logo
'الجمهور أكثر استعدادا مما نظن لتلقي سينما حقيقية'.. حوار مع مخرج الفيلم السعودي 'هوبال'

'الجمهور أكثر استعدادا مما نظن لتلقي سينما حقيقية'.. حوار مع مخرج الفيلم السعودي 'هوبال'

الجزيرة٠٦-٠٥-٢٠٢٥

انتهت قبل أيام الدورة الحادية عشرة من مهرجان الأفلام السعودي، التي أجريت بين 17-23 أبريل/ نيسان، بمركز الملك عبد العزيز الثقافي 'إثراء' في الشرقية. وهو أقدم مهرجان سينمائي في المملكة، ويخرج هذه المرة تحت شعار 'قصص تُرى وتُروى'.
تتنافس هذا العام مسابقات وثائقية تجمع 7 أفلام طويلة وأعمالا قصيرة، وفي مسابقة الأفلام الروائية الطويلة 8 أفلام، تمثل طيفا متنوعا من التجارب السعودية والعربية، لعل أهمها فيلم 'هوبال' الذي نتناوله تحليليا في هذا المقال.
ومضات من أبرز أفلام المهرجان
قبل الحديث عن 'هوبال'، نمر سريعا على الأعمال الطويلة التي شاركت هذه الدورة، وربما دون تنافس كبير، فمنها فيلم 'أناشيد آدم' للمخرج العراقي عدي رشيد، الشاعر والرسام وعازف الغيتار والسيناريست والمصور الفوتوغرافي والمخرج الذي صبر سنوات لصناعة هذا الفيلم، وهو أفضل أفلام الدورة على الإطلاق.
إنه عمل يتقاطع فيه الفني مع السياسي، فلا يختص بالعراق التي خرج منها، بل هو مرثية عربية شاملة تدعو للتأسف على الحال، ويحمل قدرا كبيرا من الأصالة المحلية، التي تجعل كل مُشاهد ينخرط في أحداثه، سواء أكان يقيم داخل العراق أو خارجه.
يدفعنا الفيلم إلى إعادة التفكير في الخطاب السينمائي، عندما لا يتجاوز الظرف التاريخي الزماني والمكاني، من دون أن يعيد تفكيك الأسئلة الأصيلة الأكثر صعوبة، ويطرحها في سياق وجودي، يورّط الجميع في التعاطف ومحاولة الإجابة.
نرى في الفيلم قصة عربية لطفل يتوقف عن الكبر في السن، فيعيش العمر طفلا محاصرا بطفولته. إنها قصة خيالية أشبه بقصة فيلم 'طبل الصفيح' (Die Blechtrommel) للمخرج 'فولكر شلوندورف' (1979)، وهو مأخوذ عن رواية بذلك العنوان للكاتب 'غونتر غراس'، وقد حصد بسببها الأوسكار. أما هذه المرة فالقصة عربية مناسبة تماما لمجتمعات تحتاج أن تكبر. إنها مجاز سياسي مثالي وحالم بلا مباشرة.
وقد عُرضت في المهرجان أفلام أخرى أيضا، منها: 'إسعاف' للمخرج 'كولين تيغ'، وقام ببطولته الممثل إبراهيم الحجاج.
ومنها فيلم الإثارة النفسية 'ثقوب' للمخرج عبد المحسن الضبعان، وقد بدا أكثر تجريبية في مساحة الاعتماد على الصورة، واتخاذها بطلا موازيا لقصة نفسية معقدة أكثر من السيناريو المكتوب.
ومنها فيلم 'سلمى وقمر' للمخرجة السعودية عهد كامل، وفيلم 'رفعت الجلسة' للمخرج الكويتي محمد المجيبل، وفيلم 'فخر السويدي' للمخرج المصري هشام فتحي والسعوديين عبد الله بامجبور وأسامة صالح، وفيلم 'سوار' للمخرج السعودي أسامة الخريجي.
ثنائية المخرج والمؤلف
بالتوازي مع العرض في المهرجان، سيطر فيلم 'هوبال' للمخرج عبد العزيز الشلاحي والكاتب مفرج المجفل على شباك التذاكر في صالات السينما السعودية، وقد جنى أكثر من 20 مليون ريال منذ بدء عرضه حتى اليوم، وهو يتصدر أكثر الأفلام مبيعا منذ بضعة أسابيع.
وتبدو تلك النقطة الأولى للحديث عن الفيلم، فقد بدا العمل غير جماهيري على الإطلاق، بل محطة للنقاش وتبادل الآراء عن القصة السعودية، التي تحاول أن تفرض مكانا لنفسها مع الانفتاح الحديث.
على خلفية عرض الفيلم في المهرجان، قابلت الجزيرة الوثائقية المخرج عبد العزيز الشلاحي، وكان المنطلق الأول في الحوار معه هو الحديث المبدئي عن التعاون الثنائي بينه وبين مؤلف الفيلم، فقد بدا أنهما يتحركان معا في عدة مشروعات قديمة وحديثة.
يقول المخرج في حواره: أجد في العمل مع مفرج المجفل حالة نادرة من الانسجام الفني، فنحن نتشارك شغف التفاصيل، ونتفق في الالتقاطات تجاه الشخصيات والبيئة المحيطة بها، ولدينا ثقة كاملة، فكل واحد يحترم مساحة الآخر الإبداعية، وهذا ما يجعل النقاش بيننا -مهما كانت الاختلافات- واعيا وصادقا، ويفتح آفاقا جديدة تجاه العمل، وأنا أرى أن التعاونات الثنائية الحقيقية والصادقة والجادة التي لها هدف وهاجس واحد، ستصنع أفلاما أكثر تماسكا، لأن العمل الفني حوار مستمر بين عوالم متعددة.
مجاز يفتح آفاقه من تقليد حُداء الإبل
تسمية الفيلم 'هوبال' ملفتة للأنظار، وكذلك سياق حبكة القصة عموما، فهوبال هو الحدّاء الذي يحدو الإبل ويغني لها كي تجد في السير، وذلك تقليد عريق يتمثل في إنشاد شعري، يحفّز الإبل على السير بطريقة معينة، أو إيجاد مكان الراعي الذي يناديها.
تتخذ تلك التسمية البيئة مجازا أوسع يجمع بين الإنسان والحيوان، فالجميع منضبط برغم الشتات. يبدأ المشهد الأول في الفيلم من نداء الجد للإبل بتلك الطريقة، ومما يلفت النظر أنه نداء للجميع للبقاء في حوزته، كصفارة إنذار تحذيرية من خطر يحلّق بالجميع.
يفتتح 'هوبال' قصته بالوقوف في صحراء قاحلة، تظهر القسوة التي ينطبع بها أغلب شخصيات الفيلم. ويظهر الجد إبراهيم الحساوي في دور مذهل، يناسب تكوينه الجسدي، وتفصيلات وجهه المنحوتة من أثر الزمن. وتبدأ الأحداث مع بداية حرب الخليج، فيُسمع النداء الصادر إلى الإبل في مجاز أوسع، لتحذير الكل مما هو قادم، فالعالم كله في خطر الحرب التي قد تدمر الخليج عام 1990.
يتخيل الجد هنا أنهم باتوا في نهاية الزمن، وأن القيامة اقتربت، وعليهم الرحيل من المدينة الظالمة، للإقامة في الصحراء التي يتساوى فيها الجميع. تبدو الصحراء هنا مكانا أكثر طهارة، يصلح لاستقبال النهاية، وأرضية جيدة لقصة فناء عربية أصيلة، قادمة من رحم تصورات دينية متأصلة في وعي كل عربي ولا وعيه، ففي الصحراء يتساوى الحيوان مع الإنسان، بعيدا عن الفساد الذي لحق بالمدينة.
'أتخذ موقع التصوير أحد أبطال القصة'
يظهر المكان بطلا موازيا في الفيلم، فلدينا خصوصية صحراوية قاتمة تناسب الحدث، وتُظهر بصمت كيف يعيش هؤلاء، كما تقول شيئا عن الخصوصية العربية.
يقول المخرج: أتعامل دائما مع موقع التصوير كأنه أحد أبطال القصة، وأبحث عن أماكن تتنفس الحكاية، ولا تبدو مفروضة عليها. أما فريق العمل، فاختياره يأتي أولا من فهمهم لغة المشروع، وثانيا من قدرتهم على الإيمان به، لا تنفيذه فقط.
يصل الفيلم إلى ذروة قصته حين تمرض إحدى الحفيدات، فيرفض الجد رفضا قاطعا كل محاولة للذهاب بها إلى المدينة، التي يراها فاسدة محرّمة على أسرته، فيخضع الكبار لحكمه، لكن يتجرأ أحد الأحفاد على تدبير محاولة للهروب إلى المدينة.
تبدو المدينة محطة الفرار والوصول سؤالا رئيسيا لكل جيل على حدة، أحدهم يمثّله الجيل الأكبر البعيد، والآخر الأصغر 'البِكر' الذي لم يتلوّث بعد. وربما يبدو ذلك تساؤلَ الفيلم الآخر، عن التعارض بين جيلين سعوديين، أحدهما وُلد مع أزمة الخليج.
'هوبال'.. لماذا كل تلك الشهرة؟
على المستوى الخطابي الذي اختاره الفيلم، ربما خلقت تلك المعضلة التي تبدو قريبة الشبه بأفلام الفناء الأمريكية تعاطفا وتشويقا، لكنها كانت في الوقت ذاته أكثر حميمية وقربا من كل عربي، فربما يصلح ذلك تفسيرا أوّليا للضجة التي أثارها العمل من لحظة عرضه.
نحن أمام رحلة أبطال ثنانية؛ من المدينة إلى الصحراء التي تشبههم أكثر من غيرها، ومن الفردية إلى التساؤل مرة أخرى عن المكان الذي عليهم الاهتمام به أكثر، فقصة تحتويها الصحراء ويتصدرها الحيوان، يصبح فيها الإنسان ضيفا عليه أن يعيد تعريف نفسه وفق المعطى الجديد.
يقول المخرج: لا أرى 'هوبال' محاولة لعرض قصة ذات طابع تراثي فقط، بل أراها رحلة إلى جوهر الهوية الأصلية، من خلال البادية بتفاصيلها القاسية والإنسانية، تلك البيئة التي شكلت جزءا أصيلا من روح الإنسان في المكان، وأرى أن الأصالة في السينما ينبغي أن لا تأتي من استنساخ الماضي، بل من إعادة اكتشافها بلغة فريدة، تتسم بالدهشة واحترام الجذور.
ثم يقول: حاولنا في 'هوبال' تقديم الإنسان في بيئته كما هو؛ بسيطا معقدا صامدا حالما، وهذه خصائص تشبه كثيرا من الأفلام الأصيلة، حين تكون في أصدق حالاتها.
كما يوضح أن السينما اليوم تمتلك الطاقات والرؤية وسهولة الوصول، لكن ينقصها الإيمان والثقة؛ الإيمان لدى الصانع في البحث عن مساحات أوسع للتجريب دون خوف من توقعات السوق، وثقة أكبر من الجميع بخصوصيتنا الثقافية، وأظن الأصالة هي مفتاحنا للآخر لا التقليد.
'كانت الصعوبات تصنع طاقة إضافية'
كان الأمثل لاستكمال هذا الحوار هو الانطلاق إلى نقطة أكثر عمقا وخصوصية لصنّاع الفيلم؛ ألا وهي الطريقة التي اختاروها للعمل على القصة.
يقول المخرج: بعد الانتهاء من الكتابة، أبدأ بمرحلة بناء الفريق حول روح النص، لأني أؤمن بأن الفيلم لا يصنعه فرد، بل جماعة لها روح واحدة، وتؤمن بعمل واحد، فمن الطبيعي أن يلاقي كل مشروع سينمائي صعوبات، لا سيما حين تحاول أن تقدم شيئا خارج حدود المألوف إنتاجيا.
وفي 'هوبال'، كانت التحديات كبيرة جدا، لكن أهمها هو التصوير في بيئة لا حدود لها، تحكمها عوامل خارجية لا سبيل للسيطرة عليها مثل الظروف الجوية، وأيضا التعامل مع شخصيات متعددة وممثلين من أجيال متفاوتة، ناهيك عن عقبة التعامل مع حيوانات الفيلم، فقد كنتُ حريصا على تنفيذ المشاهد دون لجوء للحلول التقنية. لكن هذه الصعوبات كانت جزءا من الرحلة، بل أحيانا كانت تصنع طاقة إضافية للفيلم، تجعلنا نتغلب عليها بكل يسر.
عند تلك المرحلة، كانت النقطة الأكثر محورية هنا في حديثنا تخص المسار الرقابي العربي عموما، لا السعودي فقط، فذلك أمر يفكر فيه كل صانع أفلام، وقد حاولنا أن نفهم أكثر كيف يرى ذلك فنان سعودي.
يقول المخرج إن الرقابة هاجس يفكر فيه كثيرا صانعو الأفلام، ومن المهم الوعي لهذه المرحلة، ووضعها بالاعتبار قبل تنفيذ العمل، وليس بالضرورة أن تكون رغبات، بل أحيانا قوانين وتنظيمات وتشريعات يجب احترامها، لكنني أرى أن الذكاء الفني يستطيع تجاوز المحظورات دون خيانة للفكرة.
لكن في سياق صناعة هذا الفيلم تحديدا شيئا أكثر خصوصية، يقول المخرج: أثناء العمل على 'هوبال'، كنت حريصا على أن أكون صادقا في رواية القصة، مع مراعاة السياق الثقافي، من دون أن أفرّط في الرقابة الذاتية، وتوقعت أن أجد تحديات في بعض أماكن العرض، لا سيما مع اختلافات أنظمة الرقابة، لكنني أؤمن أن طريقة التناول الفني وأسلوب الحكاية والموازنة بين ما تقول وما تحمل من أفكار هي أقوى وسيلة لكسب ثقة الجمهور، وما ينبني عليها من عدم ممانعة الرقابة.
وصفة النجاح التي يبحثها عنها السينمائيون
حتى الآن لا يزال 'هوبال' يحمل ثنائية صعبة التحقق، وربما يبحث عنها المنتجون في العالم كله، ألا وهي التوازي بين العنصر الفني المتخصص، وبين العنصر الجماهيري الأوسع على الإطلاق. وربما حقق 'هوبال' ذلك بشكل لم يكن في حسبان صنّاعه.
يقول عبد العزيز الشلاحي للجزيرة الوثائقية: كانت ردود الفعل مليئة بالمفاجآت، فقد شعرت أن الجمهور كان متعطشا لرؤية قصته وبيئته ولغته البصرية، بشكل مختلف عن النماذج المعتادة. أما أنا فأبرز ما أدركته أن الجمهور السعودي والخليجي أكثر استعدادا مما نظن لتلقي سينما حقيقية وجريئة وعميقة، وأنك حين تقدم لهم عملا صادقا، تجد صدى يتجاوز كل التوقعات.
ربما كان 'هوبال' الفيلم الأنضج في هذه الدورة من المهرجان، وهو تجربة سعودية عربية، لكنها تحتاج قليلا من الإضافات، حتى تستطيع المنافسة عالميا. إنه عمل يفهم الوسيط السينمائي جيدا ليجعله يحتوي البشري والحيواني، ويتناص بين الزمان والمكان لعمل قصة عربية أصيلة، برغم بعض الملاحظات اليسيرة، وأما ندرة الموسيقى فهي نتيجة قسوة الصحراء التي لا تحتمل آخر، ومحاولة جيدة لتقديم فكرة عربية عن نوع سينمائي عالمي.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

الشاعر حسين جلعاد يوقّع كتابه الجديد "شرفة آدم" في معرض الدوحة للكتاب
الشاعر حسين جلعاد يوقّع كتابه الجديد "شرفة آدم" في معرض الدوحة للكتاب

الجزيرة

timeمنذ 5 ساعات

  • الجزيرة

الشاعر حسين جلعاد يوقّع كتابه الجديد "شرفة آدم" في معرض الدوحة للكتاب

الدوحة – وقّع الشاعر والصحفي الأردني حسين جلعاد كتابه الجديد "شرفة آدم.. تأملات في الوجود والأدب"، مساء الجمعة، وذلك في جناح المؤسسة العربية للدراسات والنشر. الكتاب، الذي صدر حديثا في بيروت، يشكّل امتدادا لتجربة جلعاد الطويلة في الصحافة الثقافية والكتابة الأدبية، ويجمع بين التأملات الفلسفية والرؤى الأدبية والنقدية، من خلال مقالات وقراءات معمقة، وحوارات مع رموز أدبية عربية وعالمية، جُمعت على امتداد أكثر من عقدين من العمل الصحفي والثقافي. أكد الشاعر والقاص الأردني، في جلسة حوارية ضمن فعاليات معرض الدوحة الدولي للكتاب، أن الأدب هو أوسع فضاء يمكن للإنسان أن يعبّر فيه عن نزقه وإنسانيته بكافة أشكال التعبير الفني من شعر وقصة ورواية. وقال إن شرفة آدم هي دعوة للتأمل من موقع مرتفع، حيث لا يكتفي الإنسان بالتفكير في يومه الراهن، بل يتأمل في أصل أفكاره ومآلاتها. وأضاف "هي شرفة لا تحكمها محددات السياسة أو الأيديولوجيا، بل تتسع لكل ما يود الإنسان قوله بصدق". وأشار إلى أن هذا التأمل يقود إلى التسامي عن الأفكار التي قد لا تخدم الإنسان أو المجتمع، وأن الأدب، في جوهره، هو وسيلة لتحسين شروطنا الإنسانية والتفكير في صورة مثالية عن المجتمع والذات. وعبّر الكاتب عن سعادته الكبيرة بالمشاركة في أمسية ضمن فعاليات معرض الدوحة الدولي للكتاب، ووجّه شكره للحضور ولإدارة المعرض على تنظيم هذا الحدث الثقافي البارز. الأدب وفنون التعبير وحول فلسفة عنوان الكتاب، أوضح الكاتب أن "شرفة آدم" تحمل دلالة فلسفية وثقافية، تنطلق من فكرة التأمل في أفكار الإنسان، مشيرا إلى أن الأدب هو أرحب مجال يمكن للإنسان من خلاله التعبير عن أفكاره، بعيدا عن تعقيدات السياسة أو القيود الأخرى. وأكد أن الأدب هو "صوت الإنسان من الداخل" وتفاعله مع مجتمعه، وهو الوسيلة التي يستطيع من خلالها أن يعبّر عن نفسه بصدق وشفافية، بكل ما فيها من تناقضات ونزق وإنسانية. وتابع قائلا "كل ما يريده الإنسان من قول يمكن أن يجده في الأدب، سواء من خلال الشعر، أو الرواية، أو القصة، أو سائر الفنون الكتابية الأخرى". وفيما يتعلّق بمحتوى الكتاب، أوضح أن العمل يحتوي على حوارات فكرية وأدبية أُنجزت على امتداد سنوات طويلة من العمل في الصحافة الثقافية. وتنقسم هذه الحوارات إلى أقسام، أولها مع أدباء أردنيين بحكم عمله الطويل في الأردن، ثم حوارات أخرى مع كتاب عرب التقاهم خلال عمله في قطر، أو أثناء عمله السابق في عمّان وفي صحف عربية مثل "النهار" و"القدس العربي". كما أشار إلى لقاءات جمعته بأدباء من عواصم غربية، مثل الشاعر الإيطالي الشهير إدواردو سانجونيتي، الذي كان يُعد من أبرز شعراء إيطاليا حين حاوره. وبيّن أن سانجونيتي قدّم في سنواته المتأخرة نمطا جديدا من الكتابة الشعرية، وصفه بأنه "فتح شعري" آنذاك. وأشار إلى أن هذه الحوارات جاءت ضمن مشروع أدبي يهدف إلى استكشاف الذات الإنسانية عبر الأدب، والتفكير في موقع الإنسان من الوجود، عبر "شرفة" تطل على المعرفة والتجربة والحياة. وعن تنوّع إنتاجه الأدبي، قال جلعاد إنه في الأساس شاعر، وله أيضا مجموعة قصصية بعنوان "عيون الغرقى"، كما أن لديه ميولا للكتابة الروائية ويعمل على مخطوطات روائية ستُنشر لاحقا. وبيّن أن "كل الفنون الكتابية تنطلق من أصل واحد، هو التأمل"، مضيفا أن حتى العالِم الفيزيائي آينشتاين كان يؤمن بأن الاكتشافات العظيمة تبدأ بخاطرة متأملة، لا معادلات رياضية. وأكد أنه لا يرى فواصل حقيقية بين أشكال الكتابة الأدبية، لكنه يراها مشروطة بالإتقان. وأضاف "لا يصبح الإنسان شاعرا بين ليلة وضحاها، بل لا بد من الموهبة، والثقافة، والتجربة الطويلة". وحين سُئل عن المرجعية الفكرية والفلسفية التي ترتكز عليها كتاباته، قال جلعاد بثقة "الإنسان هو الفكرة الأساسية. همومه، مشاكله، أفكاره، سواء في الطبيعة أو ما وراء الطبيعة، هي المرجع الذي أنطلق منه. كل شيء بعد ذلك هو تفاصيل". وأضاف أن الكتابة عن الإنسان لا تختلف جوهريا، سواء كانت في شكل قصيدة أو رواية أو مقالة، مشددا على أن النقطة المرجعية الدائمة في مشروعه الأدبي هي تأمل الذات والوجود من شرفة إنسانية. وأعرب حضور للندوة التي عُقدت في منتصف معرض الدوحة للكتاب في يومه قبل الأخير عن تقديرهم لما قدمه الكاتب من إضاءات فكرية عميقة حول كتابه، متمنين له مزيدا من النجاح في مشاريعه الأدبية المقبلة. يُذكر أن المؤلف من مواليد عام 1970، وهو شاعر وقاص وصحفي أردني، ويعمل في موقع الجزيرة نت، وهو عضو رابطة الكُتّاب الأردنيين، وشغل عضوية هيئتها الإدارية (2004-2005) وهو عضو اتحاد الكتاب والأدباء العرب. واختير جلعاد عام 2006 سفيرا للشعر الأردني لدى حركة شعراء العالم، وهي منظمة أدبية مقرها تشيلي وتضم في عضويتها آلاف الشعراء، كما اختارته مؤسسة "هاي فِسْتِيفَل" (Hay Festival) -بالتعاون مع اليونسكو ووزارة الثقافة اللبنانية- ضمن أفضل 39 كاتبا شابا في العالم العربي والمهجر (جائزة بيروت 39) بمناسبة اختيار بيروت عاصمة عالمية للكتاب عام 2009. وصدر له في الأدب "العالي يُصْلَب دائما" (شعر، دار أزمنة، عمّان، 1999)، و"كما يخسر الأنبياء" (شعر، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، 2007)، و"عيون الغرقى" (قصص قصيرة، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، 2023). و"شرفة آدم" (نقد أدبي، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، 2025). كما صدر لجلعاد منشورات فكرية وسياسية هي "الخرافة والبندقية.. أثر العولمة في الفكر السياسي الصهيوني" عام 1999، ومن قبله "المسألة الكردية وحزب العمال الكردستاني" عام 1997.

نيكول كيدمان محبطة من ندرة المخرجات السينمائيات
نيكول كيدمان محبطة من ندرة المخرجات السينمائيات

الجزيرة

timeمنذ 13 ساعات

  • الجزيرة

نيكول كيدمان محبطة من ندرة المخرجات السينمائيات

أعربت النجمة الأسترالية نيكول كيدمان -أمس الأحد- عن أسفها لانخفاض عدد الأفلام الناجحة التي تحمل توقيع مخرجات، مشيرة إلى أنها غالبا ما تستيقظ عند الثالثة فجرا للكتابة. كيدمان قالت خلال تسلّمها جائزة "كيرينغ وومن إن موشن" في مهرجان كان السينمائي، إنّ عدد الأفلام التي أخرجتها نساء من بين الأعمال الأعلى ربحا لا يزال "منخفضا جدا" رغم جهود الممثلة في دعم وتوجيه المشاريع التي تقودها نساء. وتعهدت كيدمان عام 2017 بالعمل مع مخرجة مرة واحدة على الأقل كل 18 شهرا، مشيرة آنذاك إلى وجود "تفاوت كبير في الخيارات". وقالت "قد يتساءل المرء: هل يمكن لامرأة إخراج هذا الفيلم؟ لم يكن هناك سوى عدد قليل من الأسماء التي يمكن التفكير فيها". وأكدت الممثلة الحائزة جوائز أوسكار أنها عملت مع 27 مخرجة منذ أن قطعت هذا العهد قبل 8 سنوات. ومن بين 22 فيلما في المسابقة الرئيسية لمهرجان كان هذا العام، ثمة 7 أفلام فقط من إخراج نساء. وأشادت كيدمان بفيلم "ذي ساوند أوف فولينغ" (Sound of Falling) للمخرجة ماشا شيلينسكي، وهو أحد الأفلام المفضلة لدى النقاد ويشكل دراما باللغة الألمانية تتمحور على صدمات تعرضت لها نساء عبر أجيال في مزرعة. إعلان وقالت "إنّ عرض ذي ساوند أوف فالينغ على المسرح العالمي أمر رائع". ومع أنّها استبعدت كتابة نصّها الخاص، أوضحت أنها تستيقظ كثيرا في الليل للكتابة. وقالت "إنه وقت مثاليّ جدا لأنك تكون في حالة من الانفصال عن الواقع"، مضيفة "أستيقظ وأكتب شيئا ما، سواء كان حلما، أو أمرا يدور في ذهني".

في الذكرى الـ77 للنكبة.. الثقافة الفلسطينية بين البقاء والمقاومة
في الذكرى الـ77 للنكبة.. الثقافة الفلسطينية بين البقاء والمقاومة

الجزيرة

timeمنذ يوم واحد

  • الجزيرة

في الذكرى الـ77 للنكبة.. الثقافة الفلسطينية بين البقاء والمقاومة

بيروت – في الذكرى الـ77 لنكبة فلسطين، تتجدد الأسئلة، وتُفتح الجراح من جديد، في وقت لا يزال فيه الشعب الفلسطيني، في الداخل والشتات، يواصل صموده في وجه احتلال لم يتوقف منذ عام 1948. أكثر من 7 عقود من التشريد والمجازر والعدوان المتواصل لم تُفل من عزيمة مجتمعٍ حمل قضيته بكل مكوناته، وواجه المشروع الاستعماري من مواقع متعددة، من الفلاح المتمسك بأرضه إلى المعلم والمقاتل والفنان والمثقف. وسط محاولات إسرائيل المستمرة لطمس الرواية الفلسطينية وتزييف التاريخ، تبرز الثقافة والفنون كإحدى خطوط الدفاع الأخيرة في معركة الوعي والهوية. فهي لم تكن يوما ترفا فكريا أو نشاطا هامشيا، بل شكلت عنصرا جوهريا في تثبيت الرواية الفلسطينية ونقلها إلى الأجيال. فالفن بات بمثابة شهادة موثقة، والمسرح صار بمثابة محكمة، أما الرواية فهي سجل تاريخي. وقد أثبتت التجربة الفلسطينية الممتدة منذ عام 1948 أن الإبداع لم يكن يوما خارج إطار المواجهة بل في صميمها. فالفن والمثقف المنحاز إلى شعبه لعبا دورا محوريا في تشكيل ذاكرة مقاومة، لا تزال حية رغم محاولات الإبادة والصمت الدولي. النكبة ليست مجرد حدث مضى، بل واقع يتجدد كل يوم، يروى بالحكاية والصورة والنغمة، ويصان في الذاكرة الجمعية كجزء من الفعل النضالي. ومن هنا، لا تبدو الذكرى الـ77 للنكبة مجرد وقفة تأمل في مأساة متواصلة، بل لحظة تأكيد جديدة على أهمية الدور الذي تلعبه الثقافة والفنون في معركة التحرر الوطني، فالثقافة ليست رديفا للنكبة بل نقيضها، وهي في جوهرها فعل بقاء، وإعلان حياة ومقاومة لمحاولات الإلغاء والطمس. ذاكرة اللجوء في هذا السياق، تكتسب جهود التوثيق أهمية متزايدة، لا سيما في ظل استمرار التهجير وتبدل الجغرافيا، ويؤكد الكاتب والصحفي الفلسطيني محمد دهشة أهمية توثيق القضية الفلسطينية، بما في ذلك واقع المخيمات في لبنان وحكايات اللجوء، لما يحمله هذا التوثيق من بعد إنساني وتاريخي وسياسي. وقد كرّس كتابه الأول "عين الحلوة" لرصد حقبة زمنية حديثة تمتد من عام 1991 حتى 2018، تناول فيها التحولات السياسية والأمنية، واعتبرها من أكثر الفترات تأثيرًا في مسيرة اللاجئين الفلسطينيين في لبنان. أما في كتابه الثاني "حكايتي مع اللجوء"، فقد اختار السرد الأدبي لتوثيق حكايات اللاجئين، بأسلوب يمكن وصفه بـ"الأدب الشعبي الفلسطيني المستلهم من الواقع"، حيث تتجلى فيه حقيقة مجردة مفادها أن "حياتنا كلها معلقة بفلسطين، من صرخة الولادة حتى غمض العينين عند الرحيل". ويقول دهشة في حديثه للجزيرة نت: "جاءت فكرة التوثيق من تجربتي الصحفية حيث واكبت عن قرب معاناة اللاجئين في المخيمات، وكنت صوت حلمهم بالعودة. أنا واحد منهم، ولدت بعيدا عن وطني، وعشت لاجئا في مخيم، تحت خيام أو داخل منازل صغيرة مغطاة بألواح الزينكو، وسط الفقر والحرمان، والترحال والمعاناة". ويشدد على أن أهمية التوثيق لا تقتصر على اللحظة الراهنة، بل ترتبط بسياق تاريخي طويل من الحروب من أجل فلسطين، بدءا من النكبة عام 1948، مرورا بالعدوان الثلاثي على مصر عام 1956، وهزيمة حزيران 1967، وصولا إلى اجتياح لبنان عام 1982، وما تبعه من اعتداءات إسرائيلية متكررة على لبنان ومخيماته في أعوام 1993، 1996، و2006، ويقول في هذا السياق: "كل تلك المحطات الفلسطيني تمسكا بحقه في العودة." ويضيف: "التوثيق هو جزء من دعم السردية الفلسطينية التي تبدأ بتفاصيل صغيرة، لكنها تصل إلى العمق والاتساع، إنها رسالة موجهة إلى كل الأجيال القادمة، بألا تفتر عزيمتها، وألا تستسلم لليأس، وأن تواصل الدفاع عن حقها في الحياة الكريمة والحرية واستعادة الأرض." View this post on Instagram A post shared by قناة الجزيرة مباشر (@aljazeeramubasher) من الجذور إلى الأجيال في المسار نفسه، يشكل مشروع "هوية" نموذجا متقدما في حفظ الرواية الفلسطينية، ويقول مدير مؤسسة "هوية" ياسر قدورة للجزيرة نت: "شكل مشروع "هوية" مبادرة وطنية تهدف إلى حفظ الرواية الفلسطينية وتوثيق تفاصيلها، في مواجهة محاولات الطمس والإلغاء التي تفرضها الرواية الصهيونية. ينطلق المشروع من قناعة راسخة بأن لكل عائلة فلسطينية حكاية تستحق أن تُروى، وأن الذاكرة الجماعية للشعب الفلسطيني تشكل سلاحا أساسيا في معركة الوجود والهوية". ويشرح قدورة أن المشروع يستند إلى مجموعة من الركائز الأساسية، بدأت أولها بتوثيق شجرة العائلة الفلسطينية، حيث يقول: "نجحنا حتى اليوم في تسجيل أكثر من 6300 شجرة لعائلات فلسطينية في الداخل والشتات، تعود أصولها إلى مختلف المدن والقرى الفلسطينية، وهي محاولة لإعادة وصل ما انقطع من صلات القربى التي مزقتها الجغرافيا وشتات اللجوء". ويتابع: "أولى المشروع اهتماما خاصا بالذاكرة الشفوية، فتمكنا من توثيق أكثر من 1200 شهادة حية من شهود النكبة، استعرضوا من خلالها تفاصيل الحياة في القرى والمدن الفلسطينية قبل التهجير، وما أعقبه من معاناة، وقد جُمعت هذه الشهادات بالصوت والصورة، لتكون مرجعا حيا للأجيال القادمة". أما الصورة، فيراها قدورة مكونا محوريا في المشروع، ويقول: "ليست الصورة في مشروع "هوية" مجرد ذكرى بصرية، بل وثيقة ناطقة، وقد جمعت المؤسسة حتى الآن أكثر من 38 ألف صورة، من بينها 5 آلاف صورة لشهود النكبة، و6 آلاف توثق معالم القرى والمدن المهجرة، بينما تعود بقية الصور للعائلات وأفرادها". ويشير أيضا إلى إنجاز أحرزه المشروع، موضحا: "أتحنا عبر الموقع الإلكتروني أكثر من 26 ألف وثيقة تاريخية، جرى تصنيفها وفق العائلات والمناطق والموضوعات، لتكون مرجعا مفتوحا أمام الباحثين والمهتمين بتاريخ فلسطين". ويختم قدورة بالقول: "مشروع "هوية" لا يقتصر على توثيق الماضي، بل هو فعل مقاومة ثقافية مستمر، يرسم الطريق نحو مستقبل لا ينسى فيه الوطن، ولا تُمحى جذوره". الفن مقاومة من جهتها، ترى حورية الفار، مؤسسة فرقة "الكوفية"، أن الحفاظ على التراث الفلسطيني هو "وسيلة لحماية الهوية من الغزو الثقافي ومحاولات الطمس". وتقول للجزيرة نت: "أسسنا الفرقة بهدف نقل موروث الأجداد من جيل إلى جيل، عبر الدبكة والأغنية والفلكلور، تعبيراً حياً عن الهوية الوطنية". وتضيف الفار: "نؤمن بأن للفن والثقافة دورا أساسيا في إيصال رسائل بالغة الأهمية، خاصة في هذه المرحلة الدقيقة من تاريخ قضيتنا، لذا نسعى عبر فرقتنا إلى ترسيخ مفاهيم الفن والهوية في نفوس الأجيال الجديدة، بما يخدم القضية الفلسطينية ويدعم حق العودة". وتوضح أن فرقة "الكوفية"، التي أبصرت النور قبل 26 عاما، تعتمد في تكوينها على شباب وشابات من مخيم عين الحلوة، وقد نجحت خلال جولاتها في عدد من الدول في التعريف بفن الدبكة الفلسطينية ونشر الفلكلور الشعبي، رغم التحديات والصعوبات التي تواجهها. وتتابع: "التراث بالنسبة إلينا لا يختزل في كونه موروثا شعبيا بل هو رسالة وطنية وثقافية، ووسيلة لحماية أبنائنا من الغزو الثقافي الذي يستهدف عقول الشباب ويسعى إلى فصلهم عن هويتهم الفلسطينية". وتؤكد الفار: "ننتمي إلى شعب مثقف، وبالفن والتراث نكسر الحواجز ونتحدى الظروف، نشارك في جميع المناسبات الوطنية، سواء الفلسطينية أو اللبنانية، من الجنوب إلى الشمال، بكل فخر واعتزاز". وتختم حديثها بالقول: "نحمل هوية ثقافية عريقة وراسخة، ونولي أهمية خاصة للزيّ الفلسطيني التقليدي، الذي لا يزال حاضرا في أعراسنا ومناسباتنا، كتأكيد على جذورنا وامتدادنا التاريخي، فالثوب الذي كانت الجدات يحتفظن به في خزائنهن، أصبح اليوم رمزًا متداولا، ودليلا حيا على استمرارية التراث وصونه من الاندثار".

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store