-٠٥-٢٠٢٥
- ترفيه
- كواليس اليوم
نصف قرن في محبة الموسيقار عبد الوهاب الدكالي
عبده حقي منذ طفولتي الأولى في ستينيات القرن الماضي، وأنا مشدود بأوتار الشذو إلى صوتٍ يشبه الضوء حين ينساب من شقوق الليل فوق أسطح مدينة فاس العتيقة… لقد كان اسمه يتردد همسًا على شفاه الجيران، وتراتيله العذبة تشعل فيّ رغبة غامضة في البكاء الممزوج بالفرح. الموسيقار عبدالوهاب الدكالي لم يكن مجرد صوت يحلق من المذياع، بل كان رفيق مراهقتي، ظلًّا يطول كلما اشتد الحنين، وصوتًا يلملم شتات قلبي حين يعصف به التيه. كنت في الثامنة أو التاسعة من عمري حين سمعت لأول مرة أغنيته 'مول الخال'، منبعثة من مذياع جدي الخشبي، وقد التفّت حوله الأسرة في ظهيرة شتوية رومانسية. لم أفهم كل الكلمات، لكن شيئًا ما في المقام، في الالتفاتة الصوتية، في التنهيدة الخفيفة، جعلني أصمت… كأن الزمن توقف ليركع أمام هذا الفن الرفيع الذي انبثق من حدائق فاس، المدينة التي تحفظ في أزقتها الضيقة مقامات الملحون والموسيقى الأندلسية التي لا تشيخ. كبرتُ، وكبر معي طيف الموسيقار عبدالوهاب الدكالي. أو لنقل، كبرت في حضرة موسيقاه. هو ابن مدينة فاس العريقة ، من تلك الغرف العتيقة ، من عائلة كانت تؤمن بالعلم والتقاليد، لكنه خرج عن المألوف وسار في دروب الفن بشجاعة المطرب المحارب. تلقى تعليمه في الموسيقى، التمثيل، وحتى الرسم، وكأن الفن كان يسكن مساماته. في الخمسينيات من القرن الماضي ، حين كانت البلاد تحت الحماية الفرنسية، كان هو يخط أولى نغماته، يعدو لاهثا وراء حلمه على خشبات المسرح مع فرقة المعمورة، تحت أعين أساتذة فرنسيين، لكن روحه كانت مغربية خالصة، معجونة بالزجل والفصحى ونكهات أزقة المدينة القديمة. حين انتقل منها إلى الرباط، ثم إلى الدار البيضاء، بدا لي وكأنه هاجر في دواخلي أيضًا. بدأت ألاحق أخباره، أحفظ كلماته، وأقلّد صوته أمام المرآة المهشمة في بيتنا، خجلاً من أبي، مشدودًا إلى موسيقاه كما يُشدّ التلميذ إلى أول حب. أذكر جيدًا حين أذاع الراديو أغنيته الثانية 'يا الغادي في الطوموبيل'، كنت في الشارع آنذاك، لكنها بقيت تدندن في أذني حتى الليل، فكتبتها على دفاتري كما تُكتب صلاة سرية. ثم جاءت 'مرسول الحب' سنة 1972، وأحسست أنها كُتبت لي، وحدي. كيف يمكن لأغنية أن تصف اشتياقًا لم يُكتب بعد؟ كيف استطاع هذا العملاق الشامخ أن يحوّل القلب إلى قارب، والحنين إلى مجداف؟ تلك الأغنية كانت، ولا تزال، صلاة عشاق، وطنًا صغيرًا يجمع المتباعدين في زوايا الحنين. في القاهرة، حيث أقام لسنين طويلًة، لم ينسَ وطنه الحبيب المغرب، بل حمَله معه، زجلًا ومقامات، ولهجة تفيض دفئًا ودهشة. لم يكن فنانًا يطارد الأضواء، بل كان هو الضوء نفسه. موسيقاه لا تُشبه أحدًا، ومواضيعه تتراقص بين الحب والوجدان ووطنه الأم . في رائعته 'أنا والغربة'، بكيت منفاي الداخلي. وفي 'أجي نتسالمو'، صفحت عن الذين طعنوني ذات حنين. وفي 'حكاية هوى'، رأيت وجهي التائه بين قطارات العمر. لم يكتفِ المطرب بالغناء، بل شارك في السينما، شارك بروحه التي لا تعرف المساومة. 'أين تخبئون الشمس؟' كان سؤالًا، لكنني كنت أعرف الجواب: يخبئونها في صوته، في ملامحه، في صمته. وحين بدأ التكريم يطرق بابه، فرحت له كما يفرح الابن بنجاح أبيه. الجائزة الكبرى في مدينة المحمدية، ثم درع شخصية العام العربي في لندن، فجوائز من الفاتيكان وباريس، ودكتوراه فخرية، وأوسمة وطنية عديدة … كلها بدت لي اعترافًا متأخرًا لما عرفته أنا طفلًا، حين همست لأمي أن هذا الرجل ليس مثل بقية الرجال. واليوم، وبعد مرور أكثر من نصف قرن، ما زالت معزوفات الموسيقار عبدالوهاب الدكالي تسكنني. كلما سمعت 'النظرة '، شعرت أنني أنظر لأول مرة. وكلما بثت أغنية 'بيا ولا بيك' إلى الإذاعة، عادت سنواتي الطفولية تركض نحوي. حتى 'العهد'، أغنيته الوطنية الرائعة ، كانت لي بمثابة وعد لا يخون. في كل مرة أسمع مقطع 'لم تبق إلا شمعة تبكي على ما ضاع مني… وتذوب في دمعي أنا…' من أغنيته العذبة 'لا تتركيني'، أشعر كما لو أن الموسيقار الدكالي لا يغني فقط، بل يسرد حكاية وجدانية مشتركة بينه وبين جمهوره. هناك في صوته نغمة بكاء خفي، ووميض شمعة تتآكل ببطء على وقع الذكريات، كأنها تضيء ليل القلب وحدها. ثم تأتي الجملة المعجونة بالشغف: 'كي أغني .. كي أغني'، فتفتح النافذة على إصرار الفنان على الحياة رغم كل الفقد، لأنه يغني للحب، ومن أجل الحب. في هذه اللحظة، لا يعود الدكالي مجرد فنان، بل يتحول إلى رسول للعاطفة، يؤمن بأن الغناء ليس تسلية، بل مقاومة للغياب، وانتقام جميل من الزمن. إن هذا المقطع وحده يكفي ليؤكد أن عبد الوهاب الدكالي لم يكن فقط صوت جيل، بل بوصلة عاطفية لمن أضاعوا الطريق، ثم وجدوها في أغانيه العذبة. ولذا، وأنا أكتب هذه السطور، تختلط الذكرى بالنشيد، والدمعة بالمقام، فأدرك من جديد أنني لا أزال أحيى بحبه… كي أكتب، وكي أغني.


الألباب
٢٢-٠٤-٢٠٢٥
- ترفيه
- الألباب
عودة أسطورة الطرب المغربي عبد الوهاب الدكالي في عرض موسيقي تاريخي
الألباب المغربية الرباط على موعد مع حدث فني استثنائي يوم الجمعة 11 أبريل 2025، حيث يحتضن مسرح محمد الخامس عرضًا موسيقيًا سيخلد في ذاكرة الفن المغربي. يشهد الحفل عودة عميد الأغنية المغربية، عبد الوهاب الدكالي إلى خشبة المسرح بعد غياب طويل، ليُعيد وصل جمهوره بعالمه الفني الذي يحمل عبق الأصالة. في ليلة موسيقية استثنائية، سيؤدي الفنان روائعه الخالدة، مثل 'ما أنا إلا بشر' و'مرسول الحب'، بحلة جديدة بمرافقة أوركسترا تضم الآلات التقليدية والحديثة، مع تصميم احترافي للإضاءة والمؤثرات البصرية، ليقدّم للجمهور تجربة فنية شاملة لا مثيل لها. ويحمل هذا الحدث بصمة هند التازي، التي تعود هي الأخرى إلى عالم تنظيم الحفلات عبر وكالتها 'EDIFOREVE GROUP'، بعد سنوات من النجاح والتألق في المجال الفني. يحظى الحفل بدعم وزارة الشباب والثقافة والتواصل، بتنظيم من شركة 'EDIFOREVE GROUP'، ليكون انعكاسًا لجهود مشتركة تهدف إلى الاحتفاء بالإرث الموسيقي المغربي. يمثل هذا الحفل المرتقب استجابة للشوق العارم الذي يشعر به عشاق الفن المغربي للأغاني الكلاسيكية التي تحمل عبق الأصالة. لقد ظل الجمهور المغربي متعطشًا لرؤية الموسيقار الأسطوري عبد الوهاب الدكالي يعود إلى خشبة المسرح ليعيد إحياء روائعه الخالدة التي شكلت جزءًا من هوية الموسيقى المغربية. هذا الحدث يُجسّد احتفاءً بالتراث الموسيقي الذي لا يقدر بثمن، ويمنح الفرصة لعشاقه للتواصل مع إرثه الفني في ليلة تاريخية تنبض بالإبداع والشجن.


بيان اليوم
١٧-٠٤-٢٠٢٥
- ترفيه
- بيان اليوم
عبد الوهاب الدكالي يعود في الليلة الكبرى
عبد الوهاب الدكالي يعود في الليلة الكبرى عانق عميد الأغنية المغربية، عبد الوهاب الدكالي، في ليلة طربية جمهوره بمسرح محمد الخامس بالرباط، يوم الجمعة الماضي بعد غياب طويل. بزغ الدكالي على سطح المسرح، ليقف الجمهور وقفة إجلال وتقدير لدقائق يصفق بحرارة لنجمه المفضل، وهو يحييه بحرارة الكبار وكأنما يعانق الحاضرين واحدا واحدا، وفي الخلفية، ينبثق اللحن العظيم لأغنيته 'هاد الغيبة طالت' التي افتتح بها السهرة. حج إلى المسرح جمهور من مختلف الأعمار، منهم شباب يقدرون قيمة الفن الحقيقي الذي لا يرتبط بعدد المشاهدات في 'اليوتيب'، وإنما بالكلمة واللحن الجميلين اللذين يدخلانك في حالة من النشوة الموسيقية. الموسيقى الجميلة هي جميلة وفقط، ليست موجة عابرة أو 'طوندونس' تظهر فترة وتموت إلى الأبد، هي خالدة يستمتع بها كل الأجيال كبناية جميلة بناها الرومان في التاريخ القديم وما زال الزوار ينجذبون بسحرها في كل مرة يرونها. كانت هناك، أيضا، نساء ورجال كبار في السن، جاؤوا للتحرش بالذاكرة وإحياء نوستالجيا الزمن الجميل مع فنان طبع ذاكرتهم الموسيقية، عاشوا معه نفس الأحاسيس، نفس الأحلام، نفس الشغف في فترة من فترات حياتهم. غنوا ورددوا معه الروائع من أغانيه مثل 'الثلث الخالي' و'كان يا مكان' و'مرسول الحب' و'ما أنا إلا بشر' و'لهلا يزيد كثر'… والجديد من أغانيه مثل 'مصباح علاء الدين'. ساعاتان من الفرحة والدهشة، اهتم فيها الدكالي بتفاصيل التفاصيل من حفله الموسيقي، تارة كان يغني واقفا بثقة، وتارة وهو يتمشى واضعا يده في جيبه، وتارة يعزف بالعود بأنامله السحرية. الدكالي هو الدكالي، أنيق في غنائه كما في إطلالته، لن تتغير نظرتك إليه، نفس الأنفة وعزة النفس، ولعل كل من شاهد صوره أو مقاطع فيديو من حفله الأخير قال 'سبحان الله هاد عبد الوهاب الدكالي هو عبد الوهاب الدكالي، ماكيتبدلش'. لم يفت منظمو الحفل، التأريخ لفترات من مسيرة الدكالي الفنية الطويلة، من خلال صور عرضت في خلفية شاشة المسرح، جمعته مع الموسيقار الكبير محمد عبد الوهاب، والشاعر أحمد رامي، ثم المسرحي الطيب الصديقي والفنانة سميرة بنسعيد، بالإضافة للعندليب عبد الحليم حافظ، الذي وصفه الدكالي بأنه من أجمل الأصوات التي مرت، متحدثا عن علاقة الصداقة التي كانت تربط بينهما، مشيرا إلى أن عبد الحليم لم يكن يحب الغناء لأحد حتى لمحمد عبد الوهاب نفسه، إلا أنه كان يحب أغانيه هو (أي الدكالي)، منها رائعته 'كاتعجبني'، التي غناها عبد الحليم بصوته بطريقة أكثر من رائعة عزف فيها الدكالي بالعود في تسجيل نادر. وقد استرجع الدكالي تلك اللحظة من سبعينات القرن الماضي ببث الأغنية بصوت عبد الحليم قبل أن يكملها الدكالي وهو يردد 'وغير حبيتك يا عجبا تغير طبعي، وبديت نشوف هاد الدنيا بمنظر جديد…'. وقال عبد الوهاب الدكالي: 'أنا سعيد جدا باللقاء مع الجمهور المغربي، وشاءت الأقدار أن تكون السهرة في مسرح محمد الخامس المؤسسة التي تحمل اسم الملك الراحل ولها تاريخ كبير ومكانة عند الجمهور المغربي حيث غنى فيها العديد من الفنانين المغاربة والعرب والأجانب'. وأضاف الموسيقار عبد الوهاب الدكالي في تصريح خص به جريدة 'بيان اليوم': 'أحيي عشاقي الذين تكبدوا عناء المجيء للسهرة، وقد تفاعلوا كثيرا مع معزوفاتي الموسيقية التي كانوا يحفظونها خصوصا القديمة منها'. ولم يفت الدكالي التحدث عن أغانيه التي كانت، في وقت ما، ممنوعة من البث على أمواج الإذاعة الوطنية مثل 'ما أنا إلا بشر' و'مرسول الحب'.. جدير بالذكر، أن السهرة كانت من تقديم الإعلامية هانية قسومي، وافتتحتها المطربة نجاة الرجوي، التي غنت الروائع المغربية مثل 'كيف يدير آسيدي' و'رجال الله' و'عطشانة' قبل أن يصعد الدكالي إلى الخشبة ليلهبها بطريقته الخاصة. الرباط: سارة صبري