logo
#

أحدث الأخبار مع #عدي_رشيد

'الجمهور أكثر استعدادا مما نظن لتلقي سينما حقيقية'.. حوار مع مخرج الفيلم السعودي 'هوبال'
'الجمهور أكثر استعدادا مما نظن لتلقي سينما حقيقية'.. حوار مع مخرج الفيلم السعودي 'هوبال'

الجزيرة

time٠٦-٠٥-٢٠٢٥

  • ترفيه
  • الجزيرة

'الجمهور أكثر استعدادا مما نظن لتلقي سينما حقيقية'.. حوار مع مخرج الفيلم السعودي 'هوبال'

انتهت قبل أيام الدورة الحادية عشرة من مهرجان الأفلام السعودي، التي أجريت بين 17-23 أبريل/ نيسان، بمركز الملك عبد العزيز الثقافي 'إثراء' في الشرقية. وهو أقدم مهرجان سينمائي في المملكة، ويخرج هذه المرة تحت شعار 'قصص تُرى وتُروى'. تتنافس هذا العام مسابقات وثائقية تجمع 7 أفلام طويلة وأعمالا قصيرة، وفي مسابقة الأفلام الروائية الطويلة 8 أفلام، تمثل طيفا متنوعا من التجارب السعودية والعربية، لعل أهمها فيلم 'هوبال' الذي نتناوله تحليليا في هذا المقال. ومضات من أبرز أفلام المهرجان قبل الحديث عن 'هوبال'، نمر سريعا على الأعمال الطويلة التي شاركت هذه الدورة، وربما دون تنافس كبير، فمنها فيلم 'أناشيد آدم' للمخرج العراقي عدي رشيد، الشاعر والرسام وعازف الغيتار والسيناريست والمصور الفوتوغرافي والمخرج الذي صبر سنوات لصناعة هذا الفيلم، وهو أفضل أفلام الدورة على الإطلاق. إنه عمل يتقاطع فيه الفني مع السياسي، فلا يختص بالعراق التي خرج منها، بل هو مرثية عربية شاملة تدعو للتأسف على الحال، ويحمل قدرا كبيرا من الأصالة المحلية، التي تجعل كل مُشاهد ينخرط في أحداثه، سواء أكان يقيم داخل العراق أو خارجه. يدفعنا الفيلم إلى إعادة التفكير في الخطاب السينمائي، عندما لا يتجاوز الظرف التاريخي الزماني والمكاني، من دون أن يعيد تفكيك الأسئلة الأصيلة الأكثر صعوبة، ويطرحها في سياق وجودي، يورّط الجميع في التعاطف ومحاولة الإجابة. نرى في الفيلم قصة عربية لطفل يتوقف عن الكبر في السن، فيعيش العمر طفلا محاصرا بطفولته. إنها قصة خيالية أشبه بقصة فيلم 'طبل الصفيح' (Die Blechtrommel) للمخرج 'فولكر شلوندورف' (1979)، وهو مأخوذ عن رواية بذلك العنوان للكاتب 'غونتر غراس'، وقد حصد بسببها الأوسكار. أما هذه المرة فالقصة عربية مناسبة تماما لمجتمعات تحتاج أن تكبر. إنها مجاز سياسي مثالي وحالم بلا مباشرة. وقد عُرضت في المهرجان أفلام أخرى أيضا، منها: 'إسعاف' للمخرج 'كولين تيغ'، وقام ببطولته الممثل إبراهيم الحجاج. ومنها فيلم الإثارة النفسية 'ثقوب' للمخرج عبد المحسن الضبعان، وقد بدا أكثر تجريبية في مساحة الاعتماد على الصورة، واتخاذها بطلا موازيا لقصة نفسية معقدة أكثر من السيناريو المكتوب. ومنها فيلم 'سلمى وقمر' للمخرجة السعودية عهد كامل، وفيلم 'رفعت الجلسة' للمخرج الكويتي محمد المجيبل، وفيلم 'فخر السويدي' للمخرج المصري هشام فتحي والسعوديين عبد الله بامجبور وأسامة صالح، وفيلم 'سوار' للمخرج السعودي أسامة الخريجي. ثنائية المخرج والمؤلف بالتوازي مع العرض في المهرجان، سيطر فيلم 'هوبال' للمخرج عبد العزيز الشلاحي والكاتب مفرج المجفل على شباك التذاكر في صالات السينما السعودية، وقد جنى أكثر من 20 مليون ريال منذ بدء عرضه حتى اليوم، وهو يتصدر أكثر الأفلام مبيعا منذ بضعة أسابيع. وتبدو تلك النقطة الأولى للحديث عن الفيلم، فقد بدا العمل غير جماهيري على الإطلاق، بل محطة للنقاش وتبادل الآراء عن القصة السعودية، التي تحاول أن تفرض مكانا لنفسها مع الانفتاح الحديث. على خلفية عرض الفيلم في المهرجان، قابلت الجزيرة الوثائقية المخرج عبد العزيز الشلاحي، وكان المنطلق الأول في الحوار معه هو الحديث المبدئي عن التعاون الثنائي بينه وبين مؤلف الفيلم، فقد بدا أنهما يتحركان معا في عدة مشروعات قديمة وحديثة. يقول المخرج في حواره: أجد في العمل مع مفرج المجفل حالة نادرة من الانسجام الفني، فنحن نتشارك شغف التفاصيل، ونتفق في الالتقاطات تجاه الشخصيات والبيئة المحيطة بها، ولدينا ثقة كاملة، فكل واحد يحترم مساحة الآخر الإبداعية، وهذا ما يجعل النقاش بيننا -مهما كانت الاختلافات- واعيا وصادقا، ويفتح آفاقا جديدة تجاه العمل، وأنا أرى أن التعاونات الثنائية الحقيقية والصادقة والجادة التي لها هدف وهاجس واحد، ستصنع أفلاما أكثر تماسكا، لأن العمل الفني حوار مستمر بين عوالم متعددة. مجاز يفتح آفاقه من تقليد حُداء الإبل تسمية الفيلم 'هوبال' ملفتة للأنظار، وكذلك سياق حبكة القصة عموما، فهوبال هو الحدّاء الذي يحدو الإبل ويغني لها كي تجد في السير، وذلك تقليد عريق يتمثل في إنشاد شعري، يحفّز الإبل على السير بطريقة معينة، أو إيجاد مكان الراعي الذي يناديها. تتخذ تلك التسمية البيئة مجازا أوسع يجمع بين الإنسان والحيوان، فالجميع منضبط برغم الشتات. يبدأ المشهد الأول في الفيلم من نداء الجد للإبل بتلك الطريقة، ومما يلفت النظر أنه نداء للجميع للبقاء في حوزته، كصفارة إنذار تحذيرية من خطر يحلّق بالجميع. يفتتح 'هوبال' قصته بالوقوف في صحراء قاحلة، تظهر القسوة التي ينطبع بها أغلب شخصيات الفيلم. ويظهر الجد إبراهيم الحساوي في دور مذهل، يناسب تكوينه الجسدي، وتفصيلات وجهه المنحوتة من أثر الزمن. وتبدأ الأحداث مع بداية حرب الخليج، فيُسمع النداء الصادر إلى الإبل في مجاز أوسع، لتحذير الكل مما هو قادم، فالعالم كله في خطر الحرب التي قد تدمر الخليج عام 1990. يتخيل الجد هنا أنهم باتوا في نهاية الزمن، وأن القيامة اقتربت، وعليهم الرحيل من المدينة الظالمة، للإقامة في الصحراء التي يتساوى فيها الجميع. تبدو الصحراء هنا مكانا أكثر طهارة، يصلح لاستقبال النهاية، وأرضية جيدة لقصة فناء عربية أصيلة، قادمة من رحم تصورات دينية متأصلة في وعي كل عربي ولا وعيه، ففي الصحراء يتساوى الحيوان مع الإنسان، بعيدا عن الفساد الذي لحق بالمدينة. 'أتخذ موقع التصوير أحد أبطال القصة' يظهر المكان بطلا موازيا في الفيلم، فلدينا خصوصية صحراوية قاتمة تناسب الحدث، وتُظهر بصمت كيف يعيش هؤلاء، كما تقول شيئا عن الخصوصية العربية. يقول المخرج: أتعامل دائما مع موقع التصوير كأنه أحد أبطال القصة، وأبحث عن أماكن تتنفس الحكاية، ولا تبدو مفروضة عليها. أما فريق العمل، فاختياره يأتي أولا من فهمهم لغة المشروع، وثانيا من قدرتهم على الإيمان به، لا تنفيذه فقط. يصل الفيلم إلى ذروة قصته حين تمرض إحدى الحفيدات، فيرفض الجد رفضا قاطعا كل محاولة للذهاب بها إلى المدينة، التي يراها فاسدة محرّمة على أسرته، فيخضع الكبار لحكمه، لكن يتجرأ أحد الأحفاد على تدبير محاولة للهروب إلى المدينة. تبدو المدينة محطة الفرار والوصول سؤالا رئيسيا لكل جيل على حدة، أحدهم يمثّله الجيل الأكبر البعيد، والآخر الأصغر 'البِكر' الذي لم يتلوّث بعد. وربما يبدو ذلك تساؤلَ الفيلم الآخر، عن التعارض بين جيلين سعوديين، أحدهما وُلد مع أزمة الخليج. 'هوبال'.. لماذا كل تلك الشهرة؟ على المستوى الخطابي الذي اختاره الفيلم، ربما خلقت تلك المعضلة التي تبدو قريبة الشبه بأفلام الفناء الأمريكية تعاطفا وتشويقا، لكنها كانت في الوقت ذاته أكثر حميمية وقربا من كل عربي، فربما يصلح ذلك تفسيرا أوّليا للضجة التي أثارها العمل من لحظة عرضه. نحن أمام رحلة أبطال ثنانية؛ من المدينة إلى الصحراء التي تشبههم أكثر من غيرها، ومن الفردية إلى التساؤل مرة أخرى عن المكان الذي عليهم الاهتمام به أكثر، فقصة تحتويها الصحراء ويتصدرها الحيوان، يصبح فيها الإنسان ضيفا عليه أن يعيد تعريف نفسه وفق المعطى الجديد. يقول المخرج: لا أرى 'هوبال' محاولة لعرض قصة ذات طابع تراثي فقط، بل أراها رحلة إلى جوهر الهوية الأصلية، من خلال البادية بتفاصيلها القاسية والإنسانية، تلك البيئة التي شكلت جزءا أصيلا من روح الإنسان في المكان، وأرى أن الأصالة في السينما ينبغي أن لا تأتي من استنساخ الماضي، بل من إعادة اكتشافها بلغة فريدة، تتسم بالدهشة واحترام الجذور. ثم يقول: حاولنا في 'هوبال' تقديم الإنسان في بيئته كما هو؛ بسيطا معقدا صامدا حالما، وهذه خصائص تشبه كثيرا من الأفلام الأصيلة، حين تكون في أصدق حالاتها. كما يوضح أن السينما اليوم تمتلك الطاقات والرؤية وسهولة الوصول، لكن ينقصها الإيمان والثقة؛ الإيمان لدى الصانع في البحث عن مساحات أوسع للتجريب دون خوف من توقعات السوق، وثقة أكبر من الجميع بخصوصيتنا الثقافية، وأظن الأصالة هي مفتاحنا للآخر لا التقليد. 'كانت الصعوبات تصنع طاقة إضافية' كان الأمثل لاستكمال هذا الحوار هو الانطلاق إلى نقطة أكثر عمقا وخصوصية لصنّاع الفيلم؛ ألا وهي الطريقة التي اختاروها للعمل على القصة. يقول المخرج: بعد الانتهاء من الكتابة، أبدأ بمرحلة بناء الفريق حول روح النص، لأني أؤمن بأن الفيلم لا يصنعه فرد، بل جماعة لها روح واحدة، وتؤمن بعمل واحد، فمن الطبيعي أن يلاقي كل مشروع سينمائي صعوبات، لا سيما حين تحاول أن تقدم شيئا خارج حدود المألوف إنتاجيا. وفي 'هوبال'، كانت التحديات كبيرة جدا، لكن أهمها هو التصوير في بيئة لا حدود لها، تحكمها عوامل خارجية لا سبيل للسيطرة عليها مثل الظروف الجوية، وأيضا التعامل مع شخصيات متعددة وممثلين من أجيال متفاوتة، ناهيك عن عقبة التعامل مع حيوانات الفيلم، فقد كنتُ حريصا على تنفيذ المشاهد دون لجوء للحلول التقنية. لكن هذه الصعوبات كانت جزءا من الرحلة، بل أحيانا كانت تصنع طاقة إضافية للفيلم، تجعلنا نتغلب عليها بكل يسر. عند تلك المرحلة، كانت النقطة الأكثر محورية هنا في حديثنا تخص المسار الرقابي العربي عموما، لا السعودي فقط، فذلك أمر يفكر فيه كل صانع أفلام، وقد حاولنا أن نفهم أكثر كيف يرى ذلك فنان سعودي. يقول المخرج إن الرقابة هاجس يفكر فيه كثيرا صانعو الأفلام، ومن المهم الوعي لهذه المرحلة، ووضعها بالاعتبار قبل تنفيذ العمل، وليس بالضرورة أن تكون رغبات، بل أحيانا قوانين وتنظيمات وتشريعات يجب احترامها، لكنني أرى أن الذكاء الفني يستطيع تجاوز المحظورات دون خيانة للفكرة. لكن في سياق صناعة هذا الفيلم تحديدا شيئا أكثر خصوصية، يقول المخرج: أثناء العمل على 'هوبال'، كنت حريصا على أن أكون صادقا في رواية القصة، مع مراعاة السياق الثقافي، من دون أن أفرّط في الرقابة الذاتية، وتوقعت أن أجد تحديات في بعض أماكن العرض، لا سيما مع اختلافات أنظمة الرقابة، لكنني أؤمن أن طريقة التناول الفني وأسلوب الحكاية والموازنة بين ما تقول وما تحمل من أفكار هي أقوى وسيلة لكسب ثقة الجمهور، وما ينبني عليها من عدم ممانعة الرقابة. وصفة النجاح التي يبحثها عنها السينمائيون حتى الآن لا يزال 'هوبال' يحمل ثنائية صعبة التحقق، وربما يبحث عنها المنتجون في العالم كله، ألا وهي التوازي بين العنصر الفني المتخصص، وبين العنصر الجماهيري الأوسع على الإطلاق. وربما حقق 'هوبال' ذلك بشكل لم يكن في حسبان صنّاعه. يقول عبد العزيز الشلاحي للجزيرة الوثائقية: كانت ردود الفعل مليئة بالمفاجآت، فقد شعرت أن الجمهور كان متعطشا لرؤية قصته وبيئته ولغته البصرية، بشكل مختلف عن النماذج المعتادة. أما أنا فأبرز ما أدركته أن الجمهور السعودي والخليجي أكثر استعدادا مما نظن لتلقي سينما حقيقية وجريئة وعميقة، وأنك حين تقدم لهم عملا صادقا، تجد صدى يتجاوز كل التوقعات. ربما كان 'هوبال' الفيلم الأنضج في هذه الدورة من المهرجان، وهو تجربة سعودية عربية، لكنها تحتاج قليلا من الإضافات، حتى تستطيع المنافسة عالميا. إنه عمل يفهم الوسيط السينمائي جيدا ليجعله يحتوي البشري والحيواني، ويتناص بين الزمان والمكان لعمل قصة عربية أصيلة، برغم بعض الملاحظات اليسيرة، وأما ندرة الموسيقى فهي نتيجة قسوة الصحراء التي لا تحتمل آخر، ومحاولة جيدة لتقديم فكرة عربية عن نوع سينمائي عالمي.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store